کتابخانه روایات شیعه
بحار الأنوار (ط - بيروت) - ج 1تا15
الصعب الوعر المرتقى و على الشجر و العشب و الشوك فينفرج و إذا أراد عبور نهر من الأنهار بلا سفينة ضربها عليه فانفلق و بدا له طريق مهيع يمشي فيه و كان يشرب أحيانا من إحدى الشعبتين اللبن و من الآخر العسل و كان إذا أعيا في طريقه يركبها فتحملها إلى أي موضع شاء من غير ركض و لا تحريك رجل و كانت تدله على الطريق و تقاتل أعداءه و إذا احتاج موسى إلى الطيب فاح منها الطيب حتى يتطيب ثوبه و إذا كان في طريق فيه لصوص تخشى الناس جانبهم تكلمه العصا و تقول له خذ جانب كذا و كان يهش بها على غنمه و يدفع بها السباع و الحيات و الحشرات و إذا سافر وضعها على عاتقه و علق عليها جهازه و متاعه و مخلاته و مقلاعه و كساءه و طعامه و سقاءه.
قال مقاتل بن حيان قال شعيب لموسى حين زوج ابنته و سلم إليه أغنامه يرعاها اذهب بهذه الأغنام فإذا بلغت مفرق الطريق فخذ على يسارك و لا تأخذ على يمينك و إن كان الكلأ بها أكثر فإن هناك تنينا عظيما أخشى عليك و على الأغنام منه فذهب موسى بالأغنام فلما بلغ مفرق الطريقين أخذت الأغنام ذات اليمين فاجتهد موسى على أن يصرفها إلى ذات الشمال فلم تطعه فنام موسى و الأغنام ترعى فإذا بالتنين قد جاء فقامت عصا موسى فحاربته فقتلته و أتت فاستلقت على جنب موسى و هي دامية فلما استيقظ موسى عليه السلام رأى العصا دامية و التنين مقتولا فعلم أن في تلك العصا لله تعالى قدرة و عرف أن لها شأنا فهذه مآرب موسى فيها إذا كانت عصا فأما إذا ألقاها موسى فيرى أنها تنقلب حية كأعظم ما يكون من التنانين سوداء مدلهمة تدب على أربع قوائم تصير شعبتاها فمها و فيه اثنا عشر أنيابا و أضراسا لها صريف و صرير يخرج منها لهب النار فتصير محجنها عرفا لها كأمثال النيازك 11259 تلتهب و عيناها تلمعان كما يلمع البرق تهب من فيها ريح السموم لا تصيب شيئا إلا أحرقته تمر بالصخرة مثل الناقة الكوماء 11260 فتبتلعها حتى أن الصخور في جوفها تتقعقع 11261 و تمر بالشجرة فتفطرها بأنيابها ثم تحطمها و
تبتلعها و جعلت تتلمظ و تترمرم كأنها تطلب شيئا تأكل و كان تكون في عظم الثعبان و خفة الجان و لين الحية و ذلك موافق لنص القرآن حيث قال في موضع فَإِذا هِيَ ثُعْبانٌ مُبِينٌ و قال في موضع آخر كَأَنَّها جَانٌ و قال في موضع آخر فَإِذا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعى قالوا فلما ألقاها صارت شعبتاها فمها و محجنها عرفا لها في ظهرها و هي تهتز لها أنياب و هي كما شاء الله أن يكون فرأى موسى أمرا فظيعا ف وَلَّى مُدْبِراً وَ لَمْ يُعَقِّبْ فناداه ربه تعالى أن يا مُوسى أَقْبِلْ وَ لا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ قالوا و كان على موسى جبة من صوف فلف كمه على يده و هو لها هائب فنودي أن احسر عن يدك فحسر كمه عن يده ثم أدخل يده بين لحييها فلما قبض فإذا هو عصاه في يده و يده بين شعبتيها حيث كان يضعها ثم قال له أَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ فأدخلها ثم أخرجها فإذا هي نور تلتهب يكل عنه البصر ثم ردها فخرجت كما كانت على لون يديه.
ثم قال له اذْهَبْ إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى فقال موسى رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْساً فَأَخافُ أَنْ يَقْتُلُونِ وَ أَخِي هارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِساناً فَأَرْسِلْهُ مَعِي رِدْءاً يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ قال الله تعالى سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ الآية و كان على موسى يومئذ مدرعة قد خلها بخلال و جبة من صوف و ثياب من صوف و قلنسوة من صوف و الله سبحانه يكلمه و يعهد إليه و يقول له يا موسى انطلق برسالتي و أنت بعيني و سمعي و معك قوتي و نصرتي بعثتك إلى خلق ضعيف من خلقي بطر من نعمتي و آمن مكري و غرته الدنيا حتى جحد حقي و أنكر ربوبيتي و زعم أنه لا يعرفني و عزتي و جلالي لو لا الحجة و العذر اللذان جعلتهما بيني و بين خلقي لبطشت به بطشة جبار تغضب لغضبه السماوات و الأرض و البحار و الجبال و الشجر و الدواب فلو أذنت للسماء لحصبته 11262 أو للأرض لابتلعته أو للجبال لدكدكته أو للبحار لغرقته و لكن هان علي و صغر عندي و وسعه حلمي و أنا الغني عنه و عن جميع خلقي و أنا خالق الغني و الفقير لا غني إلا من أغنيته و لا فقير إلا من أفقرته فبلغه رسالتي و ادعه إلى عبادتي و توحيدي و الإخلاص لي و حذره نقمتي و بأسي و ذكره أيامي و أعلمه أنه لا يقوم لغضبي شيء و قل له فيما بين ذلك 11263
قَوْلًا لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى و كنه في خطابك 11264 إياه و لا يرو عنك ما ألبسته من لباس الدنيا فإن ناصيته بيدي و لا يطرف و لا ينطق و لا يتنفس إلا بعلمي و أخبره بأني إلى العفو و المغفرة أسرع إلى الغضب و العقوبة و قل له أجب ربك فإنه واسع المغفرة قد أمهلك طول هذه المدة و أنت في كلها تدعي الربوبية دونه و تصد عن عبادته و في كل ذلك تمطر عليك السماء و تنبت لك الأرض و يلبسك العافية و لو شاء لعاجلك بالنقمة و لسلبك ما أعطاك و لكنه ذو حلم عظيم ثم أمسك عن موسى سبعة أيام ثم قيل له بعد سبع ليال أجب ربك يا موسى فيما كلمك فقال رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي الآية فلما رجع موسى شيعته الملائكة فكان قلب موسى مشتغلا بولده و أراد أن يختنه فأمر الله عز و جل ملكا فمد يده و لم يزل قدمه عن موضعها حتى جاء به ملففا في خرقته و تناوله موسى فأخذ حجرتين فحك أحدهما بالآخر حتى حدده كالسكين فختن بهما 11265 ابنه فتفل الملك عليه و برئ من ساعته ثم رده الملك إلى موضعه و لم يزل أهل موسى في ذلك الموضع حتى مر راع من أهل مدين فعرفهم و احتملهم و ردهم إلى مدين و كانوا عند شعيب حتى بلغهم خبر موسى عليه السلام بعد ما فلق البحر و جاوزه بنو إسرائيل و غرق الله فرعون فبعثهم شعيب إلى موسى عليه السلام بمصر 11266 .
إيضاح فتحز بالزاي المعجمة أي تقطع و الخصاص كل خلل و خرق في باب و غيره و الفرضة بالضم من النهر ثلمة يستقى منها و من البحر محط السفن و سخره كمنعه كلفه ما لا يريد و قهره و الزند الذي يقدح به النار و وري النار اتقادها و المحجن كمنبر كل معطوف معوج و طريق مهيع بين و المقلاع الذي يرمى به الحجر و صريف ناب البعير صوتها و تلمظت الحية أخرجت لسانها و ترمرم تحرك للكلام و لم يتكلم.
باب 3 معنى قوله تعالى فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ و قول موسى عليه السلام وَ احْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسانِي و أنه لم سمي الجبل طور سيناء
1- ع، علل الشرائع ابْنُ الْوَلِيدِ عَنِ الصَّفَّارِ عَنِ ابْنِ يَزِيدَ عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ أَبَانِ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ: قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ لِمُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ لِأَنَّهَا كَانَتْ مِنْ جِلْدِ حِمَارٍ مَيِّتٍ 11267 .
مع، معاني الأخبار مرسلا مثله 11268 .
2- ع، علل الشرائع مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ نَصْرٍ النَّجَّارِيُّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْكُوفِيِّ بِإِسْنَادٍ مُتَّصِلٍ إِلَى الصَّادِقِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّهُ قَالَ: فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ لِمُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ قَالَ يَعْنِي ارْفَعْ خَوْفَيْكَ يَعْنِي خَوْفَهُ مِنْ ضِيَاعِ أَهْلِهِ وَ قَدْ خَلَّفَهَا بِمَخْضٍ 11269 وَ خَوْفَهُ مِنْ فِرْعَوْنَ.
قال الصدوق رحمه الله و سمعت أبا جعفر محمد بن عبد الله بن طيفور الدامغاني الواعظ يقول في قول موسى عليه السلام وَ احْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسانِي يَفْقَهُوا قَوْلِي قال يقول إني أستحيي أن أكلم بلساني الذي كلمتك به غيرك فيمنعني حيائي منك عن محاورة غيرك فصارت هذه الحال عقدة على لساني فاحللها بفضلك وَ اجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي هارُونَ أَخِي معناه أنه سأل الله عز و جل أن يأذن له في أن يعبر عنه هارون فلا يحتاج أن يكلم فرعون بلسان كلم الله عز و جل به 11270 .
3- ع، علل الشرائع مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ بَشَّارٍ الْقَزْوِينِيُّ عَنِ الْمُظَفَّرِ بْنِ أَحْمَدَ عَنِ الْأَسَدِيِّ عَنِ
النَّخَعِيِّ عَنِ النَّوْفَلِيِّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ سَالِمٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: إِنَّمَا سُمِّيَ الْجَبَلُ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ مُوسَى طُورَ سَيْنَاءَ لِأَنَّهُ جَبَلٌ كَانَ عَلَيْهِ شَجَرُ الزَّيْتُونِ وَ كُلُّ جَبَلٍ يَكُونُ عَلَيْهِ مَا يُنْتَفَعُ بِهِ مِنَ النَّبَاتِ أَوِ الْأَشْجَارِ سُمِّيَ طُورَ سَيْنَاءَ وَ طُورَ سِينِينَ وَ مَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ مَا يُنْتَفَعُ بِهِ مِنَ النَّبَاتِ أَوِ الْأَشْجَارِ مِنَ الْجِبَالِ سُمِّيَ طور [طُوراً] وَ لَا يُقَالُ لَهُ طُورُ سَيْنَاءَ وَ لَا طُورُ سِينِينَ 11271 .
مع، معاني الأخبار مرسلا مثله 11272 .
4- ج، الإحتجاج سَأَلَ سَعْدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْقَائِمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ- عَنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى لِنَبِيِّهِ مُوسَى فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً فَإِنَّ فُقَهَاءَ الْفَرِيقَيْنِ يَزْعُمُونَ أَنَّهَا كَانَتْ مِنْ إِهَابِ 11273 الْمَيْتَةِ فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ فَقَدِ افْتَرَى عَلَى مُوسَى وَ اسْتَجْهَلَهُ فِي نُبُوَّتِهِ إِنَّهُ مَا خَلَا الْأَمْرُ فِيهَا مِنْ خَصْلَتَيْنِ إِمَّا أَنْ كَانَتْ صَلَاةُ مُوسَى فِيهَا جَائِزَةً أَوْ غَيْرَ جَائِزَةٍ فَإِنْ كَانَتْ جَائِزَةً فِيهَا فَجَازَ لِمُوسَى أَنْ يَكُونَ يَلْبَسُهَا فِي تِلْكَ الْبُقْعَةِ وَ إِنْ كَانَتْ مُقَدَّسَةً مُطَهَّرَةً وَ إِنْ كَانَتْ صَلَاتُهُ غَيْرَ جَائِزَةٍ فِيهَا فَقَدْ أَوْجَبَ أَنَّ مُوسَى لَمْ يَعْرِفِ الْحَلَالَ وَ الْحَرَامَ وَ لَمْ يَعْلَمْ مَا جَازَتِ الصَّلَاةُ فِيهِ مِمَّا لَمْ تَجُزْ وَ هَذَا كُفْرٌ قُلْتُ فَأَخْبِرْنِي يَا مَوْلَايَ عَنِ التَّأْوِيلِ فِيهِمَا قَالَ إِنَّ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ فَقَالَ يَا رَبِّ إِنِّي أَخْلَصْتُ لَكَ الْمَحَبَّةَ مِنِّي وَ غَسَلْتُ قَلْبِي عَمَّنْ سِوَاكَ وَ كَانَ شَدِيدَ الْحُبِّ لِأَهْلِهِ فَقَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ أَيِ انْزِعْ حُبَّ أَهْلِكَ مِنْ قَلْبِكَ إِنْ كَانَتْ مَحَبَّتُكَ لِي خَالِصَةً وَ قَلْبُكَ مِنَ الْمَيْلِ إِلَى مَنْ سِوَايَ مَشْغُولًا الْخَبَرَ 11274 .
بيان: اعلم أن المفسرين اختلفوا في سبب الأمر بخلع النعلين و معناه على أقوال
الأول أنهما كانتا من جلد حمار ميت و الثاني أنه كان من جلد بقرة ذكية و لكنه أمر بخلعهما ليباشر بقدميه الأرض فتصيبه بركة الوادي المقدس و الثالث أن الحفا من علامة التواضع و لذلك كانت السلف تطوف حفاة و الرابع أن موسى عليه السلام إنما لبس النعل اتقاء من الأنجاس و خوفا من الحشرات فآمنه الله مما يخاف و أعلمه بطهارة الموضع و الخامس أن المعنى فرغ قلبك من حب الأهل و المال و السادس أن المراد فرغ قلبك عن ذكر الدارين 11275 .
5- ع، علل الشرائع فِي خَبَرِ ابْنِ سَلَامٍ أَنَّهُ سَأَلَ النَّبِيَّ ص عَنِ الْوَادِ الْمُقَدَّسِ لِمَ سُمِّيَ الْمُقَدَّسَ قَالَ لِأَنَّهُ قُدِّسَتْ فِيهِ الْأَرْوَاحُ وَ اصْطُفِيَتْ فِيهِ الْمَلَائِكَةُ وَ كَلَّمَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَ مُوسى تَكْلِيماً 11276 .
باب 4 بعثة موسى و هارون صلوات الله عليهما على فرعون و أحوال فرعون و أصحابه و غرقهم و ما نزل عليهم من العذاب قبل ذلك و إيمان السحرة و أحوالهم