کتابخانه روایات شیعه
بحار الأنوار (ط - بيروت) - ج 1تا15
الجزء الثالث بعد المائة
مقدّمة:
بسم اللّه الرّحمن الرّحيم الحمد للّه ربّ العالمين، و الصلاة و السلام على رسوله محمّد و عترته الطاهرين و اللّعنة على أعدائهم أجمعين.
و بعد: فهذا الجزء الّذي قدّمناه بين يدي القراء الكرام، يحوي بين دفّتيه أثرا خالدا ثمينا من الآثار القيّمة النفيسة، و تراثا ذهبيّا من تراث العلم و الثقافة و قد كان كنزا اختبي به في زوايا المكتبات 12063 لم تصل إليه يد الباحث منذ صدر من يمنى مؤلّفه الفذّ العبقريّ البطل، محبي دارس العلوم، و مجدّد الآثار و الرّسوم مولانا العلّامة محمّد باقر المجلسيّ، أسبغ اللّه عليه شآبيب رحمته، و أسكنه بحبوحة جنّة.
ألا و هو الّذي أسماه مؤلّفه العلّامة- فهرس مصنّفات الأصحاب- و حقيق أن نسمّيه فهرس مآخذ بحار الأنوار، و قد كان هو الأساس الأوّل لتأليف هذه الموسوعة الاسلاميّة الكبرى، و الحجر الأساسيّ لتدوين هذه المدوّنة العلميّة:
دائرة معارف المذهب و الدين.
فقد كان- قدّس اللّه لطيفه- تنبّه إلى أنّ جلّ مؤلّفات أصحابنا الإماميّة- رضوان اللّه عليهم- في فنون الأخبار و شتّى الآثار، غير منتظمة تنظيما يسهل للطالب أن يعثر منها على ما يطلبه من دررها الجمان و لا مبوّبة أبوابا يردها الباحث الثقافيّ فيصدر منها بما يبتغيه من لئاليها الحسان، و لا ذات عناوين فنيّة 12064 يلفت أنظار
الباحثين إلى ما اودع فيها من العلوم الفاخرة، من تراث أهل بيت الوحي الذهبي الخالد.
فأخذ- و للّه درّه و عليه جزاؤه- في ترتيب فهرس عامّ يهدى الباحث المثقّف إلى بغيته و منيته في كلّ فن يبحث عنها في المجتمع الدينى الثقافي.
فتفكّر أوّلا في إبداع عناوين الكتب و أبوابها فجال بنظرته الثاقبة النافذة حتّى
استوعب شتّى نواحي الفنون فرسم لكلّ علم كتابا و لكلّ فنّ من فنونه أبوابا جامعة لا تشذّ عنها أيّ شاذّ.
فمع أنّها ذات نظم و ترتيب حسن، متّسقة الأبواب و الفصول، منتظمة المقاصد و المطالب، سهل الموارد و المصادر، يشتمل على بديع كتب ابتدعها مؤلّفه العلّامة- رضوان اللّه عليه- بحسن فكرته و ثاقب نظرته، و هي كتاب العدل و المعاد، كتاب السماء و العالم، كتاب الفتن، إلى غير ذلك من الفوائد الطريفة و العوائد الثمينة.
مقايسة بين البحار و هذا الفهرس:
فاذا نظر المتتبّع المتضلّع إلى عناوين هذه الكتب المتنوّعة و مواضيع الأبواب المتناسقة، ثمّ راجع فهرس البحار و قابل بينهما، لا يرى اختلافا بارزا إلّا بالتقديم و التأخير و الجمع و التفصيل: ففي هذا الفهرس العامّ يقع كتاب السماء و العالم بعد كتاب المعاد خامس الكتب و في الكتاب الكبير بحار الأنوار صار مجلّدا واسعا متّسع النطاق (المجلّد الرابع عشر).
و هكذا كتاب الإمامة بعد ما كان في هذا الفهرس القيم مندرجا في كتاب أحوال أمير المؤمنين عليه السّلام كالمقدّمة له، صار في كتابه بحار الأنوار مجلّدا كبيرا برأسه (المجلّد السابع) و هكذا كتاب أحوال الصحابة و التابعين من هذا الفهرس الحق في البحار بكتاب أحوال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله (المجلّد السادس) و مثله احتجاجات الأئمّة عليهم السّلام بعد ما كان في هذا الفهرس كالمقدّمة لكتاب أحوال أمير المؤمنين عليه السّلام صار في بحار الأنوار مجلّدا برأسه (المجلّد الرابع) و غير ذلك ممّا سنشير إليها في الفهرس آخر الكتاب.
سيرته في ترتيب الفهرس:
لكنّه- رضوان اللّه عليه- عمد اوّلا إلى المصادر المعتبرة الّتي لم تكن تقصر عنده من الصحاح فاختار من كلّ واحدة منها نسخة مصحّحة مهذّبة 12065 و ابتدع لكلّ كتاب منها رمزا و رقّم أبوابها و فصولها بالأرقام الهندسية، و هكذا رقّم أحاديثها بابا بابا على حدة، ثمّ أخذ يطالع كلّ كتاب بدقّة و يسبر كلّ حديث بتأمّل
و يتدبّر في وجوه معانيها و يلحق كلّ حديث بموضعه المناسب أو مواضعه المتناسبة من هذا الفهرس القيّم الّذي تناهى رقم كتبها إلى أربع و أربعين كتابا و أرقام أبوابها إلى 2848 بابا.
فقد كان- قدّس اللّه لطيفه- يتحمّل أعباء هذا الثقل الفادح بنفسه الشريف، و يستمرّ على مطالعة الكتب و ترقيم أبوابها و أحاديثها، و تكميل هذا الفهرس القيّم البديع لها، مع ما له من المشاغل الكثيرة الّتي تنوء بالعصبة اولي القوّة، حتّى تمّ له الإشراف على عشرة من مصنّفات أصحابنا رضوان اللّه عليهم أجمعين- على ما يراه المطالع البصير في طيّ هذا الجزء.
شروعه في تأليف البحار:
و بعد ما تمّ له ذلك، بدا له- قدّس سرّه- أنّ الأحسن الأليق مع مقاساة هذه المتاعب و الشّدائد و بعد هذا التتبّع التامّ في تحصيل المصادر و سبرها و مطالعتها، تاليف جامع دينيّ علميّ واسع النطاق، حسب ما ابتدع في هذا الفهرس القيّم البديع بأن يخرّج في كلّ باب من هذه الأبواب لفظ الحديث ليكون النفع أتمّ، و بركاته أعمّ و أشمل، و الفوائد أكمل و أجزل 12066 فشمّر عن ساق الجدّ و الاجتهاد، و
استكتب من خلصاء تلامذته كتّابا لانجاز هذه العزمة القويمة 12067 و اختار من خلصائه أعوانا يمدّونه بموادّ من العلوم و الفنون، و يحصّلون له المصادر من شتّى الآفاق حتّى تمكّن و اتّسع في هذا النطاق.
ثمّ صدّر كلّ باب بما يناسبه من آيات اللّه البيّنات 12068 مع تفسير موجز لها يكشف عن وجه مرادها النقاب، و ذيّل كلّ حديث بما يوضح مشكلاته و يبين معضلاته أو يفسّر غرائب ألفاظه و عباراته، و أحيانا ألحق بالأبواب مباحث علميّة:
فلسفيّة أو كلامية، لا غنى للباحث الطالب من مطالعتها و التدبّر فيها.
نتيجة الكلام:
و لعلّك بعد ما أحطت خبرا بما تلوناه عليك، ثمّ أشرفت على هذا الفهرس القيّم و سبرت ما فيه، لا تكاد ترتاب في أنّ حامل هذا اللواء الثقافي الأعظم و الجاهد في سبيل هذا المشروع المقدّس أعنى إخراج هذه الموسوعة الكبرى دائرة معارف المذهب بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمّة الاطهار كان هو نفسه القدّوسيّ و أنّ أعوانه و كتّابه من العلماء و الفضلاء إنّما كانوا أكرة يعاونونه في إجراء هذه الفكرة الصالحة و رفع بنيانه القويم 12069 .
تعريف بالنسخة الشريفة:
الصفحات الثلاث من أوّلها بخطّ العالم الفاضل و المرحوم المغفور مجد الدّين محمّد النصيري الأمينىّ المتوفّى 1390 ه ق، كتبها تعريفا و تذكرة حول النسخة الكريمة حين تشرّف بتملّكها، و هكذا في الصفحة الآخرة من خاتمة الكتاب، ترى في الهامش أربعة أسطر بالفارسيّة بخطّه رحمة اللّه عليه، و في ذيله سطران آخران بخطّ خلفه الصالح الفاضل المكرّم الحبر المعظّم فخر الدّين النصيريّ الأمينيّ، وفّقه اللّه لحفظ كتب السّلف عن الضّياع و التلف، كتبها حين وفّق لتملّك هذه النسخة الكريمة.
و هذا الحبر الموفّق، قد أحدث- بتوفيق اللّه العظيم- مكتبة شريفة عامرة بالنسخ الثمينة الّتي شطر كبير منها من نسخ الأصل بخطّ مؤلّفيها، و قد وفّق أخيرا- دام إفضاله- لجمع عدّة من أجزاء نسخ البحار الأصليّة الّتي كانت بخطّ يد العلّامة المجلسيّ قدّس اللّه سرّه، استلمناها من سماحته لمقابلة طبعتنا هذه بحار الأنوار الحديثة ترى صورها الفتوغرافيّة في صدر تلكم الأجزاء.
و قد كانت هذه النسخ الأصيلة أكبر عون لنا في تصحيح تلك الاجزاء المطبوعة و سدّ ما في طبعة الكمباني من خلل و تصحيف و سقط، و سيأتي إنشاء اللّه تعالى في آخر أجزاء البحار (الجزء 110) كلام لنا نعرّف لكم تلك النسخ الأصيلة الّتي قوبل عليها أجزاء هذه الطبعة الحديثة طرا من أوّل الأجزاء إلى آخرها، ليكون تذكرة للباحثين المتتبّعين.