کتابخانه روایات شیعه
بحار الأنوار (ط - بيروت) - ج 1تا15
إذ المتبادر منه أنه لم يكن موجودا فوجد.
و أورد عليه أن تقدم العدم على الوجود بالذات لا معنى له إذ التقدم بالذات مخصوص عندهم بالتقدم بالعلية فتقدم العدم بالعلية على الوجود يستلزم اجتماع النقيضين 6787 .
و قال المحقق الطوسي ره الحدوث هو المسبوقية بالغير و ذلك الغير إن كان هو العلة فهو الحدوث الذاتي و إن كان عدما فهو الحدوث الزماني.
و يرد عليه أيضا ما يرد على الأول لأن ذات المعلول يصدق عليها أنها ليست بموجودة في مرتبة ذات العلة ثم وجد المعلول بعد ذلك السلب لوجوب تقدم وجود العلة على وجود المعلول و لا يتصور في تقدم سلب وجود المعلول على وجوده إلا التقدم الذاتي المنحصر في التقدم بالعلية فيعود الإشكال و للقوم في هذا المقام اعتراضات و أجوبة لا يناسب مقصودنا من هذا الكتاب إيرادها و أكثرها مذكورة في حواشي المحقق الدواني و غيره على الشرح الجديد للتجريد و بالجملة إطلاق الحدوث عليه محض اصطلاح لهم لا يساعده لغة و لا عرف و إنما مرجعه الأحقية أو إلى ترتب وجود المعلول على وجود العلة إذ العقل يحكم بأنه وجد فوجد.
و أثبت السيد الداماد ره قسما ثالثا و هو الحدوث الدهري حيث قال إن أنحاء العدم للممكن ثلاثة الأول العدم الذي هو الليس المطلق في مرتبة الذات و هو لكل ممكن موجود حين وجوده الثاني العدم المتكمم و هو لكل حادث زماني قبل زمان وجوده الثالث العدم الصريح الدهري قبل الوجود قبلية غير متكممة و ليس شيء من العدمين الأولين هو العدم المقابل للوجود أما الأول فلأنه يجامع الوجود في الواقع و يسبقه بحسب الذات سبقا ذاتيا و أما الثاني فلأنه ممايز لزمان الوجود و من شرائط التناقض في الزمانيات وحدة الزمان فإذا إنما المقابل للوجود العدم الصريح الذي لا يتصور فيه حد و حد و لن يتميز فيه حال 6788 و حال ثم حقق في ذلك تحقيقا طويلا و حاصل كلامه أن أثبت للموجودات وعاءين آخرين سوى الزمان و هو الدهر و السرمد و قال نسبة المتغير إلى المتغير ظرفها الزمان و نسبة الثابت إلى المتغير ظرفها الدهر و نسبة الثابت إلى الثابت ظرفها السرمد.
و نقل على ذلك شواهد كثيرة من الحكماء فمن ذلك قول الشيخ في التعليقات حيث قال
تعليق العقل يدرك ثلاثة أكوان أحدها الكون في الزمان و هو متى الأشياء المتغيرة التي يكون لها مبدأ و منتهى و يكون مبدؤه غير منتهاه بل يكون مقتضيا و يكون دائما في السيلان و في تقضي حال و تجدد حال الثاني كون مع الزمان و يسمى الدهر و هذا الكون محيط بالزمان و هو كون الفلك مع الزمان و الزمان في ذلك الكون لأنه ينشأ من حركة الفلك و هو نسبة الثابت إلى المتغير إلا أن الوهم لا يمكنه إدراكه لأنه رأى كل شيء في زمان و رأى كل شيء يدخله كان و يكون و الماضي و الحاضر و المستقبل و رأى لكل شيء متى إما ماضيا أو حاضرا أو مستقبلا الثالث كون الثابت مع الثابت و يسمى السرمد و هو محيط بالدهر.
تعليق الوهم يثبت لكل شيء متى و محال أن يكون للزمان نفسه متى.
تعليق ما يكون في الشيء فإنه يكون محاطا بذلك الشيء فهو يتغير بتغير ذلك الشيء فالشيء الذي يكون في الزمان يتغير بتغير الزمان و يلحقه جميع أعراض الزمان و يتغير 6789 عليه أوقاته فيكون هذا الوقت الذي يكون مثلا مبدأ كونه أو مبدأ فعله غير ذلك الوقت الذي هو آخره لأن زمانه يفوت و يلحق و ما يكون مع الشيء فلا يتغير بتغيره و لا تتناوله أعراضه تعليق الدهر وعاء الزمان لأنه محيط به.
و بين في الشفاء أيضا هذا المعنى ثم قال و لا يتوهم في الدهر و لا في السرمد امتداد و إلا لكان مقدارا للحركة ثم الزمان كمعلول الدهر و الدهر كمعلول السرمد و قال أيضا في الشفاء إنه لا يكون في الزمان إلا الحركات و المتحركات أما الحركة فذلك لها من تلقاء جوهرها و أما المتحرك فمن تلقاء الحركة و أما سائر الأمور فإنها ليست في زمان و إن كانت مع الزمان فإن العالم مع الخردلة و ليست في الخردلة إلى آخر ما قال و استحسن ذلك المحقق الطوسي ره و السيد الشريف و غيرهما.
و اعلم أن ما نحن بصدد إثباته لا يتوقف على تحقيق هذه الأمور فإن الذي 6790
ثبت بإجماع أهل الملل و النصوص المتواترة هو أن جميع ما سوى الحق تعالى أزمنة وجوده في جانب الأزل متناهية و في 6791 وجوده ابتداء و الأزلية و عدم انتهاء الوجود مخصوص بالرب سبحانه سواء كان قبل الحوادث زمان موهوم أو دهر كما ستعرف إن شاء الله تعالى.
المقصد الثاني في تحقيق الأقوال في ذلك
اعلم أنه لا خلاف بين المسلمين بل جميع أرباب الملل في أن ما سوى الرب سبحانه و صفاته الكمالية كله حادث بالمعنى الذي ذكرنا و لوجوده ابتداء بل عد من ضروريات الدين قال السيد الداماد في القبسات عليه إجماع جميع الأنبياء و الأوصياء 6792 .
و قال صاحب الملل و النحل في كتاب نهاية الأقدام و صححه المحقق الطوسي ره 6793 مذهب أهل الحق من الملل كلها أن العالم محدث مخلوق له أول أحدثه البارئ تعالى و أبدعه بعد أن لم يكن و كان الله و لم يكن معه شيء
و وافقهم على ذلك جمع من أساطين الحكمة و قدماء الفلاسفة مثل ثاليس و انكساغورس و انكسيمايس من أهل ملطية و مثل فيثاغورس و أنباذقلس و سقراط و أفلاطون من أهل آثينية و يونان و جماعة من الشعراء و الأوائل و النساك و إنما القول بقدم العالم و أزلية الحركات بعد إثبات الصانع و القول بالعلة الأولى إنما ظهر بعد أرسطاطاليس لأنه خالف القدماء صريحا و أبدع هذه المقالة على قياسات ظنها حجة و برهانا و صرح القول فيه من كان من تلامذته مثل الإسكندر الأفروديسي و ثامسطيوس و فرفوريوس و صنف برقلس المنتسب إلى أفلاطون في هذه المسألة كتابا أورد فيه هذه الشبه 6794 .
و قال السيد الداماد ره من النقل الذائع الصحيح المتواتر أن أفلاطون و الستة الباقين من الأساطين و غيرهم من القدماء على حدوث عالمي الأمر و الخلق بجميع أجزائه و أرسطو و تلامذته على قدمه 6795 انتهى لكن الظاهر أنه كان مذهب أفلاطون حدوث الزمانيات فقط لاشتهار القول بقدم النفوس و البعد المجرد عنه 6796 و قال السيد ره في القبسات القول بقدم العالم نوع شرك و قال في
موضع آخر منه أنه إلحاد.
و قال الصدوق ره في كتاب التوحيد الدليل على أن الله عز و جل عالم قادر حي لنفسه لا بعلم و قدرة و حياة هو غيره أنه لو كان عالما بعلم لم يخل علمه من أحد أمرين إما أن يكون قديما أو حادثا فإن كان حادثا فهو جل ثناؤه قبل حدوث العلم غير عالم و هذا من صفات النقص و كل منقوص محدث بما قدمناه و إن كان قديما يجب 6797 أن يكون غير الله عز و جل قديما و هذا كفر بالإجماع 6798 و قال ره في سياق إبطال مذاهب الثنوية فأما ما ذهب إليه ماني و ابن ديصان من خرافاتهما في الامتزاج و دانت به المجوس من حماقاتها في أهرمن ففاسد بما به يفسد قدم الأجسام 6799 و قد عقد في هذا الكتاب بابا لإثبات الحدوث و أورد فيه الدلائل المشهورة التي سنشير إلى بعضها و لم نوردها مخافة الإطناب و التكرار و قال فيما قال لأن المحدث هو ما كان بعد أن لم يكن و القديم هو الموجود لم يزل 6800 و قال في آخر الكلام هذه أدلة التوحيد الموافقة للكتاب و الآثار الصحيحة عن النبي و الأئمة ع 6801 .
و قال السيد المرتضى نقلا عن شيخه المفيد رفع الله شأنهما في الرد على أبي هاشم في القول بالحال فقال في أثناء كلامه و كره أن يثبت الحال شيئا فتكون موجودة أو معدومة و متى كانت موجودة لزمه على أصله و أصولنا جميعا أنها لا تخلو من القدم أو الحدوث و ليس يمكنه الإخبار عنها بالقدم ليخرج بذلك عن التوحيد و يصير بذلك أسوأ حالا من أصحاب الصفات و ساق الكلام إلى أن قال و القول بالهيولى و قدم الطينة أعذر من هؤلاء القوم إن كان لهم عذر و لا عذر للجميع فيما
ارتكبوا من الضلال لأنهم يقولون إن الهيولى هو أصل العالم و إنه لم يزل قديما و الله تعالى محدث كما يحدث الصائغ من السبيكة خاتما و الناسج من الغزل ثوبا و النجار من الشجر لوحا إلى آخر ما رد 6802 عليهم.
و نقل العلامة ره في المختلف عن الشيخ المفيد كلاما يدل على أن القول بالقدم ليس من مذاهب المليين حيث قال و أما الصابئون فمنفردون بمذاهبهم ممن عددناه لأن جمهورهم توحد الصانع في الأزل و منهم من يجعل معه هيولى في القدم صنع منها العالم فكانت عندهم الأصل و يعتقدون في الفلك و ما فيه الحياة و النطق و أنه المدبر لما في هذا العالم و الدال عليه و عظموا الكواكب و عبدوها من دون الله عز و جل و سماها بعضهم ملائكة و جعلها بعضهم آلهة و بنوا لها بيوتا للعبادات و هؤلاء على طريق القياس إلى مشركي العرب و عباد الأوثان أقرب من المجوس إلى آخر ما قال مما يؤيد ما ذكرنا.