کتابخانه روایات شیعه
بحار الأنوار (ط - بيروت) - ج 1تا15
ابن جريح و قيل على عهد ملك سليمان و الأقرب أن يكون المراد و اتبعوا ما تتلوا الشياطين افتراء على ملك سليمان لأنهم كانوا يقرءون من كتب السحر فيقولون إن سليمان إنما وجد ذلك الملك بسبب هذا العلم فكانت تلاوتهم لتلك الكتب كالافتراء على ملك سليمان و الله أعلم.
المسألة الخامسة
اختلفوا في المراد بملك سليمان فقال القاضي إن ملك سليمان هو النبوة أو يدخل فيها النبوة و تحت النبوة الكتاب المنزل عليه و الشريعة فإذا صح ذلك ثم أخرج القوم صحيفة فيها ضروب السحر و قد دفنوها تحت سرير ملكه ثم أخرجوها بعد موته و أوهموا أنها من جهته صار ذلك منهم تقولا على ملكه في الحقيقة و الأصح عندي أن يقال القوم لما ادعوا أن سليمان إنما وجد تلك المملكة بسبب ذلك العلم كان ذلك الادعاء كالافتراء على ملك سليمان و الله أعلم.
المسألة السادسة
السبب في أنهم أضافوا السحر إلى سليمان وجوه أحدها أنهم أضافوا السحر إلى سليمان تفخيما لشأنه و تعظيما لأمره و ترغيبا للقوم في قبول ذلك منهم. و ثانيها أن اليهود ما كانوا يقرون بنبوة سليمان بل كانوا يقولون إنما وجد ذلك الملك بسبب السحر. و ثالثها أن الله تعالى لما سخر الجن ل سليمان فكان يخالطهم و يستفيد منهم أسرارا عجيبة. فغلب على الظنون أنه عليه السلام استفاد السحر منهم. أما قوله تعالى وَ ما كَفَرَ سُلَيْمانُ فهذا تنزيه له عليه السلام عن الكفر و ذلك يدل على أن القوم نسبوه إلى الكفر و السحر و قيل فيه أشياء أحدها ما روي عن بعض أحبار اليهود أنهم قالوا أ لا تعجبون من محمد يزعم أن سليمان كان نبيا و ما كان إلا ساحرا فأنزل الله هذه الآية. و ثانيها أن السحرة من اليهود زعموا أنهم أخذوا السحر عن سليمان فنزهه الله منه. و ثالثها أن قوما زعموا أن قوام ملكه كان بالسحر فبرأه الله منه لأن كونه نبيا ينافي كونه ساحرا كافرا ثم بين تعالى أن الذي برأه منه لاحق بغيره فقال وَ لكِنَّ الشَّياطِينَ كَفَرُوا يشير به إلى ما تقدم ذكره ممن اتخذ السحر كالحرفة لنفسه و ينسبه إلى
سليمان ثم بين تعالى ما به كفروا فقد كان يجوز أن يتوهم أنهم كفروا لا بالسحر فقال تعالى يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ .
و اعلم أن الكلام في السحر يقع من وجوه الأول في البحث عنه بحسب اللغة فنقول ذكر أهل اللغة إنه في الأصل عبارة عما لطف و خفي سببه و السحر بالفتح هو الغذاء لخفائه و لطف مجاريه قال لبيد و نسحر بالطعام و بالشراب.
قيل فيه وجهان أحدهما أنا نعلل و نخدع كالمسحور و المخدوع و الآخر نغذي و أي الوجهين كان فمعناه الخفاء و قال.
فإن تسألينا مم 8947 نحن فإننا
عصافير من هذا الأنام المسحر .
و هذا الوجه يحتمل من المعنى ما احتمله الأول و يحتمل أيضا أن يريد بالمسحر أنه ذو السحر و السحر هو الرئة و ما تعلق بالحلقوم و هذا أيضا يرجع إلى معنى الخفاء و منه قول عائشة توفي رسول الله بين سحري و نحري و قوله تعالى إِنَّما أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ 8948 يعني من المجوف الذي يطعم و يشرب يدل عليه قولهم ما أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا 8949 و قال تعالى حكاية عن موسى ع أنه قال للسحرة ما جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ 8950 و قال فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَ اسْتَرْهَبُوهُمْ 8951 فهذا هو معنى السحر في أصل اللغة.
الوجه الثاني اعلم أن لفظ السحر في عرف الشرع مختص بكل أمر مخفي 8952 سببه و يتخيل على غير حقيقته و يجري مجرى التمويه و الخداع و
متى أطلق و لم يقيد أفاد ذم فاعله قال تعالى سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ يعني موهوا عليهم حتى ظنوا أن حبالهم و عصيهم تسعى و قال تعالى يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّها تَسْعى 8953 و قد يستعمل مقيدا فيما يمدح و يحمد
رُوِيَ أَنَّهُ قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ص الزِّبْرِقَانُ بْنُ بَدْرٍ وَ عَمْرُو بْنُ الْأَهْتَمِ وَ قَالَ لِعَمْرٍو خَبِّرْنِي عَنِ الزِّبْرِقَانِ فَقَالَ مُطَاعٌ فِي نَادِيهِ شَدِيدُ الْعَارِضِ مَانِعٌ لِمَا وَرَاءَ ظَهْرِهِ قَالَ الزِّبْرِقَانُ هُوَ وَ اللَّهِ يَعْلَمُ أَنِّي أَفْضَلُ مِنْهُ فَقَالَ عَمْرٌو إِنَّهُ زَمِرُ الْمُرُوءَةِ ضَيِّقُ الْعَطَنِ أَحْمَقُ الْأَبِ لَئِيمُ الْخَالِ يَا رَسُولَ اللَّهِ صَدَقْتُ فِيهِمَا أَرْضَانِي فَقُلْتُ أَحْسَنَ مَا عَلِمْتُ وَ أَسْخَطَنِي فَقُلْتُ أَسْوَأَ مَا عَلِمْتُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص إِنَّ مِنَ الْبَيَانِ لَسِحْراً.
فسمى النبي ص بعض البيان سحرا لأن صاحبه يوضح الشيء المشكل و يكشف عن حقيقته بحسن بيانه و بليغ عبارته.
فإن قيل كيف يجوز أن يسمى ما يوضح الحق و ينبئ عنه سحرا و هذا القائل إنما قصد إظهار الخفي لا إخفاء الظاهر و لفظ السحر إنما يكون عند إخفاء الظاهر.
قلنا إنما سماه سحرا لوجهين الأول أن ذلك العذر 8954 للطفه و حسنه استمال القلوب فأشبه السحر الذي يستميل القلوب فمن هذا الوجه سمي سحرا لا من الوجه الذي ظننت. الثاني أن المقتدر على البيان يكون قادرا على تحسين ما يكون قبيحا و تقبيح ما يكون حسنا فذلك يشبه السحر من هذا الوجه في أقسام السحر.
و اعلم أن السحر على أقسام
القسم الأول سحر الكلدانيين و الكذابين 8955 الذين كانوا في قديم الدهر
و هم قوم يعبدون الكواكب و يزعمون أنها هي المدبرة لهذا العالم و منها تصدر الخيرات و الشرور و السعادة و النحوسة و هم الذين
بعث الله تعالى إبراهيم مبطلا لمقالتهم و رادا عليهم في مذاهبهم.
و هؤلاء فرق ثلاث.
الفريق الأول هم الذين زعموا أن هذه الأفلاك و الكواكب واجبة الوجود في ذواتها
و أنه لا حاجة بهذية ذواتها و صفاتها إلى موجب و مدبر و خالق و علة البتة ثم إنها هي المدبرة لعالم الكون و الفساد و هؤلاء هم الصابئة الدهرية.
و الفريق الثاني الذين قالوا الجسم يستحيل أن يكون واجبا لذاته
لأن كل جسم مركب و كل مركب فإنه مفتقر إلى كل واحد من أجزائه و كل واحد من أجزائه غيره فكل جسم فهو مفتقر إلى غيره فهو ممكن لذاته و كل ممكن لذاته فهو مؤثر فله مؤثر و هذه الأجرام الفلكية و الكوكبية لا بد لها من مؤثر ثم قالوا ذلك المؤثر إما أن يكون حادثا أو قديما فإن كان حادثا افتقر إلى مؤثر آخر و لزم التسلسل و هو محال و إن كان قديما فإما أن يكون كل ما لا بد منه في مؤثريته حاصلا في الأزل أو ليس كذلك و يدخل في هذا التقسيم قول من يقول إنه إنما خلق العالم في الحيز الذي خلقه فيه لأن خلقه في ذلك الحيز أصلح من خلقه في حيز آخر أو لأن خلقه كان موقوفا على انقضاء الأزل أو لأن خلقه كان موقوفا على حضور وقت معين إما مقدر أو محقق فإن قلنا إن كل ما لا بد منه في مؤثريته كان حاصلا في الأزل لزم أن يكون الأثر واجب الترتب عليه في أزل لأن الأزل لو لم يكن واجب الترتب عليه فهو إما ممتنع الترتب عليه فهو ليس بمؤثر البتة و قد فرضناه مؤثرا هذا خلف و إن كان ممكن الترتب عليه و ممكن اللاترتب عليه أيضا فلنفرض تارة مصدرا للأثر بالفعل و أخرى غير مصدر له بالفعل فامتياز الحيز الذي صار المؤثر فيه مصدرا للأثر بالفعل عن الحيز الذي لم يصر فيه كذلك إما أن يتوقف على انضمام قيد إليه أو لم يتوقف فإن توقف لم يكن الحاصل قبل انضمام هذا القيد إليه كل ما لا بد منه في المؤثرية و قد فرضناه كذلك و هذا خلف و إن لم يتوقف فقد ترجح الممكن من غير مرجح البتة و تجويزه يسد باب الاستدلال بالممكن على وجود الصانع و أما إن قلنا بأن كل ما لا بد
منه في المؤثرية ما كان حاصلا في الأزل فإن استمر ذلك السلب وجب أن لا يصير البتة مؤثرا لكنا قد فرضناه مؤثرا في الأزل هذا خلف و إن تغير فقد حدث بعض ما لا بد منه في المؤثرية فإن كان حدوثه لا لأمر فقد وقع الممكن لا عن مؤثر و هو محال و إن كان حدوثه لأمر لم يكن الشيء الذي فرضناه حادثا أولا كذلك لأنه حصل قبله حادث آخر و كنا فرضناه حادثا أولا و هذا خلف و أيضا فإنا ننقل الكلام إليه و يلزم التسلسل و هو محال.
قالوا و هذا يقتضي استناد الممكنات إلى مؤثر تام المؤثرية في الأزل و متى كان كذلك وجب كون الآثار أزلية دائمة فهذا يقتضي أن لا يحصل في العالم شيء من التغيرات البتة لكن التغيرات مشاهدة قطعا فلا بد من حيلة فنقول ذلك المؤثر القديم الواجب لذاته إلا أن كل حادث مسبوق بحادث آخر حتى يكون انقضاء المتقدم شرطا لحصول المتأخر عن ذلك المبدإ القديم و على هذا الطريق يصير المبدأ القديم مبدأ للحوادث المتغيرة فإذن لا بد من توسط حركة دائمة يكون كل جزء منها مسبوقا بالآخر لا إلى أول و هذه الحركة يمتنع أن تكون مستقيمة و إلا لزم القول بأبعاد غير متناهية و هو محال فلا بد من جرم متحرك بالاستدارة و هو الفلك فثبت أن حركات الأفلاك كالمبادئ القريبة للحوادث الحادثة في هذا العالم و المدبرات الملاصقة بها فلا جرم قالوا بإلهيتها و اشتغلوا بعبادتها و تعظيمها و اتخذوا لكل واحد منها هيكلا مخصوصا و صمنا معينا فاشتغلوا بخدمتها فهذا هو دين عبدة الأصنام و الأوثان ثم إن هؤلاء قالوا إن المبدأ الفاعلي لا يكفي وجوده في حصول الفعل بل لا بد من حضور المبدإ القابلي المنفعلي و لا يكفي حضوره أيضا ما لم تكن الشرائط حاصلة و الموانع زائلة و ربما حدث أمر مشكل غريب في العالم الأعلى يصلح لإفادة هيئة غريبة في مادة العالم الأسفل فإذا لم تكن المادة السفلية متهيئة لقبول تلك الهيئة من الأشكال العلوية لم تحدث تلك الهيئة ثم إن فوات تلك التهيؤ تارة تكون لأجل كون المادة ممنوة بالمعوقات المانعة عن قبول ذلك الأثر و تارة لأجل فوات
بعض الشرائط لكن لو تهيأت لنا تقدمه المعرفة بطبيعة ذلك التشكل و بوقت حدوثه و بطبيعة الأمور المعتبرة في كون المادة السفلية قابلة لذلك الأثر لكان يمكننا تهيئة المادة لقبول ذلك الأثر و إماطة الموانع عنها و تحصيل المعدات لها حتى يتم ذلك الفيضان و يسري في القابليات لما تقرر أن الفاعل التام متى لقي المنفعل التام ظهر الفعل التام لا محالة فإذا عرفت هذا فالساحر هو الذي يعرف القوى العالية الفعالة بسائطها و مركباتها و يعرف ما يليق بكل واحد من العوالم السفلية و يعرف المعدات ليعدها و العوائق لينحيها معرفة بحسب الطاقة البشرية فحينئذ يكون الإنسان متمكنا من استجذاب ما يخرق العادة و من دفع ما يدافعها بتقريب المنفعل من الفاعل و هذا معنى قول بطلميوس علم النجوم منك و منها فهذا هو الإشارة إلى خلاصة قوله الفلاسفة الصابئة في حقيقة السحر و ماهيته.
الفريق الثالث الذين أثبتوا لهذه الأفلاك و الكواكب فاعلا مختارا
خلقها و أوجدها بعد العدم إلا أنهم قالوا إنه سبحانه أعطاه قوة عالية نافذة في هذا العالم و فوض تدبير هذا العالم إليهم قالوا الدليل على كون هذه الأجرام الفلكية أحياء وجهان الأول أنه لا شك أن الحياة أشرف من الجمادية فكيف يحسن في الحكمة خلق الحياة في الأجسام الخسيسة نحو أبدان الديدان و الخنافس و إخلاء هذه الأجرام الشريفة النورانية الروحانية عن الحياة الثاني أن هذه الأفلاك متحركة بالاستدارة فحركتها إما أن تكون طبيعية أو قسرية أو إرادية لا جائز أن تكون طبيعية لأن المهروب عنه بالطبع لا يكون بعينه مطلوبا بالطبع و كل نقطة فرضنا الفلك متحركا عنه فإن حركته عنها هي عين حركته إليها فيستحيل كون تلك الحركة طبيعية و لا جائز أن تكون قسرية لأن القسر هو الذي يكون على خلاف الطبيعة فإذ قد بطلت الطبيعية وجب بطلان كونها قسرية و لما بطل القسمان ثبت كونها إرادية فثبت أن الأفلاك و الكواكب أجرام حية عاقلة قالوا إذا ثبت هذا فنقول الوقوف على جميع
الطبائع العلوية و السفلية مما لا يفي به وسع البشر و طاقة النفس الناطقة لوجوه أربعة أولها أنه لا سبيل إلى إثبات الكواكب إلا بواسطة القوة الباصرة و لا ارتياب أنها عن إدراك الصغير من البعيد قاصرة فإن أصغر كوكب مما في القدر السابع من الفلك الثامن و هو الذي يمتحن به حدة البصر مثل كرة الأرض بضع عشرة مرة و إن كرة الأرض أعظم من العطارد كذا ألف مرة فلو تكوكب الفلك الأعظم بكواكب على قدر الكواكب الصغيرة المذكورة من الثوابت فلا شك أن الحس لا يدركه و البصر لا يمتد عليه فضلا عما يكون في مقدار عطارد أو أصغر منه و على هذا التقدير لا يبعد أن يكون في السماوات كواكب كثيرة فعالة و إن كنا لا نعرف وجودها فضلا عن أن نعرف طبائعها و لهذا نقل صاحب كتاب تتكلوشا عن رواياي 8956 البشر أنه بقي في الفلك وراء الكواكب المرصودة كواكب لم ترصد إما لفرط صغرها أو لخفاء آثارها و أفعالها.
و ثانيها أن الكواكب التي نراها ليست بأسرها مرصودة بل المرصودة منها ألف و اثنان و عشرون و البواقي غير مرصودة و مما يحقق ذلك ما ثبت بالدلالة أن المجردة ليست إلا أجرام كوكبيه صغيرة جدا مرتكزة في فلك الثوابت على هذا السمت المخصوص و ظاهر أن الوقوف على طبائعها متعذرة.
و ثالثها أن هذه الكواكب المرصودة مما لم يحصل الوقوف التام على طبائعها لأن أقوال الأحكاميين ضعيفة قليلة الحاصل لا سيما في طبائع الثوابت.
و رابعها أنا بتقدير أن نعرف طبائع هذه الكواكب على بساطتها لكنه لا يمكننا الوقوف على طبائعها حال امتزاجها إلا على سبيل التقريب البعيد عن التحقيق.