کتابخانه روایات شیعه
بحار الأنوار (ط - بيروت) - ج 1تا15
بعده ممن تباعد منه بغض و نزاهة أي إنما يبعد عن الكفار و الفساق للبغض في الله و النزاهة و البعد عن أعمالهم و أفعالهم و النزاهة بالفتح التباعد عن كل قذر و مكروه و دنوه ممن دنا منه من المؤمنين لين و رحمة أي ملاينة و ملاطفة و ترحم و لا عظمة أي تجبرا و عد النفس عظيما و قيل المراد بها العظمة الواقعية و في القاموس خلبه كنصره خلبا و خلابا و خلابة بكسرهما خدعه بل يقتدي أي في هذا البعد و الدنو.
أقول هذه الصفات قد يتداخل بعضها في بعض و لكن تورد بعبارة أخرى أو تذكر مفردة ثم تذكر ثانية مركبة مع غيرها و هذا النوع من التكرار في الخطب و المواعظ مطلوب لمزيد التذكار.
ثم وقع مغشيا عليه كأن المراد به أنه مات من غشيته كما سيأتي 5871 في رواية النهج هكذا تصنع المواعظ البالغة هكذا في محل النصب نائب للمفعول المطلق لقوله تصنع و التقديم للحصر و المشار إليه نوع من التأثير صار في همام سبب موته بأهلها أي بمن تؤثر فيه و يتدبرها و يفهمها كما ينبغي.
فما بالك يا أمير المؤمنين أي ما حالك حيث لم يفعل العلم بتلك الصفات أو ذكرها أو سماعك من الرسول ص ما فعل بهمام أو لم أتيت بتلك الموعظة مع خوفك عليه فعلى الأول الجواب يحتمل وجوها الأول أن المشار إليه بهكذا التأثير الكامل و صيرورته في همام سبب موته لضعف نفسه و قلة حوصلته و عدم اتصافه ببعض تلك الصفات لا يستلزم صيرورته سببا للموت في كل أحد لا سيما فيه صلوات الله عليه.
الثاني ما ذكره بعض المحققين و هو أنه أجابه ع بالإشارة إلى السبب البعيد و هو الأجل المحتوم به القضاء الإلهي و هو جواب مقنع للسامع مع أنه حق و صدق و أما السبب القريب الفرق بينه و بين همام و نحوه لقوة نفسه القدسية على قبول الواردات الإلهية و تعوده بها و بلوغ رياضته حد السكينة عند ورود أكثرها و ضعف
نفس همام عما ورد عليه من خوف الله و رجائه و أيضا فإنه ع كان متصفا بهذه الصفات لم يفقدها حتى يتحسر على فقدها.
قيل و لم يجب ع بمثل هذا الجواب لاستلزامه تفضيل نفسه أو لقصور فهم السائل و هذا قريب من الأول لكن الأول أظهر لأنه ع أشار إلى الفرق إجمالا بأن الآجال منوطة بالأسباب و الأسباب في المواد مختلفة فيمكن أن يؤثر في بعض المواد و لا يؤثر في بعضها.
الثالث أن يكون المعنى أن قولنا هكذا تصنع المواعظ على تقدير كون هكذا إشارة إلى الموت ليس كليا بل المراد أنه قد تصنع ذلك إذا صادف قلة ظرف سامعه أو غير ذلك و ليس سببا مستقلا للموت بالنسبة إلى أهلها فإن لكل أحد أجلا منوطا بأسباب و دواعي و مصالح و الوجوه الثلاثة متقاربة.
و قيل يمكن أن يكون كلام السائل مبنيا على أن هكذا إشارة إلى الإماتة و حاصل الجواب حينئذ التنبيه على بطلان هذا التوهم و أن المشار إليه التأثير الكامل كما مر.
و على الثاني حاصل الجواب أني لم أكن أعلم أنه يفعل به ما فعل و الخوف يحصل بمحض الاحتمال و محض الاحتمال لا يكفي لترك بيان ما أمر الله ببيانه كما قال ابن ميثم.
إن قيل كيف جاز منه ع أن يجيبه مع غلبة ظنه بهلاكه و هو كالطبيب يعطي كلا من المرضى بحسب احتمال طبيعته من الدواء قلت إنه لم يكن يغلب على ظنه إلا الصعقة عن الوجد الشديد فأما أن تلك الصعقة فيها موته فلم يكن مظنونا له انتهى.
أقول و يحتمل أن يكون المراد أن هذا كان أجلا مقدرا له و لا يمكن الفرار من الأجل المقدر بترك ما أمر الله به كما قال تعالى قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلى مَضاجِعِهِمْ 5872 على بعض التفاسير
و يمكن أن يجوز له ع ذلك مع العلم بموته لعهد من الرسول ص فيشبه قصة الغلام و صاحب موسى ع.
و سببا لا يجاوزه الضمير راجع إلى السبب و قال الجوهري المهل بالتحريك التؤدة و أمهله أنظره و تمهل في أمره أي اتأد و قولهم مهلا يا رجل و كذلك للاثنين و الجمع و المؤنث و هي موحدة بمعنى أمهل 5873 و قال النفث شبيه بالنفخ و هو أقل من التفل.
أقول و ربما يتوهم التنافي بين ما تضمن هذا الخبر من صيحة همام عند سماع الموعظة و بين ما سيأتي في كتاب القرآن من ذم أبي جعفر ع قوما إذا ذكروا شيئا من القرآن أو حدثوا به صعق أحدهم 5874 و يمكن أن يجاب بأن عروض ذلك نادرا لا ينافي ذمه ع قوما كان دأبهم ذلك و كانوا متعمدين لفعله رئاء و سمعة كالصوفية.
كلمة المحقّق
بسم اللّه الرّحمن الرّحيم
الحمد لله و الصلاة و السلام على رسول الله محمّد و آله أمناء الله.
و بعد: فمن سعادتي الخالدة و الشكر لواهبها و منعمها أن وفّقني الله العزيز لخدمة الدين القويم و الخوض في تراثه الذهبيّ القيّم تحقيقاً لآثار الوحي و الرسالة و تصحيحها و تبريزها بصورة تناسب أدنى شأنها و شأنها أن تكتب بالتبر على ألواح الزبرجد.
و في مقدّمتها هذا الموسوعة الكبرى بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار الباحث عن المعارف الإسلاميّة الدائرة بين المسلمين فلله المنّ و الشكر على توفيقه لذلك.
و هذا الجزء الذي نقدّمها إلى القرّاء الكرام هو الجزء الأوّل من المجلّد الخامس عشر في بيان الإسلام و الإيمان و شرائطهما و صفات المؤمنين و المتّقين من مكارم الاخلاق و محاسن الأعراق و بيان معاني الكفر و النفاق و موجباتها و علائم الكفار و المنافقين و مقابح خصالهم و مذامّ خلالهم إلى غير ذلك من المباحث النافعة الكثيرة التي ستمرّ عليكم في طيّ أجزائها.
و قد اعتمدنا في تصحيح أحاديثها و تحقيقها على النسخة المصحّحة المشهورة بكمبانيّ بعد تخريج أحاديثه من المصادر و تعيين موضع النصّ منها إلّا في المصادر المخطوطة.
نرجو من الله العزيز أن يوفّقنا لإتمام ذلك و يعيننا في إخراج سائر أجزائه متواليا متواترا و أن يعصمنا عن الزلل و الخطاء إنّه وليّ العصمة و التوفيق.
محمد الباقر البهبودى
[كلمة المصحّح]
بسمه تعالى
إلى هنا انتهى الجزء الأول من المجلّد الخامس عشر و هو الجزء الرابع و الستّون حسب تجزئتنا يحتوي على أربعة عشر باباً
و لقد بذلنا الجهد في تصحيحنا فخرج بعون الله و مشيّته نقيّا من الأغلاط إلّا نزرا زهيدا زاغ منه البصر و حسر عنه النظر الّلهمّ ما بنا من نعمة فمنك وحدك لا شريك لك فوفّقنا لأقرب من هذا رشداً.
السيّد إبراهيم الميانجي محمّد الباقر البهبودى
فهرس ما في هذا الجزء من الأبواب
عناوين الأبواب/ رقم الصفحة
أبواب الإيمان و الإسلام و التشيّع و معانيها و فضلها و صفاتها
1- باب فضل الإيمان و جمل شرائطه 73- 2
2- باب أنّ المؤمن ينظر بنور اللّه و أن اللّه خلقه من نوره 79- 73
3- باب طينة المؤمن و خروجه من الكافر و بالعكس و بعض أخبار الميثاق زائدا على ما تقدّم في كتاب التوحيد و العدل 129- 77
4- باب فطرة اللّه سبحانه و صبغته 142- 130
5- باب فيما يدفع اللّه بالمؤمن 144- 143
6- باب حقوق المؤمن على اللّه عزّ و جلّ و ما ضمن اللّه تعالى له 146- 145
7- باب الرضا بموهبة الإيمان و أنّه من أعظم النعم و ما أخذ اللّه على المؤمن من الصبر على ما يلحقه من الأذى 157- 147
8- باب قلّة عدد المؤمنين و أنه ينبغي أن لا يستوحشوا لقلتهم و أنس المؤمنين بعضهم ببعض 169- 157
9- باب أصناف الناس في الإيمان 181- 169
10- باب لزوم البيعة و كيفيّتها و ذم نكثها 188- 181
11- باب آخر في أنّ المؤمن صنفان 196- 189
12- باب شدّة ابتلاء المؤمن و علّته و فضل البلاء 259- 196
13- باب أنّ المؤمن مكفّر 261- 259