کتابخانه روایات شیعه
بحار الأنوار (ط - بيروت) - ج 1تا15
صَنَعُوا 2989 و إنما أراد أن العصا تلقف الحبال التي أظهروا سحرهم فيها و هي التي حلتها صنعتهم و إفكهم فقال ما صَنَعُوا و ما يَأْفِكُونَ و أراد ما صنعوا فيه و ما يأفكون فيه و مثله قوله تعالى يَعْمَلُونَ لَهُ ما يَشاءُ مِنْ مَحارِيبَ وَ تَماثِيلَ وَ جِفانٍ 2990 و إنما أراد المعمول فيه دون العمل و هذا الاستعمال أيضا سائع شائع لأنهم يقولون هذا الباب عمل النجار و في الخلخال هذا من عمل الصائغ و إن كانت الأجسام التي أشير إليها ليست أعمالا لهم و إنما عملوا فيها فحسن إجراء هذه العبارة.
فإن قيل كل الذي ذكرتموه و إن استعمل فعلى وجه المجاز و الاتساع لأن العمل في الحقيقة لا يجري إلا على فعل الفاعل دون ما يفعل فيه و إن استعير في بعض المواضع قلنا ليس نسلم لكم أن الاستعمال الذي ذكرناه على سبيل المجاز بل نقول هو المفهوم الذي لا يستفاد سواه لأن القائل إذا قال هذا الثوب عمل فلان لم يفهم منه إلا أنه عمل فيه و ما رأينا أحدا قط يقول في الثوب بدلا من قوله هذا من عمل فلان هذا مما حله عمل فلان فالأول أولى بأن يكون حقيقة و ليس ينكر أن يكون الأصل في الحقيقة ما ذكروه ثم انتقل بعرف الاستعمال إلى ما ذكرناه و صار أخص به و مما لا يستفاد من الكلام سواه كما انتقلت ألفاظ كثيرة على هذا الحد و لا اعتبار بالمفهوم من الألفاظ إلا بما استقر عليه استعمالها دون ما كانت عليه في الأصل فوجب أن يكون المفهوم.
و الظاهر من الآية ما ذكرناه على أنا لو سلمنا أن ذلك مجاز لوجب المصير إليه من وجوه فمن ذلك 2991 أنه تعالى أخرج الكلام مخرج التهجين لهم و التوبيخ لأفعالهم و الإزراء على مذاهبهم فقال أَ تَعْبُدُونَ ما تَنْحِتُونَ وَ اللَّهُ خَلَقَكُمْ وَ ما تَعْمَلُونَ و متى لم يكن قوله وَ ما تَعْمَلُونَ المراد به تعملون فيه ليصير تقدير الكلام أ تعبدون الأصنام التي تنحتونها و الله خلقكم و خلق هذه الأصنام التي تفعلون فيها التخطيط و التصوير لم يكن للكلام معنى و لا مدخل في باب التوبيخ و يصير على ما يذكره المخالف كأنه
قال أ تعبدون ما تنحتون و الله خلقكم و خلق عباداتكم فأي وجه للتقريع و هذا إلى أن يكون عذرا أقرب من أن يكون لوما و توبيخا لأنه إذا خلق عبادتهم للأصنام فأي وجه للومهم عليها 2992 على أن قوله تعالى وَ اللَّهُ خَلَقَكُمْ وَ ما تَعْمَلُونَ بعد قوله أَ تَعْبُدُونَ ما تَنْحِتُونَ إنما خرج مخرج التعليل للمنع من عبادة غيره تعالى فلا بد أن يكون متعلقا بما تقدم من قوله أَ تَعْبُدُونَ ما تَنْحِتُونَ و مؤثرا في المنع من عبادة غير الله فلو أفاد قوله ما تَعْمَلُونَ نفس العمل الذي هو النحت دون المعمول فيه لكان لا فائدة في الكلام لأن القوم لم يكونوا يعبدون النحت و إنما كانوا يعبدون محله و أنه كان لا حظ في الكلام للمنع من عبادة الأصنام و كذلك إن حمل قوله تعالى ما تَعْمَلُونَ على أعمال أخر ليست نحتهم و لا هي ما عملوا فيه لكان أظهر في باب اللغو و العبث و البعد عن التعلق بما تقدم فلم يبق إلا أنه أراد أنه خلقكم و ما تعملون فيه النحت فكيف تعبدون مخلوقا مثلكم.
فإن قيل لم زعمتم أنه لو كان الأمر على ما ذكرناه لم يكن للقول الثاني حظ في باب المنع من عبادة الأصنام و ما تنكرون أن يكون لما ذكرناه وجه في المنع من ذلك على أن ما ذكرتموه أيضا لو أريد لكان وجها و هو أن من خلقنا و خلق الأفعال فينا لا يكون إلا الإله القديم الذي تحق له العبادة و غير القديم تعالى كما يستحيل أن يخلقنا يستحيل أن يخلق فينا الأفعال على الوجه الذي يخلقها القديم عليه فصار لما ذكرناه تأثير.
قلنا معلوم أن الثاني إذا كان كالتعليل للأول و المؤثر في المنع من العبادة فلأن يتضمن أنكم مخلوقان و ما تعبدونه أولى من أن ينصرف إلى ما ذكرتموه مما لا يقتضي أكثر من خلقهم دون خلق ما عبدوه فإنه لا شيء أدل على المنع من عبادة الأصنام من كونها مخلوقة كما أن عابدها مخلوق و يشهد بما ذكرناه قوله تعالى في موضع آخر أَ يُشْرِكُونَ ما لا يَخْلُقُ شَيْئاً وَ هُمْ يُخْلَقُونَ وَ لا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْراً وَ لا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ 2993
فاحتج تعالى عليهم في المنع من عبادة الآلهة دونه بأنها مخلوقة لا تخلق شيئا و لا تدفع عن أنفسها ضرا و لا عنهم و هذا واضح على أنه لو ساوى ما ذكروه ما ذكرناه في التعلق بالأول لم يسغ حمله على ما ادعوه لأن فيه عذرا لهم في الفعل الذي عنفوا به و قرعوا من أجله و قبيح أن يوبخهم بما يعذرهم و يذمهم بما ينزههم على ما تقدم على أنا لا نسلم أن من يفعل أفعال العباد و يخلقها يستحق العبادة لأن من جملة أفعالهم القبائح و من فعل القبائح لا يكون إلها و لا تحق العبادة له فخرج ما ذكروه من أن يكون مؤثرا في انفراده بالعبادة على أن إضافته العمل إليهم بقوله تعالى تَعْمَلُونَ يبطل تأويلهم هذه الآية لأنه لو كان خالقا له لم يكن عملا لهم لأن العمل إنما يكون عملا لمن يحدثه و يوجده فكيف يكون عملا لهم و الله خلقه و هذه مناقضة لهم فثبت بهذا أن الظاهر شاهد لنا أيضا على أن قوله وَ ما تَعْمَلُونَ يقتضي الاستقبال و كل فعل لم يوجد فهو معدوم و محال أن يقول تعالى إني خالق للمعدوم.
فإن قالوا اللفظ و إن كان للاستقبال فالمراد به الماضي فكأنه قال و الله خلقكم و ما عملتم قلنا هذا عدول منكم عن الظاهر الذي ادعيتم أنكم متمسكون به و ليس أنتم بأن تعدلوا عنه بأولى منا بل نحن أحق لأنا نعدل عنه بدلالة و أنتم تعدلون بغير حجة.
فإن قالوا فأنتم تعدلون عن هذا الظاهر بعينه على تأويلكم و تحملون لفظ الاستقبال على لفظ الماضي قلنا نحن لا نحتاج في تأويلنا إلى ذلك لأنا إذا حملنا قوله وَ ما تَعْمَلُونَ على الأصنام المعمول فيها و معلوم أن الأصنام موجودة قبل عملهم فيها فجاز أن يقول تعالى إني خلقتها و لا يجوز أن يقول إني خلقت ما سيقع من العمل في المستقبل على أنه لو أراد بذلك أعمالهم لا ما عملوا فيه على ما ادعوه لم يكن في الظاهر حجة على ما يريدون لأن الخلق هو التقدير و التدبير و ليس يمتنع في اللغة أن يكون الخالق خالقا لفعل غيره إذا قدره و دبره أ لا ترى أنهم يقولون خلقت الأديم و إن لم يكن الأديم فعلا لمن يقول ذلك فيه و يكون معنى خلقه لأفعال العباد أنه مقدر لها و معرف لنا مقاديرها و مراتبها و ما به نستحق عليها من الجزاء.
باب 2 آخر و هو من الباب الأول
و فيه رسالة أبي الحسن الثالث صلوات الله عليه في الردّ على أهل الجبر و التفويض و إثبات العدل و المنزلة بين المنزلتين بوجه أبسط مما مر.
1- ف، 2994 تحف العقول مِنْ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ سَلامٌ عَلَيْكُمْ وَ عَلى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدى وَ رَحْمَتُ اللَّهِ وَ بَرَكاتُهُ فَإِنَّهُ وَرَدَ عَلَيَّ كِتَابُكُمْ وَ فَهِمْتُ مَا ذَكَرْتُمْ مِنِ اخْتِلَافِكُمْ فِي دِينِكُمْ وَ خَوْضِكُمْ فِي الْقَدَرِ وَ مَقَالَةِ مَنْ يَقُولُ مِنْكُمْ بِالْجَبْرِ وَ مَنْ يَقُولُ بِالتَّفْوِيضِ وَ تَفَرُّقِكُمْ فِي ذَلِكَ وَ تَقَاطُعِكُمْ وَ مَا ظَهَرَ مِنَ الْعَدَاوَةِ بَيْنَكُمْ ثُمَّ سَأَلْتُمُونِي عَنْهُ وَ بَيَانَهُ لَكُمْ وَ فَهِمْتُ ذَلِكَ كُلَّهُ اعْلَمُوا رَحِمَكُمُ اللَّهُ أَنَّا نَظَرْنَا فِي الْآثَارِ وَ كَثْرَةِ مَا جَاءَتْ بِهِ الْأَخْبَارُ فَوَجَدْنَاهَا عِنْدَ جَمِيعِ مَنْ يَنْتَحِلُ الْإِسْلَامَ 2995 مِمَّنْ يَعْقِلُ عَنِ اللَّهِ جَلَّ وَ عَزَّ لَا تَخْلُو مِنْ مَعْنَيَيْنِ إِمَّا حَقٌّ فَيُتَّبَعُ وَ إِمَّا بَاطِلٌ فَيُجْتَنَبُ وَ قَدِ اجْتَمَعَتِ الْأُمَّةُ قَاطِبَةً لَا اخْتِلَافَ بَيْنَهُمْ أَنَّ الْقُرْآنَ حَقٌّ لَا رَيْبَ فِيهِ عِنْدَ جَمِيعِ أَهْلِ الْفِرَقِ وَ فِي حَالِ اجْتِمَاعِهِمْ مُقِرُّونَ بِتَصْدِيقِ الْكِتَابِ وَ تَحْقِيقِهِ مُصِيبُونَ مُهْتَدُونَ وَ ذَلِكَ بِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ ص لَا تَجْتَمِعُ أُمَّتِي عَلَى ضَلَالَةٍ فَأَخْبَرَ أَنَّ جَمِيعَ مَا اجْتَمَعَتْ عَلَيْهِ الْأُمَّةُ كُلُّهَا حَقٌّ هَذَا إِذَا لَمْ يُخَالِفْ بَعْضُهَا بَعْضاً وَ الْقُرْآنَ حَقٌّ لَا اخْتِلَافَ بَيْنَهُمْ فِي تَنْزِيلِهِ وَ تَصْدِيقِهِ فَإِذَا شَهِدَ الْقُرْآنُ بِتَصْدِيقِ خَبَرٍ وَ تَحْقِيقِهِ وَ أَنْكَرَ الْخَبَرَ طَائِفَةٌ مِنَ الْأُمَّةِ لَزِمَهُمُ الْإِقْرَارُ بِهِ ضَرُورَةً حِينَ 2996 اجْتَمَعَتْ فِي الْأَصْلِ عَلَى تَصْدِيقِ الْكِتَابِ فَإِنْ هِيَ جَحَدَتْ وَ أَنْكَرَتْ لَزِمَهَا الْخُرُوجُ مِنَ الْمِلَّةِ فَأَوَّلُ خَبَرٍ يُعْرَفُ تَحْقِيقُهُ مِنَ الْكِتَابِ وَ تَصْدِيقُهُ وَ الْتِمَاسُ شَهَادَتِهِ عَلَيْهِ خَبَرٌ وَرَدَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ص وَ وُجِدَ بِمُوَافَقَةِ الْكِتَابِ وَ تَصْدِيقِهِ بِحَيْثُ لَا تُخَالِفُهُ أَقَاوِيلُهُمْ حَيْثُ قَالَ إِنِّي مُخَلِّفٌ فِيكُمُ الثَّقَلَيْنِ كِتَابَ اللَّهِ وَ عِتْرَتِي أَهْلَ بَيْتِي لَنْ تَضِلُّوا مَا تَمَسَّكْتُمْ بِهِمَا وَ إِنَّهُمَا لَنْ يَفْتَرِقَا حَتَّى يَرِدَا
عَلَيَّ الْحَوْضَ 2997 فَلَمَّا وَجَدْنَا شَوَاهِدَ هَذَا الْحَدِيثِ فِي كِتَابِ اللَّهِ نَصّاً مِثْلَ قَوْلِهِ جَلَّ وَ عَزَّ إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَ يُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَ هُمْ راكِعُونَ وَ مَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغالِبُونَ 2998 .
وَ رَوَتِ الْعَامَّةُ فِي ذَلِكَ أَخْبَاراً لِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ع أَنَّهُ تَصَدَّقَ بِخَاتَمِهِ وَ هُوَ رَاكِعٌ فَشَكَرَ اللَّهُ ذَلِكَ لَهُ وَ أَنْزَلَ الْآيَةَ فِيهِ فَوَجَدْنَا رَسُولَ اللَّهِ ص قَدْ أَتَى بِقَوْلِهِ مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيٌّ مَوْلَاهُ وَ بِقَوْلِهِ أَنْتَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى إِلَّا أَنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدِي وَ وَجَدْنَاهُ يَقُولُ عَلِيٌّ يَقْضِي دَيْنِي وَ يُنْجِزُ مَوْعِدِي وَ هُوَ خَلِيفَتِي عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِي.
فالخبر الأول الذي استنبط منه هذه الأخبار خبر صحيح مجمع عليه لا اختلاف فيه عندهم و هو أيضا موافق للكتاب فلما شهد الكتاب بتصديق الخبر و هذه الشواهد الأخر لزم على الأمة الإقرار بها ضرورة إذ كانت هذه الأخبار شواهدها من القرآن ناطقة و وافقت القرآن و القرآن وافقها ثم وردت حقائق الأخبار عن رسول الله ص عن الصادقين ع نقلها قوم ثقات معروفون فصار الاقتداء بهذه الأخبار فرضا واجبا على كل مؤمن و مؤمنة لا يتعداه إلا أهل العناد و ذلك أن أقاويل آل رسول الله ص متصلة بقول الله و ذلك مثل قوله في محكم كتابه إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيا وَ الْآخِرَةِ وَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً مُهِيناً
وَ وَجَدْنَا نَظِيرَ هَذِهِ الْآيَةِ قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ ص مَنْ آذَى عَلِيّاً فَقَدْ آذَانِي وَ مَنْ آذَانِي فَقَدْ آذَى اللَّهَ وَ مَنْ آذَى اللَّهَ يُوشِكُ أَنْ يَنْتَقِمَ مِنْهُ.
وَ كَذَلِكَ قَوْلُهُ ص مَنْ أَحَبَّ عَلِيّاً فَقَدْ أَحَبَّنِي وَ مَنْ أَحَبَّنِي فَقَدْ أَحَبَّ اللَّهَ.
وَ مِثْلُ قَوْلِهِ ص فِي بَنِي وَلِيعَةَ 2999 لَأَبْعَثَنَّ إِلَيْهِمْ رَجُلًا كَنَفْسِي يُحِبُّ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ وَ يُحِبُّهُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ قُمْ يَا عَلِيُّ فَسِرْ إِلَيْهِمْ وَ قَوْلُهُ ص يَوْمُ خَيْبَرَ لَأَبْعَثَنَّ إِلَيْهِمْ غَداً رَجُلًا يُحِبُّ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ وَ يُحِبُّهُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ كَرَّاراً غَيْرَ فَرَّارٍ لَا يَرْجِعُ حَتَّى يَفْتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ فَقَضَى
رَسُولُ اللَّهِ ص بِالْفَتْحِ قَبْلَ التَّوْجِيهِ فَاسْتَشْرَفَ لِكَلَامِهِ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ ص فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ دَعَا عَلِيّاً ع فَبَعَثَهُ إِلَيْهِمْ فَاصْطَفَاهُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ 3000 وَ سَمَّاهُ كَرَّاراً غَيْرَ فَرَّارٍ فَسَمَّاهُ اللَّهُ مُحِبّاً لِلَّهِ وَ لِرَسُولِهِ فَأَخْبَرَ أَنَّ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ يُحِبَّانِهِ.
و إنما قدمنا هذا الشرح و البيان دليلا على ما أردنا و قوة لما نحن مبينوه من أمر الجبر و التفويض و المنزلة بين المنزلتين و بالله العون و القوة و عليه نتوكل في جميع أمورنا فإنا نبدأ من ذلك بقول
الصَّادِقِ ع لَا جَبْرَ وَ لَا تَفْوِيضَ وَ لَكِنْ مَنْزِلَةٌ بَيْنَ الْمَنْزِلَتَيْنِ.
و هي صحة الخلقة و تخلية السرب و المهلة في الوقت و الزاد مثل الراحلة و السبب المهيج للفاعل على فعله فهذه خمسة أشياء جمع بها الصادق ع جوامع الفضل فإذا نقص العبد منها خلة 3001 كان العمل عنه مطروحا بحسبه فأخبر الصادق ع بأصل ما يجب على الناس من طلب معرفته و نطق الكتاب بتصديقه فشهد بذلك محكمات آيات رسوله لأن الرسول ص و آله ع لا يعدو شيء من قوله و أقاويلهم حدود القرآن فإذا وردت حقائق الأخبار و التمست شواهدها من التنزيل فوجد لها موافقا و عليها دليلا كان الاقتداء بها فرضا لا يتعداه إلا أهل العناد كما ذكرنا في أول الكتاب و لما التمسنا تحقيق ما قاله الصادق ع من المنزلة بين المنزلتين و إنكاره الجبر و التفويض وجدنا الكتاب قد شهد له و صدق مقالته في هذا
وَ خُبِّرَ عَنْهُ أَيْضاً مُوَافِقاً لِهَذَا أَنَّ الصَّادِقَ ع سُئِلَ هَلْ أَجْبَرَ اللَّهُ الْعِبَادَ عَلَى الْمَعَاصِي فَقَالَ الصَّادِقُ ع هُوَ أَعْدَلُ مِنْ ذَلِكَ فَقِيلَ لَهُ فَهَلْ فَوَّضَ إِلَيْهِمْ فَقَالَ ع هُوَ أَعَزُّ وَ أَقْهَرُ لَهُمْ مِنْ ذَلِكَ.
وَ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: النَّاسُ فِي الْقَدَرِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ رَجُلٍ يَزْعُمُ أَنَّ الْأَمْرَ مُفَوَّضٌ إِلَيْهِ فَقَدْ وَهَّنَ اللَّهَ فِي سُلْطَانِهِ فَهُوَ هَالِكٌ وَ رَجُلٍ يَزْعُمُ أَنَّ اللَّهَ جَلَّ وَ عَزَّ أَجْبَرَ الْعِبَادَ عَلَى الْمَعَاصِي وَ كَلَّفَهُمْ مَا لَا يُطِيقُونَ فَقَدْ ظَلَّمَ اللَّهَ فِي حُكْمِهِ فَهُوَ هَالِكٌ وَ رَجُلٍ يَزْعُمُ أَنَّ اللَّهَ كَلَّفَ الْعِبَادَ مَا يُطِيقُونَ وَ لَمْ يُكَلِّفْهُمْ مَا لَا يُطِيقُونَ فَإِذَا أَحْسَنَ حَمِدَ اللَّهَ وَ إِذَا أَسَاءَ اسْتَغْفَرَ اللَّهَ فَهَذَا
مُسْلِمٌ بَالِغٌ.