کتابخانه روایات شیعه
بحار الأنوار (ط - بيروت) - ج 1تا15
الجزء الأول
تأليف العلم العلامة شيخ الإسلام المولى محمد باقر المجلسي ره المتوفى سنة 1111 ه
مقدمة المؤلف
الحمد لله الذي سمك سماء العلم و زينها ببروجها للناظرين و علق عليها قناديل الأنوار بشموس النبوة و أقمار الإمامة لمن أراد سلوك مسالك اليقين و جعل نجومها رجوما لوساوس الشياطين و حفظها بثواقب شهبها عن شبهات المضلين ثم بمضلات الفتن أَغْطَشَ لَيْلَها 991 و بنيرات البراهين أَخْرَجَ ضُحاها و مهد أراضي قلوب المؤمنين لبساتين الحكمة اليمانية فدحاها و هيأها لأزهار أسرار العلوم الربانية ف أَخْرَجَ مِنْها ماءَها وَ مَرْعاها و حرسها عن زلازل الشكوك و الأوهام فأودع فيها سكينة من لطفه كجبال أرساها فنشكره على نعمه التي لا تحصى معترفين بالعجز و القصور و نستهديه لمراشد أمورنا في كل ميسور و معسور.
و نشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة علم و إيقان و تصديق و إيمان يسبق فيها القلب اللسان و يطابق فيها السر الإعلان و أن سيد أنبيائه و نخبة أصفيائه و نوره في أرضه و سمائه محمدا ص عبده المنتجي و رسوله المجتبى و حبيبة المرتجى و حجته على كافة الورى و أن ولي الله المرتضى و سيفه المنتضى 992 و نبأه العظيم و صراطه المستقيم و حبله المتين و جنبه المكين علي بن أبي طالب ع سيد الوصيين و إمام الخلق أجمعين و شفيع يوم الدين و رحمة الله على العالمين و أن أطايب عترته و أفاخم ذريته و أبرار أهل بيته سادات الكرام و أئمة الأنام و أنوار الظلام و مفاتيح الكلام و ليوث الزحام و غيوث الإنعام خلقهم الله من أنوار عظمته و أودعهم أسرار حكمته و جعلهم معادن رحمته و أيدهم
بروحه و اختارهم على جميع بريته لهم سمكت المسموكات و دحيت المدحوات و بهم رست الراسيات و استقر العرش على السماوات و بأسرار علمهم أينعت 993 ثمار العرفان في قلوب المؤمنين و بأمطار فضلهم جرت أنهار الحكمة في صدور الموقنين فصلوات الله عليهم ما دامت الصلوات عليهم وسيلة إلى تحصيل المثوبات و الثناء عليهم ذريعة لرفع الدرجات و لعنة الله على أعدائهم ما كانت دركات الجحيم معدة لشدائد العقوبات و اللعن على أعداء الدين معدودة من أفضل العبادات.
أما بعد فيقول الفقير إلى رحمة ربه الغافر ابن المنتقل إلى رياض القدس محمد تقي طيب الله رمسه محمد باقر عفا الله عن جرائمهما و حشرهما مع أئمتهما 994 اعلموا يا معاشر الطالبين للحق و اليقين المتمسكين بعروة اتباع أهل بيت سيد المرسلين صلوات الله عليهم أجمعين إني كنت في عنفوان شبابي حريصا على طلب العلوم بأنواعها مولعا باجتناء فنون المعالي من أفنانها 995 فبفضل الله سبحانه وردت حياضها و أتيت رياضها و عثرت على صحاحها و مراضها حتى ملأت كمي من ألوان ثمارها و احتوى جيبي على أصناف خيارها و شربت من كل منهل 996 جرعة روية و أخذت من كل بيدر حفنة 997 مغنية فنظرت إلى ثمرات تلك العلوم و غاياتها و تفكرت في أغراض المحصلين و ما يحثهم على البلوغ إلى نهاياتها و تأملت فيما ينفع منها في المعاد و تبصرت فيما يوصل منها إلى الرشاد فأيقنت بفضله و إلهامه تعالى إن زلال العلم لا ينقع 998 إلا إذا أخذ من عين صافية نبعت عن ينابيع الوحي و الإلهام و إن الحكمة لا تنجع 999 إذا لم تؤخذ من نواميس الدين و معاقل الأنام.
فوجدت العلم كله في كتاب الله العزيز الذي لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَ لا مِنْ خَلْفِهِ و أخبار أهل بيت الرسالة الذين جعلهم الله خزانا لعلمه و تراجمة لوحيه و علمت أن علم القرآن لا يفي أحلام العباد باستنباطه على اليقين و لا يحيط به إلا من انتجبه الله لذلك من أئمة الدين الذين نزل في بيتهم الروح الأمين فتركت ما ضيعت زمانا من عمري فيه مع كونه هو الرائج في دهرنا و أقبلت على ما علمت أنه سينفعني في معادي مع كونه كاسدا في عصرنا فاخترت الفحص عن أخبار الأئمة الطاهرين الأبرار سلام الله عليهم و أخذت في البحث عنها و أعطيت النظر فيها حقه و أوفيت التدرب فيها حظه.
و لعمري لقد وجدتها سفينة نجاة مشحونة بذخائر السعادات و ألفيتها 1000 فلكا مزينا بالنيرات المنجية عن ظلم الجهالات و رأيت سبلها لائحة و طرقها واضحة و أعلام الهداية و الفلاح على مسالكها مرفوعة و أصوات الداعين إلى الفوز و النجاح في مناهجها مسموعة و وصلت في سلوك شوارعها إلى رياض نضرة و حدائق خضرة مزينة بأزهار كل علم و ثمار كل حكمة و أبصرت في طي منازلها طرقا مسلوكة معمورة موصلة إلى كل شرف و منزلة فلم أعثر على حكمة إلا و فيها صفوها و لم أظفر بحقيقة إلا و فيها أصلها.
ثم بعد الإحاطة بالكتب المتداولة المشهورة تتبعت الأصول المعتبرة المهجورة التي تركت في الأعصار المتطاولة و الأزمان المتمادية إما لاستيلاء سلاطين المخالفين و أئمة الضلال أو لرواج العلوم الباطلة بين الجهال المدعين للفضل و الكمال أو لقلة اعتناء جماعة من المتأخرين بها اكتفاء بما اشتهر منها لكونها أجمع و أكفى و أكمل و أشفى من كل واحد منها.
فطفقت أسأل عنها في شرق البلاد و غربها حينا و ألح في الطلب لدى كل من أظن عنده شيئا من ذلك و إن كان به ضنينا 1001 و لقد ساعدني على ذلك جماعة من
الإخوان ضربوا في البلاد لتحصيلها و طلبوها في الأصقاع و الأقطار طلبا حثيثا حتى اجتمع عندي بفضل ربي كثير من الأصول المعتبرة التي كان عليها معول العلماء في الأعصار الماضية و إليها رجوع الأفاضل في القرون الخالية فألفيتها مشتملة على فوائد جمة خلت عنها الكتب المشهورة المتداولة و اطلعت فيها على مدارك كثير من الأحكام اعترف الأكثرون بخلو كل منها عما يصلح أن يكون مأخذا له فبذلت غاية جهدي في ترويجها و تصحيحها و تنسيقها و تنقيحها.
و لما رأيت الزمان في غاية الفساد و وجدت أكثر أهلها حائدين 1002 عما يؤدي إلى الرشاد خشيت أن ترجع عما قليل إلى ما كانت عليه من النسيان و الهجران و خفت أن يتطرق إليها التشتت لعدم مساعدة الدهر الخوان و مع ذلك كانت الأخبار المتعلقة بكل مقصد منها متفرقا في الأبواب متبددا في الفصول قلما يتيسر لأحد العثور على جميع الأخبار المتعلقة بمقصد من المقاصد منها و لعل هذا أيضا كان أحد أسباب تركها و قلة رغبة الناس في ضبطها.