کتابخانه روایات شیعه
بحار الأنوار (ط - بيروت) - ج 1تا15
بالنسبة إلى أكثر المعمورة نهارا كما عرفت فالنهار في أول الخلق بالنسبة إلى المعمورة التي هي مسكن أشرف الخلق مقدم على الليل ثم إنه يحتمل أن يكون ذكر هذه المصطلحات التي لم تجر عادتهم ع بذكرها و إجراء الكلام على قواعد النجوم التي نفوها و زيفوها كما ستعلم إن شاء الله إلزاما على الفضل المشهور في تلك الصناعة و إظهارا لعلمهم ع بجميع العلوم و الاصطلاحات و قد يقال إن تلك الكواكب لما كانت في ابتداء خلق العالم في مواضع مخصوصة مضبوطة عند أهل العلم أخذا عن الأنبياء و الحجج ع فبعد ما أخذ المنجمون بعض ذلك عنهم زعموا أنها لتلك الخصوصية كانت أحسن مواضع تلك الكواكب فسموها شرفا لها ثم سموا المواضع التي تقابلها هبوطا لها توهما منهم أنها عند كونها فيها هابطة من تلك المنزلة و الشرف جدا و أما ما فات منهم أخذه عن أهل العلم كموضع عطارد مثلا عينوه من عند أنفسهم بخيالات شعرية مذكورة في كتبهم.
ثم إن بعض الناس توهموا أن هذا الحديث مؤيد لكون اليوم من الزوال إلى مثله كما اعتبره المنجمون لسهولة الحساب و لا يخفى وهنه على أولي الألباب و بعد اللتيا و التي فدلالة الحديث على حدوث أكثر ما يزعمه الحكماء قديما من أجزاء العالم بين لا يحتاج إلى البيان.
188 كِتَابُ الْمُحْتَضَرِ، لِلْحَسَنِ بْنِ سُلَيْمَانَ مِمَّا رَوَاهُ مِنْ كِتَابِ الْخُطَبِ لِعَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ يَحْيَى الْجَلُودِيِّ قَالَ: خَطَبَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ع فَقَالَ سَلُونِي فَإِنِّي لَا أُسْأَلُ عَنْ شَيْءٍ دُونَ الْعَرْشِ إِلَّا أَجَبْتُ فِيهِ لَا يَقُولُهَا بَعْدِي إِلَّا جَاهِلٌ مُدَّعٍ أَوْ كَذَّابٌ مُفْتَرٍ فَقَامَ رَجُلٌ مِنْ جَانِبِ 6781 مَسْجِدِهِ فِي عُنُقِهِ كِتَابٌ كَأَنَّهُ مُصْحَفٌ وَ هُوَ رَجُلٌ آدَمُ ضَرْبٌ 6782 طِوَالٌ جَعْدُ الشَّعْرِ كَأَنَّهُ مِنْ مُهَوِّدَةِ الْعَرَبِ فَقَالَ رَافِعاً صَوْتَهُ لِعَلِيٍّ أَيُّهَا الْمُدَّعِي مَا لَا يَعْلَمُ وَ الْمُقَلِّدُ مَا لَا يَفْهَمُ أَنَا السَّائِلُ فَأَجِبْ فَوَثَبَ بِهِ أَصْحَابُ عَلِيٍّ وَ شِيعَتُهُ مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ فَهَمُّوا بِهِ فَنَهَرَهُمْ عَلِيٌّ ع فَقَالَ لَهُمْ دَعُوهُ وَ لَا تَعْجَلُوهُ فَإِنَّ الطَّيْشَ
لَا تَقُومُ بِهِ حُجَجُ اللَّهِ وَ لَا بِهِ تَظْهَرُ بَرَاهِينُ اللَّهِ ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَى الرَّجُلِ وَ قَالَ لَهُ سَلْ بِكُلِّ لِسَانِكَ وَ مَا فِي جَوَانِحِكَ فَإِنِّي أُجِيبُكَ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا تَعْتَلِجُ عَلَيْهِ الشُّكُوكُ وَ لَا يُهَيِّجُهُ وَسَنٌ فَقَالَ الرَّجُلُ كَمْ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَ الْمَشْرِقِ قَالَ عَلِيٌّ ع مَسَافَةُ الْهَوَاءِ قَالَ وَ مَا مَسَافَةُ الْهَوَاءِ قَالَ عَلِيٌّ ع دَوَرَانُ الْفَلَكِ قَالَ الرَّجُلُ وَ مَا قَدْرُ دَوَرَانِ الْفَلَكِ قَالَ مَسِيرَةُ يَوْمٍ لِلشَّمْسِ قَالَ الرَّجُلُ صَدَقْتَ قَالَ فَمَتَى الْقِيَامَةُ قَالَ عَلَى قَدْرِ قُصُورِ الْمَنِيَّةِ 6783 وَ بُلُوغِ الْأَجَلِ قَالَ الرَّجُلُ صَدَقْتَ فَكَمْ عُمُرُ الدُّنْيَا قَالَ عَلِيٌّ يُقَالُ سَبْعَةُ آلَافٍ ثُمَّ لَا تَحْدِيدَ قَالَ الرَّجُلُ صَدَقْتَ فَأَيْنَ بَكَّةُ مِنْ مَكَّةَ قَالَ عَلِيٌّ مَكَّةُ مِنْ أَكْنَافِ الْحَرَمِ وَ بَكَّةُ مَوْضِعُ الْبَيْتِ قَالَ فَلِمَ سُمِّيَتْ مَكَّةُ مَكَّةَ قَالَ لِأَنَّ اللَّهَ مَكَّ الْأَرْضَ مِنْ تَحْتِهَا قَالَ فَلِمَ سُمِّيَتْ بَكَّةَ قَالَ لِأَنَّهَا بَكَّتْ رِقَابَ الْجَبَّارِينَ وَ عُيُونَ الْمُذْنِبِينَ قَالَ صَدَقْتَ وَ أَيْنَ كَانَ اللَّهُ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ عَرْشَهُ قَالَ عَلِيٌّ سُبْحَانَ مَنْ لَا تُدْرِكُ كُنْهَ صِفَتِهِ حَمَلَةُ الْعَرْشِ عَلَى قُرْبِ زُمَرَاتِهِمْ مِنْ كَرَاسِيِّ كَرَامَتِهِ وَ لَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ مِنْ أَنْوَارِ سُبُحَاتِ جَلَالِهِ وَيْحَكَ لَا يُقَالُ أَيْنَ وَ لَا ثَمَّ وَ لَا فِيمَ وَ لَا لِمَ وَ لَا أَنَّى وَ لَا حَيْثُ وَ لَا كَيْفَ قَالَ الرَّجُلُ صَدَقْتَ فَكَمْ مِقْدَارُ مَا لَبَّثَ اللَّهُ عَرْشَهُ عَلَى الْمَاءِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَخْلُقَ الْأَرْضَ وَ السَّمَاءَ قَالَ أَ تُحْسِنُ أَنْ تَحْسُبَ قَالَ نَعَمْ قَالَ لَعَلَّكَ لَا تُحْسِنُ قَالَ بَلَى إِنِّي لَأُحْسِنُ أَنْ أَحْسُبَ قَالَ عَلِيٌّ أَ فَرَأَيْتَ لَوْ كَانَ صُبَّ خَرْدَلٌ فِي الْأَرْضِ حَتَّى سَدَّ الْهَوَاءَ وَ مَا بَيْنَ الْأَرْضِ وَ السَّمَاءِ ثُمَّ أُذِنَ لِمِثْلِكَ عَلَى ضَعْفِكَ أَنْ تَنْقُلَهُ حَبَّةً حَبَّةً مِنْ مِقْدَارِ الْمَشْرِقِ إِلَى الْمَغْرِبِ ثُمَّ مُدَّ فِي عُمُرِكَ وَ أُعْطِيتَ الْقُوَّةَ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى تَنْقُلَهُ وَ أَحْصَيْتَهُ لَكَانَ ذَلِكَ أَيْسَرَ مِنْ إِحْصَاءِ عَدَدِ أَعْوَامِ مَا لَبِثَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَخْلُقَ الْأَرْضَ وَ السَّمَاءَ وَ إِنَّمَا وَصَفْتُ لَكَ بِبَعْضِ عُشْرِ عَشِيرِ الْعَشِيرِ مِنْ جُزْءِ مِائَةِ أَلْفِ جُزْءٍ وَ أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ مِنَ الْقَلِيلِ فِي التَّحْدِيدِ قَالَ فَحَرَّكَ الرَّجُلُ رَأْسَهُ وَ شَهِدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَ أَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللَّهِ.
بيان و الضرب بسكون الراء الرجل الخفيف اللحم على مسافة
الهواء هذه التبهيمات في الأجوبة للتنبيه على عدم تكلف ما لم يؤمر الناس بعلمه و أنه لا فائدة للإنسان في علم حقائق الموجودات و مقاديرها كما تضيع الفلاسفة فيها أعمارهم على قرب زمراتهم أي جماعاتهم.
تفهيم و تتميم نفعه عميم بعون الله الواهب الكريم.
اعلم أن المقصود الأصلي من هذا الباب أعني حدوث العالم لما كان من أعظم الأصول الإسلامية لا سيما الفرقة الناجية الإمامية و كان في قديم الزمان لا ينسب القول بالقدم إلا إلى الدهرية و الملاحدة و الفلاسفة المنكرين لجميع الأديان و لذا لم يورد الكليني ره و بعض المحدثين لذلك بابا مفردا في كتبهم بل أوردوا في باب حدوث العالم أخبار إثبات الصانع تعالى اتكالا على أن بعد الإقرار بالحق جل و علا لا مجال للقول بالقدم لاتفاق أرباب الملل عليه 6784 .
و في قريب من عصرنا لما ولع الناس بمطالعة كتب المتفلسفين و رغبوا عن الخوض في الكتاب و السنة و أخبار أئمة الدين و صار بعد العهد عن أعصارهم ع سببا لهجر آثارهم و طمس أنوارهم و اختلطت الحقائق الشرعية بالمصطلحات الفلسفية صارت هذه المسألة معترك الآراء و مصطدم الأهواء فمال كثير من المتسمين بالعلم المنتحلين للدين إلى شبهات المضلين و روجوها بين المسلمين فضلوا و أضلوا و طعنوا على اتباع الشريعة حتى ملوا و قلوا. حتى أن بعض المعاصرين 6785 منهم يمضغون بألسنتهم و يسودون الأوراق بأقلامهم أن ليس في الحدوث إلا خبر واحد هو كان الله و لم يكن معه شيء ثم يؤولونه بما يوافق آراءهم الفاسدة فلذا أوردت في هذا الباب أكثر الآيات و الأخبار المزيحة للشك و الارتياب و قفيتها بمقاصد أنيقة و مباحث دقيقة تأتي بنيان شبههم من قواعدها و تهزم جنود شكوكهم من مراصدها تشييدا لقواعد الدين و تجنبا من مساخط رب العالمين كما
رُوِيَ عَنْ سَيِّدِ الْمُرْسَلِينَ ص إِذَا ظَهَرَتِ الْبِدَعُ فِي أُمَّتِي فَلْيُظْهِرِ الْعَالِمُ عِلْمَهُ وَ إِلَّا فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَ الْمَلائِكَةِ وَ النَّاسِ أَجْمَعِينَ .
المقصد الأول في بيان معاني الحدوث و القدم
المشهور أن للحدوث معنيين الذاتي و الزماني و المستفاد من كلام الشيخ أن معنى الحدوث هو المسبوقية بالعدم إما بالذات لا بالزمان و هو الحدوث الذاتي و إما بالزمان و هو الحدوث الزماني و هو المتبادر 6786 من لفظ الحدوث
إذ المتبادر منه أنه لم يكن موجودا فوجد.
و أورد عليه أن تقدم العدم على الوجود بالذات لا معنى له إذ التقدم بالذات مخصوص عندهم بالتقدم بالعلية فتقدم العدم بالعلية على الوجود يستلزم اجتماع النقيضين 6787 .
و قال المحقق الطوسي ره الحدوث هو المسبوقية بالغير و ذلك الغير إن كان هو العلة فهو الحدوث الذاتي و إن كان عدما فهو الحدوث الزماني.
و يرد عليه أيضا ما يرد على الأول لأن ذات المعلول يصدق عليها أنها ليست بموجودة في مرتبة ذات العلة ثم وجد المعلول بعد ذلك السلب لوجوب تقدم وجود العلة على وجود المعلول و لا يتصور في تقدم سلب وجود المعلول على وجوده إلا التقدم الذاتي المنحصر في التقدم بالعلية فيعود الإشكال و للقوم في هذا المقام اعتراضات و أجوبة لا يناسب مقصودنا من هذا الكتاب إيرادها و أكثرها مذكورة في حواشي المحقق الدواني و غيره على الشرح الجديد للتجريد و بالجملة إطلاق الحدوث عليه محض اصطلاح لهم لا يساعده لغة و لا عرف و إنما مرجعه الأحقية أو إلى ترتب وجود المعلول على وجود العلة إذ العقل يحكم بأنه وجد فوجد.
و أثبت السيد الداماد ره قسما ثالثا و هو الحدوث الدهري حيث قال إن أنحاء العدم للممكن ثلاثة الأول العدم الذي هو الليس المطلق في مرتبة الذات و هو لكل ممكن موجود حين وجوده الثاني العدم المتكمم و هو لكل حادث زماني قبل زمان وجوده الثالث العدم الصريح الدهري قبل الوجود قبلية غير متكممة و ليس شيء من العدمين الأولين هو العدم المقابل للوجود أما الأول فلأنه يجامع الوجود في الواقع و يسبقه بحسب الذات سبقا ذاتيا و أما الثاني فلأنه ممايز لزمان الوجود و من شرائط التناقض في الزمانيات وحدة الزمان فإذا إنما المقابل للوجود العدم الصريح الذي لا يتصور فيه حد و حد و لن يتميز فيه حال 6788 و حال ثم حقق في ذلك تحقيقا طويلا و حاصل كلامه أن أثبت للموجودات وعاءين آخرين سوى الزمان و هو الدهر و السرمد و قال نسبة المتغير إلى المتغير ظرفها الزمان و نسبة الثابت إلى المتغير ظرفها الدهر و نسبة الثابت إلى الثابت ظرفها السرمد.
و نقل على ذلك شواهد كثيرة من الحكماء فمن ذلك قول الشيخ في التعليقات حيث قال
تعليق العقل يدرك ثلاثة أكوان أحدها الكون في الزمان و هو متى الأشياء المتغيرة التي يكون لها مبدأ و منتهى و يكون مبدؤه غير منتهاه بل يكون مقتضيا و يكون دائما في السيلان و في تقضي حال و تجدد حال الثاني كون مع الزمان و يسمى الدهر و هذا الكون محيط بالزمان و هو كون الفلك مع الزمان و الزمان في ذلك الكون لأنه ينشأ من حركة الفلك و هو نسبة الثابت إلى المتغير إلا أن الوهم لا يمكنه إدراكه لأنه رأى كل شيء في زمان و رأى كل شيء يدخله كان و يكون و الماضي و الحاضر و المستقبل و رأى لكل شيء متى إما ماضيا أو حاضرا أو مستقبلا الثالث كون الثابت مع الثابت و يسمى السرمد و هو محيط بالدهر.
تعليق الوهم يثبت لكل شيء متى و محال أن يكون للزمان نفسه متى.
تعليق ما يكون في الشيء فإنه يكون محاطا بذلك الشيء فهو يتغير بتغير ذلك الشيء فالشيء الذي يكون في الزمان يتغير بتغير الزمان و يلحقه جميع أعراض الزمان و يتغير 6789 عليه أوقاته فيكون هذا الوقت الذي يكون مثلا مبدأ كونه أو مبدأ فعله غير ذلك الوقت الذي هو آخره لأن زمانه يفوت و يلحق و ما يكون مع الشيء فلا يتغير بتغيره و لا تتناوله أعراضه تعليق الدهر وعاء الزمان لأنه محيط به.
و بين في الشفاء أيضا هذا المعنى ثم قال و لا يتوهم في الدهر و لا في السرمد امتداد و إلا لكان مقدارا للحركة ثم الزمان كمعلول الدهر و الدهر كمعلول السرمد و قال أيضا في الشفاء إنه لا يكون في الزمان إلا الحركات و المتحركات أما الحركة فذلك لها من تلقاء جوهرها و أما المتحرك فمن تلقاء الحركة و أما سائر الأمور فإنها ليست في زمان و إن كانت مع الزمان فإن العالم مع الخردلة و ليست في الخردلة إلى آخر ما قال و استحسن ذلك المحقق الطوسي ره و السيد الشريف و غيرهما.