کتابخانه روایات شیعه
بحار الأنوار (ط - بيروت) - ج 1تا15
عمر من الإهانة و الأذى؟!.
و يدلّ على أنّ القتل كان بأمر خالد، أو كان هو القاتل، قول أبي بكر: تأوّل فأخطأ.
قَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ فِي الْكَامِلِ 33776 ، قَالَ عُمَرُ لِأَبِي بَكْرٍ: إِنَّ سَيْفَ خَالِدٍ فِيهِ رَهْقٌ وَ أَكْثَرَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ. فَقَالَ: يَا عُمَرُ 33777 ! تَأَوَّلَ فَأَخْطَأَ، فَارْفَعْ لِسَانَكَ عَنْ خَالِدٍ، فَإِنِّي لَا أَشِيمُ 33778 سَيْفاً سَلَّهُ اللَّهُ عَلَى الْكَافِرِينَ، وَ وَدَى مَالِكاً وَ كَتَبَ إِلَى خَالِدٍ أَنْ يَقْدَمَ عَلَيْهِ فَفَعَلَ 33779 ، وَ دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَ عَلَيْهِ قَبَاءٌ وَ قَدْ غَرَزَ فِي عِمَامَتِهِ أَسْهُماً، فَقَامَ إِلَيْهِ عُمَرُ فَانْتَزَعَهَا فَحَطَمَهَا 33780 ، وَ قَالَ لَهُ: قَتَلْتَ امْرَأً مُسْلِماً ثُمَّ نَزَوْتَ عَلَى امْرَأَتِهِ، وَ اللَّهِ لَأَرْجُمَنَّكَ بِأَحْجَارِكَ .. وَ خَالِدٌ لَا يُكَلِّمُهُ يَظُنُّ أَنَّ رَأْيَ أَبِي بَكْرٍ مِثْلُهُ، وَ دَخَلَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ فَأَخْبَرَهُ الْخَبَرَ وَ اعْتَذَرَ إِلَيْهِ فَعَذَّرَهُ وَ تَجَاوَزَ عَنْهُ، وَ عَنَّفَهُ فِي التَّزْوِيجِ لِلَّذِي 33781 كَانَتْ عَلَيْهِ الْعَرَبُ مِنْ كَرَاهَةِ أَيَّامِ الْحَرْبِ، فَخَرَجَ خَالِدٌ وَ عُمَرُ جَالِسٌ. فَقَالَ: هَلُمَّ إِلَيَّ يَا ابْنَ أُمِّ شَمْلَةَ 33782 ، فَعَرَفَ عُمَرُ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ قَدْ رَضِيَ عَنْهُ فَلَمْ يُكَلِّمْهُ، انْتَهَى.
فلو كان القاتل ضرارا لم يكن خالد متأوّلا و لا مخطئا، بل كان ضرارا 33783 هو المتأوّل المخطئ في فهم النداء الذي أمر به خالد من قوله: ادفئوا أسراءكم، و لا يخفى أنّ هذا الاعتذار لو كان صحيحا لصار الأمر في تزويج زوجة مالك أفحش، إذ لو كان حبسه لاختلاف الجيش في أنّه و قوم 33784 يصلّون أم لا، و لم يثبت كفره،
و قد كان إسلامه سابقا مستصحبا إلى أن يتحقّق ما يزيله- و لو كان قتله لخطإ ضرار في فهم نداء خالد- فزوجته 33785 في حكم زوجات سائر المسلمين المتوفى عنهنّ أزواجهنّ، و لا يجوز تزوّجها إلّا بعد انقضاء عدّتها، فظهر شناعة الجواب الذي حكاه قاضي القضاة 33786 عن أبي علي أو أجاب به من عند نفسه، و هو أنّه إذا قتل الرجل على الردّة في دار الكفر جاز التزويج بامرأته 33787 عند كثير من أهل العلم و إن كان لا يجوز وطؤها 33788 إلّا بعد الاستبراء.
على أنّ التزوّج بامرأته فجور على أيّ حال، لكون المرأة مسلمة و ارتداد الزوج لا يصير سببا لحلّ التزوّج بامرأته، و لا لكون الدار دار الكفر، سيّما إذا كان ارتداده لما اعتذروا به من قوله: صاحبك .. فإنّ ذلك ارتداد لا يسري إلى غيره من زوجته و أصحابه.
و من الغرائب أنّ الشارح الجديد للتجريد 33789 ادّعى أنّ امرأة مالك كانت مطلّقة منه و قد انقضت عدّتها.
و لا عجب ممّن غلب عليه الشقاء، و سلب اللّه منه الحياء أن يعتمد في رفع هذا الطعن الفاحش عن إمامه الغويّ و عن خالد الشقيّ بإبداء هذا الاحتمال الذي لم يذكره أحد ممّن تقدّمه، و لم يذكر في خبر و رواية، و لم يعتذر به خالد في جواب تشنيع عمر و طعنه عليه بأنّه نزا على زوجة خالد 33790 و تهديده بالرجم للزنا.
ثم أعلن 33791 أنّ معاتبة عمر و غيظه على خالد في قتل مالك لم يكن مراقبة
للدين و رعاية لشريعة سيّد المرسلين صلّى اللّه عليه و آله، و إنّما تألّم من قتله لأنّه كان حليفا له في الجاهليّة، و قد عفا عن خالد لمّا علم أنّه هو قاتل سعد بن عبادة.
رُوِيَ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا، عَنْ أَهْلِ الْبَيْتِ عَلَيْهِمُ السَّلَامَ أَنَّ عُمَرَ اسْتَقْبَلَ 33792 فِي خِلَافَتِهِ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ يَوْماً فِي بَعْضِ حِيطَانِ الْمَدِينَةِ، فَقَالَ لَهُ: يَا خَالِدُ! أَنْتَ الَّذِي قَتَلَ مَالِكاً؟. فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ! إِنْ كُنْتُ قَتَلْتُ مَالِكَ بْنَ نُوَيْرَةَ لِهَنَاتٍ كَانَتْ بَيْنِي وَ بَيْنَهُ فَقَدْ قَتَلْتُ لَكُمْ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ لِهَنَاتٍ كَانَتْ بَيْنَكُمْ وَ بَيْنَهُ، فَأَعْجَبَ عُمَرَ قَوْلُهُ وَ ضَمَّهُ إِلَى صَدْرِهِ، وَ قَالَ لَهُ: أَنْتَ سَيْفُ اللَّهِ وَ سَيْفُ رَسُولِهِ (ص)!.
وَ جُمْلَةُ الْقِصَّةِ 33793 ، أَنَّ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ لَمَّا امْتَنَعَ مِنْ بَيْعَةِ أَبِي بَكْرٍ يَوْمَ السَّقِيفَةِ وَ أَرَادَ الْمُبَايِعُونَ لِأَبِي بَكْرٍ أَنْ يُطَالِبُوهُ بِالْبَيْعَةِ، قَالَ لَهُمْ قَيْسُ بْنُ سَعْدٍ: إِنِّي نَاصِحٌ لَكُمْ فَاقْبَلُوا مِنِّي. قَالُوا: وَ مَا ذَاكَ؟. قَالَ: إِنَّ سَعْداً قَدْ حَلَفَ أَنْ لَا يُبَايِعَكُمْ، وَ هُوَ إِذَا حَلَفَ فَعَلَ، وَ لَنْ يُبَايِعَكُمْ حَتَّى يُقْتَلَ، وَ لَنْ يُقْتَلَ حَتَّى يُقْتَلَ مَعَهُ وُلْدُهُ وَ أَهْلُ بَيْتِهِ، وَ لَنْ يُقْتَلُوا حَتَّى يُقْتَلَ الْأَوْسُ كُلُّهَا، وَ لَنْ يُقْتَلُوا حَتَّى يُقْتَلَ الْخَزْرَجُ، وَ لَنْ يُقْتَلَ الْأَوْسُ وَ الْخَزْرَجُ حَتَّى يُقْتَلَ الْيَمَنُ، فَلَا تُفْسِدُوا عَلَيْكُمْ أَمْراً قَدْ كَمَلَ وَ اسْتَتَمَّ لَكُمْ، فَقَبِلُوا مِنْهُ وَ لَمْ يَتَعَرَّضُوا لِسَعْدٍ.
ثُمَّ إِنْ سَعْداً خَرَجَ مِنَ الْمَدِينَةِ إِلَى الشَّامِ، فَنَزَلَ فِي قُرَى غَسَّانَ مِنْ بِلَادِ دِمَشْقَ- وَ كَانَ غَسَّانُ مِنْ عَشِيرَتِهِ، وَ كَانَ خَالِدٌ يَوْمَئِذٍ بِالشَّامِ، وَ كَانَ مِمَّنْ يُعْرَفُ بِجَوْدَةِ الرَّمْيِ، وَ كَانَ مَعَهُ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ مَوْصُوفٌ بِجَوْدَةِ الرَّمْيِ- فَاتَّفَقَا عَلَى قَتْلِ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ لِامْتِنَاعِهِ مِنَ الْبَيْعَةِ لِقُرَيْشٍ، فَاسْتَتَرَا لَيْلَةً بَيْنَ شَجَرٍ وَ كَرْمٍ، فَلَمَّا مَرَّ بِهِمَا فِي مَسِيرِهِ رَمَيَاهُ بِسَهْمَيْنِ، وَ أَنْشَدَا بَيْتَيْنِ مِنَ الشِّعْرِ وَ نَسَبَاهُمَا إِلَى الْجِنِّ:
نَحْنُ قَتَلْنَا سَيِّدَ الْخَزْرَجِ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ
وَ رَمَيْنَاهُ بِسَهْمَيْنِ فَلَمْ نُخْطِ فُؤَادَهُ
فظنّت العامّة أنّ الجنّ قتلوه، فكان قول خالد لعمر كشفا لما استتر على الناس في تلك الواقعة، و مثل هذه الرواية- إن لم تنهض بانفرادها حجّة على المخالفين لكونها من روايات أصحابنا- إلّا 33794 أنّ سكوت عمر عن خالد أيّام خلافته و ترك الاقتصاص منه مع قوله في خلافة أبي بكر: لئن وليت الأمر لأقيدنّك به، قرينة واضحة على صحّتها، و مع قطع النظر عن تلك الرواية فلا ريب في المناقضة بين هذا السكوت و ذلك القول، فظهر أنّ له أيضا من قداح هذا القدح 33795 سهم، و من نصال هذا الطعن نصيب.
السادس:
إنّ أبا بكر قال- مخبرا عن نفسه-: إنّ لي شيطانا يعتريني، فإن استقمت فأعينوني و إن زغت فقوّموني 33796 ..
و لا يصلح للإرشاد من يطلب الرشاد.
و قال: أقيلوني فلست بخيركم ..
و لا يحلّ للإمام الاستقالة من البيعة.
و أجاب قاضي القضاة في المغني 33797 ناقلا عن شيخه أبي علي أنّ إخباره عن نفسه بما أخبر لو كان نقصا فيه لكان قوله تعالى في آدم و حوّاء: فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطانُ 33798 33799 ، و قوله: فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطانُ 33800 ، و قوله تعالى: وَ ما أَرْسَلْنا مِنْ
قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَ لا نَبِيٍّ إِلَّا إِذا تَمَنَّى . 33801 . الآية، يوجب النقص في الأنبياء عليهم السلام، و إذا لم يجب ذلك فكذلك 33802 ما وصف به أبو بكر نفسه، و إنّما أراد أنّ عند الغضب يشفق من المعصية و يحذر منها، و يخاف 33803 أن يكون الشيطان يعتريه في تلك الحال فيوسوس إليه، و ذلك منه على طريق الزجر لنفسه عن المعاصي.
وَ قَدْ رُوِيَ عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّهُ تَرَكَ مُخَاصَمَةَ النَّاسِ فِي حُقُوقِهِ إِشْفَاقاً مِنَ الْمَعْصِيَةِ، وَ كَانَ يُوَلِّي ذَلِكَ عَقِيلًا، فَلَمَّا أَسَنَّ عَقِيلٌ كَانَ يُوَلِّيهَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَعْفَرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ.
قال: فأمّا ما روي في إقالة البيعة فهو خبر ضعيف، و إن صحّ فالمراد به التنبيه على أنّه لا يبالي لأمر يرجع إليه أن يقيله الناس البيعة، و إنّما يضرّون بذلك أنفسهم، فكأنّه نبّه بذلك على أنّه غير مكره لهم، و أنّه قد خلّاهم و ما يريدون إلّا أن يعرض ما يوجب خلافه
، وَ قَدْ رُوِيَ أَنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَقَالَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ الْبَيْعَةَ حِينَ اسْتَقَالَهُ.
، و المراد بذلك على أنّه تركه و ما يختاره و لم يكرهه .
وَ أَوْرَدَ عَلَيْهِ السَّيِّدُ الْمُرْتَضَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الشَّافِي بِأَنَّ قَوْلَ أَبِي بَكْرٍ:
وَلِيتُكُمْ وَ لَسْتُ بِخَيْرِكُمْ، فَإِنِ اسْتَقَمْتُ فَاتَّبِعُونِي، وَ إِنِ اعْوَجَجْتُ فَقَوِّمُونِي، فَإِنَ
لِي شَيْطَاناً يَعْتَرِينِي عِنْدَ غَضَبِي، فَإِذَا رَأَيْتُمُونِي مُغْضَباً فَاجْتَنِبُونِي لَا أُوثَرْ فِي أَشْعَارِكُمْ وَ لَا أَبْشَارِكُمْ . يدلّ على أنّه لا يصلح للإمامة من وجهين:
أحدهما: أنّ هذه صفة من ليس بمعصوم و لا يأمن الغلط على نفسه، و من يحتاج إلى تقويم رعيّته له إذا واقع المعصية، و قد بيّنا أنّ الإمام لا بدّ أن يكون معصوما مسدّدا موفّقا.
و الوجه الآخر: أنّ هذه صفة من لا يملك نفسه، و لا يضبط غضبه، و من هو في نهاية الطيش و الحدّة، و الخرق و العجلة، و لا خلاف في أنّ الإمام يجب أن يكون منزّها عن هذه الأوصاف غير حاصل عليها، و ليس يشبه قول أبي بكر ما تلاه من الآيات كلّها، لأنّ أبا بكر خبّر عن نفسه بطاعة الشيطان عند الغضب، و أنّ عادته بذلك جارية، و ليس هذا بمنزلة من يوسوس له الشيطان و لا يطيعه، و يزيّن له القبيح فلا يأتيه، و ليس وسوسة الشيطان قبحا بعيب على الموسوس له إذا لم يستزلّه ذلك عن الصواب، بل هو زيادة في التكليف و وجه يتضاعف معه الثواب.
و قوله تعالى: أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ قيل معناه: في تلاوته، و قيل: