کتابخانه روایات شیعه
بحار الأنوار (ط - بيروت) - ج 1تا15
الثالث تأكيد هذه العلوم بتتابع الوحي أو الإلهام من الله تعالى.
الرابع مؤاخذته على ترك الأولى بحيث يعلم أنه لا يترك مهملا بل يضيق عليه الأمر في غير الواجب من الأمور الحسنة فإذا اجتمعت هذه الأمور كان الإنسان معصوما و المصنف رحمه الله اختار المذهب الثاني و هو أن العصمة لا تنافي القدرة بل المعصوم قادر على فعل المعصية و إلا لما استحق المدح على ترك المعصية و لا الثواب و لبطل الثواب و العقاب في حقه فكان خارجا عن التكليف و ذلك باطل بالإجماع و بالنقل في قوله تعالى قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَ انتهى 2899 .
و قال السيد المرتضى رحمه الله في كتاب الغرر و الدرر ما حقيقة العصمة التي يعتقد وجوبها للأنبياء و الأئمة ع و هل هي معنى يضطر إلى الطاعة و يمتنع من المعصية 2900 أو معنى يضامّ الاختيار فإن كان معنى يضطر إلى الطاعة و يمتنع من المعصية فكيف يجوز الحمد و الذم لفاعلهما و إن كان معنى يضامّ الاختيار فاذكروه و دلوا على صحة مطابقته له و وجوب اختصاص المذكورين به دون من سواهم فقد قال بعض المعتزلة إن الله تعالى عصم أنبياءه بالشهادة لهم بالاستعصام كما ضلل قوما بنفس الشهادة 2901 فإن يكن ذلك هو المعتمد أنعم بذكره و دل على صحته و بطلان ما عساه فعله من الطعن عليه و إن يكن باطلا دل على بطلانه و صحة الوجه المعتمد فيه دون ما سواه.
الجواب اعلم أن العصمة هي اللطف الذي يفعله الله تعالى فيختار العبد عنده الامتناع من فعل القبيح فيقال على هذا إن الله عصمه بأن فعل له ما اختار عنده العدول عن القبيح و يقال إن العبد معصوم لأنه اختار عند هذا الداعي الذي فعل له الامتناع من القبيح و أصل العصمة في موضوع اللغة المنع يقال عصمت فلانا من السوء إذا منعت من حلوله به غير أن المتكلمين أجروا هذه اللفظة على من امتنع باختياره عند اللطف الذي يفعله الله تعالى به لأنه إذا فعل به ما يعلم أنه يمتنع عنده من فعل القبيح
فقد منعه من القبيح فأجروا عليه لفظة المانع قهرا و قسرا و أهل اللغة يتعارفون ذلك أيضا و يستعملونه لأنهم يقولون فيمن أشار على غيره برأي فقبله منه مختارا و احتمى بذلك من ضرر يلحقه و سوء يناله أنه حماه من ذلك الضرر و منعه و عصمه منه و إن كان ذلك على سبيل الاختيار.
فإن قيل أ فتقولون فيمن لطف له بما اختار عنده الامتناع من فعل واحد قبيح أنه معصوم قلنا نقول ذلك مضافا و لا نطلقه فنقول إنه معصوم من كذا و لا نطلق فيوهم أنه معصوم من جميع القبائح و نطلق في الأنبياء و الأئمة ع العصمة بلا تقييد لأنهم 2902 لا يفعلون شيئا من القبائح بخلاف ما تقوله المعتزلة من نفي الكبائر عنهم دون الصغائر.
فإن قيل فإذا كان تفسير العصمة ما ذكرتم فألا عصم الله جميع المكلفين و فعل بهم ما يختارون عنده الامتناع من القبائح قلنا كل من علم الله أن له لطفا يختار عنده الامتناع من القبائح فإنه لا بد أن يفعل به و إن لم يكن نبيا و لا إماما لأن التكليف يقتضي فعل اللطف على ما دل عليه في مواضع كثيرة غير أنه يكون في المكلفين 2903 من ليس في المعلوم أن شيئا متى فعل اختار عنده الامتناع من القبيح فيكون هذا المكلف لا عصمة له في المعلوم و لا لطف و تكليف من لا لطف له يحسن و لا يقبح و إنما القبيح منع اللطف فيمن له لطف مع ثبوت التكليف فأما قول بعضهم إن العصمة هي الشهادة من الله تعالى بالاستعصام فباطل لأن الشهادة لا تجعل الشيء على ما هو به و إنما تتعلق به على ما هو عليه لأن الشهادة هي الخبر و الخبر عن كون الشيء على صفة لا يؤثر في كونه عليها فتحتاج أولا إلى أن يتقدم لنا العلم بأن زيدا معصوم أو معتصم و نوضح عن معنى ذلك ثم تكون الشهادة من بعد مطابقة لهذا العلم و هذا بمنزلة من سأل عن حد المتحرك فقال هو الشهادة بأنه متحرك أو المعلوم أنه على هذه الصفة و في هذا البيان كفاية لمن تأمله انتهى 2904 .
و قال الصدوق رحمه الله في رسالة العقائد اعتقادنا في الأنبياء و الرسل و الملائكة و الأئمة صلوات الله عليهم أجمعين أنهم معصومون مطهرون من كل دنس و أنهم لا يذنبون ذنبا صغيرا و لا كبيرا و لا يَعْصُونَ اللَّهَ ما أَمَرَهُمْ وَ يَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ و من نفى العصمة عنهم في شيء من أحوالهم فقد جهلهم و اعتقادنا فيهم أنهم موصوفون بالكمال و العلم من أوائل أمورهم إلى أواخرها لا يوصفون في شيء من أحوالهم بنقص و لا جهل 2905 .
و قال الشيخ المفيد رفع الله درجته في شرح هذا الكلام العصمة من الله لحججه هي التوفيق و اللطف و الاعتصام من الحجج بهما عن الذنوب و الغلط في دين الله و العصمة تفضل من الله تعالى على من علم أنه يتمسك بعصمته و الاعتصام فعل المعتصم و ليست العصمة مانعة من القدرة على القبيح و لا مضطرة للمعصوم إلى الحسن و لا ملجئة له إليه بل هي الشيء الذي يعلم الله تعالى أنه إذا فعله بعبد من عبيده لم يؤثر معه معصية له و ليس كل الخلق يعلم هذا من حاله بل المعلوم منهم ذلك هم الصفوة و الأخيار قال الله تعالى إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى 2906 الآية و قال وَ لَقَدِ اخْتَرْناهُمْ عَلى عِلْمٍ عَلَى الْعالَمِينَ 2907 و قال وَ إِنَّهُمْ عِنْدَنا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيارِ 2908 و الأنبياء و الأئمة صلوات الله عليهم من بعدهم معصومون في حال نبوتهم و إمامتهم من الكبائر و الصغائر كلها و العقل يجوز عليهم ترك مندوب إليه على غير التعمد للتقصير و العصيان و لا يجوز عليهم ترك مفترض إلا أن نبينا ص و الأئمة صلوات الله عليهم من بعده كانوا سالمين من ترك المندوب و المفترض قبل حال إمامتهم ع و بعدها و أما الوصف لهم بالكمال في كل أحوالهم فإن المقطوع به كمالهم في جميع أحوالهم التي كانوا فيها حججا لله تعالى على خلقه و قد جاء الخبر بأن رسول الله ص و الأئمة من ذريته ع كانوا حججا لله تعالى منذ أكمل عقولهم إلى أن قبضهم و لم يكن لهم قبل أحوال التكليف أحوال نقص و جهل
و أنهم يجرون مجرى عيسى و يحيى ع في حصول الكمال لهم مع صغر السن و قبل بلوغ الحلم و هذا أمر تجوزه العقول و لا تنكره و ليس إلى تكذيب الأخبار سبيل و الوجه أن نقطع على كمالهم ع في العلم و العصمة في أحوال النبوة و الإمامة و نتوقف في ما قبل ذلك و هل كانت أحوال نبوة و إمامة أم لا و نقطع على أن العصمة لازمة لهم منذ أكمل الله عقولهم إلى أن قبضهم ع انتهى 2909 .
و سيأتي مزيد توضيح لتلك المقاصد في كتاب الإمامة إن شاء الله تعالى.
باب 16 سهوه و نومه ص عن الصلاة
الآيات الأنعام وَ إِذا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آياتِنا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَ إِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ الكهف وَ اذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ وَ قُلْ عَسى أَنْ يَهْدِيَنِ 2910 رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هذا رَشَداً الأعلى 6 سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى إِلَّا ما شاءَ اللَّهُ تفسير قال الطبرسي رحمه الله وَ إِذا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آياتِنا قيل الخطاب له و المراد غيره و معنى يَخُوضُونَ يكذبون بآياتنا و ديننا و الخوض التخليط في المفاوضة على سبيل العبث و اللعب و ترك التفهم و التبين فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ أي فاتركهم و لا تجالسهم حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ أي يدخلوا في حديث غير الاستهزاء بالقرآن وَ إِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطانُ أي و إن أنساك الشيطان نهينا إياك عن الجلوس معهم فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرى أي بعد ذكرك نهينا و ما يجب عليك من الإعراض مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ
يعني في مجالس الكفار و الفساق الذين يظهرون التكذيب بالقرآن و الآيات و الاستهزاء بذلك قال الجبائي و في هذه الآية دلالة على بطلان قول الإمامية في جواز التقية على الأنبياء و الأئمة و أن النسيان لا يجوز على الأنبياء و هذا القول غير صحيح و لا مستقيم لأن الإمامية إنما تجوز التقية على الإمام فيما يكون عليه دلالة قاطعة توصل إلى العلم و يكون المكلف مزاح العلة في تكليفه ذلك فأما ما لا يعرف إلا بقول الإمام من الأحكام و لا يكون على ذلك دليل إلا من جهته فلا يجوز عليه التقية فيه و هذا كما إذا تقدم من النبي ص بيان في شيء من أحكام الشريعة فإنه يجوز منه أن لا يبين في حال أخرى لأمته ذلك الشيء إذا اقتضته المصلحة و أما النسيان و السهو فلم يجوزوهما عليهم فيما يؤدونه عن الله تعالى فأما ما سواه فقد جوزوا عليهم أن ينسوه أو يسهو عنه ما لم يؤد ذلك إلى إخلال بالعقل و كيف لا يكون كذلك و قد جوزوا عليهم النوم و الإغماء و هما من قبيل السهو فهذا ظن منه فاسد و بعض الظن إثم انتهى كلامه رحمه الله 2911 .
و فيه من الغرابة ما لا يخفى فإنا لم نر من أصحابنا من جوز عليهم السهو مطلقا في غير التبليغ و إنما جوز الصدوق و شيخه الإسهاء من الله لنوع من المصلحة و لم أر من صرح بتجويز السهو الناشي من الشيطان عليهم مع أن ظاهر كلامه يوهم عدم القول بنفي السهو مطلقا بين الإمامية إلا أن يقال مراده عدم اتفاقهم على ذلك و أما النوم فستعرف ما فيه فالأصوب حمل الآية على أن الخطاب للنبي ص ظاهرا و المراد غيره أو هو من قبيل الخطاب العام 2912 كما عرفت في الآيات السابقة في الباب المقدم و العجب أن الرازي تعرض لتأويل الآية مع أنه لا يأبى عن ظاهره مذهبه و هو رحمه الله أعرض عنه.
قال الرازي في تفسيره إنه خطاب للنبي ص و المراد غيره و قيل الخطاب لغيره أي إِذا رَأَيْتَ أيها السامع الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آياتِنا و نقل الواحدي أن
المشركين كانوا إذا جالسوا المؤمنين وقعوا في رسول الله ص و القرآن فشتموا و استهزءوا فأمرهم أن لا يقعدوا معهم حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ انتهى 2913 .
و أما النسيان في الآية الثانية فيحتمل 2914 أن يكون المراد به الترك كما ورد كثيرا في الآيات و هو مصرح به في كتب اللغة و الآية الثالثة إخبار بعدم النسيان و أما الاستثناء بالمشية فقال البيضاوي إِلَّا ما شاءَ اللَّهُ نسيانه بأن ينسخ تلاوته و قيل المراد به القلة و الندرة لما روي أنه ص أسقط آية في قراءته في الصلاة فحسب أبي أنها نسخت فسأله فقال نسيتها أو نفي النسيان رأسا فإن القلة تستعمل للنفي انتهى 2915 .
و قال الرازي في تفسيره قال الواحدي سَنُقْرِئُكَ أي سنجعلك قارئا بأن نلهمك القراءة فَلا تَنْسى ما تقرؤه و كان جبرئيل لا يفرغ من آخر الوحي حتى يتكلم هو بأوله مخافة النسيان فقال الله سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى أي سنعلمك هذا القرآن حتى تحفظه ثم ذكروا في كيفية ذلك وجوها.
أحدها أن جبرئيل سيقرأ عليك القرآن مرات حتى تحفظه حفظا لا تنساه.
و ثانيها أنا نشرح صدرك و نقوي خاطرك حتى تحفظه بالمرة الواحدة حفظا لا تنساه 2916 و قيل قوله فَلا تَنْسى معناه النهي و الألف مزيدة للفاصلة يعني فلا تغفل عن قراءته و تكريره 2917 أما قوله إِلَّا ما شاءَ اللَّهُ ففيه احتمالان.
أحدهما أن يقال هذه الاستثناء غير حاصل في الحقيقة و أنه لم ينس بعد نزول
هذه الآية شيئا فذكره إما للتبرك أو لبيان أنه لو أراد أن يصيره ناسيا لذلك لقدر عليه حتى يعلم أن عدم النسيان من فضل الله تعالى أو لأن يبالغ في التثبت و التيقظ و التحفظ في جميع المواضع أو يكون الغرض منع النسيان كما يقول الرجل لصاحبه أنت سهيمي فيما أملك إلا فيما شاء الله و لا يقصد استثناء.
و ثانيهما أن يكون استثناء في الحقيقة بأن يكون المراد إلا ما شاء الله أن تنسى ثم تذكر بعد ذلك كما روي أنه ص نسي في الصلاة آية أو يكون المراد بالإنساء النسخ أو يكون المراد القلة و الندرة و يشترط أن لا يكون ذلك القليل من واجبات الشرع بل من الآداب و السنن انتهى 2918 .
1- يب، تهذيب الأحكام الْحُسَيْنُ بْنُ سَعِيدٍ عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ جَمِيلٍ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ع عَنْ رَجُلٍ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ قَامَ فَذَهَبَ فِي حَاجَتِهِ قَالَ يَسْتَقْبِلُ الصَّلَاةَ 2919 قُلْتُ فِيمَا يَرْوِي النَّاسُ فَذَكَرَ لَهُ حَدِيثَ ذِي الشِّمَالَيْنِ فَقَالَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ص لَمْ يَبْرَحْ مِنْ مَكَانِهِ وَ لَوْ بَرِحَ اسْتَقْبَلَ 2920 .
2- يب، تهذيب الأحكام الْحُسَيْنُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ فَضَالَةَ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ سَمَاعَةَ عَنْ أَبِي بَصِيرٍ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ع عَنْ رَجُلٍ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ قَامَ فَذَهَبَ فِي حَاجَتِهِ قَالَ يَسْتَقْبِلُ الصَّلَاةَ قُلْتُ فَمَا بَالُ رَسُولِ اللَّهِ ص لَمْ يَسْتَقْبِلْ حِينَ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ فَقَالَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ص لَمْ يَنْفَتِلْ مِنْ مَوْضِعِهِ 2921 .