کتابخانه روایات شیعه
بحار الأنوار (ط - بيروت) - ج 1تا15
الْيَوْمَ وَ السُّوءَ عَلَى الْكافِرِينَ 5355 فجوابه تخصيص ذلك العذاب بما يكون على سبيل الخلود
وَ أَمَّا تَمَسُّكُهُمْ بِمِثْلِ قَوْلِهِ ع مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ وَ إِنْ زَنَى وَ إِنْ سَرَقَ.
فضعيف لأنه إنما ينفي الخلود لا الدخول لنا وجوه الأول و هو العمدة الآيات و الأحاديث الدالة على أن المؤمنين يدخلون الجنة البتة و ليس ذلك قبل دخول النار وفاقا فتعين أن يكون بعده و هو مسألة انقطاع العذاب أو بدونه و هو مسألة العفو التام قال الله تعالى فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ 5356 مَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَ هُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ 5357
وَ قَالَ النَّبِيُّ ص مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ وَ قَالَ مَنْ مَاتَ لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئاً دَخَلَ الْجَنَّةَ وَ إِنْ زَنَى وَ إِنْ سَرَقَ.
الثاني النصوص المشعرة بالخروج من النار كقوله تعالى النَّارُ مَثْواكُمْ خالِدِينَ فِيها إِلَّا ما شاءَ اللَّهُ 5358 فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَ أُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فازَ 5359
وَ كَقَوْلِ النَّبِيِّ ص يَخْرُجُ مِنَ النَّارِ قَوْمٌ بَعْدَ مَا امْتَحَشُوا وَ صَارُوا فَحْماً وَ حُمَماً فَيَنْبُتُونَ كَمَا يَنْبُتُ الْحَبَّةُ فِي حَمِيلِ السَّيْلِ.
و خبر الواحد و إن لم يكن حجة في الأصول لكن يفيد التأييد و التأكيد بتعاضد النصوص 5360 .
الثالث و هو على قاعدة الاعتزال أن من واظب على الإيمان و العمل الصالح مائة سنة و صدر عنه في أثناء ذلك أو بعده جريمة واحدة كشرب جرعة من الخمر فلا يحسن من الحكيم أن يعذبه على ذلك أبد الآباد و لو لم يكن هذا ظلما فلا ظلم أو لم يستحق بهذا ذما فلا ذم.
الرابع أن المعصية متناهية زمانا و هو ظاهر و قدرا لما يوجد من معصية أشد منها فجزاؤها يجب أن يكون متناهيا تحقيقا لقاعدة العدل بخلاف الكفر فإنه لا يتناهى قدرا و إن تناهى زمانه.
و احتجت المعتزلة بوجوه الأول الآيات الدالة على الخلود المتناولة للكافر و غيره كقوله تعالى وَ مَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها أَبَداً 5361 و قوله تعالى وَ مَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِيها 5362 و قوله وَ أَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْواهُمُ النَّارُ كُلَّما أَرادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْها أُعِيدُوا فِيها 5363 و مثل هذا مسوق للتأبيد و نفي الخروج و قوله وَ إِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ يَصْلَوْنَها يَوْمَ الدِّينِ وَ ما هُمْ عَنْها بِغائِبِينَ 5364 و عدم الغيبة عن النار خلود فيها و قوله وَ مَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ وَ يَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ ناراً خالِداً فِيها 5365 و ليس المراد تعدي جميع الحدود بارتكاب الكبائر كلها تركا و إتيانا فإنه محال لما بين البعض من التضاد كاليهودية و النصرانية و المجوسية فيحمل على مورد الآية من حدود المواريث و قوله بَلى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَ أَحاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ 5366 و الجواب بعد تسليم كون الصيغ للعموم أن العموم غير مراد في الآية الأولى للقطع بخروج التائب و أصحاب الصغائر و صاحب الكبيرة الغير المنصوصة إذا أتى بعدها بطاعات تربى ثوابها على عقوباته فليكن مرتكب الكبيرة من المؤمنين أيضا خارجا مما سبق من الآيات و الأدلة و بالجملة فالعام المخرج منه البعض لا يفيد القطع وفاقا و لو سلم فلا نسلم تأبيد الاستحقاق بل هو مغيا بغاية رؤية الوعيد لقوله بعده حَتَّى إِذا رَأَوْا ما يُوعَدُونَ 5367 و لو سلم فغايته الدلالة على استحقاق العذاب المؤبد
لا على الوقوع كما هو المتنازع لجواز الخروج بالعفو.
و عن الثالثة بأن معنى متعمدا مستحلا فعله على ما ذكره ابن عباس إذ التعمد على الحقيقة إنما يكون من المستحل أو بأن التعليق بالوصف يشعر بالحيثية فيختص بمن قتل المؤمن لإيمانه أو بأن الخلود و إن كان ظاهرا في الدوام فالمراد هاهنا المكث الطويل جمعا بين الأدلة.
و عن الثالثة بأنها في حق الكافرين المنكرين للحشر بقرينة قوله ذُوقُوا عَذابَ النَّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ 5368 مع ما في دلالتها على الخلود من المناقشة الظاهرة لجواز أن يخرجوا عند عدم إرادتهم الخروج باليأس أو الذهول أو نحو ذلك.
و عن الرابعة بعد تسليم إفادتها النفي عن كل فرد و دلالتها على دوام عدم الغيبة أنها تختص بالكفار جمعا بين الأدلة و كذا الخامسة و السادسة حملا للحدود على حدود الإسلام و لإحاطة الخطيئة على غلبتها بحيث لا يبقى معها الإيمان هذا مع ما في الخلود من الاحتمال.
ثم قال في بحث آخر لا خلاف في أن من آمن بعد الكفر و المعاصي فهو من أهل الجنة بمنزلة من لا معصية له و من كفر نعوذ بالله بعد الإيمان و العمل الصالح فهو من أهل النار بمنزلة من لا حسنة له و إنما الكلام فيمن آمن و عمل صالحا وَ آخَرَ سَيِّئاً و استمر على الطاعات و الكبائر كما يشاهد من الناس فعندنا مآله إلى الجنة و لو بعد النار و استحقاقه للثواب و العقاب بمقتضى الوعد و الوعيد ثابت من غير حبوط و المشهور من مذهب المعتزلة أنه من أهل الخلود في النار إذا مات قبل التوبة فأشكل عليهم الأمر في إيمانه و طاعاته و ما يثبت من استحقاقاته أين طارت و كيف زالت فقالوا بحبوط الطاعات و مالوا إلى أن السيئات يذهبن الحسنات حتى ذهب الجمهور منهم إلى أن الكبيرة الواحدة تحبط ثواب جميع العبادات و فساده ظاهر أما سمعا فللنصوص الدالة على أن الله تعالى لا يضيع أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا و عمل صالحا و أما عقلا فللقطع بأنه لا يحسن من الحكيم الكريم إبطال ثواب إيمان العبد
و مواظبته على الطاعات طول العمر بتناول لقمة من الرباء أو جرعة من الخمر إلى آخر ما قال.
أقول قد سبق القول في ذلك في باب الحبط و التكفير و لا أظنك يخفى عليك ما مهدناه أولا بعد الإحاطة بما أوردناه من الآيات و الأخبار و سيأتي عمدة الأخبار المتعلقة بتلك المباحث في كتاب الإيمان و الكفر.
باب 28 ما يكون بعد دخول أهل الجنة الجنة و أهل النار النار
1- ل، الخصال ابْنُ الْوَلِيدِ عَنِ الصَّفَّارِ عَنِ ابْنِ أَبِي الْخَطَّابِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ هِلَالٍ عَنِ الْعَلَاءِ عَنْ مُحَمَّدٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ ع يَقُولُ لَقَدْ خَلَقَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ فِي الْأَرْضِ مُنْذُ خَلَقَهَا سَبْعَةَ عَالَمِينَ لَيْسَ هُمْ مِنْ وُلْدِ آدَمَ خَلَقَهُمْ مِنْ أَدِيمِ الْأَرْضِ فَأَسْكَنَهُمْ فِيهَا وَاحِداً بَعْدَ وَاحِدٍ مَعَ عَالَمِهِ ثُمَّ خَلَقَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ أَبَا هَذَا الْبَشَرِ وَ خَلَقَ ذُرِّيَّتَهُ مِنْهُ وَ لَا وَ اللَّهِ مَا خَلَتِ الْجَنَّةُ مِنْ أَرْوَاحِ الْمُؤْمِنِينَ مُنْذُ خَلَقَهَا وَ لَا خَلَتِ النَّارُ مِنْ أَرْوَاحِ الْكُفَّارِ وَ الْعُصَاةِ مُنْذُ خَلَقَهَا عَزَّ وَ جَلَّ لَعَلَّكُمْ تَرَوْنَ أَنَّهُ إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ وَ صَيَّرَ اللَّهُ أَبْدَانَ أَهْلِ الْجَنَّةِ مَعَ أَرْوَاحِهِمْ فِي الْجَنَّةِ وَ صَيَّرَ أَبْدَانَ أَهْلِ النَّارِ مَعَ أَرْوَاحِهِمْ فِي النَّارِ إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى [لَا يُعْبَدُ خل] فِي بِلَادِهِ وَ لَا يَخْلُقُ خَلْقاً يَعْبُدُونَهُ وَ يُوَحِّدُونَهُ 5369 وَ يُعَظِّمُونَهُ وَ يَخْلُقُ لَهُمْ أَرْضاً تَحْمِلُهُمْ وَ سَمَاءً تُظِلُّهُمْ أَ لَيْسَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ يَقُولُ يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَ السَّماواتُ وَ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَ أَ فَعَيِينا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ .
: شي، تفسير العياشي عن محمد مثله.
2- ل، الخصال أَبِي عَنْ سَعْدٍ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شِمْرٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ ع عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَ أَ فَعَيِينا بِالْخَلْقِ
الْأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ فَقَالَ يَا جَابِرُ تَأْوِيلُ ذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ إِذَا أَفْنَى هَذَا الْخَلْقَ وَ هَذَا الْعَالَمَ وَ أَسْكَنَ أَهْلَ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ وَ أَهْلَ النَّارِ النَّارَ جَدَّدَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ عَالَماً غَيْرَ هَذَا الْعَالَمِ وَ جَدَّدَ خلق [عَالَماً] مِنْ غَيْرِ فُحُولَةٍ وَ لَا إِنَاثٍ يَعْبُدُونَهُ وَ يُوَحِّدُونَهُ وَ خَلَقَ لَهُمْ أَرْضاً غَيْرَ هَذِهِ الْأَرْضِ تَحْمِلُهُمْ وَ سَمَاءً غَيْرَ هَذِهِ السَّمَاءِ تُظِلُّهُمْ لَعَلَّكَ تَرَى أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ إِنَّمَا خَلَقَ هَذَا الْعَالَمَ الْوَاحِدَ وَ تَرَى أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ لَمْ يَخْلُقْ بَشَراً غَيْرَكُمْ بَلَى وَ اللَّهِ لَقَدْ خَلَقَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى أَلْفَ أَلْفِ عَالَمٍ وَ أَلْفَ أَلْفِ آدَمٍ أَنْتَ فِي آخِرِ تِلْكَ الْعَوَالِمِ وَ أُولَئِكَ الْآدَمِيِّينَ.
بيان يمكن الجمع بينه و بين ما سبق بحمل السبعة على الألواح و هذا على الأشخاص 5370 .
3- ين، كتاب حسين بن سعيد و النوادر مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ عَنْ أَبِي خَالِدٍ الْقَمَّاطِ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع وَ يُقَالُ لِأَبِي جَعْفَرٍ ع إِذَا أُدْخِلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ وَ أُدْخِلَ أَهْلُ النَّارِ النَّارَ فَمَهْ قَالَ فَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ ع إِنْ أَرَادَ أَنْ يَخْلُقَ اللَّهُ خَلْقاً وَ يَخْلُقَ لَهُمْ دُنْيَا يَرُدُّهُمْ إِلَيْهَا فَعَلَ وَ لَا أَقُولُ لَكَ إِنَّهُ يَفْعَلُ.
4- ين، كتاب حسين بن سعيد و النوادر مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ عَنْ عَمَّارِ بْنِ مَرْوَانَ عَنْ أَبِي بَصِيرٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ: قُلْتُ لَهُ إِذَا دَخَلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ وَ أَهْلُ النَّارِ النَّارَ فَمَهْ فَقَالَ مَا أَزْعُمُ لَكَ أَنَّهُ تَعَالَى يَخْلُقُ خَلْقاً يَعْبُدُونَهُ.
بيان يفهم من سياق هذين الخبرين أن الله تعالى يخلق خلقا آخر لكن الإمام ع لم يصرح به تقية و خوفا من التشنيع و ما يدل عليه تلك الأخبار لم أر أحدا من المتكلمين تعرض له بنفي و لا إثبات و أدلة العقل لا تنفيه بل تعضده لكن الأخبار الواردة في ذلك لم تصل إلى حد يوجب القطع به و الله تعالى يعلم.
هذا آخر ما أردنا إيراده في هذا المجلد من كتاب بحار الأنوار و ختم على يدي مؤلفه ختم الله له و لوالديه بالحسنى في حادي عشر شهر محرم الحرام من شهور سنة ثمانين بعد الألف من الهجرة و الحمد لله أولا و آخرا و صلى الله على محمد و أهل بيته الطاهرين المعصومين و لعنة الله على ظالميهم و قاتليهم و غاصبي حقوقهم و مبغضيهم و مخالفيهم أبد الآبدين.
إلى هنا ينتهي الجزء الثامن من كتاب بحار الأنوار من هذه الطبعة المزدانة بتعاليق نفيسة قيّمة و فوائد جمّة ثمينة؛ و به يختم المجلد الثالث من الأصل حسب تجزءة المصنّف. و يحوي هذا الجزء 556 حديثاً في 11 باباً.