کتابخانه روایات شیعه
بحار الأنوار (ط - بيروت) - ج 1تا15
فِي أَيِّ صُورَةٍ ما شاءَ رَكَّبَكَ 10631 فأخبر تعالى أنه غير الصورة و أنه مركب فيها و لو كان الإنسان هو الصورة لم يكن لقوله تعالى فِي أَيِّ صُورَةٍ ما شاءَ رَكَّبَكَ معنى لأن المركب في الشيء غير الشيء المركب فيه و محال أن تكون الصورة مركبة في نفسها و عينها لما ذكرناه و قد قال سبحانه في مؤمن آل يس 10632 قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قالَ يا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ بِما غَفَرَ لِي رَبِّي 10633 فأخبر أنه حي ناطق منعم و إن كان جسمه على ظهر الأرض أو في بطنها و قال تعالى وَ لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ فَرِحِينَ 10634 فأخبر أنهم أحياء و إن كانت أجسادهم على وجه الأرض مواتا لا حياة فيها
وَ رُوِيَ عَنِ الصَّادِقِينَ ع أَنَّهُمْ قَالُوا إِذَا فَارَقَتْ أَرْوَاحُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْسَادَهُمْ أَسْكَنَهَا اللَّهُ تَعَالَى فِي مِثْلِ أَجْسَادِهِمُ الَّتِي فَارَقُوهَا فَيُنَعِّمُهُمْ فِي جَنَّةٍ وَ أَنْكَرُوا مَا ادَّعَتْهُ الْعَامَّةُ مِنْ أَنَّهَا تَسْكُنُ فِي حَوَاصِلِ الطُّيُورِ الْخُضْرِ وَ قَالُوا الْمُؤْمِنُ أَكْرَمُ عَلَى اللَّهِ مِنْ ذَلِكَ.
و لنا على المذهب الذي وصفناه أدلة عقلية لا يطعن المخالف فيها و نظائر لما ذكرناه من الأدلة السمعية و بالله أستعين انتهى كلامه رفع الله مقامه.
و قال الغزالي في الأربعين الروح هي نفسك و حقيقتك و هي أخفى الأشياء عليك و أعنى بنفسك روحك التي هي خاصة الإنسان المضافة إلى الله تعالى بقوله قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي 10635 و قوله وَ نَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي 10636 دون الروح الجسماني اللطيف الذي هو حامل قوة الحس و الحركة التي تنبعث من القلب و تنتشر في جملة البدن في تجويف العروق و الضوارب فيفيض منها نور حس البصر على العين و نور السمع على الأذن و كذلك سائر القوى و الحركات و الحواس كما يفيض من السراج
نور على حيطان البيت إذا أدير في جوانبه فإن هذه الروح تتشارك البهائم فيها و تنمحق بالموت لأنه بخار اعتدل نضجه عند اعتدال مزاج الأخلاط فإذا انحل المزاج بطل كما يبطل النور الفائض من السراج عند إطفاء السراج بانقطاع الدهن عنه أو بالنفخ فيه و انقطاع الغذاء عن الحيوان يفسد هذه الروح لأن الغذاء له كالدهن للسراج و القتل له كالنفخ في السراج و هذه الروح هي التي يتصرف في تقويمها و تعديلها علم الطب و لا تحمل هذه الروح المعرفة و الأمانة بل الحامل للأمانة الروح الخاصة للإنسان و نعني بالأمانة تقلد عهدة التكليف بأن تعرض لخطر الثواب و العقاب بالطاعة و المعصية.
و هذه الروح لا تفنى و لا تموت بل تبقى بعد الموت إما في نعيم و سعادة أو في جحيم و شقاوة فإنه محل المعرفة و التراب لا يأكل محل المعرفة و الإيمان أصلا و قد نطقت به الأخبار و شهدت له شواهد الاستبصار و لم يأذن الشارع في تحقيق صفته إلى أن قال و هذه الروح لا تفنى و لا تموت بل يتبدل بالموت حالها فقط و لا يتبدل منزلها و القبر في حقها إما روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار إذ لم يكن لها مع البدن علاقة سوى استعمالها للبدن أو اقتناصها أوائل المعرفة بواسطة شبكة الحواس فالبدن آلتها و مركبها و شبكتها و بطلان الآلة و الشبكة و المركب لا يوجب بطلان الصائد نعم إن بطلت الشبكة بعد الفراغ من الصيد فبطلانها غنيمة إذ يتخلص من حمله و ثقله و لذا
قَالَ ع تُحْفَةُ الْمُؤْمِنِ الْمَوْتُ.
و إن بطلت الشبكة قبل الصيد عظمت فيه الحسرة و الندامة و الألم و لذلك يقول المقصر رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صالِحاً فِيما تَرَكْتُ 10637 كَلَّا بل من كان ألف الشبكة و أحبها و تعلق قلبه بحسن صورتها و صنعتها و ما يتعلق بسببها كان له من العذاب ضعفين 10638 أحدهما حسرة فوات الصيد الذي لا يقتنص إلا بشبكة البدن و الثاني زوال الشبكة مع تعلق القلب بها و إلفه لها و هذا مبدأ من مبادئ معرفة عذاب القبر انتهى.
أقول لما كانت رسالة الباب المفتوح إلى ما قيل في النفس و الروح للشيخ الفاضل الرضي علي بن يونس العاملي روح الله روحه جمة الفوائد كثيرة العوائد مشتملة على جل ما قيل في هذا الباب من غير إسهاب و إطناب أوردت هاهنا جميعها و هي هذه.
الحمد لله الذي خلق النفوس و حجب حقيقتها عنا فإن العين تبصر غيرها و يتعذر إدراك نفسها منها فأوجب ذلك خبط العلماء فيها و لم يصل أكثرهم بدقيق الفكر إليها و قد قال العالم الرباني الذي أوجب الله حقه من عرف نفسه فقد عرف ربه أشار بامتناع معرفة نفسه مع قربه إلى امتناع الإحاطة بكنه ربه و ما قيل في تفسيره من عرفها بالمخلوقية عرفه بالخالقية لا يدفع ما قصدناه و لا يمتنع ما ذكرناه إذ معرفتها بصفة حدوثها لا يستلزم معرفة عينها فإن معرفتها ليست ضروريا بلا خلاف لوجود الخلاف فيها و لا كسبية لامتناع صدق الجنس و الفصل عليها بل الاعتراف بالعجز عن وجدانها أسهل من الفحص عن كنهها و برهانها و الإنسان ضعيف القوة محدود الجملة معلومه أقل من مظنونه و تخمينه أكثر من يقينه لكن من كان نظره أعلى و نقده أجلى و نوره أصنع و فكره أشيع كان من الشك أنجى و من الشبهة أنأى و ثاقب بصره الأسنى إلى النفس أدنى و هذا الإنسان الضعيف الصغير فيه ذلك البسيط اللطيف جزء يسير فكيف يدرك بجزء منه كله و يقبل منه جميعه و هذا يتعذر أن يكون معلوما و يبعد و إن لم يكن معدوما بل يكفي أن يعلم أنها قوة إلهية مسببة واسطة بين الطبيعة المصرفة و العناصر المركبة المثير لها الطالع عليها السائغ فيها الممتزج بها فالإنسان ذو طبيعة لآثارها البادية في بدنه و ذو نفس لآثارها الظاهرة في مطلبه و مأربه و ذو عقل لتميزه و غضبه و شكه و يقينه و ها أنا ذا واضع لك في هذا المختصر المسمى بالباب المفتوح إلى ما قيل في النفس و الروح ما بلغني من أقاويل الأوائل و ما أوردوا من الشبهات و الدلائل راج من واهب المواهب الإشارة إلى مأخذ تلك المذاهب مورد ما حضرني من دخل فيها.
فهنا مقصدان.
الأول في النفس
مقدمة
اسم النفس مشترك بالاشتراك اللفظي بين معان منها ذات الشيء فعل ذلك بنفسه و منها الأنفة ليس لفلان نفس و منها الإرادة نفس فلان في كذا و منها العين قال ابن القيس
يتقي أهلها النفوس عليها
فعلى نحرها الرقى و التميم .
و منها مقدار دبغة من الدباغ تقول أعطني نفسا أي قدر ما أدبغ به مرة و منها العيب إني لا أعلم نفس فلان أي عيبه و منها العقوبة وَ يُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ و منها ما يفوت الحياة بفواته كنفس الحيوان كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ و هذه هي المبحوث عنها المختلف فيها.
و اعلم أن الاحتمالات التي اقتضاها التقسيم بمناسبة إما جوهر مادي أو جوهر مجرد أو مادي و عرض أو مجرد و عرض أو مادي و مجرد و عرض.
المذهب الأول الجوهر المادي
قال به جماعة المعتزلة و كثير من المتكلمين ثم اختلفوا على مذاهب ذهب جمهور المسلمين إلى أنه مجموع الهيكل المحسوس و هذا كما ترى ليس هو جوهر فقط بل مضاف إليه عرض لأن الجسم كذلك و اختاره القزويني قال لإجماع أهل اللغة أنهم عند إطلاق نفسه يشيرون إليه و اتفاق الأمة على وقوع الإدراكات بالبصر عليه و نصوص القرآن أيضا واردة فيه مثل إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ خُلِقَ مِنْ ماءٍ دافِقٍ وَ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ صَلْصالٍ و أنه هو الذي يمات و يقبر في قوله ثُمَّ أَماتَهُ فَأَقْبَرَهُ فمن يخرج عن هذه النصوص إلى غير مدلولاتها كيف يكون مسلما و قد أجمعت الأمة على أن من رأى هذه البنية و حلف أنه ما رأى إنسانا حنث و لكن اختلف في أن الإنسان هل هو هذه الجملة أو شيء له هذه الجملة أو شيء له هذه الجملة قال الأقرب الثاني و الفائدة في الملك إذا جاء فيها فإنه ليس بإنسان و كذلك المصور لها من خشب و غيره
و إنما جرى اسم الإنسان على الهيكل تبعا لذلك الشيء الذي له الهيكل آدم و أولاده و هذا الذي قربه مخالف لما صوره.
و قال شارح النظم أطبق العقلاء على بطلان هذا القول لأن مقطوع اليد باق و يمتنع بقاء الماهية عند عدم جزئها و لأنها دائما تتحلل و تستخلف فالفائت له ثواب و عليه عقاب فإن حشرت كلها لزم المحال و إن لم تحشر لزم الظلم و الإضلال ذهب أهل هذا التقسيم إلى أنه بعض الهيكل ثم اختلفوا على أقوال.
قال ابن الراوندي إنه جزء في القلب قال النظام إنه أجزاء لطيفة في القلب و كأنهما نظرا إلى أن الإنسان إذا رجع إلى نفسه وجد قلبه محل ذكره فظناها ذلك و هو خطأ لعدم إنتاج الشكل الثاني من الموجبتين قال الأطباء إنه الروح الذي في القلب من الجانب الأيسر نظرا إلى أن جانب الإنسان الأيسر أخطر من الأيمن و هو ضعيف لجواز كون محله غير القلب و سلامة القلب شرط فيه قال بعضهم إنه الدم لفوات الحياة بفواته و عليه قول السموأل تسيل على حد الضباة نفوسنا قلنا لا يلزم من عدم شيء عند عدم آخر اتحادهما كالجوهر و العرض و لا حجة في الشعر لاحتماله المجاز و قيل هو الأخلاط بشرط أن يكون لكل واحد منها قدر معين و مأخذ هذا و جوابه قريب مما سلف.
قال بعض الفلاسفة إنه الجزء الناري لأن خاصة النار الإشراق و الحركة و خاصة النفس الإدراك و الحركة و الإدراك من جنس الإشراق و لذلك قالت الأطباء إن مدبر هذا البدن الحرارة الغريزية قلنا لا يلزم من الاشتراك في الخاصة الاشتراك في ذي الخاصة فإن العناصر مع اختلاف ماهياتها تشترك في كيفياتها.
قال الباقلاني هو الجزء الهوائي و هو النفس المتردد في المخارق و أنه متى انقطع انقطعت الحياة فالنفس هو النفس قلنا قد أسلفنا أن التلازم لا يستلزم الاتحاد.
قيل هو الجزء المائي لأنه سبب النمو فالنفس كذلك قلنا و هذا من
موجبتين في الشكل الثاني فهو عقيم و لا ينحصر النمو في الماء فإنه يوجد في الشمس و الهواء.
قيل هو أجزاء لطيفة سارية في البدن كسريان الدهن في السمسم و ماء الورد في ورقه قلنا هذا مجرد خيال خال عن دليل.
قال النظام و ابن الإخشيد إنه الروح الدماغي الصالح لقبول الحس و الكفر و الحفظ و الذكر و هو الحي المكلف الفاعل للأفعال و هو مركب من بخارية الأخلاط و لطيفها و مسكنه الأعضاء الرئيسة التي هي القلب و الدماغ و الكبد و ما ينفذ في العروق و الأعصاب إلى سائر الأعضاء قلنا قد علمنا أن الأذن هي السامعة و العين هي الباصرة و البدن راكع و ساجد فكيف يقال الفاعل غيرها و لم حد الزاني و لم قتل المرتد إذا كان هو غير هذا المشاهد.
قال النظام أيضا إنه جزء لطيف داخل البدن سار في أعضائه فإذا قطع منه عضو تقلص ذلك اللطيف فإذا قطع اللطيف معه مات الإنسان و هذا نظر إلى فقد الحياة بفقدانه و قد عرفت ضعفه.
قال هشام بن الحكم هو جسم لطيف يختص بالقلب و سماه نورا و إن الجسد موات و إن الروح هو الحي الفعال المدرك و قد عرفت مأخذه و ضعفه مما سلف.
قال ابن الإخشيد أيضا إنه جسم منبث في الجملة و فيه ما فيما قبله.
قالت الصوفية إنه جسم لطيف كهيئة الإنسان ملبس كالثوب على الجسد و كأنهم نظروا إلى الأفعال الصادرة عنه و إلى أنه إذا قطع بعضه لم يمت فجعلوه شيئا ملازما للجملة و هذا خرص محض.
قالت الثنوية هو جوهران ممتزجان أحدهما خير هو من النور و الآخر شر هو من الظلمة بناء منهم على قدم هذين و تدبيرهما و قد عرفت بطلان مبناه في الكلام.
قالت المرقونية إنه ثلاثة جواهر نور و ظلمة و ثالث بينهما و هو الفاعل دونهما.
قالت الصابئة هو الحواس الخمس لأنه شاعر و هذه مشاعر و هو من موجبتين في الثاني و يلزمهم أنه متى ذهب بعضها ذهب الإنسان لبطلان المركب ببطلان جزئه و الحس يكذبه.
قال قوم من الدهرية هو الطبائع الأربع فهذا الضرب من الاختلاف كان إنسانا قال بعض الدهرية هو الطبائع الأربع و خامس آخر هو المنطق و التمييز و الفعل.
قال بعض أصحاب الهيولى هو الجوهر الحي الناطق و هو في هذا الجوهر شيء ليس بمماس و لا مباين و هو المدبر له.
قالت الملكائية من النصارى هو النفس و العقل و الجرم.
قال معمر هو عين من الأعيان لا يجوز عليه الانتقال و لا يجوز له محل و لا مكان يدبر هذا العالم و يحركه و لا يجوز إدراكه و رؤيته فقد قيل إنه جعل الإنسان بمثابة القديم غير أنه لما سئل كيف يختص تدبيره بهذا البدن دون غيره دهش و قال إنه مدبر لسائر أبدان العالم و هذه صفة الإله سبحانه فزعم حينئذ أنه ربه و هذا هو الذي عناه شارح نظم البراهين بقوله و قيل إن النفس هو الإله قالوا يجوز كون النفس مختلفة بالحقيقة و الأبدان مختلفة بالمزاج فتعلق كل نفس بما يناسبها من المزاج قلنا الأبدان الإنسانية قريبة المزاج و ربما اتحد أكثرها في المزاج فيلزم أن يتعلق بالجميع 10639 و هذه الأقوال لإدراكها مأخذ إلا أنها عند تحرير المبحث منها ما يرجع إلى الجوهر المجرد و منها ما يرجع إلى الأجزاء الأصلية.