کتابخانه روایات شیعه
بحار الأنوار (ط - بيروت) - ج 1تا15
قَالَ لَهُ عُمَرُ: أَنْتَ صَاحِبُ رَسُولِ اللَّهِ (ص) فِي الْمَوَاطِنِ كُلِّهَا شِدَّتِهَا وَ رَخَائِهَا فَامْدُدْ أَنْتَ يَدَكَ. فَقَالَ عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلَامُ: إِذَا احْتَجَجْتَ لِاسْتِحْقَاقِهِ الْأَمْرَ بِصُحْبَتِهِ إِيَّاهُ فِي الْمَوَاطِنِ .. فَهَلَّا سَلَّمْتَ الْأَمْرَ إِلَى مَنْ قَدْ شَرِكَهُ فِي ذَلِكَ، وَ قَدْ زَادَ عَلَيْهِ بِالْقَرَابَةِ؟!.
وَ أَمَّا النَّظْمُ: فَمُوَجَّهٌ إِلَى أَبِي بَكْرٍ، لِأَنَّهُ 29776 حَاجَّ الْأَنْصَارَ فِي السَّقِيفَةِ فَقَالَ:
نَحْنُ عِتْرَةُ رَسُولِ اللَّهِ (ص) وَ بَيْضَتُهُ الَّتِي تَفَقَّأَتْ 29777 عَنْهُ، فَلَمَّا بُويِعَ احْتَجَّ عَلَى النَّاسِ بِالْبَيْعَةِ، وَ أَنَّهَا صَدَرَتْ عَنْ أَهْلِ الْحَلِّ وَ الْعَقْدِ، فَقَالَ عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلَامُ: أَمَّا احْتِجَاجُكَ عَلَى الْأَنْصَارِ بِأَنَّكَ مِنْ بَيْضَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ مِنْ قَوْمِهِ فَغَيْرُكَ أَقْرَبُ نَسَباً مِنْكَ إِلَيْهِ، وَ أَمَّا احْتِجَاجُكَ بِالاخْتِيَارِ وَ رِضَى الْجَمَاعَةِ 29778 ، فَقَدْ كَانَ قَوْمٌ مِنْ أَجِلَّةِ 29779 الصَّحَابَةِ غَائِبِينَ لَمْ يَحْضُرُوا الْعَقْدَ، فَكَيْفَ ثَبَتَ 29780 ؟!.
24- نهج 29781 : قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: فَوَ اللَّهِ مَا زِلْتُ مَدْفُوعاً عَنْ حَقِّي: مُسْتَأْثَراً عَلَيَّ، مُنْذُ قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ 29782 صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ إِلَى يَوْمِ 29783 النَّاسِ هَذَا.
25- نهج 29784 : مِنْ كَلَامِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: فَنَظَرْتُ فَإِذَا لَيْسَ مُعِينٌ إِلَّا أَهْلُ بَيْتِي، فَضَنِنْتُ بِهِمْ عَنِ الْمَوْتِ، وَ أَغْضَيْتُ عَلَى الْقَذَى، وَ شَرِبْتُ عَلَى الشَّجَا، وَ صَبَرْتُ عَلَى أَخْذِ الْكَظَمِ وَ عَلَى 29785 أَمَرَّ مِنْ طَعْمِ الْعَلْقَمِ.
26- وَ قَالَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ 29786 : قَالُوا: لَمَّا انْتَهَتْ إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنْبَاءُ السَّقِيفَةِ بَعْدَ وَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ، قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: مَا قَالَتِ الْأَنْصَارُ؟ قَالُوا: قَالَتْ: مِنَّا أَمِيرٌ وَ مِنْكُمْ أَمِيرٌ.
قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: فَهَلَّا احْتَجَجْتُمْ 29787 عَلَيْهِمْ بِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَصَّى بِأَنْ يُحْسَنَ إِلَى مُحْسِنِهِمْ وَ يُتَجَاوَزَ عَنْ مُسِيئِهِمْ؟ قَالُوا: وَ مَا فِي هَذَا مِنَ الْحُجَّةِ عَلَيْهِمْ؟.
قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: لَوْ كَانَتِ الْإِمَارَةُ 29788 فِيهِمْ لَمْ تَكُنِ الْوَصِيَّةُ بِهِمْ.
ثُمَّ قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: فَمَا ذَا قَالَتْ قُرَيْشٌ؟!. قَالُوا: احْتَجَّتْ بِأَنَّهَا شَجَرَةُ الرَّسُولِ (ص).
فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: احْتَجُّوا بِالشَّجَرَةِ وَ أَضَاعُوا الثَّمَرَةَ!.
بيان: الكظم- بفتح الظاء- مخرج النّفس 29789 .
قوله عليه السلام: احتجوا بالشجرة و أضاعوا الثمرة .. المراد بالثمرة إمّا الرسول صلّى اللَّه عليه و آله و الإضاعة عدم اتّباع نصبه 29790 ، أو أمير المؤمنين و أهل البيت عليهم السلام تشبيها له صلّى اللَّه عليه و آله بالأغصان، أو اتّباع الحقّ الموجب للتمسّك به دون غيره كما قيل، و الغرض إلزام قريش بما تمسّكوا به من قرابته صلّى اللَّه عليه و آله، فإن تمّ فالحقّ لمن هو أقرب و أخصّ، و إلّا فالأنصار
على دعواهم.
27- نهج 29791 : مِنْ كَلَامِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ- لَمَّا عَزَمُوا عَلَى بَيْعَةِ عُثْمَانَ-: لَقَدْ عَلِمْتُمْ أَنِّي أَحَقُّ بِهَا 29792 مِنْ غَيْرِي، وَ وَ اللَّهِ لَأُسْلِمَنَّ مَا سَلِمَتْ أُمُورُ الْمُسْلِمِينَ وَ لَمْ يَكُنْ فِيهَا جَوْرٌ إِلَّا عَلَيَّ خَاصَّةً، الْتِمَاساً لِأَجْرِ ذَلِكَ وَ فَضْلِهِ، وَ زُهْداً فِيمَا تَنَافَسْتُمُوهُ مِنْ زُخْرُفِهِ وَ زِبْرِجِهِ 29793 .
بيان: قوله عليه السلام: أنّي أحقّ بها .. أي بالخلافة و التفضيل، كما في قوله تعالى: قُلْ أَ ذلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ 29794 ، و الجور عليه عليه السلام خاصّة غصب حقّه، و فيه دلالة على أنّ خلافة غيره جور مطلقا، و التسليم على التقدير المفروض- و هو سلامة 29795 أمور المسلمين- و إن لم يتحقّق الفرض- لرعاية مصالح الإسلام و التقيّة. و التماسا مفعولا له للتسليم.
و التّنافس: الرّغبة في النّفيس المرغوب للانفراد به 29796 .
و الزّخرف- بالضم-: الذّهب و كمال حسن الشّيء 29797 .
و الزّبرج- بالكسر- الزّينة 29798 .
28- نهج 29799 : وَ مِنْ خُطْبَةٍ لَهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: .. بَعَثَ رُسُلَهُ بِمَا خَصَّهُمْ بِهِ
مِنْ وَحْيِهِ، وَ جَعَلَهُمْ حُجَّةً لَهُ عَلَى خَلْقِهِ، لِئَلَّا تَجِبَ الْحُجَّةُ لَهُمْ بِتَرْكِ الْإِعْذَارِ إِلَيْهِمْ، فَدَعَاهُمْ بِلِسَانِ الصِّدْقِ إِلَى سَبِيلِ الْحَقِّ، أَلَا إِنَّ اللَّهَ قَدْ كَشَفَ الْحَقَ 29800 كَشْفَةً، لَا أَنَّهُ جَهِلَ مَا أَخْفَوْهُ مِنْ مَصُونِ أَسْرَارِهِمْ وَ مَكْنُونِ ضَمَائِرِهِمْ، وَ لَكِنْ لِيَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ، فَيَكُونَ الثَّوَابُ جَزَاءً، وَ الْعِقَابُ بَوَاءً.
أَيْنَ الَّذِينَ زَعَمُوا أَنَّهُمُ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ دُونَنَا كَذِباً وَ بَغْياً عَلَيْنَا؟! أَنْ رَفَعَنَا اللَّهُ وَ وَضَعَهُمْ، وَ أَعْطَانَا وَ حَرَمَهُمْ، وَ أَدْخَلَنَا وَ أَخْرَجَهُمْ، بِنَا يُسْتَعْطَى الْهُدَى وَ يُسْتَجْلَى 29801 الْعَمَى: إِنَّ الْأَئِمَّةَ مِنْ قُرَيْشٍ غُرِسُوا فِي هَذَا الْبَطْنِ مِنْ هَاشِمٍ، لَا تَصْلُحُ عَلَى سِوَاهُمْ، وَ لَا تَصْلُحُ الْوُلَاةُ مِنْ غَيْرِهِمْ.
مِنْهَا: آثَرُوا عَاجِلًا، وَ أَخَّرُوا آجِلًا، وَ تَرَكُوا صَافِياً، وَ شَرِبُوا آجِناً، كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى فَاسِقِهِمْ وَ قَدْ صَحِبَ الْمُنْكَرَ فَأَلِفَهُ، وَ بَسِئَ بِهِ وَ وَافَقَهُ حَتَّى شَابَتْ عَلَيْهِ مَفَارِقُهُ، وَ صُبِغَتْ بِهِ خَلَائِقُهُ، ثُمَّ أَقْبَلَ مُزْبِداً 29802 كَالتَّيَّارِ لَا يُبَالِي مَا غَرِقَ، أَوْ كَوَقْعِ النَّارِ فِي الْهَشِيمِ لَا يَحْفِلُ مَا حَرَّقَ، أَيْنَ الْعُقُولُ الْمُسْتَصْبِحَةُ بِمَصَابِيحِ الْهُدَى، وَ الْأَبْصَارُ اللَّامِحَةُ إِلَى مَنَارِ التَّقْوَى؟ أَيْنَ الْقُلُوبُ الَّتِي وُهِبَتْ لِلَّهِ! وَ عُوقِدَتْ عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ؟
ازْدَحَمُوا عَلَى الْحُطَامِ، وَ تَشَاحُّوا عَلَى الْحَرَامِ، وَ رُفِعَ لَهُمْ عَلَمُ الْجَنَّةِ وَ النَّارِ فَصَرَفُوا عَنِ الْجَنَّةِ وُجُوهَهُمْ، وَ أَقْبَلُوا إِلَى النَّارِ بِأَعْمَالِهِمْ، دَعَاهُمْ رَبُّهُمْ فَنَفَرُوا وَ وَلَّوْا، وَ دَعَاهُمُ الشَّيْطَانُ فَاسْتَجَابُوا وَ أَقْبَلُوا!.
إيضاح:
الكشف .. أريد به هنا الابتلاء الذي هو سببه. و قال في النهاية:
الجراحات بواء .. أي سواء في القصاص .. و منه حَدِيثُ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلَامُ 29803 ،
وَ الْعِقَابُ بَوَاءً، و أصل البواء: اللّزوم 29804 .
أين الذين زعموا ..؟ أي الخلفاء الجائرون المتقدّمون.
قوله عليه السلام: إن رفعنا اللَّه .. تعليل لدعوتهم 29805 الكاذبة .. أي كانت العلّة الحاملة لهم على هذا الكذب أنّ اللَّه رفع قدرنا في الدنيا و الآخرة و أعطانا ..
أي الملك و النبوّة، و أدخلنا .. أي في دار قربه و عناياته الخاصّة. و إنّ هاهنا للتعليل .. أي لأن، فحذف اللام، و يحتمل أن يكون المعنى أين الذين زعموا عن أن يروا أن رفعنا اللَّه و أورثنا الخلافة و وضعهم بأخذهم بأعمالهم السيّئة.
و البطن: ما دون القبيلة و فوق الفخذ 29806 .
قوله عليه السلام: لا تصلح على سواهم ..
أي لا يكون لها صلاح على يد غيرهم، و لا يكون الولاة 29807 من غيرهم صالحين.
و الآجن: الماء المتغيّر 29808 .
قوله عليه السلام: كأنّي أنظر ..
قال ابن أبي الحديد: هو إشارة إلى قوم يأتي من الخلف بعد السلف 29809 .
قيل: و الأظهر أنّ المراد بهم من تقدّم ذكرهم من الخلفاء و غيرهم من ملاعين الصحابة، كما قال عليه السلام- في الفصل السابق-: أين الذين زعموا؟
فيكون قوله عليه السلام: كأنّي أنظر .. إشارة إلى ظهور اتّصافهم بالصفات حتى كأنّه يراه عيانا.
و قال في النهاية: بسأت- بفتح السين و كسرها-: أي اعتادت و استأنست 29810 .
شابت عليه مفارقه .. أي ابيضّ شعره 29811 و فني عمره في صحبة المنكر.
و صبغت به خلائقه .. أي صار المنكر عادته حتّى تلوّنت خلائقه به 29812 .
و التّيّار: موج البحر 29813 و لجّته.
و كلمة ثمّ للترتيب الحقيقي أو الذكرى، و لعلّ المراد بالفاسق: عمر.
و قوله عليه السلام: لا يحفل .. أي لا يبالي 29814 ، و اللّامحة: النّاظرة 29815 .
29- نهج 29816 : مِنْ خُطْبَةٍ لَهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي الْمَلَاحِمِ: وَ أَخَذُوا يَمِيناً وَ شِمَالًا ظَعْناً 29817 فِي مَسَالِكِ الْغَيِّ، وَ تَرْكاً لِمَذَاهِبِ الرُّشْدِ، فَلَا تَسْتَعْجِلُوا مَا هُوَ كَائِنٌ مُرْصَدٌ، وَ لَا تَسْتَبْطِئُوا مَا يَجِيءُ بِهِ الْغَدُ، فَكَمْ مِنْ مُسْتَعْجِلٍ بِمَا إِنْ أَدْرَكَهُ وَدَّ أَنَّهُ لَمْ يُدْرِكْهُ، وَ مَا أَقْرَبَ الْيَوْمَ مِنْ تَبَاشِيرِ غَدٍ. يَا قَوْمِ! هَذَا إِبَّانُ وُرُودِ 29818 كُلِّ مَوْعُودٍ،
وَ دُنُوٌّ مِنْ 29819 طَلْعَةِ مَا لَا تَعْرِفُونَ، أَلَا وَ إِنَ 29820 مَنْ أَدْرَكَهَا مِنَّا يَسْرِي فِيهَا بِسِرَاجٍ مُنِيرٍ، وَ يَحْذُوا فِيهَا عَلَى مِثَالِ الصَّالِحِينَ، لِيَحُلَّ فِيهَا رِبْقاً، وَ يُعْتِقَ رِقّاً 29821 ، وَ يَصْدَعَ شُعَباً، وَ يَشْعَبَ صَدْعاً، فِي سُتْرَةٍ عَنِ النَّاسِ، لَا يُبْصِرُ الْقَائِفُ أَثَرَهُ وَ لَوْ تَابَعَ نَظَرَهُ، ثُمَّ لَيُشْحَذَنَّ فِيهَا قَوْمٌ شَحْذَ الْقَيْنِ النَّصْلَ، تُجْلَى بِالتَّنْزِيلِ أَبْصَارُهُمْ، وَ يُرْمَى بِالتَّفْسِيرِ فِي مَسَامِعِهِمْ، وَ يُغْبَقُونَ 29822 كَأْسَ الْحِكْمَةِ بَعْدَ الصَّبُوحِ.