کتابخانه روایات شیعه
بحار الأنوار (ط - بيروت) - ج 1تا15
قوله ماتُوا وَ هُمْ كافِرُونَ فظاهره يقتضي أنه أراد كفرهم من حيث أراد أن تزهق أنفسهم في حال كفرهم لأن القائل إذا قال أريد أن يلقاني فلان و هو لابس أو على صفة كذا و كذا فالظاهر أنه أراد كونه على هذه الصفة.
قلنا أما التعذيب بالأموال و الأولاد ففيه وجوه.
أحدها ما روي عن ابن عباس و قتادة و هو أن يكون في الكلام تقديم و تأخير و يكون التقدير فلا تعجبك يا محمد و لا تعجب المؤمنين معك أموال هؤلاء الكفار و المنافقين و أولادهم في الحياة الدنيا إنما يريد الله ليعذبهم بها في الآخرة عقوبة لهم علي منعهم حقوقها و استشهد على ذلك بقوله تعالى اذْهَبْ بِكِتابِي هذا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانْظُرْ ما ذا يَرْجِعُونَ 3160 فالمعنى فألقه إليهم فانظر ما ذا يرجعون ثم تول عنهم.
و ثانيها أن يكون المعنى ما جعله للمؤمنين من قتالهم و غنيمة أموالهم و سبي أولادهم و استرقاقهم و في ذلك لا محالة إيلام لهم و استخفاف بهم 3161 .
و ثالثها أن يكون المراد بتعذيبهم بذلك كل ما يدخله في الدنيا عليهم من الغموم و المصائب بأموالهم و أولادهم التي هي لهؤلاء الكفار و المنافقين عقاب و جزاء و للمؤمنين محنة و جالبة للنفع و العوض و يجوز أيضا أن يراد به ما ينذر به الكافر قبل موته و عند
احتضاره و انقطاع التكليف عنه مع أنه حي من العذاب الدائم الذي قد أعد له و إعلامه أنه صائر إليه.
و رابعها أن يكون المراد بذلك ما ألزمه هؤلاء الكفار من الفرائض و الحقوق في أموالهم لأن ذلك يؤخذ منهم على كره و هم إذا أنفقوا فيه أنفقوا بغير نية و لا عزيمة فتصير نفقتهم غرامة و عذابا من حيث لا يستحقون عليها أجرا و في هذا الوجه نظر 3162 .
ثم اعلم أن جميع الوجوه التي حكيناها في هذه الآية إلا جواب التقديم و التأخير مبنية على أن الحياة الدنيا ظرف للعذاب و ما يحتاج عندنا إلى جميع ما تكلفوه إذا لم نجعل الحياة ظرفا للعذاب بل جعلناها ظرفا للفعل الواقع بالأموال و الأولاد المتعلق بهما لأنا قد علمنا أولا أن قوله ليعذبهم بها لا بد من الانصراف عن ظاهره لأن الأموال و الأولاد أنفسهما لا تكون عذابا فالمراد على سائر وجوه التأويل الفعل المتعلق بها و المضاف إليها سواء كان إنفاقها أو المصيبة بها و الغم عليها أو إباحة غنيمتها و إخراجها عن أيدي مالكيها و كان تقدير الآية إنما يريد الله ليعذبهم بكذا و كذا مما يتعلق بأموالهم و أولادهم و يتصل بها و إذا صح هذا جاز أن تكون الحياة الدنيا ظرفا لأفعالهم القبيحة في أموالهم و أولادهم التي تغضب الله و تسخطه كإنفاقهم الأموال في وجوه المعاصي و حملهم الأولاد على الكفر فتقدير الكلام إنما يريد الله ليعذبهم بفعلهم في أموالهم و أولادهم الواقع ذلك في الحياة الدنيا و أما قوله تعالى وَ تَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَ هُمْ كافِرُونَ فمعناه تبطل و تخرج أي أنهم يموتون على الكفر ليس يجب إذا كان مريدا لأن تزهق أنفسهم و هم على هذه الحال أن يريد الحال نفسها على ما ظنوه 3163 و قد ذكر في ذلك وجه آخر و هو أن لا يكون قوله وَ هُمْ كافِرُونَ حالا لزهوق أنفسهم بل يكون كأنه كلام مستأنف و التقدير فَلا تُعْجِبْكَ أَمْوالُهُمْ وَ لا أَوْلادُهُمْ إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِها فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ تَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَ هُمْ مع ذلك كله كافِرُونَ صائرون إلى النار و تكون الفائدة أنهم مع عذاب الدنيا قد اجتمع عليهم عذاب الآخرة و يكون معنى تزهق أنفسهم المشقة الشديدة و الكلفة الصعبة.
أقول قد مضى بعض الأخبار في معنى القدر و القضاء في باب البداء.
باب 4 الآجال
الآيات آل عمران وَ ما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتاباً مُؤَجَّلًا و قال تعالى يَقُولُونَ لَوْ كانَ لَنا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ ما قُتِلْنا هاهُنا قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلى مَضاجِعِهِمْ الأنعام هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضى أَجَلًا وَ أَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ الأعراف وَ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَ لا يَسْتَقْدِمُونَ يونس لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ إِذا جاءَ أَجَلُهُمْ فَلا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَ لا يَسْتَقْدِمُونَ الحجر وَ ما أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا وَ لَها كِتابٌ مَعْلُومٌ ما تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَها وَ ما يَسْتَأْخِرُونَ النحل وَ لَوْ يُؤاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ ما تَرَكَ عَلَيْها مِنْ دَابَّةٍ وَ لكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَ لا يَسْتَقْدِمُونَ مريم فَلا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنَّما نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا طه وَ لَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَكانَ لِزاماً وَ أَجَلٌ مُسَمًّى العنكبوت وَ لَوْ لا أَجَلٌ مُسَمًّى لَجاءَهُمُ الْعَذابُ وَ لَيَأْتِيَنَّهُمْ بَغْتَةً وَ هُمْ لا يَشْعُرُونَ فاطر وَ ما يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَ لا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتابٍ إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ حمعسق وَ لَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ المنافقين وَ لَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْساً إِذا جاءَ أَجَلُها
نوح وَ يُؤَخِّرْكُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذا جاءَ لا يُؤَخَّرُ لَوْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ تفسير قال الرازي في تفسيره اختلفوا في تفسير الإذن.
الأول أن يكون الإذن هو الأمر أي يأمر ملك الموت بقبض الأرواح فلا يموت أحد إلا بهذا الأمر.
الثاني أن المراد به الأمر التكويني كقوله تعالى أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ و لا يقدر على الحياة و الموت أحد إلا الله.
الثالث أن يكون الإذن هو التخلية و الإطلاق و ترك المنع بالقهر و الإجبار و به فسر قوله تعالى وَ ما هُمْ بِضارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ أي بتخليته فإنه تعالى قادر على المنع من ذلك بالقهر.
الرابع أن يكون الإذن بمعنى العلم و معناه أن نفسا لا تموت إلا في الوقت الذي علم الله موتها فيه.
الخامس قال ابن عباس الإذن هو قضاء الله و قدره فإنه لا يحدث شيء إلا بمشية الله و إرادته و الآية تدل على أن المقتول ميت بأجله و أن تغيير الآجال ممتنع انتهى.
قوله لَوْ كانَ لَنا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أي من الظفر الذي وعدنا النبي ص أو لو كنا مختارين لما خرجنا باختيارنا.
قوله تعالى لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلى مَضاجِعِهِمْ قال الطبرسي رحمه الله فيه قولان أحدهما أن معناه لو لزمتم منازلكم أيها المنافقون و المرتابون لخرج إلى البراز المؤمنون الذين فرض عليهم القتال صابرين محتسبين فيقتلون و يقتلون و لما تخلفوا بتخلفكم.
و الثاني أن معناه لو كنتم في منازلكم لخرج الذين كتب عليهم القتل أي كتب آجالهم و موتهم و قتلهم في اللوح المحفوظ في ذلك الوقت إلى مصارعهم و ذلك أن ما علم الله كونه فإنه يكون كما علمه لا محالة و ليس في ذلك أن المشركين غير قادرين على
ترك القتال من حيث علم الله ذلك منهم و كتبه لأنه كما علم أنهم لا يختارون ذلك علم أنهم قادرون و لو وجب ذلك لوجب أن لا يكون تعالى قادرا على ما علم أنه لا يفعله و القول بذلك كفر.
و قال رحمه الله في قوله تعالى ثُمَّ قَضى أَجَلًا أي كتب و قدر أجلا وَ أَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ قيل فيه أقوال أحدها أنه يعني بالأجلين أجل الحياة إلى الموت و أجل الموت إلى البعث و روى ابن عباس قال قَضى أَجَلًا من مولده إلى مماته وَ أَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ من الممات إلى البعث لا يعلم أحد ميقاته سواه فإذا كان الرجل صالحا واصلا لرحمه زاد الله له في أجل الحياة من أجل الممات إلى البعث و إذا كان غير صالح و لا واصل نقصه الله من أجل الحياة و زاد في أجل المبعث قال و ذلك قوله وَ ما يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَ لا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتابٍ و ثانيها أنه الأجل الذي يحيي به أهل الدنيا إلى أن يموتوا وَ أَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ يعني الآخرة لأنها أجل ممدود دائم لا آخر له.
و ثالثها أن أَجَلًا يعني به أجل من مضى من الخلق وَ أَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ يعني به آجال الباقين.
و رابعها أن قوله قَضى أَجَلًا عنى به النوم يقبض الروح فيه ثم يرجع عند اليقظة و الأجل المسمى هو أجل الموت و الأصل في الأجل هو الوقت فأجل الحياة هو الوقت الذي يكون فيه الحياة و أجل الموت أو القتل هو الوقت الذي يحدث فيه الموت أو القتل و ما يعلم الله تعالى أن المكلف يعيش إليه لو لم يقتل لا يسمى أجلا حقيقة و يجوز أن يسمى ذلك مجازا و ما جاء في الأخبار من أن صلة الرحم تزيد في العمر و الصدقة تزيد في الأجل و أن الله تعالى زاد في أجل قوم يونس و ما أشبه ذلك فلا مانع من ذلك و قال في قوله تعالى وَ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ أي لكل جماعة و أهل عصر وقت لاستيصالهم و قيل المراد بالأجل أجل العمر الذي هو ملة الحياة.
قوله لا يَسْتَأْخِرُونَ أي لا يتأخرون ساعة من ذلك الوقت و لا يتقدمون ساعة.
و قيل معناه لا يبطلون التأخر عن ذلك الوقت للإياس عنه و لا يطلبون التقدم و معنى
جاء أجلهم قرب أجلهم كما يقال جاء الصيف إذا قارب وقته.
قوله تعالى وَ لَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ أي في تأخير العذاب عن قومك و أنه لا يعذبهم و أنت فيهم لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ أي لفرغ من عذابهم و استيصالهم و قيل معناه لو لا حكم سبق من ربك بتأخيرهم إلى وقت انقضاء آجالهم لقضي بينهم قبل انقضاء آجالهم.
1- فس، تفسير القمي أَبِي عَنِ النَّضْرِ عَنِ الْحَلَبِيِّ عَنِ ابْنِ مُسْكَانَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ: الْأَجَلُ الْمَقْضِيُّ هُوَ الْمَحْتُومُ الَّذِي قَضَاهُ اللَّهُ وَ حَتَمَهُ وَ الْمُسَمَّى هُوَ الَّذِي فِيهِ الْبَدَاءُ يُقَدِّمُ مَا يَشَاءُ وَ يُؤَخِّرُ مَا يَشَاءُ وَ الْمَحْتُومُ لَيْسَ فِيهِ تَقْدِيمٌ وَ لَا تَأْخِيرٌ.
فس، تفسير القمي إِلَّا وَ لَها كِتابٌ مَعْلُومٌ أَيْ أَجَلٌ مَكْتُوبٌ.
2- فس، تفسير القمي أَحْمَدُ بْنُ إِدْرِيسَ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ عَنِ النَّضْرِ عَنْ يَحْيَى الْحَلَبِيِّ عَنْ هَارُونَ بْنِ خَارِجَةَ عَنْ أَبِي بَصِيرٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ع فِي قَوْلِ اللَّهِ وَ لَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْساً إِذا جاءَ أَجَلُها قَالَ إِنَّ عِنْدَ اللَّهِ كُتُباً مَوْقُوفَةً يُقَدِّمُ مِنْهَا مَا يَشَاءُ وَ يُؤَخِّرُ فَإِذَا كَانَ لَيْلَةُ الْقَدَرِ أَنْزَلَ فِيهَا كُلَّ شَيْءٍ يَكُونُ إِلَى مِثْلِهَا 3164 فَذَلِكَ قَوْلُهُ وَ لَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْساً إِذا جاءَ أَجَلُها إِذَا أَنْزَلَهُ وَ كَتَبَهُ كُتَّابُ السَّمَاوَاتِ وَ هُوَ الَّذِي لَا يُؤَخِّرُهُ.
3- شي، تفسير العياشي عَنْ مَسْعَدَةَ بْنِ صَدَقَةَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع فِي قَوْلِهِ تَعَالَى ثُمَّ قَضى أَجَلًا وَ أَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ قَالَ الْأَجَلُ الَّذِي غَيْرُ مُسَمًّى مَوْقُوفٌ يُقَدِّمُ مِنْهُ مَا شَاءَ وَ يُؤَخِّرُ مِنْهُ مَا شَاءَ وَ أَمَّا الْأَجَلُ الْمُسَمَّى فَهُوَ الَّذِي يُنْزِلُ مِمَّا يُرِيدُ أَنْ يَكُونَ مِنْ لَيْلَةِ الْقَدْرِ إِلَى مِثْلِهَا مِنْ قَابِلٍ فَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَ لا يَسْتَقْدِمُونَ .
4- ما، الأمالي للشيخ الطوسي وَ عَنْ حُمْرَانَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ: الْمُسَمَّى مَا سُمِّيَ لِمَلَكِ الْمَوْتِ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ وَ هُوَ الَّذِي قَالَ اللَّهُ إِذا جاءَ أَجَلُهُمْ فَلا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَ لا يَسْتَقْدِمُونَ وَ الْآخَرُ لَهُ فِيهِ الْمَشِيَّةُ إِنْ شَاءَ قَدَّمَهُ وَ إِنْ شَاءَ أَخَّرَهُ.