کتابخانه روایات شیعه
بحار الأنوار (ط - بيروت) - ج 1تا15
. فصل
و إنما يقول المنكرون لمعجزات النبي و الأئمة عليهم أفضل الصلوات و التحية أن الأخبار التي يذكرون و الأحاديث التي يعولون عليها في معجزاتهم و يصولون بها إنما رواها الواحد و الاثنان و مثل ذلك لا يمكن القطع بعينه و الحكم بصحته و أمر المعجزات و الخارج عن العادات يجب أن يكون معلوما متعينا غير مظنون يتوهم.
و الجواب عن ذلك أن أخبارنا في معجزات النبي و الأئمة صلوات الله عليهم جاءت من طرق مختلفة و مواضع مفترقة و مظان متباعدة و فرق مخالفة و موافقة في زمان بعد زمان و قرن بعد قرن و كذلك رويت المعجزات من جنس واحد من كل واحد منهم ع و لا يمكن أن يتواطأ الناس على مثل هذا فلا يكون مخبرهم على ما أخبروا به جميعا لأن ذلك ينقض عادتهم كما نقض العادة الاجتماع على الكذب في الجماعات الكثيرة.
و مما يدل على ذلك إباؤها من تواطئ الكذب كما إذا أخبر جمهور من الناس فقال بعضهم إن رجلا له مال من ذهب و ورق و آخرون يخبرون عنه أنهم رأوا له أثاثا و جهازا و أواني و آلات و أسبابا و قوم آخرون أن له غلات و ارتفاعات و ضياعا و عقارا و آخرون يخبرون عنه أنهم رأوا له خيلا و بغالا و حميرا إن الخبر إذا ورد عن الإنسان بما ذكرنا أحيط إلى العلم بأن المخبر عنه غني موسر لا يقدر أحد على دفع علم ذلك عن نفسه إذا نظر بعين الإنصاف في تلك الأخبار و إن كان يجوز على كل واحد من المخبرين اللغط و الكذب في خبره لو انفرد من عصابة غيره ثم إن إجماع الفرقة المحقة منعقد على صحة أخبار معجزات الرسول و الأئمة من أهل بيته ع و إجماعهم حجة لأن فيهم معصوما.
فصل
و من أخبار المعجزات أخبار تفاوت أخبار الجماعات الكثيرة نحو خبر الحصاة و إشباع الخلق الكثير بالطعام اليسير و ذلك أن المخبرين بهذه الأخبار إنما أخبروا عن حضرة جماعة ادعوا حضورهم كذلك فقد كانوا خلائق كثيرين مجتمعين شاهدي الحال و كانوا فيمن شرب من الماء و أكل من الطعام فلم
ينكروا عليهم و لو كان الخبر كذبا لمنعت الجماعة التي ادعى المخبرون حضورهم بذلك و أنكروا عليهم و لقالوا لم يكن هذا و لا شاهدناه فلما سكتوا عن ذلك دل على تصديقهم و إن ذلك يجري مجرى المتواتر نقلا في الصحة و القطع.
و مما يدل على ذلك أن رجلا لو عمد إلى الجامع و الناس مجتمعون و قال إنكم كنتم في موضع كذا في دار كذا لأملاك فلان فأطعمكم كذا من الطعام و كذا من الشراب لم يمتنعوا أن ينكروا عليه و لا سكتوا عن تكذيبه في الأمر الذي لا يمتنع في العادة فكيف في الأمر الذي خرج عن العادات و النفوس إلى إنكار المنكر أسرع.
و من هذه الأخبار أخبار انتشرت في الأمة و لم يوجد له منكر و لا مكذب بل تلقوه بالقبول فيجب المصير إليه لاجتماع عليه من الأمناء و الطائفة المحقة و هم لا يجتمعون على خطاء و فيهم معصوم في كل زمان.
و ما رووا أن زوجين من الطير جادلا إلى أحدهم ع و صالح بينهما أو شكا طير من حية في موضع يأكل فراخه فأمر بقتل الحية فلا خفاء في كونه معجزا فأما ما سئل الحسين ع و هو صبي عن أصوات الطيور و الحيوانات فإعجازه من وجه آخر و نحوه قول عيسى في المهد إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ و كلاهما نقض العادة إذ ليس في مقدور الأطفال التكلم بما يتكلم به و قيل إن نفس الدعوى في بعض المواضع معجز.
فصل
و الأخبار المتواترة توجب العلم على الإطلاق و كذلك إذا كانت غير متواترة و قد اقترن بها قرينة من أحد خمسة أشياء من أدلة العقل و الكتاب و السنة المقطوع بها أو إجماع المسلمين أو إجماع الطائفة فهذه القرائن تدخل الأخبار و إن كانت آحادا في باب المعلوم فيكون ملحقة بالمتواتر و العلوم التي تحصل عند الأخبار المتواترة لكل عاقل ملتبسة عند الشيخ المفيد.
و ذهب المرتضى إلى تقسيم ذلك فقال العلوم بأخبار البلدان و الوقائع و نحوها يجوز أن تكون ضرورية و يجوز أن تكون ملتبسة و ما عداها كالعلم
بمعجزات النبي و الأئمة ع و كثير من أحكام الشريعة فيقطع على أنه مستدل عليه و هذا أصح و الأدلة في أن الأول فعل الله أو فعل العباد قائمة كافية و إذا كان كذلك وجب التوقف و تجويز كل واحد منهما.
و الخبر إذا لم يكن ما يجب وقوع العلم عنده و اشتراك العقلاء فيه و جاز وقوع الشبهة عليه فهو أيضا صحيح على وجه و هو أن يرويه جماعة قد بلغت من الكثرة إلى حد لا يصح معه أن يتفق فيها و أن يعلم مضافا إلى ذلك أنه لم يجمعهم على الكذب جامع كالتواطئ أو ما يقوم مقامه و يعلم أيضا أن اللبس و الشبهة زائلان عما خبروا عنه.
هذا إذا كانت الجماعة تخبر بلا واسطة عن المخبر فإن كان بينهما واسطة وجب اعتبار هذه الشروط في جميع من خبرت عنه من الجماعات حتى يقع الانتهاء إلى نفس المخبر و إذا صحت هذه الجملة في صحة الخبر الذي لا بد أن يكون المخبر صادقا من طريق الاستدلال بنينا عليها صحة المعجزات و غيرها من أحكام الشرع.
فصل
و قد ذكرنا من قبل أنهم كثيرا ما يوردون السؤال علينا و يقولون قد جاء في العالم حجر يجذب الحديد إلى نفسه فلم يجب اتباع من يجذب الشجر إلى نفسه كذلك إذ لا نأمن أن يكون معه شيء مما يفعل به ذلك و يؤكدون قولهم بأن المقرين لمعجزات الرسل لم يمتحنوا قوى الخلق و لم يعرفوا نهايته و لم يقعوا على طبائع العالم و كيف يستعان بها على الأفعال و لم يحيطوا علما بأكثرهم و لم يأتهم في مظانهم و لا امتحنوا قواهم و مبالغ حيلهم و مخرقة أصحاب الخفة و أشكالهم.
الجواب عنه أن يقال قد لزم النفس العلم لزوما لا يقدر على دفعه بأن ما ذكروا ليس في العالم كما لزمها العلم بأن ليس في العالم حجر إذا أمسكه الإنسان عاش أبدا و إذا وضعه على الموات عاد حيوانا و إذا وضعه على العين العمياء عادت صحيحة و لا فيه ما يرد الرجل المقطوعة و لا ما به يزال الزمانة
الحالة و لا فيه شيء يجتذب به الشمس و القمر من أماكنهما.
فلما لزم النفس على ما ذكرنا كذلك لزوم العلم للنفس بأن ليس في العالم حجر يجذب الشجر من أماكنها و يشق به البحور و يحيا به الأموات.
و أيضا فإن حجر المغناطيس لما كان موجودا في العالم طلب دون الحاجة إليه حتى بدروا عليه لما فيه من الأعجوبة و خاصة لإرادة التلبث به و استخراج نصل السهم من البدن بذلك فلو كان فيه حجر أو شيء يجذب الشجر فإنه كان أعز من حجر المغناطيس و كان سبيله سبيل الجواهر و غيرها لا يخفى على من في العالم خبرها.
كالجوهر الذي يقال له الكبريت الأحمر و لعزته ضرب به المثل فقيل أعز من الكبريت الأحمر و كانت الملوك أقدر على هذا الحجر كما هم أقدر على ما عز من الأدوية و غيرها من الأشياء العزيزة فلما لم يكن من هذا أثر عندهم و لا خبر لكونه بطل أن يكون له كون أو وجود و لو كان كيف كان الرسل و أوصياؤهم عليه مع فقرهم و عجزهم في الدنيا و ما فيها و يكون معروف المنشأ و لم يغب عنهم طويلا.
فصل
ثم إن النبي ص لما دعا الشجرة و كذا وصي من أوصيائه ردها إلى مكانها فإن جذبها شيء و ردها لا شيء كان ردها آية عظيمة و إن كان شيء كان معه فذلك محال من قبل أن ذلك الشيء يضاد ما جذبها فإذا كان الجذب به فإمساكها و ردها لم يجب أن يكون به أو معه فلا يرده لأنه يوجب أن تكون مقبلة مدبرة و ذلك محال.
و لأن الحجر لو كان فيه ما ذكروا لكان فيه آية له لأنه ليس في العالم مثله فهو خارج عن العرف كخروج مجيء الشجرة بدعائه و قد أنبع الله لموسى من الحجر الماء فانبجست من الحجر اثنتا عشرة عينا لكل سبط عين و الحجارة يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهارُ فلما كان حجر موسى خارجا عن عادات الناس كان دليلا على نبوته و ليس في الحجر ما يمكن به نقل الجبال و المدن.
و أما قولهم إن المقرين بمعجزات الرسل لم يمتحنوا قوى الخلق إلى آخر الكلام إنه يقال لهم و لم يمتحن أحد من الجاحدين للرسل طبائع العالم و لا عرفوا ما فيه فيعلموا أن جميع حيوانه يموت لعل حيوانا لا يموت يبقى على الدهر أبدا لا يتغير و لعل في العالم نارا لا تحرق إذ لو كان لم يمتحن قوى العالم و لا أحاط علمنا بخواصه و سرائره لزمه قلب أكثر الحقائق و بطلانها.
باب في مقالات المنكرين للنبوات و الإمامة عن قبل الله و جواباتها و بطلانها
اعلم أن المنكرين للنبوات فرقتان ملحدة و دهرية و موحدة البراهمة و الفلاسفة عندنا من جملة الدهرية و الملحدة أيضا و قد اجتمعوا على إبطال النبوات و إنكار المعجزات و احتالها تصريحا و تلويحا و زعمت أن تصحيح أمرها يؤدي إلى نقض وجوب الطبائع و قد استقر أمرها على وجه لا يصح انتقاضها و كلهم يطعنون في معجزات الأنبياء و أوصيائهم حتى قالوا في القرآن تناقض و أخبار زعموا مخبراتها على اختلافها.
منها قوله وَ لَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا 12395 ثم وجدناكم تقولون إن يحيى بن زكريا قتله ملك من الملوك و نشر رأس والده زكريا بالمنشار معما لا يحصى من الخلق من المؤمنين الذين قتلهم الكفار.
و في القرآن أيضا إِنْ يَكُونُوا فُقَراءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ 12396 و قد ينكح كثير فيبقى فقيرا أو يزداد فقره و قد قال لنبيه وَ اللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ 12397 ثم وجدنا كسرت رباعيته و شج رأسه.
و فيه أيضا ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ 12398 و إن الخلق يدعونه دائما فلا يجيبهم و في القرآن فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ 12399 و هذا دليل على 12400
أن محمدا لم يكن واثقا بما عنده لأنه ردهم إلى قوم شهد عليهم بكتمان الحق و قول الباطل و هم عنده غير ثقات في الدعوى و الخبر.
فصل
الجواب عما ذكروه أولا أن تأويل ما حكيتم على خلاف ما توهمتم لأن الذي نفاه من كون سبيل الكفار على المؤمنين إنما هو من طريق قيام الحجة منهم على المسلمين في دينهم في إقامة دليل على فساد دينهم لم يرد بذلك المؤالبة و المغالبة و هو معنى قوله لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَ لَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ 12401 أي بالدلالة و الحجة لا بالمبالغة و العزة و يحيى بن زكريا لما قتل كانت حجته ثابتة على من قتله و كان هو الظاهر عليه بحقه و إن كان في ظاهر أمر الدنيا مغلوبا فإذا قهر بحق لم يدل ذلك على بطلان أمره و فساد طريقه.
و أما قوله إِنْ يَكُونُوا فُقَراءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ ففيه جوابان أحدهما أنه أراد أن كانوا فقراء إلى الجماع استغنوا بالنكاح و الثاني أنه خرج على الأغلب من أحوالهم و قد قال تعالى بعد ما تزوج محمد عليه السلام خديجة وَ وَجَدَكَ عائِلًا فَأَغْنى 12402 أي أغناك بمالها.
و أما قوله وَ اللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ فالمعنى أنه يعصمك من قتلهم إياك.
و قوله ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ فيه أجوبة أحدها أن فيه إضمارا أي إن رأيت لكم مصلحة في الدين و قد صرح به في قوله فَيَكْشِفُ ما تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شاءَ 12403 و الثاني أن الدعاء هو العبادة أي اعبدوني بالتوحيد آجركم عليه يدل على ذلك قوله إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي و الثالث أن يكون اللفظ عموما و المراد به الخصوص و هذا في العرف كثير.
و أما قوله فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ فإن الله لما احتج لنبيه بالبراهين
المعجزة و رأى فريقا ممن حسده على نعمة الله عنده من عشيرته يميلون إلى أهل الكتاب و يعدلونهم عليه و على أنفسهم و يعتمدون في الاحتجاج لباطلهم على جحدهم إياه أراد أن يدلهم على صدقه بإقرار عدوه و من أعظم استدلالا من الذي استشهد عدوه و يحتج بإقراره له و انقياده إياه ثم إن في التوراة و الإنجيل صفات محمد ص و كل من أنصف منهم شهد له بذلك.
فصل
و قالوا كيف يدعون أن كل إخبار محمد عن الغيب وقع صدقا و عدلا و قد وجدنا بعضها بخلافه لأن محمدا قال إذا هلك قيصر فلا قيصر بعده و قد وجدنا بعده قياصر كثيرة و أملاكهم ثابتة و قال شهرا عيد لا ينقصان و قد وجدنا الأمر بخلاف ذلك كثيرا و قد قال ما ينقص مال من صدقة و قد وجدنا نقص حسابها.
و قال إن يوسف أعطي نصف حسن آدم ثم قال الله في قصة إخوته لما دخلوا عليه فَعَرَفَهُمْ وَ هُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ 12404 و من كان في حسنه ثابتا بهذه البينونة العظمى كيف يخفى أمره و في كتابكم أن عيسى ما قتل و ما صلب و قد اجتمعت اليهود و النصارى على أنه قتل و صلب.
و في كتابكم وَ ما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ 12405 و قال نبيكم إن في نسائكم أربع نبيات و في كتابكم قالَ فِرْعَوْنُ يا هامانُ ابْنِ لِي صَرْحاً 12406 و كان فرعون قتل [قبل] هامان بزمان طويل و في كتابكم وَ ما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ 12407 و الشعر كلام موزون و نحن نجد في القرآن كلاما موزونا و هو الشعر في غير موضع فمنه وَ جِفانٍ كَالْجَوابِ وَ قُدُورٍ راسِياتٍ 12408 و وزنه عند العروضيين
فاعلاتن فاعلاتن