کتابخانه روایات شیعه
بحار الأنوار (ط - بيروت) - ج 1تا15
17- 19).
و قال ابن عبّاس في تفسير هذه الآية: إنّ سبيل اللّه عزّ و جلّ في هذا الموضع هو عليّ بن أبي طالب عليه السلام.
و الأئمّة في كتاب اللّه عزّ و جلّ إمامان: إمام هدى و إمام ضلالة، قال اللّه جلّ ثناؤه: وَ جَعَلْنا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا لَمَّا صَبَرُوا (السجدة: 24)، و قال اللّه عزّ و جلّ في أئمّة الضلالة: وَ جَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَ يَوْمَ الْقِيامَةِ لا يُنْصَرُونَ* وَ أَتْبَعْناهُمْ فِي هذِهِ الدُّنْيا لَعْنَةً وَ يَوْمَ الْقِيامَةِ هُمْ مِنَ الْمَقْبُوحِينَ (القصص: 41- 42).
و لمّا نزلت هذه الآية: وَ اتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً (الأنفال: 25) قال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: من ظلم عليّا مقعدي هذا بعد وفاتي فكأنّما جحد نبوّتي و نبوّة الأنبياء من قبلي، و من تولّى ظالما فهو ظالم، قال اللّه عزّ و جلّ: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا آباءَكُمْ وَ إِخْوانَكُمْ أَوْلِياءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمانِ وَ مَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (التوبة: 23). و قال اللّه عزّ و جلّ: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ (الممتحنة: 13). و قال عزّ و جلّ: لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ وَ لَوْ كانُوا آباءَهُمْ أَوْ أَبْناءَهُمْ أَوْ إِخْوانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ (المجادلة: 22). و قال عزّ و جلّ: وَ لا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ (هود: 113) و الظلم هو وضع الشيء في غير موضعه.
فمن ادّعى الإمامة و ليس بإمام فهو الظالم الملعون، و من وضع الإمامة في غير أهلها فهو ظالم ملعون، و قال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: من جحد عليّا إمامته من بعدي فإنّما جحد نبوّتي و من جحد نبوّتي فقد جحد اللّه ربوبيّته.
و قال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لعليّ: يا عليّ! أنت المظلوم بعدي، من ظلمك فقد ظلمني، و من أنصفك فقد أنصفني، و من جحدك فقد جحدني، و من والاك فقد والاني، و من عاداك فقد عاداني، و من أطاعك فقد أطاعني، و من عصاك فقد عصاني.
و اعتقادنا فيمن جحد إمامة أمير المؤمنين و الأئمّة من بعده عليهم السلام بمنزلة من جحد نبوّة الأنبياء عليهم السلام.
و اعتقادنا فيمن أقرّ بأمير المؤمنين و أنكر واحدا من بعده من الأئمّة عليهم السلام أنّه بمنزلة من آمن بجميع الأنبياء ثمّ أنكر بنبوّة محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.
و قال الصادق عليه السلام: المنكر لآخرنا كالمنكر لأوّلنا.
و قال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: الأئمّة من بعدي اثنا عشر، أوّلهم أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام و آخرهم القائم؛ طاعتهم طاعتي و معصيتهم معصيتي، من أنكر واحد منهم فقد أنكرني.
و قال الصادق عليه السلام: من شكّ في كفر أعدائنا و الظالمين لنا فهو كافر.
و قال أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام: ما زلت مظلوما منذ ولدتني أمّي حتّى أنّ عقيلا كان يصيبه رمد فقال: لا تذروني حتّى تذروا عليّا، فيذروني و ما بي رمد.
و اعتقادنا فيمن قاتل عليّا عليه السلام
كقول النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: من قاتل عليّا فقد قاتلني، و قوله: من حارب عليّا فقد حاربني و من حاربني فقد حارب اللّه عزّ و جلّ.
و قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لعليّ و فاطمة و الحسن و الحسين عليهم السلام: أنا حرب لمن حاربهم و سلم لمن سالمهم.
و أمّا فاطمة صلوات اللّه عليها؛ فاعتقادنا أنّها سيّدة نساء العالمين من
الأوّلين و الآخرين، و أنّ اللّه عزّ و جلّ يغضب لغضبها و يرضى لرضاها، و أنّها خرجت من الدنيا ساخطة على ظالمها و غاصبها و مانعي إرثها.
و قال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: فاطمة بضعة منّي، من آذاها فقد آذاني، و من غاظها فقد غاظني، و من سرّها فقد سرّني.
و قال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: فاطمة بضعة منّي، و هي روحي التي بين جنبيّ، يسوؤني ما ساءها و يسرّني ما سرّها.
و اعتقادنا في البراءة أنّها واجبة من الأوثان الأربعة، و الإناث الأربع، و من جميع أشياعهم و أتباعهم، و أنّهم شرّ خلق اللّه عزّ و جلّ، و لا يتمّ الإقرار باللّه و برسوله و بالأئمّة عليهم السلام إلّا بالبراءة من أعدائهم.
و قال شيخنا المفيد قدّس اللّه سرّه في كتاب المسائل [كما أورده العلّامة المجلسي في بحاره: 8/ 366 و 23/ 390]: اتّفقت الإماميّة على أنّ من أنكر إمامة أحد من الأئمّة و جحد ما أوجبه اللّه تعالى له من فرض الطاعة فهو كافر ضالّ مستحقّ للخلود في النار.
و قال في موضع آخر منه: اتّفقت الإماميّة على أنّ أصحاب البدع كلّهم كفّار و أنّ على الإمام أن يستتيبهم عند التمكّن بعد الدعوة لهم و إقامة البيّنة عليهم، فإن تابوا من بدعهم و صاروا الى الصواب و إلّا قتلهم لردّتهم عن الإيمان، و أنّ من مات منهم على ذلك فهو من أهل النار.
و للسيّد المرتضى علم الهدى في كتابه الانتصار: 231- 233 بحث جامع في المقام جاء فيه: .. و الذي يدلّ على صحّة ما ذهبنا إليه إجماع الطائفة، و أيضا فإنّ الإمام عندنا يجب معرفته و تلزم طاعته كوجوب المعرفة بالنبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و لزوم طاعته كالمعرفة باللّه تعالى، و كما أنّ جحد تلك المعارف و التشكيك فيها كفر، و كذلك هذه المعارف ... الى آخر كلامه علا مقامه.
و لعلّ شيخنا المعظّم الشهيد المحقّق الكركي (المتوفّى سنة 940 ه) في
كتابه (نفحات اللاهوت في لعن الجبت و الطاغوت) قد أدّى المطلب حقّه، و أنجز وعده، و قد طبع كرارا.
قال العلّامة المجلسي في رسالته في الاعتقادات و السير و السلوك- المطبوعة سنة 1321 ه ذيل كتاب التوحيد: 493-: و أمّا إنكار ما علم ضرورة من مذهب الإماميّة فهو يلحق فاعله بالمخالفين و يخرجه عن التديّن بدين الأئمّة الطاهرين صلوات اللّه عليهم أجمعين؛ كإمامة الأئمّة الاثني عشر عليهم السلام و فضلهم و علمهم و وجوب طاعتهم و فضل زيارتهم .. الى أن قال: و أمّا مودّتهم و تعظيمهم في الجملة فمن ضروريات دين الإسلام و منكره كافر ..
و قال في بحاره: 72/ 108- 109: اعلم أنّه كما يطلق المؤمن و المسلم على معان- كما عرفت- فكذلك يطلق المنافق على معان؛ منها: أن يظهر الإسلام و يبطن الكفر، و هو المعنى المشهور، و منها: الرياء، و منها: أن يظهر الحبّ و يكون في الباطن عدوّا، أو يظهر الصلاح و يكون في الباطن فاسقا، و قد يطلق على من يدّعي الإيمان و لم يعمل بمقتضاه و لم يتّصف بالصفات التي ينبغي أن يكون المؤمن عليها، فكان باطنه مخالفا لظاهره .. الى آخره.
و قال في بحاره: 23/ 390- كتاب الإمامة تحت عنوان تذنيب-: اعلم أنّ إطلاق لفظ الشرك و الكفر على من لم يعتقد إمامة أمير المؤمنين و الأئمّة من ولده عليهم السلام، و فضّل عليهم غيرهم يدلّ على أنّهم كفّار مخلّدون في النار ..
[الجمع بين الآيات و الأخبار]
أقول: هنا مباحث شريفة و دقيقة أعرضنا عنها و اقتصرنا على ما أورده المصنّف طاب ثراه في بحار الأنوار: 8/ 363- 374 [كتاب العدل و المعاد]، و نقلناه بنصّه لما فيه من أهميّة، قال:
تذييل: اعلم أنّ الذي يقتضيه الجمع بين الآيات و الأخبار أنّ الكافر المنكر لضروريّ من ضروريّات دين الإسلام مخلّد في النار، لا يخفّف عنه
العذاب إلّا المستضعف الناقص في عقله أو الذي لم يتمّ عليه الحجّة و لم يقصّر في الفحص و النظر، فإنّه يحتمل أن يكون من المرجون لأمر اللّه- كما سيأتي تحقيقه في كتاب الإيمان و الكفر-.
و أمّا غير الشيعة الإماميّة من المخالفين و سائر فرق الشيعة ممّن لم ينكر شيئا من ضروريّات دين الإسلام فهم فرقتان: إحداهما المتعصّبون المعاندون منهم ممّن قد تمّت عليهم الحجّة فهم في النار خالدون، و الأخرى المستضعفون منهم و هم الضعفاء العقول مثل النساء العاجزات و البله و أمثالهم و من لم يتمّ عليه الحجّة ممّن يموت في زمان الفترة، أو كان في موضع لم يأت إليه خبر الحجّة فهم المرجون لأمر اللّه، إمّا يعذّبهم و إمّا يتوب عليهم، فيرجى لهم النجاة من النار.
و أمّا أصحاب الكبائر من الإماميّة فلا خلاف بين الإماميّة في أنّهم لا يخلّدون في النار، و أمّا أنّهم هل يدخلون النار أم لا؟ فالأخبار مختلفة فيهم اختلافا كثيرا، و مقتضى الجمع بينها أنّه يحتمل دخولهم النار و أنّهم غير داخلين في الأخبار التي وردت أنّ الشيعة و المؤمن لا يدخل النار، لأنّه قد ورد في أخبار أخر أنّ الشيعة من شايع عليّا في أعماله، و أنّ الإيمان مركّب من القول و العمل، لكنّ الأخبار الكثيرة دلّت على أنّ الشفاعة تلحقهم قبل دخول النار، و في هذا التبهيم حكم لا يخفى بعضها على أولي الأبصار، و سيأتي تمام القول في ذلك، و الأخبار الدالّة على تلك الأقسام و أحكامهم و أحوالهم و صفاتهم في كتاب الإيمان و الكفر.
قال العلّامة رحمه اللّه في شرحه على التجريد: أجمع المسلمون كافّة على أنّ عذاب الكافر مؤبّد لا ينقطع، و اختلفوا في أصحاب الكبائر من المسلمين؛ فالوعيديّة على أنّه كذلك، و ذهبت الإماميّة و طائفة كثيرة من المعتزلة و الأشاعرة الى أنّ عذابه منقطع، و الحقّ أنّ عقابهم منقطع لوجهين:
الأوّل: أنّه يستحقّ الثواب بإيمانه، لقوله تعالى: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ
ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ (الزلزلة: 7) و الإيمان أعظم أفعال الخير، فإذا استحقّ العقاب بالمعصية فإمّا أن يقدّم الثواب على العقاب و هو باطل بالإجماع، لأنّ الثواب المستحقّ بالإيمان دائم على ما تقدّم، أو بالعكس و هو المراد، و الجمع محال.
الثاني: يلزم أن يكون من عبد اللّه تعالى مدّة عمره بأنواع القربات إليه ثمّ عصى في آخر عمره معصية واحدة- مع بقاء إيمانه- مخلّدا في النار، كمن أشرك باللّه مدّة عمره، و ذلك محال لقبحه عند العقلاء.
ثمّ قال: المحارب لعليّ عليه السلام كافر لقول النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «حربك يا عليّ حربي» و لا شكّ في كفر من حارب النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.
و أمّا مخالفوه في الإمامة؛ فقد اختلف قول علمائنا فيهم، فمنهم من حكم بكفرهم لأنّهم دفعوا ما علم ثبوته من ضرورة، و هو النصّ الجليّ الدالّ على إمامته مع تواتره.
و ذهب آخرون الى أنّهم فسقة و هو الأقوى.
ثمّ اختلف هؤلاء على أقوال ثلاثة:
أحدها: أنّهم مخلّدون في النار لعدم استحقاقهم الجنّة.
الثاني: قال بعضهم: إنّهم يخرجون من النار الى الجنّة.
الثالث: ما ارتضاه ابن نوبخت و جماعة من علمائنا أنّهم يخرجون من النار لعدم الكفر الموجب للخلود، و لا يدخلون الجنّة لعدم الإيمان المقتضي لاستحقاق الثواب. انتهى.
و قال رحمه اللّه في شرح الياقوت: أمّا دافعو النصّ فقد ذهب أكثر أصحابنا الى تكفيرهم، و من أصحابنا من يحكم بفسقهم خاصّة، ثمّ اختلف أصحابنا في أحكامهم في الآخرة، فالأكثر قالوا بتخليدهم، و فيهم من قال بعدم الخلود، و ذلك إمّا بأن ينقلوا الى الجنّة- و هو قول شاذّ عنده-، أولا إليهما و استحسنه المصنّف. انتهى.
أقول: القول بعدم خلودهم في النار نشأ من عدم تتبّعهم للأخبار، و الأحاديث الدالّة على خلودهم متواترة أو قريبة منها، نعم الاحتمالان الأخيران آتيان في المستضعفين منهم كما ستعرف.
و القول بخروج غير المستضعفين من النار قول مجهول القائل، نشأ بين المتأخّرين الذين لا معرفة لهم بالأخبار و لا بأقوال القدماء الأخيار.
ثمّ استشهد العلّامة المجلسي بكلام شيخنا الصدوق طاب ثراه في اعتقاداته سالف الذكر، و كلام الشيخ المفيد في كتاب المسائل، ثمّ قال:
و قال المحقّق الطوسيّ- روّح اللّه روحه القدّوسي- في قواعد العقائد: أصول الإيمان عند الشيعة ثلاثة: التصديق بوحدانيّة اللّه تعالى في ذاته، و العدل في أفعاله، و التصديق بنبوّة الأنبياء عليهم السلام، و التصديق بإمامة الأئمّة المعصومين من بعد الأنبياء.
و قال أهل السنّة: الإيمان هو التصديق باللّه تعالى و بكون النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم صادقا، و التصديق بالأحكام التي نعلم يقينا أنّه عليه السلام حكم بها دون ما فيه اختلاف أو اشتباه. و الكفر يقابل الإيمان، و الذنب يقابل العمل الصالح و ينقسم الى كبائر و صغائر، و يستحقّ المؤمن بالإجماع الخلود في الجنّة، و يستحقّ الكافر الخلود في العقاب.
و قال الشهيد الثاني رفع اللّه درجته في رسالة حقائق الإيمان عند تحقيق معنى الإيمان و الإسلام: البحث الثاني في جواب إلزام يرد على القائلين من الإماميّة بعموم الإسلام مع القول بأنّ الكفر عدم الإيمان عمّا من شأنه أن يكون مؤمنا.