کتابخانه روایات شیعه
بحار الأنوار (ط - بيروت) - ج 1تا15
جنة المأوى في ذكر من فاز بلقاء الحجة ع أو معجزته في الغيبة الكبرى لمؤلفه العلامة الحاج ميرزا حسين النوري قدس سره النوري
[خطبة الكتاب و الداعي إلى تأليف الرسالة]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ الحمد لله الذي أنار قلوب أوليائه بضياء معرفة وليه المحجوب عن الأبصار و شرح صدور أحبائه بنور محبة صفيه المستور عن الأغيار علا صنعه المتقن عن أن يتطرق إليه توهم العبث و الجهالة و حاشا قضاؤه المحكم أن يترك العباد في تيه الضلالة و الصلاة على البشير النذير و السراج المنير صاحب المقام المحمود و الحوض المورود و اللواء المعقود أول العدد الحميد المحمود الأحمد أبي القاسم محمد و على آله الطيبين الطاهرين الهادين الأنجبين.
خصوصا على عنقاء قاف القدم القائم فوق مرقاة الهمم الاسم الأعظم الإلهي الحاوي للعلم الغير المتناهي قطب رحى الوجود و مركز دائرة الشهود كمال النشأة و منشأ الكمال جمال الجمع و مجمع الجمال المترشح بالأنوار الإلهية المربى تحت أستار الربوبية مطلع الأنوار المصطفوية و منبع الأسرار المرتضوية ناموس ناموس الله الأكبر و غاية نوع البشر أبي الوقت و مربي الزمان الذي هو للحق أمين و للخلق أمان ناظم المناظم الحجة القائم.
و لعنة الله على أعدائهم و المنكرين لشرف مقامهم إلى يوم يدعى كل أناس بإمامهم.
و بعد فيقول العبد المذنب المسيء حسين بن محمد تقي النوري الطبرسي نور الله بصيرته برؤية إمامه و جعله نصب عينيه في يقظته و منامه إني منذ هاجرت ثانيا من المشهد المقدس الغروي و أسكنت ذريتي بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عند بيت الحجة القائم المهدي عليه آلاف السلام و التحية من الله الملك العلي مشهد
والده و جده ع و مغيبه لما أراد الله إنفاذ أمره و إنجاز وعده أكثر البلاد موطئا للحجج بعد طيبة و أم القرى و أفضلها عندهم لطيب الهواء و قلة الداء و عذوبة الماء الممدوح بلسان الهادي ع و أخرجت إليها كرها و لو أخرجت عنها أخرجت كرها 5884 المدعو تارة بسامراء و أخرى بسرمنرأى طهرها الله تعالى من الأرجاس و جعلها شاغرة عن أشباه الناس كان يختلج في خاطري و يتردد في خلدي أن أبتغي وسيلة بقدر الوسع و الميسور إلى صاحب هذا القصر المشيد و البيت المعمور فلم أهتد إلى ذلك المرام سبيلا و لم أجد لما أتمناه هاديا و لا دليلا.
فمضى على ذلك عشر سنين فقلت يا نفس هذا و الله هو الخسران المبين إن كنت لا تجدين ما يليق عرضه على هذا السلطان العظيم القدر و الشأن فلا تقصرين عن قبرة أهدى جرادة إلى سليمان و هو بمقام من الرأفة و الكرم لا يحوم حوله نبي و لا رسول من الروح إلى آدم فكيف بغيره من طبقات الأمم يقبل البضاعة و لو كانت مزجاة و يتأسى بجده الأطهر في إجابة الدعوات و لو إلى كراع شاة.
فبينما أنا بين اليأس و الطمع و الصبر و الجزع إذ وقع في خاطري أنه قد سقط عن قلم العلامة المجلسي رضوان الله عليه في باب من رآه ع في الغيبة من المجلد الثالث عشر من البحار جماعة فازوا بشرف اللقاء و حازوا السبق الأعلى و القدح المعلى فلو ضبط أساميهم الشريفة و نقل قصصهم الطريفة و غيرهم من الأبرار الذين نالوا المنى بعد صاحب البحار فيكون كالمستدرك للباب المذكور و المتمم
لإثبات هذا المهم المسطور لما قصر شأنه من الجرادة و الكراع فعسى أن يكون سببا للقرب إلى حضرته و لو بشبر فيقرب إلى المتقرب إليه بباع أو ألف ذراع.
فاستخرت الله تعالى و شرعت في المقصود مع قلة الأسباب و ألحقت بمن أدرك فيض حضوره الشريف من وقف على معجزة منه ع أو أثر يدل على وجوده المقدس الذي هو من أكبر الآيات و أعظم المعاجز لاتحاد الغرض و وحدة المقصود ثم ما رأيته في كتب أصحابنا فنشير إلى مأخذه و مؤلفه و ما سمعته فلا أنقل منه إلا ما تلقيته من العلماء الراسخين و نواميس الشرع المبين أو من الصلحاء الثقات الذين بلغوا من الزهد و التقوى و السداد محلا لا يحتمل فيهم عادة تعمد الكذب و الخطأ بل سمعنا أو رأينا من بعضهم من الكرامات ما تنبئ عن علو مقامهم عند السادات و قد كنا ذكرنا جملة من ذلك متفرقا في كتابنا دار السلام و نذكر هنا ما فيه و ما عثرنا عليه بعد تأليفه و سميته جنة المأوى في ذكر من فاز بلقاء الحجة ع أو معجزته في الغيبة الكبرى و لم نذكر ما هو موجود في البحار حذرا من التطويل و التكرار و ها نحن نشرع في المرام بعون الله الملك العلام و إعانة السادات الكرام عليهم آلاف التحية و السلام.
الحكاية الأولى [تشرّف محمود الفارسيّ المعروف بأخي بكر بخدمة الامام عليه السّلام حين أشرف على الهلاك و نجاته من الهلكة، و الدخول في مذهب التشيّع]
حدث السيد المعظم المبجل بهاء الدين علي بن عبد الحميد الحسيني النجفي النيلي المعاصر للشهيد الأول في كتاب الغيبة عن الشيخ العالم الكامل القدوة المقرئ الحافظ المحمود الحاج المعتمر شمس الحق و الدين محمد بن قارون قال دعيت إلى امرأة فأتيتها و أنا أعلم أنها مؤمنة من أهل الخير و الصلاح فزوجها أهلها من محمود الفارسي المعروف بأخي بكر و يقال له و لأقاربه
بنو بكر و أهل فارس مشهورون بشدة التسنن و النصب و العداوة لأهل الإيمان و كان محمود هذا أشدهم في الباب و قد وفقه الله تعالى للتشيع دون أصحابه.
فقلت لها وا عجباه كيف سمح أبوك بك و جعلك مع هؤلاء النواصب و كيف اتفق لزوجك مخالفة أهله حتى ترفضهم فقالت يا أيها المقرئ إن له حكاية عجيبة إذا سمعها أهل الأدب حكموا أنها من العجب قلت و ما هي قالت سله عنها سيخبرك.
قال الشيخ فلما حضرنا عنده قلت له يا محمود ما الذي أخرجك عن ملة أهلك و أدخلك مع الشيعة فقال يا شيخ لما اتضح لي الحق تبعته اعلم أنه قد جرت عادة أهل الفرس 5885 أنهم إذا سمعوا بورود القوافل عليهم خرجوا يتلقونهم فاتفق أنا سمعنا بورود قافلة كبيرة فخرجت و معي صبيان كثيرون و أنا إذ ذاك صبي مراهق فاجتهدنا في طلب القافلة بجهلنا و لم نفكر في عاقبة الأمر و صرنا كلما انقطع منا صبي من التعب خلوه إلى الضعف فضللنا عن الطريق و وقعنا في واد لم نكن نعرفه و فيه شوك و شجر و دغل لم نر مثله قط فأخذنا في السير حتى عجزنا و تدلت ألسنتنا على صدورنا من العطش فأيقنا بالموت و سقطنا لوجوهنا.
فبينما نحن كذلك إذا بفارس على فرس أبيض قد نزل قريبا منا و طرح مفرشا لطيفا لم نر مثله تفوح منه رائحة طيبة فالتفتنا إليه و إذا بفارس آخر على فرس أحمر عليه ثياب بيض و على رأسه عمامة لها ذؤابتان فنزل على ذلك المفرش ثم قام فصلى بصاحبه ثم جلس للتعقيب.
فالتفت إلي و قال يا محمود فقلت بصوت ضعيف لبيك يا سيدي قال
ادن مني فقلت لا أستطيع 5886 لما بي من العطش و التعب قال لا بأس عليك.
فلما قالها حسبت كأن قد حدث في نفسي روح متجددة فسعيت إليه حبوا فمر 5887 يده على وجهي و صدري و رفعها إلى حنكي فرده حتى لصق بالحنك الأعلى و دخل لساني في فمي و ذهب ما بي و عدت كما كنت أولا.
فقال قم و ائتني بحنظلة من هذا الحنظل و كان في الوادي حنظل كثير فأتيته بحنظلة كبيرة فقسمها نصفين و ناولنيها و قال كل منها فأخذتها منه و لم أقدم على مخالفته و عندي 5888 أمرني أن آكل الصبر لما أعهد من مرارة الحنظل فلما ذقتها فإذا هي أحلى من العسل و أبرد من الثلج و أطيب ريحا من المسك شبعت و رويت.
ثم قال لي ادع صاحبك فدعوته فقال بلسان مكسور ضعيف لا أقدر على الحركة فقال له قم لا بأس عليك فأقبل إليه حبوا و فعل معه كما فعل معي ثم نهض ليركب فقلنا بالله عليك يا سيدنا إلا ما أتممت علينا نعمتك و أوصلتنا إلى أهلنا فقال لا تعجلوا و خط حولنا برمحه خطة و ذهب هو و صاحبه فقلت لصاحبي قم بنا حتى نقف بإزاء الجبل و نقع على الطريق فقمنا و سرنا و إذا بحائط في وجوهنا فأخذنا في غير تلك الجهة فإذا بحائط آخر و هكذا من أربع جوانبنا.
فجلسنا و جعلنا نبكي على أنفسنا ثم قلت لصاحبي ائتنا من هذا الحنظل لنأكله فأتى به فإذا هو أمر من كل شيء و أقبح فرمينا به ثم لبثنا هنيئة و إذا قد استدار من الوحش ما لا يعلم إلا الله عدده و كلما أرادوا القرب منا منعهم ذلك الحائط فإذا ذهبوا زال الحائط و إذا عادوا عاد.
قال فبتنا تلك الليلة آمنين حتى أصبحنا و طلعت الشمس و اشتد الحر
و أخذنا العطش فجزعنا أشد الجزع و إذا بالفارسين قد أقبلا و فعلا كما فعلا بالأمس فلما أرادا مفارقتنا قلنا له بالله عليك إلا أوصلتنا إلى أهلنا فقال أبشرا فسيأتيكما من يوصلكما إلى أهليكما ثم غابا.
فلما كان آخر النهار إذا برجل من فراسنا و معه ثلاث أحمرة قد أقبل ليحتطب فلما رآنا ارتاع منا و انهزم و ترك حميره فصحنا إليه باسمه و تسمينا له فرجع و قال يا ويلكما إن أهاليكما قد أقاموا عزاءكما قوما لا حاجة لي في الحطب فقمنا و ركبنا تلك الأحمرة فلما قربنا من البلد دخل أمامنا و أخبر أهلنا ففرحوا فرحا شديدا و أكرموه و اخلعوا عليه.
فلما دخلنا إلى أهلنا سألونا عن حالنا فحكينا لهم بما شاهدناه فكذبونا و قالوا هو تخييل لكم من العطش.
قال محمود ثم أنساني الدهر حتى كان لم يكن و لم يبق على خاطري شيء منه حتى بلغت عشرين سنة و تزوجت و صرت أخرج في المكاراة و لم يكن في أهلي أشد مني نصبا لأهل الإيمان سيما زوار الأئمة ع بسرمنرأى فكنت أكريهم الدواب بالقصد لأذيتهم بكل ما أقدر عليه من السرقة و غيرها و أعتقد أن ذلك مما يقربني إلى الله تعالى.
فاتفق أني كريت دوابي مرة لقوم من أهل الحلة و كانوا قادمين إلى الزيارة منهم ابن السهيلي و ابن عرفة و ابن حارب و ابن الزهدري و غيرهم من أهل الصلاح و مضيت إلى بغداد و هم يعرفون ما أنا عليه من العناد فلما خلوا بي من الطريق و قد امتلئوا علي غيظا و حنقا لم يتركوا شيئا من القبيح إلا فعلوه بي و أنا ساكت لا أقدر عليهم لكثرتهم فلما دخلنا بغداد ذهبوا إلى الجانب الغربي فنزلوا هناك و قد امتلأ فؤادي حنقا.