کتابخانه روایات شیعه
بحار الأنوار (ط - بيروت) - ج 1تا15
غيره إذ اقتضاء الغلبة و الاستعلاء مركوزة في كل ذي قوة على قدر قوته و المفروض أن كلا منهما في غاية القوة و أما فساد الشق الثاني فهو ظاهر عند جمهور الناس لما حكموا بالفطرة من أن الضعف ينافي الإلهية و لظهوره لم يذكره ع و أيضا يعلم فساده بفساد الشق الثالث و هو قوله و إن زعمت أن أحدهما قوي و الآخر ضعيف ثبت أنه أي الإله واحد كما نحن نقول للعجز الظاهر في المفروض ثانيا لأن الضعف منشأ العجز و العاجز لا يكون إلها بل مخلوقا محتاجا لأنه محتاج إلى من يعطيه القوة و الكمال و الخيرية و أما الحجة البرهانية فأشار إليها بقوله و إن قلت إنهما اثنان و بيانه أنه لو فرض موجودان قديمان فإما أن يتفقا من كل جهة أو يختلفا من كل جهة أو يتفقا بجهة و يختلفا بأخرى و الكل محال أما بطلان الأول فلأن الاثنينية لا تتحقق إلا بامتياز أحد الاثنين عن صاحبه و لو بوجه من الوجوه و أما بطلان الثاني فلما نبه عليه بقوله فلما رأينا الخلق منتظما و تقريره أن العالم كله كشخص واحد كثير الأجزاء و الأعضاء مثل الإنسان فإنا نجد أجزاء العالم مع اختلاف طبائعها الخاصة و تباين صفاتها و أفعالها المخصوصة يرتبط بعضها ببعض و يفتقر بعضها إلى بعض و كل منها يعين بطبعه صاحبه و هكذا نشاهد الأجرام العالية و ما ارتكز فيها من الكواكب النيرة في حركاتها الدورية و أضوائها الواقعة منها نافعة للسفليات محصلة لأمزجة المركبات التي يتوقف عليها صور الأنواع و نفوسها و حياة الكائنات و نشوء الحيوان و النبات فإذا تحقق ما ذكرنا من وحدة العالم لوحدة النظام و اتصال التدبير دل على أن إلهه واحد و إليه أشار بقوله دل صحة الأمر و التدبير و ائتلاف الأمر على أن المدبر واحد.
و أما بطلان الشق الثالث و هو أنهما متفقان من وجه و مختلفان من وجه آخر فبأن يقال كما أشار إليه ع بقوله ثم يلزمك أنه لا بد فيهما من شيء يمتاز به أحدهما عن صاحبه و صاحبه عنه و ذلك الشيء يجب أن يكون أمرا وجوديا يوجد في أحدهما و لم يوجد في الآخر أو أمران وجوديان يختص كل منهما بواحد فقط و أما كون الفارق المميز لكل منهما عن صاحبه أمرا عدميا فهو ممتنع بالضرورة إذ الأعدام
بما هي أعدام لا تمايز بينها و لا تمييز بها فإذا فرض قديمان فلا أقل من وجود أمر ثالث يوجد لأحدهما و يسلب عن الآخر و هو المراد بالفرجة إذ به يحصل الانفراج أي الافتراق بينهما لوجوده في أحدهما و عدمه في الآخر و هو أيضا لا محالة قديم موجود معهما و إلا لم يكونا اثنين قديمين فيلزم أن يكون القدماء ثلاثة و قد فرض اثنان و هذا خلف ثم يلزم من فرض كونهم ثلاثة أن يكونوا خمسة و هكذا إلى أن يبلغ عددهم إلى ما لا نهاية له و هو محال.
أقول الأظهر على هذا التقرير أن تحمل الوحدة في قوله ع على أن المدبر واحد على الأعم من الوحدة النوعية و الشخصية و لو حملت على الشخصية يمكن أن يستخرج منه ثلاث حجج بهذا التقرير و لا يخفى توجيهها.
الرابع
أن يكون إشارة إلى ثلاث حجج لكن على وجه آخر و تقرير الأول أنه لو كان اثنين فإما أن يكونا قويين أي مستقلين بالقدرة على كل ممكن في نفسه سواء كان موافقا للمصلحة أو مخالفا و هو إنما يتصور بكونهما قديمين و إما أن يكونا ضعيفين أي غير مستقلين بالقدرة على ممكن ما في نفسه و إما أن يكون أحدهما قويا و الآخر ضعيفا و الأول محال لاشتماله على التناقض لأن كون كل منهما قويا بهذا المعنى يستلزم أن يكون قويا على دفع الآخر عن أن يصدر عنه مراد الأول بعينه أو مثله أو ضده في محله لأن عدم المنافي شرط في صدور كل ممكن و عدم القوة على الشرط ينافي القوة على المشروط و لا شك أن المدفوع كذلك ضعيف مسخر فقوة كل منهما في فعل صدر عنه يستلزم دفعه الآخر فيه و ضعف ذلك الآخر و في فعل تركه حتى فعل الآخر ضده يستلزم تمكينه الآخر في فعله و هذا تفرد بالتدبير فالاستفهام في لم لا يدفع إنكاري أي معلوم ضرورة أنه يدفع كل منهما الآخر و يتفرد بالتدبير و بطلان الشق الثالث لكونه مستلزما لعجز أحدهما أي ضعفه و عدم كونه ممن ينتهي إليه شيء من تدبير العالم يستلزم بطلان الشق الثاني بطريق أولى و تقرير الثاني هو أنه لو كان المدبر اثنين فنسبة معلول معلول إليهما إما متساوية من جميع الوجوه بأن لا يكون في واحد منهما و لا في كل منهما ما يختص به و يرجح صدوره عنه على صدوره عن الآخر من الداعي و المصلحة
و نحوهما و إما غير متساوية من جميع الوجوه و كلاهما باطل.
أما الأول فلأنه إما أن يكون ترك كل منهما لذلك المعلول مستلزما لفعل الآخر إياه لحكمة كل منهما أم لا فعلى الأول إحداث أحدهما ذلك المعلول يستلزم الترجيح بلا مرجح لأن إحداث كل منهما ذلك المعلول ليس أولى بوجه من تركه إياه و إحداث الآخر إياه و على الثاني إما أن يكون ترك التارك له مع تجويزه الترك على الآخر قبيحا و خلاف الحكمة أم لا و الأول يستلزم النقص و الثاني يستلزم عدم إمكان رعاية المصالح التي لا تحصى في خلق العالم لأنه اتفاقي حينئذ و معلوم بديهة أن الاتفاقي لا يكون منتظما في أمر سهل كصدور مثل قصيدة من قصائد البلغاء المشهورين عمن لم يمارس البلاغة و إن كان يمكن أن يصدر عنه اتفاقا مصراع بليغ أو مصراعان فضلا عما نحن فيه.
و أما بطلان الثاني فلأنه يستلزم أن يكون مختلفة من جميع الوجوه بأن لا يكون أحدهما قادرا عليه أصلا لأن اختلاف نسبة قادرين إلى معلول واحد شخصي إنما يتصور فيما يمكن أن يكون صدوره عن أحدهما أصلح و أنفع من صدوره عن الآخر و هذا إنما يتصور فيما كان نفع فعله راجعا إليه كالعباد و أما إذا كان القادران بريئين من الانتفاع كما فيما نحن فيه فلا يتصور ذلك فيه بديهة و ينبه عليه أن الغني المطلق إنما يفعل ما هو الخير في نفسه من غير أن يكون له فيه نفع سواء كان لغيره فيه نفع كما في ثواب المطيع أو لم يكن و مثاله عقاب الكافر إن لم يكن للمطيعين فيه نفع.
و تقرير الثالث أنه إن كان المدبر اثنين فنسبة معلول معلول إليهما إما متساوية من جميع الوجوه أو لا و كلاهما باطل أما الأول فلان صدور بعض المعلولات عن أحدهما و بعض آخر منها عن الآخر منهما حينئذ يحتاج إلى ثالث هو الفرجة بينهما أي ما يميز و يعين كل معلول معلول لواحد معين منهما حتى يكون المدبران اثنين لامتناع الترجيح من جهة الفاعلين بلا مرجح أي بلا داع أصلا كما هو المفروض فيلزم خلاف الفرض و هو أن يكون المدبر ثلاثة ثم ننقل الكلام إلى الثلاثة و هكذا إلى ما لا نهاية له في الكثرة و يلزم التسلسل و إنما لم يكتف ع بعد نقل الكلام إلى الثلاثة بالاحتياج إلى فرجة
واحدة للتميزين حتى يكون المجموع أربعة لا خمسة و إن كان المطلوب و هو لزوم التسلسل حاصلا به أيضا لأن هناك ثلاثة تمييزات و تخصيص واحد منهما بمميز كما هو المفروض و اشتراك اثنين منهما بواحد مع اتحاد النسبة تحكم و أما بطلان الثاني فلما مر في بيان بطلان الشق الثاني من الدليل الثاني.
أقول لا يخفى بعد هذا التقرير عن الأفهام و احتياجه إلى تقدير كثير من المقدمات في الكلام.
الخامس
أن يكون الأول إشارة إلى برهان التمانع بأحد تقريراته المشهورة و الثاني إلى التلازم كما مر و الثالث يكون إلزاما على المجسمة المشركة القائلين بإلهين مجسمين متباعدين في المكان كما هو الظاهر من كلام المجوس لعنهم الله و يكون الفرجة محمولة على معناها المتبادر من جسم يملأ البعد بينهما لبطلان الخلإ أو سطح فاصل بينهما لتحقق الاثنينية هذا ما قيل أو يمكن أن يقال في حل هذا الخبر الذي تحيرت فيه الأفهام و الفكر و لم نتعرض لبسط الكلام في كل وجه و لا لإيراد ما يرد على كل منها من الإشكالات و الاعتراضات احترازا عن الإسهاب و الإطناب و الله الموفق للصواب.
23- يد، التوحيد ابْنُ الْوَلِيدِ عَنِ الصَّفَّارِ عَنْ عَبَّادِ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ سَعْدِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا الْحَسَنِ الرِّضَا ع عَنِ التَّوْحِيدِ فَقَالَ هُوَ الَّذِي أَنْتُمْ عَلَيْهِ.
24- يد، التوحيد أَبِي عَنْ سَعْدٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ هَاشِمٍ وَ يَعْقُوبَ بْنِ يَزِيدَ عَنِ ابْنِ فَضَّالٍ عَنِ ابْنِ بُكَيْرٍ عَنْ زُرَارَةَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ: سَمِعْتُهُ وَ هُوَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَ جَلَ وَ لَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ طَوْعاً وَ كَرْهاً قَالَ هُوَ تَوْحِيدُهُمْ لِلَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ.
25- يد، التوحيد الْأُشْنَانِيُّ عَنِ ابْنِ مَهْرَوَيْهِ عَنِ الْفَرَّاءِ عَنِ الرِّضَا عَنْ آبَائِهِ عَنْ عَلِيٍّ ع قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص التَّوْحِيدُ نِصْفُ الدِّينِ وَ اسْتَنْزِلُوا الرِّزْقَ بِالصَّدَقَةِ.
قال الصدوق في كتاب التوحيد بعد نقل خبر أعرابي سمعت من أثق بدينه و معرفته باللغة و الكلام يقول إن قول القائل واحد و اثنان و ثلاثة إلى آخره إنما وضع في أصل اللغة للإبانة عن كمية ما يقال عليه لا لأن له مسمّى يتسمّى به بعينه أو لأن
له معنى سوى ما يتعلّمه الإنسان لمعرفة الحساب و يدور عليه عقد الأصابع عند ضبط الآحاد و العشرات و المئات و الألوف و لذلك متى أراد مريد أن يخبر غيره عن كمية شيء بعينه سمّاه باسمه الأخصّ ثم قرن لفظة الواحد به و علّقه عليه يدلّ به على كمية لا على ما عدا ذلك من أوصافه و من أجله يقول القائل درهم واحد و إنما يعني به أنه درهم فقط و قد يكون الدرهم درهما بالوزن و درهما بالضرب فإذا أراد المخبر أن يخبر عن وزنه قال درهم واحد بالوزن و إذا أراد أن يخبر عن عدده أو ضربه قال درهم واحد بالعدد و درهم واحد بالضرب و على هذا الأصل يقول القائل هو رجل واحد و قد يكون الرجل واحدا بمعنى أنه إنسان و ليس بإنسانين و رجل ليس برجلين و شخص ليس بشخصين و يكون واحدا في الفضل واحدا في العلم واحدا في السخاء واحدا في الشجاعة فإذا أراد القائل أن يخبر عن كميته قال هو رجل واحد فدل ذلك من قوله على أنه رجل و ليس هو برجلين و إذا أراد أن يخبر عن فضله قال هذا واحد عصره فدلّ ذلك على أنه لا ثاني له في الفضل و إذا أراد أن يدل على علمه قال إنه واحد في علمه فلو دلّ قوله واحد بمجرده على الفضل و العلم كما دل بمجرده على الكمية لكان كل من أطلق عليه لفظة واحد أراد فاضلا لا ثاني له في فضله و عالما لا ثاني له في علمه و جوادا لا ثاني له في جوده فلما لم يكن كذلك صح 2160 أنه بمجرده لا يدل إلا على كمية الشيء دون غيره و إلا لم يكن لما أضيف إليه من قول القائل واحد عصره و دهره فائدة و لا كان لتقييده بالعلم و الشجاعة معنى لأنه كان يدل بغير تلك الزيادة و بغير ذلك التقييد على غاية الفضل و غاية العلم و الشجاعة فلما احتيج معه إلى زيادة لفظ و احتيج إلى التقييد بشيء صح ما قلناه فقد تقرر أن لفظة القائل واحد إذا قيل على الشيء دل بمجرده على كمية في اسمه الأخص و يدل بما يقترن به على فضل المقول عليه و على كماله و على توحده بفضله و علمه و جوده و تبين أن الدرهم الواحد قد يكون درهما واحدا بالوزن و درهما واحدا بالعدد و درهما واحدا بالضرب و قد يكون بالوزن درهمين و بالضرب درهما واحدا و يكون بالدوانيق ستة دوانيق و بالفلوس
ستين فلسا و يكون بالأجزاء كثيرا و كذلك يكون العبد عبدا واحدا و لا يكون عبدين بوجه و يكون شخصا واحدا و لا يكون شخصين بوجه و يكون أجزاء كثيرة و أبعاضا كثيرة و كل بعض من أبعاضه يكون جواهر كثيرة متحدة اتحد بعضها ببعض و تركب بعضها مع بعض و لا يكون العبد واحدا و إن كان كل واحد منه في نفسه إنما هو عبد واحد و إنما لم يكن العبد واحدا لأنه ما من عبد إلا و له مثل في الوجود أو في المقدور و إنما صح أن يكون للعبد مثل لأنه لم يتوحد بأوصافه التي من أجلها صار عبدا مملوكا و وجب لذلك أن يكون الله عز و جل متوحدا بأوصافه العلى و أسمائه الحسنى ليكون إلها واحدا فلا يكون له مثل و يكون واحدا لا شريك له و لا إله غيره فالله تبارك و تعالى إله واحد لا إله إلا هو و قديم واحد لا قديم إلا هو و موجود واحد ليس بحال و لا محل و لا موجود كذلك إلا هو و شيء واحد لا يجانسه و لا يشاكله شيء و لا يشبهه شيء و لا شيء كذلك إلا هو فهو كذلك موجود غير منقسم في الوجود و لا في الوهم و شيء لا يشبهه شيء بوجه و إله لا إله غيره بوجه و صار قولنا يا واحد يا أحد في الشريعة اسما خاصا له دون غيره لا يسمى به إلا هو عز و جل كما أن قولنا الله اسم لا يسمى به غيره.
و فصل آخر في ذلك و هو أن الشيء قد يعد مع ما جانسه و شاكله و ماثله يقال هذا رجل و هذان رجلان و ثلاثة رجال و هذا عبد و هذا سواد و هذان عبدان و هذان سوادان و لا يجوز على هذا الأصل أن يقال هذان إلهان إذ لا إله إلا إله واحد فالله لا يعد على هذا الوجه و لا يدخل في العدد من هذا الوجه بوجه و قد يعد الشيء مع ما لا يجانسه و لا يشاكله يقال هذا بياض و هذان بياض و سواد و هذا محدث و هذان محدثان و هذان ليسا بمحدثين و لا بمخلوقين بل أحدهما قديم و الآخر محدث و أحدهما رب و الآخر مربوب فعلى هذا الوجه يصح دخوله في العدد و على هذا النحو قال الله تبارك و تعالى ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رابِعُهُمْ وَ لا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سادِسُهُمْ وَ لا أَدْنى مِنْ ذلِكَ وَ لا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ ما كانُوا الآية 2161 و كما أن قولنا فلان إنما هو رجل واحد لا يدل على فضله بمجرده كذلك قولنا فلان ثاني فلان لا يدل بمجرده إلا على كونه و إنما يدل على فضله متى قيل إنه ثانية في الفضل أو في الكمال أو العلم.