کتابخانه روایات شیعه
بحار الأنوار (ط - بيروت) - ج 1تا15
وَ قَالَ: فَإِذا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُوا 34831 وَ مَا سَلَّمْتَ. قَالَ: فَهَلْ عِنْدَكَ مِنْ خَيْرٍ إِنْ 34832 عَفَوْتُ عَنْكَ؟. قَالَ: نَعَمْ- وَ اللَّهِ- لَا أَعُودُ. فَقَالَ: اذْهَبْ فَقَدْ عَفَوْتُ عَنْكَ.
وَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى 34833 : فَلَحِقَهُ الخجل. و قد حكى تلك القصّة في الصراط المستقيم 34834 ، عن الطبري 34835 ، و الرازي، و الثعلبي، و القزويني، و البصري، و عن الراغب في محاضراته، و الغزالي في الإحياء 34836 ، و المالكي في قوت القلوب.
و قال الشيخ الطبرسي رحمه اللّه في مجمع البيان 34837 : وَ رُوِيَ 34838 عَنْ أَبِي قِلَابَةَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ حُدِّثَ أَنَّ أَبَا مِحْجَنٍ الثَّقَفِيَّ يَشْرَبُ الْخَمْرَ فِي بَيْتِهِ هُوَ وَ أَصْحَابُهُ، فَانْطَلَقَ عُمَرُ حَتَّى دَخَلَ عَلَيْهِ، فَإِذَا لَيْسَ عِنْدَهُ إِلَّا رَجُلٌ، فَقَالَ أَبُو الْمِحْجَنِ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ! إِنَّ هَذَا لَا يَحِلُّ لَكَ، قَدْ نَهَاكَ اللَّهُ عَنِ التَّجَسُّسِ!. فَقَالَ عُمَرُ: مَا يَقُولُ هَذَا؟. فَقَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْأَرْقَمِ: صَدَقَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ!. قَالَ: فَخَرَجَ عُمَرُ وَ تَرَكَهُ، وَ خَرَجَ مَعَ 34839 عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَيْضاً 34840 عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ 34841 فَتَبَيَّنَتْ لَهُمَا نَارٌ فَأَتَيَا وَ اسْتَأْذَنَا فَفُتِحَ الْبَابُ فَدَخَلَا، فَإِذَا رَجُلٌ وَ امْرَأَةٌ تُغَنِّي وَ عَلَى يَدِ الرَّجُلِ قَدَحٌ، فَقَالَ عُمَرُ: مَنْ هَذِهِ مِنْكَ؟. قَالَ: امْرَأَتِي.
قَالَ: وَ مَا فِي هَذَا الْقَدَحِ؟. قَالَ: الْمَاءُ، فَقَالَ لِلْمَرْأَةِ مَا الَّذِي تُغَنِّينَ، قَالَتْ: أَقُولُ:
تَطَاوَلَ هَذَا اللَّيْلُ وَ اسْوَدَّ جَانِبُهُ
وَ أَرَّقَنِي إِلَّا حَبِيبٌ أُلَاعِبُهُ
فَوَ اللَّهِ لَوْ لَا خَشْيَةُ اللَّهِ وَ التُّقَى
لَزُعْزِعَ مِنْ هَذَا السَّرِيرِ جَوَانِبُهُ
وَ لَكِنَّ عَقْلِي وَ الْهَوَاءَ 34842 يَكُفُّنِي
وَ أُكْرِمُ بَعْلِي أَنْ تُنَالَ مَرَاكِبُهُ
فَقَالَ 34843 الرَّجُلُ: مَا بِهَذَا أُمِرْنَا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ! قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَ لا تَجَسَّسُوا 34844 ، فَقَالَ عُمَرُ: صَدَقْتَ، وَ انْصَرَفَ 34845 .
و أجيب 34846 بأنّ للإمام أن يجتهد في إزالة المنكر بهذا الجنس من الفعل، و إنّما لحقه الخجل 34847 . لأنّه لم يصادف الأمر على ما ألقي إليه في إقدامهم على المنكر.
و أجاب السيد المرتضى 34848 رضوان اللّه عليه ب: أنّ التجسّس محظور 34849 بالقرآن و السنّة، و ليس للإمام أن يجتهد فيما يؤدّي إلى مخالفة الكتاب و السنة، و قد كان يجب- إن كان هذا عذرا صحيحا- أن يعتذر به إلى من خطّأه في وجهه، و قال له: إنّك أخطأت السنّة من وجوه، فإنّه بمعاذير نفسه أعلم من غيره 34850 ، و تلك الحال حال 34851 تدعو إلى الاحتجاج و إقامة العذر، و كلّ هذا تلزيق و تلفيق. انتهى.
و لا يخفى أنّ قولهم: إنّما لحقه الخجل لعدم مصادفته الأمر على ما ألقي إليه .. مخالف لما رواه ابن أبي الحديد 34852 و غيره كما عرفت.
ثم إنّهم عدّوا من فضائل عمر 34853 أنّه أوّل من عسّ في عمله نفسه، لزعمهم أنّ ذلك أحرى بسياسة الرعيّة، و قد ظهر من مخالفته لصريح الآية أنّه من جملة مطاعنه، و لو كان خيرا لما تركه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، و لكان اللّه تعالى يأمر بذلك، فعدّهم ذلك من فضائله ترجيح لرأي عمر على ما قضى اللّه و رسوله به، و هل هذا إلّا كفر صريح؟!.
الثامن
: ما ورد في جميع صحاحهم- و إن لم يتعرّض له أكثر أصحابنا، و هو عندي من أفحش مطاعنه و أثبتها- و هو أنّه ترك الصلاة لفقد الماء، و أمر من أجنب و لم يجد الماء أن لا يصلّي من غير استناد إلى شبهة، كما رَوَى الْبُخَارِيُ وَ مُسْلِمٌ وَ أَبُو دَاوُدَ وَ النَّسَائِيُ وَ صَاحِبُ جَامِعِ الْأُصُولِ ، عَنْ شَقِيقٍ قَالَ: كُنْتُ جَالِساً مَعَ عَبْدِ اللَّهِ وَ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ، فَقَالَ لَهُ أَبُو مُوسَى : لَوْ أَنَّ رَجُلًا أَجْنَبَ وَ لَمْ يَجِدِ الْمَاءَ شَهْراً أَ مَا كَانَ يَتَيَمَّمُ وَ يُصَلِّي؟! وَ كَيْفَ تَصْنَعُونَ بِهَذِهِ الْآيَةِ فِي سُورَةِ
الْمَائِدَةِ: فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: لَوْ رُخِّصَ لَهُمْ فِي هَذَا لَأَوْشَكُوا إِذَا بَرُدَ عَلَيْهِمُ الْمَاءُ أَنْ يَتَيَمَّمُوا الصَّعِيدَ . قُلْتُ: وَ إِنَّمَا كَرِهْتُمْ هَذَا لِذَا . قَالَ: نَعَمْ. فَقَالَ لَهُ أَبُو مُوسَى : أَ لَمْ تَسْمَعْ قَوْلَ عَمَّارٍ لِعُمَرَ: بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ [وَ آلِهِ] فِي حَاجَةٍ فَأَجْنَبْتُ فَلَمْ أَجِدِ الْمَاءَ فَتَمَرَّغْتُ فِي الصَّعِيدِ كَمَا يَتَمَرَّغُ الدَّابَّةُ ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ [وَ آلِهِ]، فَقَالَ:
إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيكَ أَنْ تَصْنَعَ هَكَذَا .. فَضَرَبَ بِكَفِّهِ ضَرْبَةً عَلَى الْأَرْضِ ثُمَّ نَفَضَهَا ثُمَّ مَسَحَ ظَهْرَ كَفِّهِ بِشِمَالِهِ، أَوْ ظَهْرَ شِمَالِهِ بِكَفِّهِ، ثُمَّ مَسَحَ بِهِمَا وَجْهَهُ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: أَ لَمْ تَرَ عُمَرَ لَمْ يَقْنَعْ بِقَوْلِ عَمَّارٍ .
قَالَ الْبُخَارِيُ : وَ زَادَ يَعْلَى، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ شَقِيقٍ، قَالَ: كُنْتُ مَعَ عَبْدِ اللَّهِ وَ أَبِي مُوسَى، فَقَالَ لَهُ أَبُو مُوسَى: أَ لَمْ تَسْمَعْ قَوْلَ عَمَّارٍ لِعُمَرَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ [وَ آلِهِ] بَعَثَنِي أَنَا وَ أَنْتَ، فَأَجْنَبْتُ، فَتَمَعَّكْتُ فِي الصَّعِيدِ فَأَتَيْنَا
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ [وَ آلِهِ] فَأَخْبَرْنَاهُ، فَقَالَ: إِنَّمَا يَكْفِيكَ هَكَذَا .. وَ مَسَحَ وَجْهَهُ وَ كَفَّيْهِ وَاحِدَةً.
وَ رَوَى الْبُخَارِيُ - أَيْضاً- فِي مَوْضِعٍ آخَرَ، عَنْ شَقِيقِ بْنِ سَلَمَةَ، قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ عَبْدِ اللَّهِ وَ أَبِي مُوسَى، فَقَالَ لَهُ أَبُو مُوسَى: أَ رَأَيْتَ- يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ إِذَا أَجْنَبَ فَلَمْ يَجِدْ مَاءً كَيْفَ يَصْنَعُ؟. فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: لَا يُصَلِّي حَتَّى يَجِدَ الْمَاءَ.
فَقَالَ أَبُو مُوسَى: كَيْفَ تَصْنَعُ بِقَوْلِ عَمَّارٍ حِينَ قَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ [وَ آلِهِ]: كَانَ يَكْفِيكَ .. قَالَ: أَ لَمْ تَرَ عُمَرَ لَمْ يَقْنَعْ بِذَلِكَ! فَقَالَ أَبُو مُوسَى: فَدَعْنَا مِنْ قَوْلِ عَمَّارٍ، كَيْفَ تَصْنَعُ بِهَذِهِ الْآيَةِ؟، فَمَا دَرَى عَبْدُ اللَّهِ مَا يَقُولُ!، فَقَالَ: إِنَّا لَوْ رَخَّصْنَا لَهُمْ فِي هَذَا لَأَوْشَكَ إِذَا بَرَدَ عَلَى أَحَدِهِمُ الْمَاءُ أَنْ يَدَعَهُ وَ يَتَيَمَّمَ، قَالَ الْأَعْمَشُ: فَقُلْتُ لِشَقِيقٍ: فَإِنَّهَا كَرِهَ عَبْدُ اللَّهِ لِهَذَا. قَالَ: نَعَمْ .
وَ رَوَى الْبُخَارِيُ - أَيْضاً-، عَنْ أَبِي وَابِلٍ، قَالَ: قَالَ أَبُو مُوسَى لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ: إِذَا لَمْ يَجِدِ الْمَاءَ لَا يُصَلِّي؟. قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: لَوْ رَخَّصْتُ لَهُمْ فِي هَذَا كَانَ إِذَا وَجَدَ أَحَدُهُمُ الْبَرْدَ قَالَ هَكَذَا- يَعْنِي تَيَمَّمَ- وَ صَلَّى، قَالَ: قُلْتُ: فَأَيْنَ قَوْلُ عَمَّارٍ لِعُمَرَ؟. قَالَ: إِنِّي لَمْ أَرَ عُمَرَ قَنِعَ بِقَوْلِ عَمَّارٍ .
وَ رَوَى أَيْضاً، عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى
عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَقَالَ: إِنِّي أَجْنَبْتُ فَلَمْ أُصِبِ الْمَاءَ؟. فَقَالَ عُمَرُ: لَا تُصَلِّ.
فَقَالَ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ: أَ مَا تَذْكُرُ أَنَّا كُنَّا فِي سَفَرٍ أَنَا وَ أَنْتَ، فَأَمَّا أَنْتَ فَلَمْ تُصَلِّ، وَ أَمَّا أَنَا فَتَمَعَّكْتُ فَصَلَّيْتُ، فَذَكَرْتُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ [وَ آلِهِ]، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ [وَ آلِهِ]: إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيكَ هَكَذَا .. فَضَرَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ [وَ آلِهِ] بِكَفَّيْهِ الْأَرْضَ وَ نَفَخَ فِيهِمَا، ثُمَّ مَسَحَ بِهِمَا وَجْهَهُ وَ كَفَّيْهِ 34886 .
وَ رَوَى مُسْلِمٌ 34887 بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُورِ إِلَى قَوْلِهِ: ثُمَّ تَمْسَحُ بِهِمَا وَجْهَكَ وَ كَفَّيْكَ، فَقَالَ عُمَرُ: اتَّقِ اللَّهَ يَا عَمَّارُ!. فَقَالَ: إِنْ شِئْتَ لَمْ أُحَدِّثْ 34888 بِهِ.
وَ فِي رِوَايَةٍ 34889 أُخْرَى لِمُسْلِمٍ، فَقَالَ عُمَرُ: نُوَلِّيكَ مَا تَوَلَّيْتَ.