کتابخانه روایات شیعه
بحار الأنوار (ط - بيروت) - ج 1تا15
و
رَوَى مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ 27630 وَ ذَكَرَهُ فِي جَامِعِ الْأُصُولِ 27631 أَيْضاً، عَنْ نَافِعٍ قَالَ: لَمَّا خَلَعُوا يَزِيدَ وَ اجْتَمَعُوا عَلَى ابْنِ مُطِيعٍ أَتَاهُ ابْنُ عُمَرَ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ 27632 :
اطْرَحُوا لِأَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ وِسَادَةً، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: إِنِّي لَمْ آتِكَ لِأَجْلِسَ، أَتَيْتُكَ لِأُحَدِّثَكَ حَدِيثاً سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ 27633 [وَ آلِهِ]، يَقُولُ: مَنْ خَلَعَ يَداً مِنْ طَاعَةٍ لَقِيَ اللَّهَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَ لَا حُجَّةَ لَهُ، وَ مَنْ مَاتَ وَ لَيْسَ فِي عُنُقِهِ بَيْعَةٌ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً 27634 .
و أمّا من طرق أصحابنا فالأخبار فيه أكثر من أن تحصى، و ستأتي في مظانّها 27635 .
فنقول: لا أظنّك ترتاب بعد ما أسلفناه من الروايات المنقولة من طريق المخالف و المؤالف في أنّ فاطمة صلوات اللّه عليها كانت ساخطة عليهم، حاكمة بكفرهم و ضلالهم، غير مذعنة بإمامتهم و لا مطيعة لهم، و أنّها قد استمرّت على تلك الحالة حتّى سبقت إلى كرامة اللّه و رضوانه.
فمن قال بإمامة أبي بكر لا محيص له عن القول بأنّ سيّدة نساء العالمين و من طهّرها اللّه في كتابه من كلّ رجس، و قال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله في فضلها ما قال، قد ماتت ميتة جاهليّة! و ميتة كفر و ضلال و نفاق!.
و لا أظنّ ملحدا و زنديقا رضي بهذا القول الشنيع.
و من الغرائب أنّ المخالفين لمّا اضطرّوا و انسدّت عليهم الطرق، لجئوا إلى
منع دوام سخطها عليها السلام على أبي بكر، مع روايتهم 27636 تلك الأخبار في كتبهم المعتبرة.
و رِوَايَتِهِمْ 27637 : أَنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمْ يُبَايِعْ أَبَا بَكْرٍ فِي حَيَاةِ فَاطِمَةَ عَلَيْهَا السَّلَامُ، وَ لَا بَايَعَهُ أَحَدٌ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ إِلَّا بَعْدَ مَوْتِهَا، وَ أَنَّهُ كَانَ لِعَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَجْهٌ فِي النَّاسِ حَيَاةَ فَاطِمَةَ عَلَيْهَا السَّلَامُ، فَلَمَّا تُوُفِّيَتْ انْصَرَفَتْ وُجُوهُ النَّاسِ عَنْ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ ضَرَعَ إِلَى مُصَالَحَةِ أَبِي بَكْرٍ.
، رَوَى ذَلِكَ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ 27638 ، وَ ذَكَرَهُ 27639 فِي جَامِعِ الْأُصُولِ 27640 فِي الْبَابِ الثَّانِي مِنْ كِتَابِ الْخِلَافَةِ فِي حَرْفِ الْخَاءِ.
و لا يخفى وهن هذا القول بعد ملاحظة ما تقدّم على ذي مسكة.
فصل في الكلام على ما يستفاد من أخبار الباب و التنبيه على ما ينتفع به طالب الحقّ و الصواب
و هو مشتمل على فوائد:
الأولى:
نقول: لا شكّ في عصمة فاطمة عليها السلام، أمّا عندنا فللإجماع القطعي المتواتر، و الأخبار المتواترة الآتية في أبواب مناقبها عليها السلام 27641 ، و أمّا الحجّة على المخالفين فبآية التطهير الدالة على عصمتها، و سيأتي إثبات نزول الآية في جماعة كانت داخلة فيهم، و دلالة الآية على العصمة في المجلد التاسع 27642 ، و بالأخبار المتواترة الدالّة على أنّ إيذاءها إيذاء الرسول صلوات اللّه عليهما 27643 ، و أنّ
اللّه تعالى يغضب لغضبها و يرضى لرضاها، و سيأتي في أبواب فضائلها صلوات اللّه عليها، و لنذكر هنا بعض ما رواه المخالفون في ذلك، فمنها:.
1- مَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ 27644 فِي بَابِ مَنَاقِبِهَا عَلَيْهَا السَّلَامُ عَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ قَالَ: فَاطِمَةُ بَضْعَةٌ مِنِّي فَمَنْ أَغْضَبَهَا 27645 أَغْضَبَنِي.
2- وَ رَوَى أَيْضاً 27646 فِي أَبْوَابِ النِّكَاحِ عَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ يَقُولُ- وَ هُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ-: إِنَّ بَنِي هَاشِمِ بْنِ الْمُغِيرَةِ اسْتَأْذَنُونِي 27647 فِي أَنْ يُنْكِحُوا ابْنَتَهُمْ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ فَلَا آذَنُ لَهُمْ، ثُمَّ لَا آذَنُ لَهُمْ 27648 .
إِلَّا أَنْ يُرِيدَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ (ع) 27649 أَنْ يُطَلِّقَ ابْنَتِي وَ يَنْكِحَ ابْنَتَهُمْ، فَإِنَّمَا هِيَ بَضْعَةٌ مِنِّي، يُرِيبُنِي مَا رَابَهَا وَ يُؤْذِينِي مَنْ آذَاهَا 27650 .
3- وَ قَدْ رَوَى الْخَبَرَيْنِ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ 27651 .،
وَ رَوَى مُسْلِمٌ 27652 وَ الْبُخَارِيُ 27653
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ [وَ آلِهِ] قَالَ: إِنَّمَا فَاطِمَةُ بَضْعَةٌ مِنِّي يُؤْذِينِي مَا آذَاهَا 27654 .
4- وَ رَوَى التِّرْمِذِيُّ فِي صَحِيحِهِ 27655 عَنِ ابْنِ الزُّبَيْرِ، قَالَ: إِنَّ عَلِيّاً (ع) ذَكَرَ بِنْتَ أَبِي جَهْلٍ فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ، فَقَالَ: إِنَّمَا فَاطِمَةُ بَضْعَةٌ مِنِّي يُؤْذِينِي مَا آذَاهَا وَ يُنْصِبُنِي مَا أَنْصَبَهَا.
و قد ذكر الروايات المذكورة ابن الأثير في جامع الأصول، مع روايات أخرى تؤيّدها 27656 .
5- وَ رَوَى فِي الْمِشْكَاةِ 27657 عَنِ الْمِسْوَرِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ [وَ آلِهِ] قَالَ: فَاطِمَةُ بَضْعَةٌ مِنِّي فَمَنْ أَغْضَبَهَا أَغْضَبَنِي. قَالَ: وَ فِي رِوَايَةٍ: يُرِيبُنِي مَا أَرَابَهَا وَ يُؤْذِينِي مَا آذَاهَا.
ثم قال: متّفق عليه.
و روى ابن شهرآشوب في المناقب 27658 ، و السيّد في الطرائف 27659 ، و ابن بطريق في العمدة و المستدرك 27660 ، و عليّ بن عيسى في كشف الغمّة 27661 و غيرهم أخبارا كثيرة في هذا المعنى من أصول المخالفين أوردتها في أبواب فضائلها.
و وجه الاستدلال بها على عصمتها صلوات اللّه عليها أنّه إذا كانت فاطمة عليها السلام ممّن تقارف الذنوب و ترتكبها لجاز إيذاؤها، بل إقامة الحدّ عليها لو
فعلت معصية أو 27662 ارتكبت ما يوجب حدّا، و لم يكن رضاها رضى للّه 27663 سبحانه إذا رضيت بالمعصية، و لا من سرّها في معصية سارّا للّه سبحانه 27664 و من أغضبها بمنعها عن ارتكابها مغضبا له جلّ شأنه.
فإن قيل: لعلّ المراد من آذاها ظلما فقد آذاني، و من سرّها في طاعة اللّه فقد سرّني .. و أمثال ذلك، لشيوع التخصيص في العمومات.
قلنا: أوّلا: التخصيص خلاف الأصل، و لا يصار إليه إلّا بدليل، فمن أراد التخصيص فعليه إقامة 27665 الدليل.
و ثانيا: أنّ فاطمة صلوات اللّه عليها تكون حينئذ كسائر المسلمين لم تثبت لها خصوصيّة و مزيّة في تلك الأخبار، و لا كان فيها لها تشريف و مدحة، و ذلك باطل بوجوه:
الأوّل: أنّه لا معنى حينئذ لتفريع كون إيذائها إيذاء الرسول على كونها بضعة منه، كما مرّ فيما صحّحه البخاري و مسلم من الروايات و غيرها.
الثاني: أنّ كثيرا من الأخبار السالفة المتضمّنة لإنكاره صلّى اللّه عليه و آله على بني هاشم 27666 في أن ينكحوا ابنتهم عليّ بن أبي طالب عليه السلام أو إنكاح بنت أبي جهل ليس من المشتركات بين المسلمين، فإنّ ذلك النكاح كان ممّا أباحه اللّه سبحانه، بل ممّا رغّب فيه و حثّ عليه لو لا كونه إيذاء لسيّدة النساء، و قد علّل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عدم الإذن كونها بضعة منه يؤذيه ما آذاها و يريبه ما يريبها، فظهر بطلان القول بعموم الحكم لكافة المسلمين.