کتابخانه روایات شیعه
بحار الأنوار (ط - بيروت) - ج 1تا15
الاجتماع، و يظهر له الجهة المحسنة لإيجاب الفعل، و كيف أمرهم صلّى اللّه عليه و آله مع ذلك الخوف بأن يصلوها في بيوتهم؟ و لم لم يأمرهم بترك الرواتب خشية الافتراض 42 ثم المناسب لهذا التعليل أن يقول: خشيت أن يفرض عليكم الجماعة فيها، لا أن يفرض عليكم صلاة الليل، كما في بعض رواياتهم. و قد ذهبوا إلى أنّ الجماعة مستحبة في بعض النوافل كصلاة العيد و الكسوف و الاستسقاء و الجنازة، و لم يصر 43 الاجتماع فيها سببا للافتراض، و لم ينه عن الجماعة فيها لذلك، فلو صحّت الرواية لكانت محمولة على أنّ المراد النهي عن تكلّف ما لم يأمر اللّه به، و التحذير من أن يوجب عليهم صلاة الليل لارتكاب البدعة في الدين، ففيه دلالة واضحة على قبح فعلهم و أنّه مظنّة العقاب، و إذا كان كذلك فلا يجوز ارتكابه بعد ارتفاع الوحي أيضا.
و أمّا أنّ عمر ابتدعها، فلا خلاف فيه 44 و أمّا أنّ كلّ بدعة ضلالة، فقد استفيض 45 في أخبار الخاصّة 46 و العامّة.
فَرَوَى مُسْلِمٌ 47 فِي صَحِيحِهِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ [وَ آلِهِ] يَقُولُ فِي خُطْبَتِهِ: أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ خَيْرَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ، وَ خَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ، وَ شَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَ كُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ 48 .
وَ رَوَى الْبُخَارِيُ 49 وَ مُسْلِمٍ 50 ، عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ [وَ آلِهِ] أَنَّهُ قَالَ: مَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي 51 .
وَ رَوَيَا 52 أَيْضاً عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ [وَ آلِهِ]، أَنَّهُ قَالَ: مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَتَنَزَّهُونَ عَنِ الشَّيْءِ أَصْنَعُهُ، فَوَ اللَّهِ إِنِّي لَأَعْلَمُهُمْ 53 بِاللَّهِ وَ أَشَدُّهُمْ لَهُ خَشْيَةً 54 .
وَ رَوَيَا 55 أَيْضاً لَهُ، عَنْهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ أَنَّهُ قَالَ: مَنْ عَمِلَ عَمَلًا
لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ 56 .
وَ حَكَى فِي جَامِعِ الْأُصُولِ 57 ، عَنِ التِّرْمِذِيِ 58 وَ أَبِي دَاوُدَ 59 ، عَنِ الْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ: إِيَّاكُمْ وَ مُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ، فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَ كُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ 60 .
وَ قَالَ فِي فَتْحِ الْبَارِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ- 61 : قَدْ أَخْرَجَ أَحْمَدُ بِسَنَدٍ جَيِّدٍ، عَنْ عَصِيفِ بْنِ الْحَارِثِ، قَالَ ..: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ [وَ آلِهِ] وَ سَلَّمَ: مَا أَحْدَثَ قَوْمٌ بِدْعَةً إِلَّا رُفِعَ مِنَ السُّنَّةِ مِثْلُهَا.
و أخبارنا في ذلك متواترة 62 ، و ما زعمه بعض فقهاء العامّة 63 من انقسام البدعة بالأقسام الخمسة لا وجه له 64 ، بل يظهر من عموم النصوص أنّ كلّ ما أحدث في الدين ممّا لم يرد في الشريعة خصوصا أو عموما فهو بدعة محرّمة، فكلّ ما فعل على وجه العبادة و لم يكن مستفادا من دليل شرعيّ عامّ أو خاصّ فهو بدعة و تشريع، سواء كان فعلا مستقلا أو وصفا لعبادة متلقّاة من الشارع، كفعل
الواجب على وجه الندب و بالعكس، و إيجاب وصف خاصّ في عبادة مخصوصة، فلو أوجب أحد إيقاع الطواف مثلا جماعة، أو زعمه مستحبّا، أو استحبّ عددا مخصوصا في الصلاة.
و بالجملة، كلّ فعل أو وصف في فعل أتى به المكلّف على غير الوجه الذي وردت به الشريعة، و تضمّن تغيير حكم شرعيّ و إن كان بالقصد و النية فلا ريب في أنّه بدعة و ضلالة.
و أمّا ما دلّ عليه دليل شرعيّ سواء كان قولا أو فعلا عامّا أو خاصّا فهو من السنّة.
و قد ظهر من رواياتهم أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله لم يصلّ عشرين ركعة يسمّونها: التراويح، و إنّما كان يصلّي ثلاث عشرة ركعة، و لم يدلّ شيء من رواياتهم التي ظفرنا بها على استحباب هذا العدد المخصوص فضلا عن الجماعة فيها، و الصلاة و إن كانت خيرا موضوعا يجوز قليلها و كثيرها إلّا أنّ القول باستحباب عدد مخصوص منها في وقت مخصوص على وجه الخصوص بدعة و ضلالة، و لا ريب في أنّ المتّبعون لسنّة عمر يزعمونها على هذا الوجه سنّة وكيدة، بل عزيمة، و يجعلونها من شعائر دينهم.
و لو سلّمنا انقسام البدعة بالأقسام الخمسة و تخصيص كونها ضلالة بالبدعة المحرّمة، فلا ريب أنّ هذا ممّا عدّوه من البدع المحرّمة لما عرفت، و الأقسام الأخرى من البدع التي عدوها ليست من هذا القبيل، بل هي ممّا ورد في الشريعة عموما أو خصوصا فلا ينفعهم التقسيم، و اللّه الهادي إلى الصراط المستقيم.
و منها: أنّه وضع الخراج على أرض السواد
و لم يعط أرباب الخمس منها خمسهم، و جعلها موقوفة على كافة المسلمين 65 ، و قد اعترف بجميع ذلك
المخالفون، و قد صرّح بها ابن أبي الحديد 66 و غيره، و كلّ ذلك مخالف للكتاب و السنّة و بدعة في الدين.
قال العلّامة رحمه اللّه في كتاب منتهى المطلب 67 : أرض السواد هي الأرض المغنومة من الفرس التي فتحها عمر بن الخطاب، و هي سواد العراق، و حده في العرض من منقطع الجبال بحلوان 68 إلى طرف القادسية المتّصل بعذيب من أرض العرب، و من تخوم الموصل طولا إلى ساحل البحر ببلاد عبادان من شرقيّ دجلة، فأمّا الغربي الذي يليه البصرة فإسلاميّ 69 مثل شطّ عثمان بن أبي العاص و ما والاها كانت سباخا و مواتا فأحياها 70 ابن أبي العاص و سميت هذه الأرض:
سوادا، لأنّ الجيش لّما خرجوا من البادية رأوا هذه الأرض و التفاف شجرها فسمّوها: السواد لذلك 71 ، و هذه الأرض فتحت عنوة، فتحها عمر بن الخطاب ثم بعث إليها بعد فتحه ثلاث أنفس: عمّار بن ياسر على صلاتهم أميرا، و ابن مسعود قاضيا و واليا على بيت المال، و عثمان بن حنيف على مساحة الأرض، و فرض لهم في كلّ يوم شاة شطرها 72 مع السواقط لعمّار، و شطرها للآخرين 73 ،
و مسح عثمان بن حنيف أرض الخراج، و اختلفوا في مبلغها 74 ، فقال الساجي 75 :
اثنان و ثلاثون ألف ألف جريب، و قال أبو عبيدة: ستة و ثلاثون ألف ألف جريب، ثم ضرب على كلّ جريب نخل عشرة دراهم، و على الكرم ثمانية دراهم 76 ، و على جريب الشجر و الرطبة ستة دراهم، و على الحنطة أربعة دراهم، و على الشعير درهمين، ثم كتب 77 بذلك إلى عمر فأمضاه 78 .
و روي أنّ ارتفاعهما كان في عهد عمر مائة و ستين ألف ألف درهم، فلمّا كان زمن الحجّاج رجع إلى ثمانية عشر ألف ألف درهم 79 ، فلمّا ولي عمر بن عبد العزيز رجع إلى ثلاثين ألف ألف درهم في أوّل سنة، و في الثانية بلغ ستين ألف ألف درهم، فقال: لو عشت سنة أخرى لرددتها إلى 80 ما كان في أيّام عمر، فمات في 81 تلك السنة، فلمّا أفضي الأمر إلى أمير المؤمنين (ع) أمضى ذلك، لأنّه لم يمكنه أن يخالف و يحكم بما يجب عنده فيه.
قال الشيخ رحمه اللّه-: و الذي يقتضيه المذهب أنّ هذه الأراضي و غيرها من البلاد التي فتحت عنوة يخرج خمسها لأرباب الخمس و أربعة الأخماس الباقية تكون للمسلمين قاطبة، الغانمون و غيرهم سواء في ذلك، و يكون للإمام النظر فيها و يقبلها و يضمنها بما شاء و يأخذ ارتفاعها 82 و يصرفه في مصالح المسلمين و ما
ينوبهم من 83 سدّ الثغور و تقوية المجاهدين و بناء القناطر 84 و غير ذلك من المصالح، و ليس للغانمين في هذه الأرضين على وجه التخصيص شيء، بل هم و المسلمون فيه سواء، و لا يصحّ بيع شيء من 85 هذه الأرضين و لا هبته و لا معاوضته و لا تملّكه و لا وقفه و لا رهنه و لا إجارته و لا إرثه، و لا يصحّ أن يبنى دورا و منازل و مساجد و سقايات و لا غير ذلك من أنواع التصرّف الذي يتبع 86 الملك، و متى فعل شيء من ذلك كان التصرّف باطلا و هو باق على الأصل.
ثم قال رحمه اللّه: و على الرواية التي رواها أصحابنا أنّ كلّ عسكر أو فرقة غزت 87 بغير أمر الإمام فغنمت تكون الغنيمة للإمام خاصّة، تكون هذه الأرضون و غيرها ممّا فتحت بعد الرسول صلّى اللّه عليه و آله إلّا ما فتح في أيّام أمير المؤمنين عليه السلام إن صحّ شيء من ذلك 88 للإمام خاصّة، و تكون من جملة الأنفال التي له خاصّة لا يشركه فيها غيره. انتهى كلامه رفع اللّه مقامه.
أقول.:
فالبدعة فيه من وجوه:
أحدها:
منع أرباب الخمس حقّهم، و هو مخالف لصريح آية الخمس و للسنّة أيضا، حيث