کتابخانه روایات شیعه
بحار الأنوار (ط - بيروت) - ج 1تا15
منهم لينفق عليهم، فهل يحلّ له أن يستأثر منها بشيء؟.
و روى أخبارا أخر أيضا من هذا الباب ظنّا منه أنّها تعينه على دفع الطعن، مع أنّها ممّا يؤيّده، إذ بعضها يدلّ على أنّه كان يرى الأخذ من بيت المال مجّانا حراما و لو كان للضرورة، إلّا أن يأذن ذوو الحقوق في ذلك، فيردّ حينئذ أنّ الاستئذان ممّن حضره حين صعد المنبر في الأكل من العسل لا يغني من جوع، فإنّ الحقّ لم يكن منحصرا في هؤلاء، و لم يكونوا وكلاء لمن غاب عنه حتى يكفيه إذنهم في التناول منه، مع أنّ بيت المال مصرفه مصالح المسلمين و ليس مشتركا بينهم كالميراث و نحوه، فإذا لم يكن للحاضرين حاجة مصحّحة للأخذ منه لم يكن لهم فيه حقّ حتى ينفع إذنهم في الأخذ، و كون أخذ الإمام من المصالح- لا سيّما للدواء- لا ينفع، فإنّه لو تمّ لدلّ على عدم الحاجة إلى الاستئذان مطلقا، فهذه [كذا] الاستئذان دائر بين أن يكون ناقصا 350 غير مفيد و بين أن يكون لغوا لا حاجة إليه، فيدلّ إمّا على الجهل و قلّة المعرفة أو على الشيد و المكر لأخذ قلوب العوام، كما يقال: يتورّع من سواقط الأوبار و يجرّ الأحمال مع القطار.
السادس عشر:
إنّه كان يتلوّن في الأحكام، حتى روي أنّه قضى في الجدّ بسبعين 351 قضية،
و هذا يدلّ على قلّة علمه، و أنّه كان يحكم بمجرّد الظنّ و التخمين و الحدس من غير ثبت و دليل 352 ، و مثل هذا لا يليق بإمامة المسلمين و رئاسة الدنيا و الدين ..
السابع عشر:
أنّه همّ بإحراق بيت فاطمة عليها السلام 353 ، و قد كان فيه أمير المؤمنين و فاطمة و الحسنان عليهم السلام، و هدّدهم و آذاهم مع أنّ رفعة شأنهم عند اللّه تعالى و عند رسوله (ص) ممّا لا ينكره أحد من البشر 354 إلّا من أنكر ضوء الشمس
و نور القمر، و قد تقدّم 355 القول فيه مستوفى فيما غبر.
الثامن عشر: ما وقع منه في قصّة الشورى،
فقد أبدع فيها أمورا كثيرة:.
منها: أنّه خرج عن النصّ و الاختيار جميعا،
فإنّه قال قاضي القضاة في
المغني 356 : قد ثبت عند كلّ من يقول بالاختيار أنّه إذا حصل العقد من واحد برضا أربعة صار إماما، و اختلفوا فيما عدا ذلك، فلا بدّ فيما يصير به إماما من دليل، فما قارنه الإجماع يجب أن يحكم به.
و حكى 357 عن شيخه أبي علي، أنّه قال: إنّ ما روي عن عمر أنّه قال: إن بايع ثلاثة و خالف اثنان فاقتلوا الاثنين 358 .. من أخبار الآحاد، و لا شيء يقتضي صحّته، فلا يجوز أن يطعن به في الإجماع. فكلامهم صريح في أنّ الإمامة بالاختيار [إنّه] 359 ل ا يكون بأقلّ من خمسة، و قد ثبت عن عمر خلافه.
و منها: أنّه وصف كلّ واحد منهم بوصف زعم أنّه يمنع من الإمامة،
ثم جعل الأمر فيمن له هذه الأوصاف.
وَ قَدْ رَوَى السَّيِّدُ فِي الشَّافِي 360 ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ بِإِسْنَادِهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ عُمَرُ: لَا أَدْرِي مَا أَصْنَعُ بِأُمَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ؟. وَ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُطْعَنَ-، فَقُلْتُ: وَ لِمَ تَهْتَمُّ وَ أَنْتَ تَجِدُ مَنْ تَسْتَخْلِفُهُ عَلَيْهِمْ؟. قَالَ: أَ صَاحِبُكُمْ يَعْنِي عَلِيّاً؟!-. قُلْتُ: نَعَمْ وَ اللَّهِ، هُوَ لَهَا أَهْلٌ فِي قَرَابَتِهِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ وَ صِهْرِهِ وَ سَابِقَتِهِ وَ بَلَائِهِ؟. قَالَ: إِنَّ فِيهِ بِطَالَةً وَ فُكَاهَةً 361 !. قُلْتُ:
فَأَيْنَ 362 عَنْ طَلْحَةَ؟. قَالَ: فَابْنُ الزَّهْوِ وَ النَّخْوَةِ. قُلْتُ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ؟. قَالَ: هُوَ رَجُلٌ صَالِحٌ عَلَى ضَعْفٍ فِيهِ. قُلْتُ: فَسَعْدٌ؟. قَالَ: صَاحِبُ 363 مِقْنَبٍ وَ قِتَالٍ لَا يَقُومُ بِقَرْيَةٍ لَوْ حُمِّلَ أَمْرُهَا. قُلْتُ: فَالزُّبَيْرُ؟. قَالَ: وَعْقَةٌ لَقِسٌ 364 ، مُؤْمِنُ الرِّضَا كَافِرُ 365 الْغَضَبِ، شَحِيحٌ، وَ إِنَّ هَذَا الْأَمْرَ لَا يَصْلُحُ 366 إِلَّا لِقَوِيٍّ فِي غَيْرِ عُنْفٍ، رَفِيقٍ 367 فِي غَيْرِ ضَعْفٍ، جَوَادٍ 368 فِي غَيْرِ سَرَفٍ. قُلْتُ: فَأَيْنَ أَنْتَ عَنْ عُثْمَانَ 369 ؟.
قَالَ: لَوْ وَلِيَهَا لَحَمَّلَ بَنِي أَبِي مُعَيْطٍ عَلَى رِقَابِ النَّاسِ، وَ لَوْ فَعَلَهَا لَقَتَلُوهُ 370 .
قَالَ السَّيِّدُ رَحِمَهُ اللَّهُ 371 : وَ قَدْ رُوِيَ مِنْ غَيْرِ هَذَا الطَّرِيقِ أَنَّ عُمَرَ قَالَ لِأَصْحَابِ الشُّورَى: رُوحُوا إِلَيَّ، فَلَمَّا نَظَرَ إِلَيْهِمْ قَالَ: قَدْ جَاءَنِي كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ
يَهُزُّ عَقِيرَتَهُ 372 يَرْجُو أَنْ يَكُونَ خَلِيفَةً، أَمَّا أَنْتَ يَا طَلْحَةُ أَ فَلَسْتَ الْقَائِلَ: إِنْ قُبِضَ النَّبِيُّ (ص) أَنْكِحُ 373 أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ؟! فَمَا جَعَلَ اللَّهُ مُحَمَّداً بِأَحَقَّ بِبَنَاتِ أَعْمَامِنَا 374 ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى 375 فِيكَ: (وَ ما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَ لا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْواجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً) 376 ، وَ أَمَّا 377 أَنْتَ يَا زُبَيْرُ! فَوَ اللَّهِ مَا لَانَ قَلْبُكَ يَوْماً وَ لَا لَيْلَةً، وَ مَا زِلْتَ جِلْفاً 378 جَافِياً، وَ أَمَّا أَنْتَ يَا عُثْمَانُ فَوَ اللَّهِ لَرَوْثَةٌ 379 خَيْرٌ مِنْكَ، وَ أَمَّا أَنْتَ يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ فَإِنَّكَ رَجُلٌ عَاجِزٌ تُحِبُ 380 قَوْمَكَ جَمِيعاً، وَ أَمَّا أَنْتَ يَا سَعْدُ فَصَاحِبُ عَصَبِيَّةٍ وَ فِتْنَةٍ 381 ، وَ أَمَّا أَنْتَ يَا عَلِيُّ فَوَ اللَّهِ لَوْ وُزِنَ إِيمَانُكَ بِإِيمَانِ أَهْلِ الْأَرْضِ لَرَجَحَهُمْ 382 ، فَقَامَ عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلَامُ مُوَلِّياً يَخْرُجُ 383 ، فَقَالَ عُمَرُ: وَ اللَّهِ إِنِّي لَأَعْلَمُ مَكَانَ الرَّجُلِ لَوْ وَلَّيْتُمُوهُ أَمْرَكُمْ لَحَمَلَكُمْ 384 عَلَى الْمَحَجَّةِ الْبَيْضَاءِ، قَالُوا: مَنْ هُوَ؟. قَالَ: هَذَا الْمُوَلِّي مِنْ بَيْنِكُمْ. قَالُوا: فَمَا يَمْنَعُكَ مِنْ ذَلِكَ؟. قَالَ: لَيْسَ إِلَى
ذَلِكَ سَبِيلٌ 385 .
وَ فِي خَبَرٍ آخَرَ رَوَاهُ الْبَلاذُرِيُّ فِي تَارِيخِهِ 386 -: أَنَّ عُمَرَ لَمَّا خَرَجَ أَهْلُ الشُّورَى مِنْ عِنْدِهِ، قَالَ: إِنْ وَلَّوْهَا الْأَجْلَ حَ 387 سَلَكَ بِهِمُ الطَّرِيقَ. فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ 388 : فَمَا يَمْنَعُكَ مِنْهُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؟. قَالَ: أَكْرَهُ أَنْ أَتَحَمَّلَهَا حَيّاً وَ مَيِّتاً.
فوصف كما ترى 389 كلّ واحد من القوم بوصف قبيح يمنع من الإمامة، ثم جعلها في جملتهم حتى كأنّ تلك الأوصاف تزول في حال الاجتماع، و نحن نعلم أنّ الذي ذكره إن كان مانعا من الإمامة في كلّ واحد على الانفراد فهو مانع مع الاجتماع، مع أنّه وصف عليّا عليه السلام بوصف لا يليق به و لا ادّعاه عدوّ قطّ عليه، بل هو معروف بضدّه من الركانة و البعد عن المزاح و الدعابة 390 ، و هذا معلوم ضرورة لمن سمع أخباره عليه السلام، و كيف يظنّ به ذلك،
وَ قَدْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: كَانَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلَامُ إِذَا أَطْرَقَ هِبْنَا أَنْ نَبْتَدِئَهُ 391 بِالْكَلَامِ.
، وَ هَذَا لَا يَكُونُ إِلَّا مِنْ شِدَّةِ التَّزَمُّتِ 392 وَ التَّوَقُّرِ وَ مَا يُخَالِفُ الدُّعَابَةَ وَ الْفُكَاهَةَ.
و منها: أنّه قال: لا أتحمّلها حيّا و ميّتا ..