کتابخانه روایات شیعه
بحار الأنوار (ط - بيروت) - ج 1تا15
الْمُضْحِكَةِ قُلْتُ نَعَمْ قَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ إِنَّ الْأَرْوَاحَ جُنُودٌ مُجَنَّدَةٌ الْحَدِيثَ..
و في كلام بعضهم الروح نقاب أي يعلم بالأشياء و هذه كناية عن العلم و الفطنة و الذكاء و المعرفة و الدهاء و العرب تعبر بالروح عن الحياة و الله الموفق.
و أقول إن تحقيق أمر الروح عسير و لا يعلم حقيقة ذلك إلا من خلقه و أوجده و ركبه وَ ما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا و لو أراد الله تعالى أن يعلم حقيقته و ماهيته بكنهه لأعلمناه و قال وَ يَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي فقال حتى نسكت عما أسكت الله عنه و قد أوردت بعض ما سمعت فيه و علمت و أنت محكم فانظر فيه و احكم و التوقف فيه فرض من لا فرض له و الله أعلم و أحكم ثم رسوله ص و فائدة الحديث إعلام أن الجنس إلى الجنس أميل و إليه أسوق و أشوق و التعارف مما يجر الائتلاف و بالعكس و راوية الحديث عائشة.
شِهَابُ الْأَخْبَارِ، قَالَ النَّبِيُّ ص النَّاسُ مَعَادِنُ كَمَعَادِنِ الذَّهَبِ وَ الْفِضَّةِ.
الضوء المعدن مستقر الجوهر من قولك عدن بالمكان إذا أقام فيه و منه جَنَّاتُ عَدْنٍ أي إقامة و الذهب الجسد المعروف الذي ذهب الناس فيه و القطعة ذهبة و ذهب الرجل إذا رأى القطعة الكبيرة من الذهب في المعدن فدهش و الفضة أحد الثمنين و هو أحد الأجساد أيضا فيقول ص الناس متفاوتون كتفاوت المعادن متفاضلون كتفاضل الجواهر المجلوبة منها فمنها الذهب و الفضة و النحاس و الحديد و الأسرب و الرصاص و الزرنيخ و الفيروزج و غير ذلك و كان الغرض النبوي أن يعلمك أن الناس متفاوتون أمثال الفلز و الخرز ليسوا بأمثال و إن كانوا من جنس واحد و مورد هذا الحديث على العكس من مورد الحديث الذي قبله يعني قوله ص الناس كأسنان المشط فكأنه ص يقول إذا صادفت أحدا فتعرف أحواله و تجسس أفعاله و أقواله فإن كان صالحا فعليك به فهو من المعدن النفيس فإن كان طالحا فالهرب الهرب منه فهو من المعدن الخسيس و فائدة الحديث الإعلام بتفاوت الناس على أنهم بنو الرجل و راوي الحديث أبو هريرة و تمام الحديث خيارهم في الجاهلية خيارهم
في الإسلام إذا فقهوا يعني أن الخيار منهم في الجاهلية إذا تفقهوا فهم الخيار في الإسلام و الله أعلم.
بيان قال الطيبيّ هو تشبيه بليغ فكمعادن الذهب تأكيد أو مجاز عن التفاوت أي الناس متفاوتون في النسب بالشرف و الضعة كتفاوت المعدن في الذهب و الفضة و ما دونهما و تفاوتهم في الإسلام بالقبول لفيض الله بحسب العلم و الحكمة على مراتب و عدم قبوله و قيد إذا فقهوا يفيد أن الإيمان يرفع تفاوت الجاهلية فإذا تحلى 10595 بالعلم استجلب النسب الأصلي فيجتمع شرف النسب و الحسب و فيه أن الوضيع العالم أرفع من الشريف الجاهل.
52 الشِّهَابُ، النَّاسُ كَإِبِلٍ مِائَةٍ لَا تَجِدُ فِيهَا رَاحِلَةً وَاحِدَةً.
الضوء الناس أصله أناس فخفف و ليس الألف و اللام عوضا من الهمزة المحذوفة لأنهما تجتمعان مع الهمزة كقوله
إن المنايا يطلعن على الأناس الآمنينا
و الناس بن مضر بن نزار اسم قيس عيلان و الإبل البعران الكثيرة و لا واحد له من لفظه و أبل الوحشي يأبل أبولا و أبل يأبل إبلا اجتزأ عن الماء شبهت بالإبل في الصبر عن الماء و تأبل الرجل عن امرأته إذا ترك مقاربتها و رجل آبل و أبل حسن القيام على إبله و إبل مأبلة أي مجموعة و الراحلة البعير الذي يصلح للارتحال و راحله عاونه على رحلته و المعنى و الله أعلم أنه ذم للناس و أنه قلما يقع فيهم من هو كامل في بابه و قال أبو عبيد يعني أنهم متساوون ليس لأحد منهم فضل على أحد في النسب و لكنهم أشباه و أمثال كإبل مائة ليس فيها راحلة تتبين فيها و تتميز منها بالتمام و حسن المنظر و الراحلة عند العرب تكون الجمل النجيب و الناقة النجيبة يختارها الرجل لمركبه و دخول الهاء في الراحلة للمبالغة كما تقول رجل داهية و راوية للشعر و علامة و نسابة و يقال إنها إنما سميت راحلة لأنها ترحل كما قال تعالى فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ أي مرضية و كما قال تعالى مِنْ ماءٍ دافِقٍ أي مدفوق قال و يقال لفلان إبل إذا كانت له مائة من الإبل و إبلان
إذا كانت له مائتان و يقال للمائة منها هنيدة معرفة لا تنصرف و قال أبو سليمان الخطابي يقال للمائتين هنيد بغير هاء و العهدة عليه و قال ابن قتيبة الراحلة هي التي يختارها الرجل لمركبه و رحله على النجابة و تمام الخلق و حسن المنظر فإذا كانت في جماعة الإبل عرفت يقول الناس متساوون ليس لأحد منهم فضل في النسب و لكنهم أشباه كإبل مائة ليس فيها راحلة و قد خطأه أبو منصور الأزهري لفظا و معنى أما اللفظة فمن حيث جعل الناقة هي الراحلة قال و ليس الجمل عنده راحلة و الراحلة عند العرب تكون الجمل النجيب و الناقة النجيبة و أما المعنى أنه يعز فيهم الكامل الفاضل زهدا في الدنيا و رغبة في الآخرة هذا معنى كلام الأزهري و فائدة الحديث ذم الناس و أن الكامل فيهم قلما يوجد و راوي الحديث عبد الله بن عمر.
بيان قال في النهاية يعني أن المرضي المنتجب من الناس في عزة وجوده كالنجيب من الإبل القوي على الأحمال و الأسفار الذي لا يوجد في كثير من الإبل قال الأزهري الذي عندي فيه أن الله تعالى ذم الدنيا و حذر العباد سوء مغبتها 10596 و ضرب لهم فيها الأمثال ليعتبروا و يحذروا و كان النبي ص يحذرهم ما حذرهم الله و يزهدهم فيها فرغب أصحابه بعده فيها تنافسوا عليها حتى كان الزهد في النادر القليل منهم.
فَقَالَ ص تَجِدُونَ النَّاسَ مِنْ بَعْدِي كَإِبِلٍ مِائَةٍ لَيْسَ فِيهَا رَاحِلَةٌ.
أي أن الكامل في الزهد في الدنيا و الرغبة في الآخرة قليل كقلة الراحلة في الإبل و الراحلة هي البعير القوي على الأسفار و الأحمال النجيب التام الخلق الحسن المنظر و يقع على الذكر و الأنثى و الهاء فيه للمبالغة انتهى و قال الكرماني و قيل أي الناس في أحكام الدين سواء لا فضل فيها لشريف على مشروف و لا لرفيع على وضيع كإبل لا راحلة فيها و هي التي ترحل لتركب أي كلها تصلح للجمل لا للركوب.
أقول قد مر بعض الأخبار المناسبة لهذا الباب في أبواب المعاد و أبواب خلق أرواح النبي ص و الأئمة ع و سيأتي بعضها في الأبواب الآتية إن شاء الله تعالى.
تذييل و تفصيل في بيان أقوال الحكماء و الصوفية و المتكلمين من الخاصة و العامة في حقيقة النفس و الروح ثم بيان ما ظهر من الآيات و الأخبار في ذلك.
قال شارح المقاصد في بيان آراء الحكماء و المتكلمين في النفس لما عرفت أن الجوهر المجرد إن تعلق بالبدن تعلق التدبير و التصرف فنفس و إلا فعقل و قد يطلق لفظ النفس على ما ليس بمجرد بل مادي كالنفس النباتية التي هي مبدأ أفاعيله من التغذية و التنمية و التوليد و النفس الحيوانية التي هي مبدأ الحس و الحركة الإرادية و يجعل النفس الأرضية اسما لها و النفس الناطقة الإنسانية فيفسر بأنها كمال أول لجسم طبيعي إلى ذي حياة بالقوة ثم قال مقتضى قواعدهم أي الفلاسفة أن يكون في الإنسان نفس هي مبدأ تعقل الكليات و أخرى مبدأ الحركات و الإحساسات و أخرى مبدأ التغذية و التنمية و توليد المثل 10597 لكن ذكر في شرح الإشارات و غيره أن ليس الأمر كذلك بل المركبات منها ما له صورة معدنية يقتصر فعلها على حفظ المواد المجتمعة من الأسطقسات المتضادة بكيفياتها المتداعية إلى الانفكاك لاختلاف ميولها إلى أمكنتها المختلفة و منها ما له صورة تسمى نفسا نباتية يصدر عنها مع الحفظ المذكور جمع أجزاء أخر من الأسطقسات و إضافتها إلى مواد المركب و صرفها في وجوه التغذية و الإنماء و التوليد و منها ما له صورة تسمى نفسا حيوانية يصدر عنها مع الأفعال النباتية و الحفظ المذكور الحس و الحركة الإرادية و منها ما له نفس مجردة يصدر عنها مع الأفعال السابقة كلها النطق و ما يتبعه.
ثم قال و لما يثبت عند المتكلمين اختلاف أنواع الأجسام و استناد الآثار إليها ليحتاج إلى فصول منوعة و مباد مختلفة بنوا إثبات النفس على الأدلة السمعية
و التنبهات العقلية مثل أن البدن و أعضاءه الظاهرة و الباطنة دائما في التبدل و التحلل و النفس بحالها و أن الإنسان الصحيح العقل قد يغفل عن البدن و أجزائه و لا يغفل بحال عن وجود ذاته و أنه قد يريد ما يمانعه البدن مثل الحركة إلى العلو.
و بالجملة قد اختلف كلمة الفريقين في حقيقة النفس فقيل هي النار السارية في الهيكل المحسوس و قيل الهواء و قيل الماء و قيل العناصر الأربعة و المحبة و الغلبة أي الشهوة و الغضب و قيل الأخلاط الأربعة و قيل الدم و قيل نفس كل شخص مزاجه الخاص و قيل جزء لا يتجزأ في القلب و كثير من المتكلمين على أنها الأجزاء الأصلية الباقية من أول العمر إلى آخره و كأن هذا مراد من قال هي هذا الهيكل المخصوص و البنية المحسوسة أي التي من شأنها أن يحس بها و جمهورهم على أنه جسم مخالف بالماهية للجسم الذي يتولد منه الأعضاء نوراني علوي خفيف حي لذاته نافذ في جواهر الأعضاء سار فيها سريان ماء الورد في الورد و النار في الفحم لا يتطرق إليه تبدل و لا انحلال بقاؤه في الأعضاء حياة و انتقاله عنها إلى عالم الأرواح موت و قيل إنها أجسام لطيفة متكونة في القلب سارية في الأعضاء من طريق الشرايين أي العروق الضاربة أو متكونة في الدماغ نافذة في الأعصاب الثابتة منه إلى جملة البدن.
و اختار المحققون من الفلاسفة و أهل الإسلام 10598 إلى أنها جوهر مجرد في ذاته متعلق بالبدن تعلق التدبير و التصرف و متعلقه أولا هو ما ذكره المتكلمون من الروح القلبي المتكون في جوفه الأيسر من بخار الأغذية و لطيفه و يفيده قوة بها يسري في جميع البدن فيفيد كل عضو قوة بها يتم نفعه من القوى المذكورة فيما سبق احتج القائلون بأنها من قبيل الأجسام بوجوه الأول أن المدرك للكليات أعني النفس هو بعينه المدرك للجزئيات لأنا نحكم بالكلي على الجزئي كقولنا هذه الحرارة حرارة و الحاكم بين الشيئين لا بد أن يتصورهما و المدرك للجزئيات جسم لأنا نعلم بالضرورة أنا إذا لمسنا النار كان المدرك لحرارتها هو العضو اللامس
و لأن غير الإنسان من الحيوانات يدرك الجزئيات مع أن الاتفاق على أنا لا نثبت لها نفوسا مجردة.
و رد بأنا لا نسلم أن المدرك لهذه الحرارة هو العضو اللامس بل النفس بواسطته و نحن لا ننازع في أن المدرك للكليات و الجزئيات هو النفس لكن للكليات بالذات و للجزئيات بالآلات و إذا لم نجعل العضو مدركا أصلا لا يلزم أن يكون الإدراك مرتين و الإنسان مدركين على ما قيل.
و يمكن دفعه بأنه يستلزم إما إثبات النفوس المجردة للحيوانات الأخر و إما جعل إحساساتها للقوى و الأعضاء و إحساسات الإنسان للنفس بواسطتها مع القطع بعدم التفاوت 10599 .
الثاني أن كل واحد منا يعلم قطعا أن المشار إليه بأنا و هو النفس يتصف بأنه حاضر هناك و قائم و قاعد و ماش و واقف و نحو ذلك من خواص الأجسام و المتصف بخاصة الجسم جسم و قريب من ذلك ما يقال إن للبدن إدراكات هي بعينها إدراكات المشار إليه بأنا أعني النفس مثل إدراك حرارة النار و برودة الجمد و حلاوة العسل و غير ذلك من المحسوسات فلو كانت النفس مجردة أو مغايرة للبدن امتنع أن تكون صفتها غير صفته.
و الجواب أن المشار إليه بأنا و إن كان هو النفس على الحقيقة لكن كثيرا ما يشار به إلى البدن أيضا لشدة ما بينهما من التعلق فحيث يوصف بخواص الأجسام
كالقيام و القعود و كإدراك المحسوسات عند من يجعل المدرك نفس الأعضاء و القوى لا النفس بواسطتها فالمراد به البدن و ليس معنى هذا الكلام أنها لشدة تعلقها بالبدن و استغراقها في أحواله يغفل فيحكم عليها بما هو من خواص الأجسام كما فهمه صاحب الصحائف ليلزم كونها في غاية الغفلة.
الثالث أنها لو كانت مجردة لكانت نسبتها إلى جميع البدن على السواء فلم يتعلق ببدن دون آخر و على تقدير التعلق جاز أن ينتقل من بدن إلى بدن آخر و حينئذ لم يصح الحكم بأن زيدا الآن هو الذي كان بالأمس.
و رد بأنا لا نسلم أن نسبتها إلى الكل على السواء بل لكل نفس بدن لا يليق بمزاجه و اعتداله إلا لتلك النفس الفائضة عليه بحسب استعداده الحاصل باعتداله الخاص 10600 .
الرابع النصوص الظاهرة من الكتاب و السنة تدل على أنها تبقى بعد خراب البدن و تتصف بما هو من خواص الأجسام كالدخول في النار و عرضها عليها و كالترفرف حول الجنازة و ككونها في قناديل من نور أو في جوف طيور خضر و أمثال ذلك و لا خفاء في احتمال التأويل و كونها على طريق التمثيل و لهذا تمسك بها القائلون بتجرد النفوس زعما منهم أن مجرد مغايرتها للبدن يفيد ذلك.
و قد يستدل بأنه لا دليل على تجردها فيجب أن لا تكون مجردة لأن الشيء إنما يثبت بدليل و هو مع ابتنائه على القاعدة الواهية معارض بأنه لا دليل على كونها جسما أو جسمانيا فيجب أن لا يكون كذلك.