کتابخانه روایات شیعه
بحار الأنوار (ط - بيروت) - ج 1تا15
بها يقتضي كون الحكم أخصّ و أقرب إلى من كان أقرب إليها و أخصّ بها، لكونه متّبعا في القوم أو أشدّ عصبيّة منهم .. أو نحو ذلك، و ليس في القوم أقرب إلى عائشة من أبيها.
فإن قيل: تركه صلّى اللّه عليه و آله لهدم ما أسّسه القوم لم يكن لخوفه على نفسه أو غيره حتى يدخل في التقيّة، بل هو من قبيل رعاية المصالح في تأليف قلوب القوم و ميلهم إلى الإسلام، و ذلك من قبيل أمره سبحانه بمشاورة القوم و الرفق بهم في قوله: فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَ لَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَ اسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَ شاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ 28147 .
قلنا: أوّلا: هذا بعيد من الظاهر، إذ الخوف من إنكار قلوب عامّة القوم- كما يظهر من إضافة ما يفيد مفاد الجمع لحدثان عهدهم بالجاهليّة و الكفر مع الأمن من لحوق الضرر و لو إلى أحد من المسلمين- ممّا لا معنى له عند الرجوع إلى فطرة سليمة.
و ثانيا: أنّه يجوز أن يكون المانع لأمير المؤمنين عليه السلام من نقض أحكامهم مثل ذلك، و لم يكن أئمّة الكفر و الجاهليّة في صدور قوم عائشة أمكن من أبي بكر و عمر في قلوب القوم الذين كانوا يبايعون أمير المؤمنين (ع) على سيرتهما و اقتفاء أثرهما، و إذا لم يكن ذلك من التقيّة بطل قول قاضي القضاة، و ليس لهم بعد ذلك إلّا التعلّق بالتقيّة التي هي مفزعهم عند لزوم الكلام.
و ثالثا: إذا جاز على الرسول صلّى اللّه عليه و آله ترك الإنكار على تغيير ما حرّم اللّه خوفا من هذا النوع من الضعف في الإسلام الذي يئول إلى خروج قوم منافقين أو متزلزلين في الإسلام عن الإسلام من غير أن يعود به ضرر إلى المسلمين و لا إلى نفسه صلّى اللّه عليه و آله، فبالأولى أن يجوز لأمير المؤمنين إمضاء الباطل من أحكام القوم للخوف على نفسه أو غيره من المسلمين، لكون ذلك أضرّ في
الإسلام، و كما لم تمنع 28148 العصمة في النبيّ صلّى اللّه عليه و آله عن تركه إنكار المنكر لم تمنع في أمير المؤمنين عليه السلام، و يتوجه على قول قاضي القضاة: جوّزوا مع ظهور المعجز أن يدّعي الإمامة تقيّة .. أنّه إن كان المراد تجويز ظهور المعجز بعد ادّعاء الإمامة مع كونه غير نبيّ و لا إمام فبطلانه واضح.
و إن كان المراد تجويز ادّعاء الإمامة مع كونه نبيّا حتى يكون ما بعده كالإعادة لهذا الكلام فيرد عليه: أنّه إن كان ذلك الادّعاء على وجه الكذب فامتناع ظهور المعجز على طبقه واضح.
و إن كان على وجه التورية حتى يكون المراد من الإمامة النبوّة لكن لم يعرف ذلك أحد من الناس، و كانوا معتقدين لإمامته متديّنين بها لا بنبوّته فهو أيضا باطل، إذ في ظهور المعجز- مع تلك الدعوى- إغراء للمكلّفين بالباطل، و هو قبيح ..
13- باب 28149 علّة قعوده عليه السلام عن قتال من تأمّر عليه من الأوّلين، و قيامه إلى قتال من بغى عليه من الناكثين و القاسطين و المارقين، و علّة إمهال اللّه من تقدّم عليه، و فيه علّة قيام من قام من سائر الأئمّة و قعود من قعد منهم عليهم السلام.
1- ج 28150 : رُوِيَ أَنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ جَالِساً فِي بَعْضِ مَجَالِسِهِ بَعْدَ رُجُوعِهِ عَنِ النَّهْرَوَانِ 28151 فَجَرَى الْكَلَامُ حَتَّى قِيلَ: لِمَ 28152 لَا حَارَبْتَ أَبَا بَكْرٍ وَ عُمَرَ كَمَا حَارَبْتَ طَلْحَةَ وَ الزُّبَيْرَ وَ مُعَاوِيَةَ؟. فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: إِنِّي كُنْتُ لَمْ أَزَلْ مَظْلُوماً مُسْتَأْثَراً عَلَى حَقِّي، فَقَامَ إِلَيْهِ أَشْعَثُ بْنُ قَيْسٍ فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ! لِمَ لَمْ تَضْرِبْ بِسَيْفِكَ وَ تَطْلُبْ بِحَقِّكَ؟! فَقَالَ: يَا أَشْعَثُ! قَدْ قُلْتَ قَوْلًا فَاسْمَعِ الْجَوَابَ وَ عِهْ وَ اسْتَشْعِرِ الْحُجَّةَ، إِنَّ لِي أُسْوَةً بِسِتَّةٍ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ:
أَوَّلُهُمْ: نُوحٌ عَلَيْهِ السَّلَامُ حَيْثُ قَالَ: أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ 28153 ، فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: إِنَّهُ قَالَ لِغَيْرِ 28154 خَوْفٍ فَقَدْ كَفَرَ، وَ إِلَّا فَالْوَصِيُّ أَعْذَرُ.
وَ ثَانِيهِمْ: لُوطٌ عَلَيْهِ السَّلَامُ حَيْثُ قَالَ: لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍ 28155 . فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: إِنَّهُ قَالَ هَذَا لِغَيْرِ خَوْفٍ فَقَدْ كَفَرَ، وَ إِلَّا فَالْوَصِيُّ أَعْذَرُ.
وَ ثَالِثُهُمْ: إِبْرَاهِيمُ خَلِيلُ اللَّهِ حَيْثُ قَالَ: وَ أَعْتَزِلُكُمْ وَ ما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ 28156 . فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: إِنَّهُ قَالَ هَذَا لِغَيْرِ خَوْفٍ فَقَدْ كَفَرَ، وَ إِلَّا فَالْوَصِيُّ أَعْذَرُ.
وَ رَابِعُهُمْ: مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ حَيْثُ قَالَ: فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ 28157 . فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: إِنَّهُ قَالَ هَذَا لِغَيْرِ خَوْفٍ فَقَدْ كَفَرَ، وَ إِلَّا فَالْوَصِيُّ أَعْذَرُ.
وَ خَامِسُهُمْ: أَخُوهُ هَارُونُ عَلَيْهِ السَّلَامُ حَيْثُ قَالَ: ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَ كادُوا يَقْتُلُونَنِي 28158 . فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: إِنَّهُ قَالَ هَذَا 28159 لِغَيْرِ خَوْفٍ فَقَدْ كَفَرَ، وَ إِلَّا فَالْوَصِيُّ أَعْذَرُ.
وَ سَادِسُهُمْ: أَخِي مُحَمَّدٌ سَيِّدُ الْبَشَرِ 28160 صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ حَيْثُ ذَهَبَ إِلَى الْغَارِ وَ نَوَّمَنِي عَلَى فِرَاشِهِ، فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: إِنَّهُ ذَهَبَ إِلَى الْغَارِ لِغَيْرِ خَوْفٍ فَقَدْ كَفَرَ، وَ إِلَّا فَالْوَصِيُّ أَعْذَرُ.
فَقَامَ إِلَيْهِ النَّاسُ بِأَجْمَعِهِمْ فَقَالُوا: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ! قَدْ عَلِمْنَا أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُكَ وَ نَحْنُ الْمُذْنِبُونَ التَّائِبُونَ، وَ قَدْ عَذَرَكَ اللَّهُ!.
2- ج 28161 : عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ مُوسَى، عَنْ أَبِيهِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ آبَائِهِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ قَالَ: خَطَبَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ خُطْبَةً بِالْكُوفَةِ فَلَمَّا كَانَ فِي آخِرِ كَلَامِهِ قَالَ: إِنِّي 28162 لَأَوْلَى النَّاسِ بِالنَّاسِ وَ مَا زِلْتُ مَظْلُوماً مُنْذُ قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ، فَقَامَ الْأَشْعَثُ بْنُ قَيْسٍ لَعَنَهُ اللَّهُ فَقَالَ 28163 : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ! لَمْ تَخْطُبْنَا خُطْبَةً مُنْذُ قَدِمْتَ الْعِرَاقَ إِلَّا وَ قُلْتَ: وَ اللَّهِ إِنِّي لَأَوْلَى النَّاسِ بِالنَّاسِ، وَ مَا زِلْتُ مَظْلُوماً مُنْذُ قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ! وَ لَمَّا وَلِيَ تَيْمٌ وَ عَدِيٌّ، أَلَّا ضَرَبْتَ بِسَيْفِكَ دُونَ ظُلَامَتِكَ؟! فَقَالَ لَهُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَ سَلَامُهُ عَلَيْهِ: يَا ابْنَ الْخَمَّارَةِ! قَدْ قُلْتَ قَوْلًا فَاسْتَمِعْ، وَ اللَّهِ مَا مَنَعَنِي الْجُبْنُ وَ لَا كَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ، وَ لَا مَنَعَنِي ذَلِكَ 28164 إِلَّا عَهْدُ أَخِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ، خَبَّرَنِي وَ قَالَ 28165 : يَا أَبَا الْحَسَنِ! إِنَّ الْأُمَّةَ سَتَغْدِرُ بِكَ وَ تَنْقُضُ عَهْدِي، وَ إِنَّكَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى. فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! فَمَا تَعْهَدُ إِلَيَّ إِذَا كَانَ كَذَلِكَ؟ فَقَالَ: إِنْ وَجَدْتَ أَعْوَاناً فَبَادِرْ إِلَيْهِمْ وَ جَاهِدْهُمْ، وَ إِنْ لَمْ تَجِدْ أَعْوَاناً فَكُفَّ يَدَكَ وَ احْقُنْ دَمَكَ حَتَّى تَلْحَقَ بِي مَظْلُوماً. فَلَمَّا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ اشْتَغَلْتُ بِدَفْنِهِ وَ الْفَرَاغِ مِنْ شَأْنِهِ، ثُمَّ آلَيْتُ يَمِيناً 28166 أَنِّي لَا أَرْتَدِي إِلَّا لِلصَّلَاةِ حَتَّى أَجْمَعَ الْقُرْآنَ، فَفَعَلْتُ 28167 ، ثُمَّ أَخَذْتُ بِيَدِ فَاطِمَةَ وَ ابْنَيَّ الْحَسَنِ وَ الْحُسَيْنِ ثُمَّ دُرْتُ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ وَ أَهْلِ السَّابِقَةِ فَنَاشَدْتُهُمْ 28168 حَقِّي وَ دَعَوْتُهُمْ إِلَى نَصْرِي 28169 ، فَمَا أَجَابَنِي
مِنْهُمْ إِلَّا أَرْبَعَةُ رَهْطٍ: سَلْمَانُ وَ عَمَّارٌ وَ الْمِقْدَادُ وَ أَبُو ذَرٍّ، وَ ذَهَبَ مَنْ كُنْتُ أَعْتَضِدُ بِهِمْ عَلَى دِينِ اللَّهِ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي، وَ بَقِيتُ بَيْنَ خَفِيرَتَيْنِ 28170 قَرِيبَيِ الْعَهْدِ بِجَاهِلِيَّةٍ: عَقِيلٍ وَ الْعَبَّاسِ.
فَقَالَ لَهُ الْأَشْعَثُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ! كَذَلِكَ كَانَ عُثْمَانُ لَمَّا لَمْ يَجِدْ أَعْوَاناً كَفَّ يَدَهُ حَتَّى قُتِلَ مَظْلُوماً 28171 ؟.
فَقَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ: يَا ابْنَ الْخَمَّارَةِ! لَيْسَ كَمَا قِسْتَ، إِنَّ عُثْمَانَ لَمَّا جَلَسَ 28172 جَلَسَ فِي غَيْرِ مَجْلِسِهِ، وَ ارْتَدَى بِغَيْرِ رِدَائِهِ، وَ صَارَعَ الْحَقَّ فَصَرَعَهُ الْحَقُّ، وَ الَّذِي بَعَثَ مُحَمَّداً بِالْحَقِّ لَوْ وَجَدْتُ يَوْمَ بُويِعَ أَخُو تَيْمٍ أَرْبَعِينَ رَهْطاً لَجَاهَدْتُهُمْ فِي اللَّهِ إِلَى أَنْ أُبْلِيَ عُذْرِي. ثُمَّ أَيُّهَا 28173 النَّاسُ! إِنَّ الْأَشْعَثَ لَا يَزِنُ عِنْدَ اللَّهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ، وَ إِنَّهُ أَقَلُّ فِي دِينِ اللَّهِ مِنْ عَفْطَةِ عَنْزٍ.
إيضاح:
قوله عليه السلام: بين خفيرتين- بالخاء المعجمة و الراء المهملة أي طليقين معاهدين أخذا في الحرب و حقن دمهما بالأمان و الفداء، أو ناقضين للعهد، قال في القاموس: الخفير: المجار و المجير .. و خفره: أخذ منه جعلا ليجيره، و به خفرا و خفورا: نقض عهده و غدركه كأخفره 28174 ، و في بعض النسخ:
بالحاء المهملة و الزاي المعجمة من قولهم: حفزه .. أي دفعه من خلفه، و بالرّمح:
طعنه، و عن الأمر: أعجله و أزعجه، قاله الفيروزآبادي 28175 .