کتابخانه روایات شیعه
بحار الأنوار (ط - بيروت) - ج 1تا15
ساوى الجزء الكل و إن قوي على ما يتناهى تناهى الكل لأن نسبة الكل إلى الجزء معلومة فيكون نسبة تأثيره إلى تأثير الجزء معلومة و نسبة تأثير الجزء متناهية فنسبة تأثير الكل متناهية قلنا لا يلزم من كون تأثير الجزء أقل تناهيه فإن الجزء المؤثر الدائم الأثر له تأثير دائم و لا يلزم من دوامه مساواته الكل لأن له تأثيرا دائما لكنه ضعيف قليل لأنه واقف على حد.
قال جمهور الفلاسفة و معمر بن عباد السلمي من قدماء المعتزلة و الغزالي و أبو القاسم الراغب و الشيخ المفيد و بنو نوبخت و الأسواري و نصير الدين الطوسي إنه جوهر مجرد عن المكان و الجهة و المحل متعلق بالبدن تعلق العاشق بمعشوقه و الملك بمدينته و يفعل أفعاله بواسطته و إن النفس تدرك حقائق الموجودات و جواز الجائزات و استحالة المستحيلات و إن النفس الفلكية تفيض على الأشخاص كالشمس تدخل عند طلوعها كل كوة بل قال الغزالي لا هو داخل البدن و لا خارج عنه و لا متصل به و لا منفصل عنه لأن مصحح ذلك الجسمية و التحيز المنفيان عنه كما أن الجماد لا عالم و لا جاهل لنفي المصحح عنه و هو الحياة قال و من نفاه نفاه لغلبة العامية على طبعه و لهذا إن الكرامية و الحنبلية جعلوا الإله جسما موجودا إذ لم يعقلوا إلا جسما يشار إليه و من ترقى عن ذلك قليلا نفى الجسمية و لم يطق ينظر في عوارضها فأثبت الجهة لله سبحانه فإذا منعوا ذلك في صفات الله كيف يجيزونه في غيره قالوا لو تجرد شيء شاركه القديم في أخص صفاته فيشاركه في ذاته قلنا نمنع كون التجرد أخص الصفات بل كونه قيوما لقيامه بذاته و قيام غيره به احتجوا على إثبات المجرد بأن هنا معلومات بسيطة كالوحدة و النقطة فالعلم بها بسيط إذ لو تركب فإن تعلق جزؤه به أجمع ساوى الجزء الكل و لزم وجود العلم قبل وجوده و إن تعلق ببعضه لزم تركب ما فرض بساطته و إن لم يتعلق بشيء ظهر أنه ليس بعلم إذ الكلام في باقي الأجزاء كالكلام فيه فعند الجمع بينهما إن لم تحصل هيئة جديدة كان العلم المفروض محض ما ليس بعلم و إن حصلت الهيئة المفروضة علما فإن كانت من الجزءين فالتركيب في فاعلهما و إن حصلت عندهما قائمة بهما فالتركيب
في قابلهما لا فيهما إذ لو كانت مركبة عاد الكلام في أجزائها فمحل هذه المفروضة علما هو النفس و هي بسيطة لأنها لو تركبت فإن حل العلم البسيط في مجموعها انقسم العلم إذ الحال في أحد الجزءين غير الحال في الآخر و لو كان هو الحال في الآخر لزم حلول العرض الواحد في محلين و إن حل في أحد الجزءين فإن كان هو النفس فالمطلوب و إن كان هو جزؤها فالجزء الآخر خال منه فلزم أن نعلم شيئا و نجهله في وقت واحد فظهر أن المحل و هو النفس بسيط و لا شيء من الجسم و الجسماني ببسيط ينتج من الشكل الثاني أن محل العلم ليس بجسم و لا جسماني.
و الجواب أما المقدمة الأولى و هي أن هنا معلوما بسيطا فمسلم أما الباقيات فممنوعات أما الثانية فلأن الجزء يجوز مساواته للكل في التعلق و إن لم يساوه في الحقيقة كالأدلة المتواترة على شيء واحد و إن واحدها تعلق بما تعلق به مجموعها و فيه نظر لأن الجزء الثاني من العلم إن زاد المعلوم به انكشافا تعلق بغير ما تعلق به الأول و إن لم يزد كان وجوده مثل عدمه و الأصوب في المنع أن قولهم إن لم يتعلق الجزء بشيء ظهر أنه ليس بعلم فعند الجمع إن لم يحصل هيئة كان المفروض علما محض ما ليس بعلم و إن حصلت منه إلخ نفي كل مركب فيقال في الحيوان مثلا ليس بمركب لأن جزأه إما حيوان فيتقدم الحيوان على نفسه و ساوى الجزء الكل أو ليس بحيوان فبعد الجمع بالجزء الآخر إن لم تحصل هيئة كان الحيوان محض ما ليس بحيوان و إن حصلت فهي بسيطة لأنه لو كان لها جزء عاد التقسيم المذكور فيكون التركيب في فاعلها أو قابلها لا فيها و ليس لهم عن هذه المعارضة مذهب و أما الثالثة و هو أنه يلزم من بساطة الحال بساطة المحل فلأنا لا نسلم أن العلم على هيئة الحلول و الصورة و إنما هو إدراك و وصول و نظر إلى المعلوم و لو سلم لم يلزم من بساطة الحال بساطة المحل فإن النقطة و الوحدة موجودتان في الجسم المركب نعم إنما يلزم ذلك إذا كان الحلول على نعت السريان و لم يقم على السريان في محل النزاع برهان.
و يلزم مما قالوا كون النفس جسما أو جسمانية لأنها تعلم المركب في صورة
المركبة مركبة فيلزم كون محلها مركبا لامتناع حلول المركب في البسيط و هذه معارضة أخرى لا محيص عنها و أما الرابعة فنمنع انقسام كل جسم و جسماني لما ثبت في الكلام جواهر لا تقبل الانقسام.
المذهب الثاني أنها عرض
فذهب جالينوس إلى أنه المزاج الذي هو اعتدال الأركان و هذا نظر إلى فوات الحياة بفواته و قد سلف جوابه.
و قيل إنه تشكيل البدن و تخطيطه و هذا قول سخيف جدا منقوض بمقطوع اليد مثلا فإن فوات تخطيطها يلزم منه عدم النفس لعدم الكل بعدم الجزء.
و قيل إنه الحياة و هذا مأخوذ من التلازم بينهما و قد عرفت أنه لا يوجب الاتحاد.
و قيل إنه النسبة الواقعة بين الأركان في الكميات و الكيفيات.
أما تركبه من الجسم و المجرد أو من العرض و المجرد أو من الجسم و العرض و المجرد فقال سديد الدين محفوظ لا أعلم به قائلا إلا أن تفسير الفلاسفة لحقيقة الإنسان بأنه الحيوان الناطق يقتضي كون الإنسان عبارة عن البدن و النفس معا لأن الحياة جنس حلته أعراض و الناطق هو النفس فعلى هذا يكون الإنسان مركبا من هذه تركيبا ثلاثيا و هذا مذهب تاسع و عشرون.
و الثلاثون قال بشر بن معتمر و هشام النوطي إنه الجسم و الروح الذي هو الحياة و إنهما الفاعلان للأفعال و على هذا قيل في الإنسان نفس و روح فإذا نام خرجت نفسه و إذا مات خرجتا معا و هذا يؤدي إلى أن النفس و الروح غير الإنسان.
خاتمة
قَوْلُهُ ع مَنْ عَرَفَ نَفْسَهُ فَقَدْ عَرَفَ رَبَّهُ.
قال بعض العلماء الروح لطيفة لاهوتية في صفة ناسوتية دالة من عشرة أوجه على وحدانية ربانية 1 لما حركت الهيكل و دبرته علمنا أنه لا بد للعالم من محرك و مدبر.
2 دلت وحدتها على وحدته.
3 دل تحريكها للجسد على قدرته.
4 دل اطلاعها على ما في الجسد على علمه.
5 دل استواؤها إلى الأعضاء على استوائه إلى خلقه.
6 دل تقدمها عليه و بقاؤها بعده على أزله و أبده.
7 دل عدم العلم بكيفيتها على عدم الإحاطة به.
8 دل عدم العلم بمحلها من الجسد على عدم أينيته.
9 دل عدم مسها على امتناع مسه.
10 دل عدم إبصارها على استحالة رؤيته.
المقصد الثاني الروح
فزعمت الفلاسفة أن في البدن أرواحا و أنفسا يعبرون عنها بالقوى منها الروح الطبيعي التي يشترك فيها جميع الأجساد النامية و محلها الكبد و منها الروح الحيواني و هي التي يشترك فيها الحيوانات و محلها من الإنسان القلب و منها النفساني و هي من فيض النفس الناطقة أو العقل و محلها الدماغ و هي المدبرة للبدن و عندنا أن هذه الأرواح معان يخلقها الله تعالى في هذه المحال ثم أثبتوا قوى أخر في المعدة الماسكة و الهاضمة و الجاذبة و الدافعة و عندنا أيضا أنها معان و ليست جواهر لتماثل الجواهر و لو كان بعض الجواهر روحا لنفسه لكان كل جوهر كذلك فيستغني كل جزء عن أن يكون له روح غير نفسه فبطل بذلك كون روح الجسد من نفسه.
إن قالوا الروح الباقي عرض و اعترض في الروح الأول قلنا فلم لا يجوز أن يكون روح هذا الجسد الظاهر عرضا هو الحياة و الله خالق الموت و الحياة فإن كانت جوهرا و الموت عرض امتنع أن يبطل حكمها لأن العرض لا يضاد الجوهر و عند معظم أهل الفلاسفة و الطب أن الروح من بخار الدم تتصاعد فتبقى ببقائها.
و اعلم أن اسم الروح مشترك باللفظ بين عشر معان ا الوحي ب جبرئيل ج عيسى د الاسم الأعظم ه ملك عظيم الجثة و الرحمة ز الراحة ح الإنجيل ط القرآن ي الحياة أو سببها.
و قال الباقلاني و الأسفراني و ابن كيال و غيرهم أن الروح هي الحياة و هي عرض خاص و ليست شيئا من بقية الأعراض المعتدلة و المحسوسة لجواز زوالها مع بقاء الروح.
إن قيل فكيف يكون الروح هو الحياة و الله له حياة و ليس له روح قلنا أسماء الله تعالى سبحانه توقيفية لا تبلغ من الآراء فإن الله تعالى عليم و لا يسمى داريا و لا شاعرا و لا فقيها و لا فهيما و الله تعالى قادر مبين و لا يسمى شجاعا و لا مستطيعا.
إن قيل كيف يكون الروح هو الحياة و في الأخبار أن الأرواح تنتقل إلى عليين و إلى سجين و إلى قناديل تحت العرش و إلى حواصل طير خضر و الحياة لا تنتقل.
قلنا يجوز أن تنتقل أجزاء أحياء و تسمى أرواحا لأنها محال الروح و هي الحياة تسمية للمحل باسم معنى فيه كما يسمى المسجد صلاة في قوله تعالى لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَ أَنْتُمْ سُكارى 10640 أو نقول المنتقل أمثال الأرواح يخلقها الله و تسمى أرواحا نورانية إن كانت قائمة بذوات المطيعين طيبة تصلي عليها الملائكة و ظلمانية منتنة إن كانت قائمة بذوات المسيئين تلعنها الملائكة مثل ما ورد في الأخبار تصعد صلاة المحسن طيبة مضيئة و صلاة المسيء منتنة مظلمة و إن سورة البقرة و آل عمران تأتيان كأنهما غمامتان و الله تبعث الأيام على هيئتها و تبعث يوم الجمعة أزهر و أنه يؤتى بكبش أملح فيذبح و يقال هذا الموت و أن الأعمال توزن و إنما هي أمثلة يخلقها الله.
إن قيل إن الله وصف النفس التي هي الروح بالإرسال و الإمساك في قوله
تعالى يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ الآية 10641 و الحياة لا توصف بذلك.
قلنا قد سلف أن النفس يقال على معان منها الروح و منها العقل و التمييز و هذان هما المراد من قوله يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ الآية و أطلق على النائم لعدم الدفع و النفع و منه سمى الله الكفار أمواتا في قوله إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى 10642 لعدم النفع.
إن قيل في الحديث أن الأرواح جنود في الهواء و الحياة لا تكون في الهواء.
قلنا محمول على الذرية التي خرجت من آدم و في هذا نظر لمخالفة ظاهر الآية إذ فيها وَ إِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ 10643 أو أن الأرواح هنا القلوب لأن التعارف و التساكن 10644 فيها.
إن قيل في الحديث خلق الله الأرواح قبل الأجساد و لا يصح ذلك في الحياة.
قلنا لا يعلم صحته أو المراد بالأرواح الملائكة فإن جبرئيل روح و الملك العظيم الجثة روح و الروحانيون صنف منهم أيضا.
و الظاهر من كلام أبي الحسن و جماعة أن الروح أجسام لطيفة فقيل ليست معينة و قال الجويني هي ماسكة الأجسام المحسوسة أجرى الله العادة باستمرار الحياة ما استمرت و كان ابن فورك يقول هو ما يجري في تجاويف الأعضاء و لهذا جوز أبو منصور البغدادي قيام الحياة بالشعر إذ لا يشترط في محلها التجويف و لم يجوز قيام الروح لاشتراط التجويف و ليس في الشعر تجويف و استدلوا على كونها جسما بوصف الله لها ببلوغ الحلقوم و بالإرسال و بالرجوع و بالفزع و بقوله من نام على وضوء يؤذن لروحه أن تسجد عند العرش و على هذا اختلف في تكليفها فقيل ليست مكلفة و قيل بل مكلفة بأفعال غير أفعال البدن المحبة و ضدها و أن له
حياة و أفعالها اقتناء الأفعال 10645 الحميدة و اجتناب الذميمة و أوردوا في ذلك ما أورده الخيري في تفسيره قوله تعالى يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجادِلُ عَنْ نَفْسِها 10646 أن النفس و الروح يجيئان بين يدي الله فيختصمان فتقول النفس كنت كالثوب لم أقترف ذنبا ما لم تدخل فيّ و يقول الروح كنت مخلوقا قبلك بدهور و لم أدر ما الذنب إلى أن دخلت فيك فيمثل الله لهما أعمى و مقعدا و كرما على الجدار و يأمرهما بالاقتطاف فيقول الأعمى لا أبصر و يقول المقعد لا أمشي فيقول له اركب الأعمى و اقتطف فيقول هذا مثالكما فكما صار العنب بكما مقطوفا صار الذنب بكما معروفا و من قال الروح هي الحياة قال المراد بالروح في هذا القول القلب لأنه به حياة الجسد و قد روي في حلية الأولياء عن سلمان رضي الله عنه أنه قال مثل القلب و الجسد مثل الأعمى و المقعد قال المقعد أرى ثمرة و لا أستطيع القيام فاحملني فحمله فأكل و أطعمه و هذا أولى لأن فعل الجسد إنما يكون طاعة و معصية بعزيمة القلب و لهذا
قَالَ ع إِنَّ فِي الْجِسْمِ 10647 لَمُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ سَائِرُهُ وَ إِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ سَائِرُهُ وَ هِيَ الْقَلْبُ.
تذنيب
قوله تعالى يَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي 10648 إن قيل كيف أبهم الله الجواب قلنا فيه وجوه.
ا قال الكتابيون للمشركين اسألوا محمدا عنه فإن توقف فيه فهو نبي فسألوه فأجاب بذلك و قوله وَ ما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا عنى اليهود قالوا أوتينا التوراة و فيها علم كل شيء.