کتابخانه روایات شیعه
بحار الأنوار (ط - بيروت) - ج 1تا15
فخلوت بهذا الشيخ عبد المحسن فعرفته فهو رجل صالح لا يشك النفس في حديثه و مستغن عنا و سألته فذكر أن أصله من حصن بشر و أنه انتقل إلى الدولاب الذي بإزاء المحولة المعروفة بالمجاهدية و يعرف الدولاب بابن أبي الحسن و أنه مقيم هناك و ليس له عمل بالدولاب و لا زرع و لكنه تاجر في شراء غليلات و غيرها و أنه كان قد ابتاع غلة من ديوان السرائر و جاء ليقبضها و بات عند المعيدية في المواضع المعروفة بالمحبر.
فلما كان وقت السحر كره استعمال ماء المعيدية فخرج بقصد النهر و النهر في جهة المشرق فما أحس بنفسه إلا و هو في قل السلم في طريق مشهد الحسين ع في جهة المغرب و كان ذلك ليلة الخميس تاسع عشر شهر جمادى الآخرة من سنة إحدى و أربعين و ستمائة التي تقدم شرح بعض ما تفضل الله علي فيها و في نهارها في خدمة مولانا أمير المؤمنين ع.
فجلست أريق ماء و إذا فارس عندي ما سمعت له حسا و لا وجدت لفرسه حركة و لا صوتا و كان القمر طالعا و لكن كان الضباب كثيرا 5891 .
فسألته عن الفارس و فرسه فقال كان لون فرسه صدءا و عليه ثياب بيض و هو متحنك بعمامة و متقلد بسيف.
فقال الفارس لهذا الشيخ عبد المحسن كيف وقت الناس قال عبد المحسن فظننت أنه يسأل عن ذلك الوقت قال فقلت الدنيا عليه ضباب و غبرة فقال ما سألتك عن هذا أنا سألتك عن حال الناس قال فقلت الناس طيبين مرخصين آمنين في أوطانهم و على أموالهم.
فقال تمضي إلى ابن طاوس و تقول له كذا و كذا و ذكر لي ما قال صلوات الله عليه ثم قال عنه ع فالوقت قد دنا فالوقت قد دنا قال عبد المحسن فوقع في قلبي و عرفت نفسي أنه مولانا صاحب الزمان ع فوقعت على وجهي
و بقيت كذلك مغشيا علي إلى أن طلع الصبح قلت له فمن أين عرفت أنه قصد ابن طاوس عني 5892 قال ما أعرف من بني طاوس إلا أنت و ما في قلبي إلا أنه قصد بالرسالة إليك قلت أي شيء فهمت بقوله ع فالوقت قد دنا فالوقت قد دنا هل قصد وفاتي قد دنا أم قد دنا وقت ظهوره صلوات الله و سلامه عليه فقال بل قد دنا وقت ظهوره صلوات الله عليه.
قال فتوجهت ذلك الوقت 5893 إلى مشهد الحسين ع و عزمت أنني ألزم بيتي مدة حياتي أعبد الله تعالى و ندمت كيف ما سألته صلوات الله عليه عن أشياء كنت أشتهي أسأله فيها.
قلت له هل عرفت بذلك أحدا قال نعم عرفت بعض من كان عرف بخروجي من المعيدية و توهموا أني قد ضللت و هلكت بتأخيري عنهم و اشتغالي بالغشية التي وجدتها و لأنهم كانوا يروني طول ذلك النهار يوم الخميس في أثر الغشية التي لقيتها من خوفي منه ع فوصيته أن لا يقول ذلك لأحد أبدا و عرضت عليه شيئا فقال أنا مستغن عن الناس و بخير كثير. 5894
فقمت أنا و هو فلما قام عني نفذت له غطاء و بات عندنا في المجلس على باب الدار التي هي مسكني الآن بالحلة فقمت و كنت أنا و هو في الروشن 5895 في خلوة فنزلت لأنام فسألت الله زيادة كشف في المنام في تلك الليلة أراه أنا.
فرأيت كان مولانا الصادق ع قد جاءني بهدية عظيمة و هي عندي و كأنني ما أعرف قدرها فاستيقظت و حمدت الله و صعدت الروشن لصلاة نافلة
الليل و هي ليلة السبت ثامن عشر جمادى الآخرة فاصعد فتح 5896 الإبريق إلى عندي فمددت يدي فلزمت عروته لأفرغ على كفي فأمسك ماسك فم الإبريق و أداره عني و منعني من استعمال الماء في طهارة الصلاة فقلت لعل الماء نجس فأراد الله أن يصونني عنه فإن لله عز و جل على عوائد كثيرة أحدها مثل هذا و أعرفها.
فناديت إلى فتح و قلت من أين ملأت الإبريق فقال من المصبة 5897 فقلت هذا لعله نجس فاقلبه و اطهره 5898 و املأه من الشط فمضى و قلبه و أنا أسمع صوت الإبريق و شطفه و ملأه من الشط و جاء به فلزمت عروته و شرعت أقلب منه على كفي فأمسك ماسك فم الإبريق و أداره عني و منعني منه.
فعدت و صبرت و دعوت بدعوات و عاودت الإبريق و جرى مثل ذلك فعرفت أن هذا منع لي من صلاة الليل تلك الليلة و قلت في خاطري لعل الله يريد أن يجري علي حكما و ابتلاء غدا و لا يريد أن أدعو الليلة في السلامة من ذلك و جلست لا يخطر بقلبي غير ذلك.
فنمت و أنا جالس و إذا برجل يقول لي يعني عبد المحسن الذي جاء بالرسالة كأنه ينبغي أن تمشي بين يديه فاستيقظت و وقع في خاطري أنني قد قصرت في احترامه و إكرامه فتبت إلى الله جل جلاله و اعتمدت ما يعتمد التائب من مثل ذلك و شرعت في الطهارة فلم يمسك أبدا فم الإبريق و تركت على عادتي فتطهرت و صليت ركعتين فطلع الفجر فقضيت نافلة الليل و فهمت أنني ما قمت بحق هذه الرسالة.
فنزلت إلى الشيخ عبد المحسن و تلقيته و أكرمته و أخذت له من خاصتي
ستا نير 5899 و من غير خاصتي خمسة عشر دينارا مما كنت أحكم فيه كمالي 5900 و خلوت به في الروشن و عرضت ذلك عليه و اعتذرت إليه فامتنع من قبول شيء أصلا و قال إن معي نحو مائة دينار و ما آخذ شيئا أعطه لمن هو فقير و امتنع غاية الامتناع.
فقلت إن رسول مثله عليه الصلاة و السلام يعطى لأجل الإكرام لمن أرسله لا لأجل فقره و غناه فامتنع فقلت له مبارك أما الخمسة عشر فهي من غير خاصتي فلا أكرهك على قبولها و أما هذه الستة دنانير فهي من خاصتي فلا بد أن تقبلها مني فكاد أن يؤيسني من قبولها فألزمته فأخذها و عاد تركها فألزمته فأخذها و تغديت أنا و هو و مشيت بين يديه كما أمرت في المنام إلى ظاهر الدار و أوصيته بالكتمان و الحمد لله و صلى الله على سيد المرسلين محمد و آله الطاهرين.
الحكاية الثالثة [قصّة تشبّه قصّة الجزيرة الخضراء]
في آخر كتاب في التعازي عن آل محمد ع و وفاة النبي ص تأليف الشريف الزاهد أبي عبد الله محمد بن علي بن الحسن بن عبد الرحمن العلوي الحسيني رضي الله عنه عن الأجل العالم الحافظ حجة الإسلام سعيد بن أحمد بن الرضي عن الشيخ الأجل المقرئ خطير الدين حمزة بن المسيب بن الحارث أنه حكى في داري بالظفرية بمدينة السلام في ثامن عشر شهر شعبان سنة أربع و أربعين و خمسمائة قال حدثني شيخي العالم بن أبي القاسم 5901 عثمان بن عبد الباقي بن أحمد الدمشقي في سابع عشر جمادى الآخرة من سنة ثلاث و أربعين و خمسمائة قال حدثني الأجل
العالم الحجة كمال الدين أحمد بن محمد بن يحيى الأنباري بداره بمدينة السلام ليلة عاشر شهر رمضان سنة ثلاث و أربعين و خمسمائة.
قال كنا عند الوزير عون الدين يحيى بن هبيرة في رمضان بالسنة المقدم ذكرها و نحن على طبقة و عنده جماعة فلما أفطر من كان حاضرا و تقوض 5902 أكثر من حضر خاصرا 5903 أردنا الانصراف فأمرنا بالتمسي عنده فكان في مجلسه في تلك الليلة شخص لا أعرفه و لم أكن رأيته من قبل و رأيت الوزير يكثر إكرامه و يقرب مجلسه و يصغي إليه و يسمع قوله دون الحاضرين.
فتجارينا الحديث و المذاكرة حتى أمسينا و أردنا الانصراف فعرفنا بعض أصحاب الوزير أن الغيث ينزل و أنه يمنع من يريد الخروج فأشار الوزير أن نمسي عنده فأخذنا نتحادث فأفضى الحديث حتى تحادثنا في الأديان و المذاهب و رجعنا إلى دين الإسلام و تفرق المذاهب فيه.
فقال الوزير أقل طائفة مذهب الشيعة و ما يمكن أن يكون أكثر منهم في خطتنا هذه و هم الأقل من أهلها و أخذ يذم أحوالهم و يحمد الله على قتلهم في أقاصي الأرض. فالتفت الشخص الذي كان الوزير مقبلا عليه مصغيا إليه فقال له أدام الله أيامك أحدث بما عندي فيما قد تفاوضتم فيه أو أعرض عنه فصمت الوزير ثم قال قل ما عندك.
فقال خرجت مع والدي سنة اثنتين و عشرين و خمسمائة من مدينتنا و هي المعروفة بالباهية و لها الرستاق الذي يعرفه التجار و عدة ضياعها ألف و مائتا ضيعة في كل ضيعة من الخلق ما لا يحصي عددهم إلا الله و هم قوم نصارى و جميع
الجزائر التي كانت حولهم على دينهم و مذهبهم و مسير بلادهم و جزائرهم مدة شهرين و بينهم و بين البر مسير عشرين يوما و كل من في البر من الأعراب و غيرهم نصارى و تتصل بالحبشة و النوبة و كلهم نصارى و يتصل بالبربر و هم على دينهم فإن حد هذا كان بقدر كل من في الأرض و لم نضف إليهم الإفرنج و الروم.
و غير خفي عنكم من بالشام و العراق و الحجاز من النصارى و اتفق أننا سرنا في البحر و أوغلنا و تعدينا الجهات التي كنا نصل إليها و رغبنا في المكاسب و لم نزل على ذلك حتى صرنا إلى جزائر عظيمة كثيرة الأشجار مليحة الجدران فيها المدن الملدودة 5904 و الرساتيق.
و أول مدينة وصلنا إليها و أرسي المراكب بها و قد سألنا الناخداه أي شيء هذه الجزيرة قال و الله إن هذه جزيرة لم أصل إليها و لا أعرفها و أنا و أنتم في معرفتها سواء.
فلما أرسينا بها و صعد التجار إلى مشرعة تلك المدينة و سألنا ما اسمها فقيل هي المباركة فسألنا عن سلطانهم و ما اسمه فقالوا اسمه الطاهر فقلنا و أين سرير مملكته فقيل بالزاهرة فقلنا و أين الزاهرة فقالوا بينكم و بينها مسيرة عشر ليال في البحر و خمس و عشرين ليلة في البر و هم قوم مسلمون.
فقلنا من يقبض زكاة ما في المركب لنشرع في البيع و الابتياع فقالوا تحضرون عند نائب السلطان فقلنا و أين أعوانه فقالوا لا أعوان له بل هو في داره و كل من عليه حق يحضر عنده فيسلمه إليه.
فتعجبنا من ذلك و قلنا أ لا تدلونا عليه فقالوا بلى و جاء معنا من أدخلنا داره فرأيناه رجلا صالحا عليه عباءة و تحته عباءة و هو مفترشها و بين يديه دواة يكتب منها من كتاب ينظر إليه فسلمنا عليه فرد علينا السلام و حيانا و قال من أين أقبلتم فقلنا من أرض كذا و كذا فقال كلكم فقلنا لا بل
فينا المسلم و اليهودي و النصراني فقال يزن اليهودي جزيته و النصراني جزيته و يناظر المسلم عن مذهبه فوزن والدي عن خمس نفر نصارى عنه و عني و عن ثلاثة نفر كانوا معنا ثم وزن تسعة نفر كانوا يهودا و قال للباقين هاتوا مذاهبكم فشرعوا معه في مذاهبهم فقال لستم مسلمين و إنما أنتم خوارج و أموالكم محل للمسلم المؤمن و ليس بمسلم من لم يؤمن بالله و رسوله و اليوم الآخر و بالوصي و الأوصياء من ذريته حتى مولانا صاحب الزمان صلوات الله عليهم.
فضاقت بهم الأرض و لم يبق إلا أخذ أموالهم.
ثم قال لنا يا أهل الكتاب لا معارضة لكم فيما معكم حيث أخذت الجزية منكم فلما عرف أولئك أن أموالهم معرضة للنهب سألوه أن يحتملهم إلى سلطانهم فأجاب سؤالهم و تلا لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَ يَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ فقلنا للناخداه و الربان 5905 و هو الدليل هؤلاء قوم قد عاشرناهم و صاروا رفقة و ما يحسن لنا أن نتخلف عنهم أينما يكونوا نكون معهم حتى نعلم ما يستقر حالهم عليه فقال الربان و الله ما أعلم هذا البحر أين المسير فيه فاستأجرنا ربانا و رجالا و قلعنا القلع 5906 و سرنا ثلاثة عشر يوما بلياليها حتى كان قبل طلوع الفجر فكبر الربان فقال هذه و الله أعلام الزاهرة و منائرها و جدرها أنها قد بانت فسرنا حتى تضاحى النهار.