کتابخانه روایات شیعه
بحار الأنوار (ط - بيروت) - ج 1تا15
تِجارَةٌ وَ لا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ 10117 و يكونوا في أثناء التجارة مشغولين بذكره مراعين أوامره و نواهيه.
لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ قال الطبرسي ره أي لتفلحوا و تفوزوا بثواب النعيم علق سبحانه الفلاح بما تقدم ذكره من أعمال الجمعة و غيرها
وَ صَحَّ الْحَدِيثُ عَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص مَنِ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَأَحْسَنَ غُسْلَهُ وَ لَبِسَ صَالِحَ ثِيَابِهِ وَ مَسَّ مِنْ طِيبِ بَيْتِهِ أَوْ دُهْنِهِ ثُمَّ لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ اثْنَيْنِ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ بَيْنَهُ وَ بَيْنَ الْجُمُعَةِ الْأُخْرَى وَ زِيَادَةَ ثَلَاثَةِ أَيَّامِ بَعْدَهَا.
وَ رَوَى سُلَيْمَانُ التَّمِيمِيُّ عَنِ النَّبِيِّ ص قَالَ: إِنَّ لِلَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ فِي كُلِّ جُمُعَةٍ سِتَّ مِائَةِ أَلْفِ عَتِيقٍ مِنَ النَّارِ كُلُّهُمْ قَدِ اسْتَوْجَبَ النَّارَ.
قال ثم أخبر سبحانه عن جماعة قابلوا أكرم الكرم بالأم اللؤم فقال وَ إِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً 10118 أي عاينوا ذلك و قيل معناه إذا علموا بيعا أو شراء أو لهوا
و هو الطبل عن مجاهد و قيل المزامير عن جابر انْفَضُّوا إِلَيْها أي تفرقوا عنك خارجين إليها و قيل مالوا إليها.
و الضمير للتجارة و إنما خصت برد الضمير إليها لأنها كانت أهم إليهم و هم بها أسر من الطبل لأن الطبل إنما دلت على التجارة عن الفراء و قيل عاد الضمير إلى أحدهما اكتفاء به و كأنه على حذف و المعنى و إذا رأوا تجارة انفضوا إليها و إذا رأوا لهوا انفضوا إليه فحذف إليه لأن إليها تدل عليه.
وَ رُوِيَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع أَنَّهُ قَالَ: انْصَرَفُوا إِلَيْهَا وَ تَرَكُوكَ قائِماً تَخْطُبُ عَلَى الْمِنْبَرِ.
قال جابر بن سمرة ما رأيت رسول الله ص خطب إلا و هو قائم فمن حدثك أنه خطب و هو جالس فكذبه.
و سئل ابن مسعود أ كان النبي ص يخطب قائما فقال أ ما تقرأ وَ تَرَكُوكَ
قائِماً و قيل أراد قائما في الصلاة.
ثم قال تعالى قُلْ يا محمد لهم ما عِنْدَ اللَّهِ من الثواب على الخطبة و حضور الموعظة و الصلاة و الثبات مع النبي ص خَيْرٌ و أحمد عاقبة و أنفع مِنَ اللَّهْوِ وَ مِنَ التِّجارَةِ وَ اللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ يرزقكم و إن لم تتركوا الخطبة و الجمعة.
وَ قَالَ ره فِي سَبَبِ 10119 نُزُولِ الْآيَةِ قَالَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَقْبَلَتْ عِيرٌ وَ نَحْنُ نُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ص الْجُمُعَةَ فَانْفَضَّ النَّاسُ إِلَيْهَا فَمَا بَقِيَ غَيْرُ اثْنَيْ عَشَرَ رَجُلًا أَنَا فِيهِمْ فَنَزَلَتْ.
وَ قَالَ الْحَسَنُ وَ أَبُو مَالِكٍ أَصَابَ أَهْلَ الْمَدِينَةِ جُوعٌ وَ غَلَاءُ سِعْرٍ فَقَدِمَ دِحْيَةُ بْنُ خَلِيفَةَ بِتِجَارَةِ زَيْتٍ مِنَ الشَّامِ وَ النَّبِيُّ ص يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَلَمَّا رَأَوْهُ قَامُوا إِلَيْهِ بِالْبَقِيعِ خَشْيَةَ أَنْ يُسْبَقُوا إِلَيْهِ فَلَمْ يَبْقَ مَعَ النَّبِيِّ ص إِلَّا رَهْطٌ فَنَزَلَتِ الْآيَةُ فَقَالَ ص وَ الَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ تَتَابَعْتُمْ حَتَّى لَا يَبْقَى أَحَدٌ لَسَالَ بِكُمُ الْوَادِي نَاراً. 10120
وَ قَالَ الْمُقَاتِلَانِ بَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ ص يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إِذْ قَدِمَ دِحْيَةُ بْنُ خَلِيفَةَ الْكَلْبِيُّ مِنَ الشَّامِ بِتِجَارَةٍ وَ كَانَ إِذَا قَدِمَ لَمْ يَبْقَ بِالْمَدِينَةِ عَاتِقٌ إِلَّا أَتَتْهُ وَ كَانَ يَقْدَمُ إِذَا قَدِمَ بِكُلِّ مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ مِنْ دَقِيقٍ أَوْ بُرٍّ أَوْ غَيْرِهِ وَ يَنْزِلُ عِنْدَ أَحْجَارِ الزَّيْتِ وَ هُوَ مَكَانٌ فِي سُوقِ الْمَدِينَةِ ثُمَّ يَضْرِبُ بِالطَّبْلِ لِيُؤْذِنَ النَّاسَ بِقُدُومِهِ فَيَخْرُجَ إِلَيْهِ النَّاسُ لِيَتَبَايَعُوا مَعَهُ فَقَدِمَ ذَاتَ جُمُعَةٍ وَ كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُسْلِمَ- 10121 وَ رَسُولُ اللَّهِ ص قَائِمٌ عَلَى الْمِنْبَرِ يَخْطُبُ فَخَرَجَ النَّاسُ فَلَمْ يَبْقَ فِي الْمَسْجِدِ إِلَّا اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا وَ امْرَأَةً فَقَالَ ص
لَوْ لَا هَؤُلَاءِ لَسُوِّمَتْ لَهُمُ الْحِجَارَةُ مِنَ السَّمَاءِ وَ أَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ.
و قيل لم يبق في المسجد إلا ثمانية رهط عن الكلبي عن ابن عباس و قيل إلا أحد عشر رجلا عن ابن كيسان و قيل إنهم فعلوا ذلك ثلاث مرات في كل يوم مرة لعير تقدم من الشام و كل ذلك يوافق يوم الجمعة عن قتادة و مقاتل انتهى.
تذييل
اعلم أن الله سبحانه أكد في هذه السورة الشريفة للأمر الذي نزلت فيه و هو وجوب صلاة الجمعة تقدمة و تذييلا أنواعا من التأكيد لم يأت بها في شيء من العبادات فيدل على أنه آكدها و أفضلها عنده و أحبها إليه و ذلك من وجوه أولها إنزال سورة مخصوصة لذلك و لم ينزل في غيره سورة.
الثاني أنه قدم قبل الآية المسوقة لذلك آيات كلها معدات لقبولها و الإتيان بها حيث افتتح السورة بأن جميع ما في السماوات و الأرض تسبح له فينبغي للإنسان الذي هو أشرف المخلوقات أن لا يقصر عنها بل يكون تنزيهه له سبحانه و طاعته له أكثر منها ثم وصف سبحانه نفسه بأنه ملك العالم و يجب على جميع الخلق طاعته ثم بأنه القدوس المنزه عن الظلم و العبث بل إنما كلفهم بالطاعات لأعظم المصالح و لوصولهم إلى درجات السعادات.
ثم هددهم بأنه عزيز غالب قادر مع مخالفتهم على عقوبتهم في الدنيا و الآخرة و أنه حكيم لا يفعل شيئا و لا يأمر و لا ينهى إلا لحكمة فلا ينبغي أن يتجاوز عن مقتضى أمره و نهيه.
ثم ذكر امتنانه على عباده بأنه بعث في قوم أميين عارين عن العلوم و المعارف رَسُولًا مِنْهُمْ ليكون أدعى لهم إلى قبول قوله يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ المشتملة على مصالحهم و يطهرهم من الصفات الذميمة و النقائص و الجهالات وَ يُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَ الْحِكْمَةَ و لقد كانوا من قبله لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ عن الملة و الشريعة فلا بد لهم من قبول قوله في كل ما يأمرهم به و منها هذه الصلاة.
ثم بين أن شريعة هذا النبي و أحكامه لا تختص بقوم و لا بالموجودين في زمانه بل شريعته باقية و حلاله حلال و حرامه حرام إلى يوم القيامة ردا على من يزعم أن الخطاب مخصوص بالموجودين فقال وَ آخَرِينَ مِنْهُمْ أي و يعلم آخرين من المؤمنين لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ و هم كل من بعد الصحابة إلى يوم القيامة.
ثم هدد و حث بوصف نفسه سبحانه مرة أخرى بالعزيز الحكيم ثم عظم شأن النبوة لئلا يجوزوا مخالفة النبي ص فيما أتى به من الشرائع ثم ذم الحاملين للتوراة العالمين غير العاملين به تعريضا لعلماء السوء مطلقا بأنهم لعدم عملهم بعلمهم كالحمار يحمل أسفارا.
ثم أوعدهم بالموت الذي لا بد من لقائه و بما يتبعه من العذاب و العقاب و نبههم على أن ولاية الله لا تنال إلا بالعمل بأوامره سبحانه و اجتناب مساخطه و ليس ذلك بالعلم فقط و لا بمحض الدعوى.
ثم لما مهد جميع ذلك خاطبهم بما هو المقصود من السورة أحسن خطاب و ألطفه.
الثالث أنه سبحانه أكد في نفس الآية المنزلة لذلك ضروبا من التأكيد الأول إقباله تبارك و تعالى إليهم بالخطاب تنشيطا للمكلفين و جبرا لكلفة التكليف بلذة المخاطبة.
الثاني أنه ناداهم بياء الموضوعة لنداء البعيد تعظيما لشأن المنادى له و تنبيها على أنه من العظم و الجلالة بحيث المخاطب في غفلة منه و بعد عنه و إن كان
في نهاية التيقظ و التذكر له.
الثالث أنه أطنب الكلام تعظيما لشأن ما فيه الكلام و إيماء إلى أنه من الشرافة و الكرامة بحيث يتلذذ المتكلم بما تكلم فيه كما يتلذذ بذكر المحبوبين و وصفهم بصفاتهم و الإطناب في أحوالهم.
و الرابع أنه أجمل أولا المنادى حيث عبر بأي العامة لكل شيء تخييلا لأن هذا الأمر لعظم شأنه مما لا يمكن المتكلم أن يعلم أول الأمر و بادئ الرأي أنه بمن يليق و من يكون له حتى إذا تفكر و تدبر علم من يصلح له و يليق به.
الخامس أنه أتى بكلمة ها التي للتنبيه لمثل ما قلناه في يا.
السادس أنه عبر عنهم بصيغة الغائب تنبيها على بعدهم لمثل ما قلناه في يا.
السابع أنه طول في اسمهم ليحصل لهم التنبيه الكامل فإنهم في أول النداء يأخذون في التنبه فكلما طال النداء و اسم المنادى ازداد تنبههم.
الثامن أنه خص المؤمنين بالنداء مع أن غيرهم مكلفون بالشرائع تنبيها على أن الأمر من عظمه بحيث لا يليق به إلا المؤمنون.
التاسع أنه عظم المخاطبين به بذكر اسمهم ثلاث مرات من الإجمال و التفصيل فإن أيها مجمل و الذين مفصل بالنسبة إليه ثم الصلة تفصيل للموصول.
العاشر أنه عظمهم بصيغة الغيبة.
الحادي عشر أنه خص المعرفة بالنداء تنبيها على أنه لا يليق بالخطاب إلا رجال معهودون معروفون بالإيمان.
الثاني عشر أنه علق الحكم على وصف الإيمان تنبيها على عليته له و اقتضائه إياه.
الثالث عشر أنه أمرهم بالسعي الذي هو الإسراع بالمشي إما حقيقة أو مجازا كما مر و الثاني أبلغ.
الرابع عشر أنه رتبه على الشرط بالفاء الدالة على عدم التراخي.
الخامس عشر أنه عبر عنها بذكر الله فوضع الظاهر موضع الضمير إن فسر بالصلاة للدلالة على أنها ذكر الله فمن تركها كان ناسيا لذكر الله غافلا عنه و إن فسر بالخطبة أيضا يجري فيه مثله.
السادس عشر تعقيبه بالأمر بترك ما يشغل عنه من البيع.
السابع عشر تعقيبه بقوله ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ و هو يتضمن وجوها من التأكيد الأول نفس تعقيب هذا الكلام لسابقه و الثاني الإشارة بصيغة البعيد المتضمن لتعظيم المشار إليه و الثالث تنكير خير إن لم نجعله اسم تفضيل لأنه أيضا للتعظيم.
الثامن عشر تعقيبه بقوله إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ و هو يتضمن التأكيد من وجوه الأول نفس هذا الكلام فإن العرف يشهد بأنه يذكر في الأمور العظام المرغب فيها إن كنت تعلم ما فيه من الخير لفعلته.
الثاني الدلالة على أن من توانى فيه فإنما هو لجهله بما فيه من الفضل ففيه تنزيل لبعض العالمين منزلة الجاهلين و دلالة على أنه لا يمكن أن يصدر الترك أو التواني فيه عن أحد إلا عن جهل بما فيه.
و الثالث أنه ترك الجزاء ليذهب الوهم كل مذهب ممكن و هو نهاية في المبالغة.