کتابخانه روایات شیعه
بحار الأنوار (ط - بيروت) - ج 1تا15
الْعَرْشِ كَالْقَطْرَةِ فِي الْبَحْرِ وَ لَا يَعْرِفُ عَدَدَهُمْ إِلَّا اللَّهُ ثُمَّ مَعَ هَؤُلَاءِ مَلَائِكَةُ اللَّوْحِ الَّذِينَ هُمْ أَشْيَاعُ إِسْرَافِيلَ وَ الْمَلَائِكَةُ الَّذِينَ هُمْ جُنُودُ جَبْرَائِيلَ وَ هُمْ كُلُّهُمْ سَامِعُونَ مُطِيعُونَ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ وَ لا يَسْأَمُونَ .
فائدة قال بليناس في كتاب علل الأشياء إن الخالق عز و جل لما ضرب الخلقة بعضها ببعض و طال مكثها خلق الأرواح المتفكرة القادرة فخلقهن من حرارة الريح و نور النار فمنهم خلق خلقوا من حر الريح الباردة و منهم خلق خلقوا من نور النار الحارة و منهم خلق خلقوا من حركة الماء البارد و منهم خلق خلقوا من حركة الماء الحار و منهم خلق خلقوا من الماء المالح فخلق الله الخلقة العلوية من هذه الثلاث طبائع و ليس فيهم من طبيعة التراب شيء و من خلق منهم في السفل فإنها خلقت من الطبائع الثلاث التي ذكرت مفردات غير مركبات إذ لو كانوا مركبين إذا لأدركهم الموت و الافتراق. فهذه جميع أجناس المتفكرة من الملائكة و الجن و الشياطين و سكان الريح الباردة و البحر و الأرض السود و البيض و الكواكب العلوية تشرق بنورها عليهم فتتصل أنوارهم بنورها و لا يشغلون مكانا لأنهم نور و لا يأخذون مكان غيرهم فهم ملئوا الطبائع يدبرونها و يقبلون عليها و كل طبيعة من الطبائع فيها خلق عظيم من الروحانيين و لا يقع عليهم التفصيل و الفناء لأنهم ليسوا مركبين و إنما هم من جوهر واحد فلذلك صاروا أكثر شيء عددا لا يسأمون و لا ينامون و لا يملون يعملون دائبين بالليل و النهار بما وكلوا به من حركة الفلك و إدخال بعضها في بعض و حركة الشمس و القمر و الكواكب و الأمطار و الرياح و الحر و البرد و الإقبال و الإدبار في النبات و الحيوان و المعادن و أفاعيل الإنس و الحيوان و كلهم يعمل دائبا بالأمر الذي وكل به و هم أجناس جنس منهم في الفلك الأعلى و هم قيام على أرجلهم لا يجلسون لأن طبيعتهم روحانية لطيفة فبلطافتهم لا يقدرون أن يجلسوا لأنها تجذبهم إلى العلو و كلهم يسبحون للذي خلقهم منذ يوم خلقهم لا يعملون و لا يتحركون يمينا و لا شمالا و ليس لهم عمل غير التسبيح للرب لهم غلظ و شدة
لحدة طبائعهم لأنهم خلقوا من حر النار. و على فلك المشتري خلق عظيم من الروحانيين كذلك و هم خلق معتدل ساكن لأنهم خلقوا من روح الماء ليس لهم قسوة و فظاظة يدبرون فلك المشتري و يقبلون و يتحركون مع حركته و يمجدون الذي خلقهم و في فلك المريخ خلق عظيم من النورانيين و هم غلاظ شداد لأنهم خلقوا من نور النار اليابسة فلذلك لا رأفة لهم و لا رحمة يدبرون و يقبلون مع المريخ في دوران الفلك لم يملكوا غير ذلك لأنهم لا رحمة لهم و لذلك لم يوكلوا بشيء من أعمال الناس و في فلك الشمس خلق من الكروبيين لهم قسوة و فظاظة لشدة طبائعهم لأنهم خلقوا من الريح و الروح و لهم أناة و نور فهم موكلون بأعمال بني آدم على الحرث و النسل و هم الذين يحركون الشمس و بحركتها يخرج البخار و الدخان فيرفعون ذلك البخار إلى القمر ثم إلى الشمس ثم يصدونه إلى الكواكب العالية فيكون لهم غذاء و هم على الثمار و الزروع و ولادة الحيوان و هم المسلطون على جميع الروحانيين من تحتهم يعملون بأمرهم و هم لطاف نورانيون يدورون مع فلك الشمس و يعملون معها و يعملون في إصلاح العالم و توالد المواليد و هم الذين يحفظون شيعة الشيطان و ولده عن فساد العالم و خرابه و حفظ الحيوان منهم و إنما سموا ملائكة لأنهم ملكوا زمام الشيطان لئلا يخربوا العالم. و في فلك الزهرة أيضا خلق من الروحانيين لهم اعتدال و صلاح فهم أحسنهم وجوها و لهم ريح طيب و بشر حسن يحبون الإنس و جميع ما تحتهم من الحيوان حبا شديدا و لهم بهم رأفة و رحمة و رقة و هم الذين يسعون في تأليف الذكران و الإناث من كل شيء لمكان النسل و الولادة و بذلك وكلوا و في فلك عطارد روحانيون خلقوا من حر الريح الحارة فاتصلوا بالروحانيين الذين خلقوا من النور و هم بين أيديهم مثل العبيد لا يغيبون عن أعينهم طرفة عين يسارعون في خدمة ملائكة فلك الشمس و يعملون بمسرتهم 8835 فهم لهم شبيه الوزراء و هم الموكلون بالنبات و إصلاحه و حفظ النبت إذا طلع
عن وجه الأرض حتى يتم بتمامه و هم أيضا موكلون بصغار الحيوان و الحفظ لهم عن مردة الشياطين و إن القمر جرمه من الشمس و ضوؤه من نورها و هما دائبان يعملان في الليل و النهار و فلك القمر مملو من الملائكة و هم ملائكة الرحمن مستبشر الوجوه لهم جمال و حسن صور و ليس فيهم غضب و لا شدة و لا قسوة على ولد آدم لقربهم منهم و هم أشبه الروحانيين بالآدميين و هم متعطفون على الحيوان مصلحون للنبات دائبون في مسيرة بني آدم فلاتصالهم بهم ربما ظهروا لهم و كلموهم و هم مسلطون على السماء يحرسون السماء من شيطانك 8836 و ولده أن يسترقوا السمع من الملائكة الأعلى 8837 المتصلين بفلك الشمس و هم الموكلون أيضا بالحب المبذور في الأرض يحفظونه لئلا تعرض له الشياطين ليفسدونه فإن شيطانك 8838 و ولده لهم قوة عظيمة في العالم و الحرث و النسل و كلما لطفت خلقه من الروحانيين و رقت كان أكثر أجنحة و منهم من له ستة أجنحة و منهم من له خمسة أجنحة و منهم من له أربعة أجنحة و كذلك إلى جناح واحد و أما المفكرة التي في الطبائع حين ظهرت لحقوا بالطبائع فهم مستجنون في الماء و التراب و الريح لأنهم خلقوا من حر الماء المالح و الريح العاصف و التراب المنتن و هم يسمون شيطائيل و ولده و هم عصاة جفاة مفسدون في الأرض لهم خبث عظيم و قوة شديدة و منظر قبيح و وجوه سمجة و أرواحهم قذرة و هم على الفساد و الطغيان و في خراب العالم و الخلقة العليا مسلطة عليهم يمنعونهم من خراب العالم و فساده انتهى 8839 .
و أقول إنما وردت ملخصا من كلامه لتعلم أن أكثر كلمات قدماء الحكماء الذين أخذوا العلوم من الأنبياء موافقة لما ورد في لسان الشرع و إنما أحدث المتأخرون منهم ما أحدثوا بآرائهم العليلة الفاسدة.
باب 24 آخر في وصف الملائكة المقربين
الآيات الشعراء 193 نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ 8840 النجم 5 عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوى ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوى وَ هُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلى ثُمَّ دَنا فَتَدَلَّى فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى 8841 التكوير إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ مُطاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ وَ ما صاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ وَ لَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ وَ ما هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ 8842 تفسير نَزَلَ بِهِ قال الطبرسي رحمه الله أي نزل الله بالقرآن الرُّوحُ الْأَمِينُ يعني جبرئيل ع و هو أمين الله عليه لا يغيره و لا يبدله و سماه روحا لأنه يحيي به الدين و قيل لأنه يحيي به الأرواح بما ينزل من البركات و قيل لأنه 8843 جسم روحاني عَلى قَلْبِكَ يا محمد و هذا على سبيل التوسع لأنه تعالى يسمعه جبرئيل فيحفظه فينزل به على الرسول فيقرئه عليه فيعيه و يحفظه
بقلبه فكأنه نزل به على قلبه و قيل معناه لقنك الله حق تلقينه 8844 و ثبته على قلبك و جعل قلبك وعاء له 8845 .
و قال البيضاوي القلب إن أراد به الروح فذاك و إن أراد به العضو فتخصيصه لأن المعاني الروحانية إنما تنزل أولا على الروح ثم تنتقل منه إلى القلب لما بينهما من التعلق ثم تتصعد إلى الدماغ فينتقش بها لوح المتخيلة و الروح الأمين جبرئيل فإنه أمين على وحيه لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ عما يؤدي إلى عذاب من فعل أو ترك 8846 .
عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوى قال الطبرسي رحمه الله يعني به جبرئيل ع أي القوي في نفسه و خلقه ذُو مِرَّةٍ أي ذو قوة و شدة في خلقه عن الكلبي و قال من قوته أنه اقتلع قرى قوم لوط من الماء الأسود فرفعها إلى السماء ثم قلبها و من شدته صيحته لقوم ثمود حتى أهلكوا 8847 و قيل معناه ذو صحة و خلق حسن عن ابن عباس و غيره و قيل شديد القوى في ذات الله ذُو مِرَّةٍ أي صحة في الجسم سليم من الآفات و العيوب و قيل ذُو مِرَّةٍ أي ذو مرور في الهواء ذاهبا و جائيا نازلا و صاعدا فَاسْتَوى جبرئيل على الصورة التي خلق عليها بعد انحداره إلى محمد ص وَ هُوَ كناية عن جبرئيل أيضا بِالْأُفُقِ الْأَعْلى يعني أفق المشرق و المراد بالأعلى جانب المشرق و هو فوق جانب المغرب في صعيد الأرض لا في الهواء. قالوا إن جبرئيل ع كان يأتي النبي ص في صورة الآدميين فسأله رسول الله ص أن يريه نفسه على صورته التي خلق عليها فأراه نفسه مرتين مرة في الأرض و مرة في السماء أما في الأرض ففي الأفق الأعلى و ذلك أن محمدا ص كان بحراء فطلع له جبرئيل ع من المشرق فسد الأفق إلى المغرب فخر
النبي ص مغشيا عليه فنزل جبرئيل في صورة الآدميين فضمه إلى نفسه و هو قوله ثُمَّ دَنا فَتَدَلَّى و تقديره ثم دنا أي قرب بعد بعده و علوه في الأفق الأعلى فدنا من محمد ص. قال الحسن و قتادة ثم دنا جبرئيل بعد استوائه بالأفق الأعلى من الأرض فنزل إلى محمد ص و قال الزجاج معنى دنا و تدلى واحد لأن معنى دنا قرب و تدلى زاد في القرب و قيل إن المعنى استوى جبرئيل أي ارتفع و علا إلى السماء بعد أن علم محمدا ص عن ابن مسيب و قيل استوى أي اعتدل واقفا في الهواء بعد أن كان ينزل بسرعة ليراه النبي ص. و قيل معناه استوى جبرئيل ع و محمد بالأفق الأعلى يعني السماء الدنيا ليلة المعراج فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أي كان ما بين جبرئيل ع و بين رسول الله ص قاب قوسين و القوس ما يرمى به و خصت بالذكر على عادتهم يقال قاب قوس 8848 و قاد قوس و قيل معناه كان قدر ذراعين كما روي عن النبي ص فمعنى القوس ما يقاس به و الذراع يقاس به أَوْ أَدْنى قال الزجاج إن العباد قد خوطبوا على لغتهم و مقدار فهمهم و قيل لهم في هذا ما يقال للذي يحزز 8849 فالمعنى فكان على ما تقدرونه أنتم قدر قوسين أو أقل من ذلك و قال عبد الله بن مسعود إن رسول الله ص رأى جبرئيل و له ستمائة جناح 8850 .
و قال في قوله تعالى إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ أي إن القرآن قول رسول كريم على ربه و هو جبرئيل ع و هو كلام الله أنزله على لسانه ذِي قُوَّةٍ أي فيما كلف و أمر به من العلم و العمل و تبليغ الرسالة و قيل ذي قدرة في نفسه و من قوته قلع ديار قوم لوط بقوادم جناحه حتى بلغ بها السماء ثم قلبها عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ معناه متمكن عند الله صاحب العرش و خالقه رفيع المنزلة عظيم القدر عنده كما يقال فلان مكين عند السلطان و المكانة القرب مُطاعٍ ثَمَ أي في السماء تطيعه ملائكة السماء قالوا و من طاعة الملائكة لجبرئيل ع أنه أمر خازن الجنة ليلة المعراج حتى فتح لمحمد ص أبوابها فدخلها و رأى ما فيها و أمر
خازن النار ففتح له عنها حتى نظر إليها أَمِينٍ أي على وحي الله و رسالته إلى أنبيائه
وَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ص قَالَ لِجَبْرَئِيلَ مَا أَحْسَنَ مَا أَثْنَى عَلَيْكَ رَبُّكَ ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ مُطاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ فَمَا كَانَتْ قُوَّتُكَ وَ مَا كَانَتْ أَمَانَتُكَ فَقَالَ أَمَّا قُوَّتِي بُعِثْتُ 8851 إِلَى مَدَائِنِ لُوطٍ فَهِيَ أَرْبَعُ مَدَائِنَ وَ فِي كُلِّ مَدِينَةٍ أَرْبَعُمِائَةِ أَلْفِ مُقَاتِلٍ سِوَى الذَّرَارِيِّ فَحَمَلْتُهُمْ مِنَ الْأَرْضِ السُّفْلَى حَتَّى سَمِعَ أَهْلُ السَّمَاوَاتِ أَصْوَاتَ الدَّجَاجِ وَ نُبَاحَ الْكِلَابِ ثُمَّ هَوَيْتُ بِهِنَّ فَقَلَّبْتُهُنَّ وَ أَمَّا أَمَانَتِي فَإِنِّي لَمْ أُومَرْ بِشَيْءٍ فَعَدَوْتُهُ إِلَى غَيْرِهِ.
وَ لَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ أي رأى محمد ص جبرئيل على صورته التي خلقه الله تعالى عليها حيث تطلع الشمس و هو الأفق الأعلى من ناحية المشرق وَ ما هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ قرأ أهل البصرة غير سهل و ابن كثير و الكسائي بالظاء و الباقون بالضاد فعلى الأول المعنى أنه ليس على وحي الله تعالى و ما يخبر به من الأخبار بمتهم فإن أحواله ناطقة بالصدق و الأمانة و على الثاني أي ليس ببخيل فيما يؤدي عن الله إذ يعلمه كما علمه الله تعالى 8852 .
1- مَجَالِسُ الصَّدُوقِ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ سَعْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْبَرْقِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ خَلَفِ بْنِ حَمَّادٍ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ الْعَبْدِيِّ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ عَبَايَةَ بْنِ رِبْعِيٍّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ص لَمَّا أُسْرِيَ بِهِ إِلَى السَّمَاءِ انْتَهَى بِهِ جَبْرَئِيلُ إِلَى نَهَرٍ يُقَالُ لَهُ النُّورُ وَ هُوَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَ خَلَقَ ...