کتابخانه روایات شیعه
بحار الأنوار (ط - بيروت) - ج 1تا15
وَ يَقُولُ: لَوْ ثُنِيَتْ لِيَ الْوِسَادَةُ 34906 لَحَكَمْتُ بَيْنَ أَهْلِ التَّوْرَاةِ بِتَوْرَاتِهِمْ، وَ بَيْنَ أَهْلِ الْإِنْجِيلِ بِإِنْجِيلِهِمْ، وَ بَيْنَ أَهْلِ الْفُرْقَانِ بِفُرْقَانِهِمْ، حَتَّى يَزْهَرَ كُلٌّ إِلَى رَبِّهِ وَ يَقُولَ إِنَّ عَلِيّاً قَضَى فِينَا بِقَضَائِكَ،.
وَ يَقُولُ: عَلَّمَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ أَلْفَ بَابٍ يُفْتَحُ مِنْ كُلِّ بَابٍ أَلْفُ بَابٍ.
وَ يَشْهَدُ لَهُ الرَّسُولُ الْأَمِينُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ بِأَنَّهُ: بَابُ مَدِينَةِ الْعِلْمِ 34907 ، وَ أَقْضَى الْأُمَّةِ 34908 .
و العجب أنّه ... لم يكن يجوّز خلافة عبد اللّه ابنه عند موته معتلا بأنّه لم يعرف كيف يطلق امرأته 34909 ، و من يجهل مثل ذلك لا يصلح للإمامة! فكيف يجوّز اتّباعه و 34910 إمامته مع جهله مثل هذا الحكم البيّن المنصوص عليه بالكتاب و السنّة؟!.
و لا يخفى على المتأمّل الفرق بين الأمرين من وجوه شتّى:
منها: أنّ الطلاق أمر نادر الوقوع، و الصلاة بالتيمّم أكثر وقوعا.
و منها: أنّ الصلاة أدخل في الدين من النكاح و الطلاق.
و منها: أنّ بطلان هذا النوع من الطلاق لم يظهر من الكتاب و السنّة ظهور وجوب التيمّم.
و منها: أنّ فعل ابنه كان في زمن الرسول صلّى اللّه عليه و آله و بدو نزول الحكم، و إنكاره كان بعد ظهور الإسلام و انتشار الأحكام.
و منها: أنّ جهل ابنه ارتفع بالتنبيه، و هو قد أصرّ بعد التذكير و الإعلام.
و في الفرق وجوه أخر تركناها للمتدبّر.
و الحقّ أنّ ادّعاء الجهل منه في مثل تلك المسألة الضروريّة المتكرّرة الوقوع ليس من ادّعاء الشبهة المحتملة، بل يجب الحكم بكفره بمجرّد ذلك الإنكار، و يدلّ على أنّ إنكاره لم يكن للجهل، بل كان ردّا على اللّه سبحانه و تعالى و تقبيحا لحكمه، إنّه لو كان للجهل لسأل غيره من الصحابة حتى يظهر له صدق ما ذكره عمّار أو كذبه، فيحكم بعد ذلك بما كان يظهر له، فإنّ ترك الخوض في تحقيق الحكم- مع كون الخطب فيه جليلا لإفضائه إلى ترك الصلاة التي هي أعظم أركان الدين، مع قرب العهد و سهولة تحقيق الحال- ليس إلّا تخريبا للشريعة و إفسادا 34911 في الدين.
و قال بعض الأفاضل: يمكن أن يستدلّ به [عليه] بوجه أخصّ، و هو أنّه لا خلاف في أنّ من استحلّ ترك الصلاة فهو كافر، و لا ريب في أنّ قوله: أمّا أنا فلم أكن أصلّي حتّى أجد الماء، بعد قول الرجل السائل: إنّا نكون بالمكان الشهر و الشهرين .. و نهيه السائل عن الصلاة- كما في الروايات الأخر- استحلال لترك الصلاة مع فقد الماء، و هو داخل في عموم
قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ: مَنْ تَرَكَ
الصَّلَاةَ مُتَعَمِّداً فَقَدْ كَفَرَ 34912 .
و لم 34913 يخصّصه أحدا 34914 إلّا بالمستحلّ 34915 .
تنبيه:
اعلم أنّه يظهر من تلك الواقعة ضعف ما يتشبّث به المخالفون في كثير من المواضع من ترك النكير، فإنّ بطلان هذا الحكم و مخالفته للإجماع أمر واضح، و لم ينقل عن أحد من الصحابة إنكار ذلك عليه، و قد قال عمّار- بعد تذكيره بأمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله-: إن شئت لم أحدّث به أحدا .. خوفا من أن يلحقه ضرر بالردّ عليه و الإنكار لفتياه، و لم يكن عمّار في شكّ من روايته حتى يكون تركه الإنكار لفتياه، و لم يكن عمّار في شكّ من روايته حتى يكون تركه الإنكار تصويبا لرأي عمر و تصديقا له، و إذا كان ترك الإنكار في أمر التيمّم- مع عدم تعلّق الأغراض الدنيويّة به للخوف أو غير ذلك- ممّا لا يدلّ على التصويب، فأمور الخلافة و السلطنة أحرى بأن لا يكون ترك الإنكار فيها حجّة على صوابها ..
التاسع:
إِنَّهُ أَمَرَ بِرَجْمِ حَامِلٍ حَتَّى نَبَّهَهُ مُعَاذٌ، وَ قَالَ: إِنْ يَكُنْ لَكَ سَبِيلٌ عَلَيْهَا فَلَا سَبِيلِ لَكَ عَلَى مَا فِي بَطْنِهَا، فَرَجَعَ عَنْ حُكْمِهِ، وَ قَالَ: لَوْ لَا مُعَاذٌ لَهَلَكَ عُمَرُ 34916 .
و من جهل هذا القدر لا يجوز أن يكون إماما، لأنّه يجري مجرى أصول الشرائع، بل العقل يدلّ عليه، لأنّ 34917 الرجم عقوبة، و لا يجوز أن يعاقب من لا يستحقّ.
و أجاب عنه قاضي القضاة 34918 بأنّه ليس في الخبر أنّه أمر برجمها مع علمه بأنّها حامل، لأنّه ليس ممّن يخفى عليه هذا القدر- و هو أنّ الحامل لا ترجم حتى تضع و إنّما ثبت عنده زناها فأمر برجمها على الظاهر، و إنّما قال ما قال 34919 في معاذ لأنّه نبّهه على أنّها حامل.
قال: فإن قيل: إذا لم يكن 34920 منه معصية فكيف يهلك لو لا معاذ؟!.
قلنا 34921 : لم يرد الهلك من جهة العذاب 34922 ، و إنّما أراد أن يجري 34923 بقوله:
قتل من لا يستحقّ القتل، كما يقال للرجل هلك من الفقر، و صار سبب القتل 34924 خطأ. و يجوز أن يريد بذلك تقصيره في تعرّف حالها 34925 ، لأنّ ذلك لا يمتنع أن
يكون خطيئة و إن صغرت.
و أورد عليه السيد المرتضى 34926 رضوان اللّه عليه بأنّه: لو كان الأمر على ما ظنّه 34927 لم يكن تنبيه معاذ على هذا الوجه، بل كان يجب أن ينبّهه بأن يقول 34928 : هي حامل، و لا يقول له: إن كان لك عليها سبيل 34929 فلا سبيل لك على ما في بطنها، لأنّ ذلك 34930 قول من عنده أنّه يرجمها مع العلم بحالها 34931 ، و أقلّ ما يجب- لو كان الأمر كما ظنّه 34932 - أن يقول لمعاذ: ما ذهب عليّ 34933 أنّ الحامل لا ترجم، و إنّما أمرت برجمها لفقد علمي بحملها، فكان ينفي بهذا القول عن نفسه الشبهة. و في إمساكه عنه- مع شدّة الحاجة إليه- دليل على صحّة قولنا، و قد كان يجب أيضا أن يسأل عن الحمل لأنّه أحد الموانع من الرجم، فإذا علم انتفاؤه 34934 أمر بالرجم، و صاحب الكتاب قد اعترف بأنّ ترك المسألة عن ذلك تقصير و خطيئة 34935 ، و ادّعى أنّهما 34936 صغيرة، و 34937 من أين له ذلك و لا دليل عنده يدلّ 34938 في غير الأنبياء عليهم السلام أنّ معصيته بعينها صغيرة.
فأمّا إقراره بالهلاك لو لا تنبيه معاذ .. فهو يقتضي التفخيم و التعظيم 34939 لشأن الفعل، و لا يليق ذلك إلّا بالتقصير الواقع، إمّا في الأمر برجمها مع العلم بأنّها حامل، أو ترك البحث عن ذلك و المسألة عنه، و أيّ لوم 34940 في أن يجري بقوله قتل من لا يستحقّ القتل إذا لم يكن ذلك عن تفريط و لا تقصير. انتهى كلامه رفع اللّه مقامه.