کتابخانه روایات شیعه
بحار الأنوار (ط - بيروت) - ج 1تا15
الجزء التاسع و الخمسون
تتمة كتاب السماء و العالم
تتمة أبواب الإنسان و الروح و البدن و أجزائه و قواهما و أحوالهما
باب 48 آخر في ما ذكره الحكماء و الأطباء في تشريح البدن و أعضائه
و فيه فصول
الفصل الأول في بيان الأعضاء الأصلية للبدن
قالوا إن الله سبحانه خلق أعضاء الحيوان مختلفة لحكم و مصالح فجعلها عظاما و أعصابا و عضلات و أوتارا و رباطات و عروقا و أغشية و لحوما و شحوما و رطوبات و غضاريف و هي البسائط.
ثم جعل منها الأعضاء المركبة الآلية من القحف 11217 و الدماغ و الفكّين و العين و الأذن و الأنف و الأسنان و اللسان و الحلق و العنق و الصلب و النخاع و الأضلاع و القصّ و الترقوة و العضد و الساعد و الرُّسغ 11218 و المشط و الأصابع و الأظفار و الصدر و الرئة و القلب و المريء و المعدة و الأمعاء و الكبد و الطحال و المرارة و الكلى و المثانة و مراق البطن و الأنثيين و القضيب و الثدي و الرحم و العانة و الفخذ و الساق و القدم و العقب و الكعب و غير ذلك.
أربعة منها رئيس شريف و هي الدماغ و القلب و الكبد و الأنثيان إذ في
الأول قوة الحسّ و الحركة و في الثاني قوة الحياة و في الثالث قوة التغذية و الثلاثة ضرورية لبقاء الشخص و في الرابع قوة التوليد و حفظ النسل المحتاج إليه في بقاء النوع و به يتم الهيئة و المزاج الذكوريّ و الأنوثيّ اللذين 11219 هما من العوارض اللازمة لأنواع الحيوان و كل من الثلاثة الأول مشتبك بالآخر محتاج إليه إذ لو لا الكبد و إهداره لسائر الأعضاء بالغذاء لانحلّت و انفشت و لو لا ما يتصل بالكبد من حرارة القلب لم يبق له جوهره الذي به يتم فعله و لو لا تسخّن الدماغ بالشرايين و إغذاء الكبد بالعروق الصاعدة إليه لم يدم له طباعه الذي يكون به فعله و لو لا تحريك الدماغ لعضل الصدر لم يكن التنفّس و لم يبق للقلب جوهره الذي منه تنبعث الحرارة الغريزية في أبداننا و لكن الرئيس المطلق هو القلب و هو أول ما يتكون في الحيوان و منه يسري الروح الذي هو محل الحسّ و الحركة إلى الدماغ ثم يسري منه إلى سائر الأعضاء و منه أيضا يسري الروح الذي هو مبدأ التغذية 11220 و النمو إلى الكبد ثم يسري منه إلى سائر الأعضاء فتبارك الله أحسن الخالقين.
ثم اعلم أن العظام أنواع من طويل و قصير و عريض و دقيق و مصمت و مجوّف على حسب اختلاف المصالح و الحكم فمنها ما قياسه من البدن قياس الأساس و عليه مبناه و منها ما قياسه المجنّ و الوقاية و منها ما هو كالسلاح الذي يدفع به المصادم و منها ما هو حشو بين فرج المفاصل و منها ما هو متعلق العضلات المحتاجة إلى علاقة.
و جملة العظام دعامة و قوام للبدن و لهذا خلقت صلبة ثم ما لا منفعة فيه سوى هذه خلق مصمتا و إن كان فيه المسامّ و الخلل التي لا بد منها و ما يحتاج إليه لأجل الحركة أيضا فقد زيد في تجويفه و جعل تجويفه في الوسط واحدا ليكون
جرمه غير محتاج إلى مواقف الغذاء المتفرقة فيصير رخوا بل صلب جرمه و جمع غذاؤه و هو المخّ في حشوه ففائدة زيادة التجويف أن يكون أخف و فائدة توحيد التجويف أن يبقى جرمه أصلب و فائدة صلابة جرمه أن لا ينكسر عند الحركات العنيفة و فائدة المخ ليغذوه و ليرطبه دائما فلا يتفتت بتجفيف الحركة و ليكون و هو مجوّف كالمصمت و التجويف يقل إذا كانت الحاجة إلى الوثاقة 11221 أكثر و يكثر إذا كانت الحاجة إلى الخفة أكثر و خلق بعضها مشاشة 11222 لأجل 11223 الغذاء المذكور مع زيادة حاجة بسبب شيء يجب أن ينفذ فيها كالرائحة المستنشقة مع الهواء في العظام التي تحت الدماغ و لفضول الدماغ المدفوعة فيها.
و العظام كلها متجاورة متلاقية ليس بين شيء منها و بين الذي يليه مسافة كثيرة و إنما لم يجعل كل ما في البدن منها عظما واحدا لئلا يشمل البدن ما أصابته من آفة أو كسر و ليكون لأجزاء البدن حركات مختلفة متفنّنة 11224 و لهذا هيّئ كل واحد منها بالشكل الموافق لما أريد به و وصل ما يحتاج منها إلى أن يتحرك في بعض الأحوال معا و في بعضها فرادى برباط أنبته من أحد طرفي العظم و وصل بالطرف الآخر و هو جسم أبيض عديم الحس فجعل لأحد طرفي العظمين زوائد و في الآخر قعرا موافقة لدخول هذه الزوائد و تمكنها فيها و النابت بهذه الهيئة بين العظام مفاصل و صار للأعضاء من أجل المفاصل أن تتحرك منها بعض دون بعض و من أجل الربط المواصلة بين العظام أن تتحرك معا كعظم واحد و من أجل أن العظام و سائر الأعضاء ليس لها أن تتحرك بذاتها بل بمحرك و على سبيل جهة الانفعال وصل بها من مبدإ الحس و الحركة و ينبوعهما الذي هو الدماغ وصولا.
و هذه الوصول هي العصب و هو جوهر لدن 11225 علك مستطيل مصمت عند الحس غير العصبة المجوّفة التي في العين فائدته بالذات إفادة الدماغ بتوسطه لسائر الأعضاء حسا و حركة و بالعرض تشديد اللحم و تقوية البدن و ليس يتصل بالعظم مفردة و لكن بعد اختلاطها باللحم و الرباط و ذلك لأن الأعصاب لو اتصلت مفردة بعضو عظيم لكانت إما أن لا تقدر على أن تحرّكه البتة و إما أن يكون تحريكها له تحريكا ضعيفا و خصوصا عند ما تتوزّع و تنقسم و تنشعب في الأعضاء و تصير حصّة العضو الواحد أدقّ كثيرا من الأصل و عند ما يتباعد من مبدئه و منبته و من أجل ذلك ينقسم العصب قبل بلوغه إلى العضو الذي أريد تحريكه به و ينسج في ما بين تلك الأقسام اللحم و شظايا من الرباط فيتكون من جميع ذلك شيء يسمى عضلا و يكون عظمه و صغره و شكله بمقدار العضو الذي أريد تحريكه و بحسب الحاجة إليه و وضعه في الجهة التي يراد أن يتحرك إليها ذلك العضو.
ثم ينبت من الطرف الذي يلي العضو المتحرك من طرفي العضلة شيء يسمى وترا و هو جسم مركب من العصب الآتي إلى ذلك العضو و من الرباط النابت من العظام و قد خلص من اللحم فيمر حتى يتصل بالعضو الذي يريد تحريكه بالطرف الأسفل فيلتئم بهذا التدبير أن يعرض قليل نشج للعضلة نحو أصلها بجذب الوتر جذبا قويا و أن يتحرك العضو بكليته لأن الوتر متصل منه بطرفه الأسفل.