کتابخانه روایات شیعه
بحار الأنوار (ط - بيروت) - ج 1تا15
الجزء الثامن و الستون
تتمة كتاب الإيمان و الكفر
تتمة أبواب مكارم الأخلاق
باب 60 الصدق و المواضع التي يجوز تركه فيها و لزوم أداء الأمانة
الآيات المائدة قالَ اللَّهُ هذا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَ رَضُوا عَنْهُ ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ 9847 الأنعام قالَ هذا رَبِّي 9848 التوبة يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَ كُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ 9849 يوسف ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسارِقُونَ 9850 الأنبياء قالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا فَسْئَلُوهُمْ إِنْ كانُوا يَنْطِقُونَ 9851 الأحزاب مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَ مِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَ ما بَدَّلُوا تَبْدِيلًا لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ 9852 الزمر الَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ وَ صَدَّقَ بِهِ أُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ لَهُمْ ما يَشاؤُنَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذلِكَ جَزاءُ الْمُحْسِنِينَ لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا وَ يَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ
بِأَحْسَنِ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ 9853 الحشر أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ 9854
1- كا، الكافي عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى عَنِ ابْنِ عِيسَى عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ أَبِي الْعَلَاءِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ: إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ لَمْ يَبْعَثْ نَبِيّاً إِلَّا بِصِدْقِ الْحَدِيثِ وَ أَدَاءِ الْأَمَانَةِ إِلَى الْبَرِّ وَ الْفَاجِرِ 9855 .
تبيين إلا بصدق الحديث أي متصفا بهما أو كان الأمر بهما في شريعته و قد مر أنه يحتمل شمول الأمانة لجميع حقوق الله و حقوق الخلق لكن الظاهر منه أداء كل حق ائتمنك عليه إنسان برا كان أو فاجرا و الظاهر أن الفاجر يشمل الكافر أيضا فيدل على عدم جواز الخيانة بل التقاص أيضا في ودائع الكفار و أماناتهم.
و اختلف الأصحاب في التقاص مع تحقق شرائطه في الوديعة فذهب الشيخ في الإستبصار و أكثر المتأخرين إلى الجواز على كراهة و ذهب الشيخ في النهاية و جماعة إلى التحريم و الأخبار مختلفة و سيأتي تحقيقه في محله إن شاء الله و ستأتي الأخبار في وجوب أداء الأمانة و الوديعة إلى الكافر و إلى قاتل علي صلوات الله عليه 9856 .
2- كا، الكافي عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عِيسَى عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَمَّارٍ وَ غَيْرِهِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ: لَا تَغْتَرُّوا بِصَلَاتِهِمْ وَ لَا بِصِيَامِهِمْ فَإِنَّ الرَّجُلَ رُبَّمَا لَهِجَ بِالصَّلَاةِ وَ الصَّوْمِ حَتَّى لَوْ تَرَكَهُ اسْتَوْحَشَ وَ لَكِنِ اخْتَبِرُوهُمْ عِنْدَ صِدْقِ الْحَدِيثِ وَ أَدَاءِ الْأَمَانَةِ 9857 .
بيان: قال الجوهري اغترّ بالشيء خدع به و قال اللهج بالشيء الولوع و قد لهج به بالكسر يلهج لهجا إذا أغري به فثابر عليه انتهى و حاصل الحديث أن كثرة الصلاة و الصوم ليست مما يختبر به صلاح المرء و خوفه من الله
تعالى فإنها من الأفعال الظاهرة التي لا بد للمرء من الإتيان بها خوفا أو طمعا و رياء لا سيما للمتسمين بالصلاة فيأتون بها من غير إخلاص حتى يعتادونها و لا غرض لهم في تركها غالبا و الدواعي الدنيوية في فعلها لهم كثيرة بخلاف الصدق و أداء الأمانة فإنهما من الأمور الخفية و ظهور خلافهما على الناس نادر و الدواعي الدنيوية على تركهما كثيرة فاختبروهم بهما لأن الآتي بهما غالبا من أهل الصلاح و الخوف من الله مع أنهما من الصفات الحسنة التي تدعو إلى كثير من الخيرات و بهما تحصل كمال النفس و إن لم تكونا لله و أيضا الصدق يمنع كون العمل لغير الله إن الرياء حقيقة من أقبح أنواع الكذب كما يومئ إليه الخبر الآتي.
3- كا، الكافي عَنِ الْعِدَّةِ عَنْ سَهْلٍ عَنِ ابْنِ أَبِي نَجْرَانَ عَنْ مُثَنًّى الْحَنَّاطِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ: مَنْ صَدَقَ لِسَانُهُ زَكَا عَمَلُهُ 9858 .
بيان: زكا عمله أي يصير عمله بسببه زاكيا أي ناميا في الثواب لأنه إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ و هو من أعظم أركان التقوى أو كثيرا لأن الصدق مع الله يوجب الإتيان بما أمر الله و الصدق مع الخلق أيضا يوجب ذلك لأنه إذا سئل عن عمل هل يفعله و لم يفعله لا يمكنه ادعاء فعله فيأتي بذلك و لعله بعد ذلك يصير خالصا لله.
أو يقال لما كان الصدق لازما للخوف و الخوف ملزوما لكثرة الأعمال فالصدق ملزوم لها أو المعنى طهر عمله من الرياء فإنها نوع من الكذب كما أشرنا إليه في الخبر السابق و في بعض النسخ زكي على المجهول من بناء التفعيل بمعنى القبول أي يمدح الله عمله و يقبله فيرجع إلى المعنى الأول و يؤيده.
4- كا، الكافي عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ عَنْ مُوسَى بْنِ سَعْدَانَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي الْمِقْدَامِ قَالَ: قَالَ لِي أَبُو جَعْفَرٍ ع فِي أَوَّلِ دَخْلَةٍ دَخَلْتُ عَلَيْهِ تَعَلَّمُوا الصِّدْقَ قَبْلَ الْحَدِيثِ 9859 .
بيان: الدخلة مصدر كالجلسة و إن لم يذكر بخصوصه في اللغة تعلموا الصدق أي قواعده كجواز النقل بالمعنى و نسبة الحديث المأخوذ عن واحد من الأئمة إلى آبائه أو إلى رسول الله ص أو تبعيض الحديث و أمثال ذلك أو يكون تعلمه كناية عن العمل به و التمرن عليه على المشاكلة أو المراد تعلم وجوبه و لزومه و حرمة تركه.
قبل الحديث أي قبل سماع الحديث منا و روايته و ضبطه و نقله و هذا يناسب أول دخوله فإنه كان مريدا لسماع الحديث منه ع و لم يسمع بعد هذا ما أفهمه و قيل فيه وجوه مبنية على أن المراد بالحديث التكلم لا الحديث بالمعنى المصطلح.
الأول أن المراد التفكر في الكلام ليعرف الصدق فيما يتكلم به و مثله
قَوْلُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ع لِسَانُ الْعَاقِلِ وَرَاءَ قَلْبِهِ وَ قَلْبُ الْأَحْمَقِ وَرَاءَ لِسَانِهِ 9860 .
يعني أن العاقل يعلم الصدق و الكذب أولا و يتفكر فيما يقول ثم يقول ما هو الحق و الصدق و الأحمق يتكلم و يقول من غير تأمل و تفكر فيتكلم بالكذب و الباطل كثيرا.
الثاني أن لا يكون قبل متعلقا بتعلموا بل يكون بدلا من قوله في أول دخلة.
الثالث أن يكون قبل متعلقا بقال أي قال ع ابتداء قبل التكلم بكلام آخر تعلموا.
الرابع أن يكون المعنى تعلموا الصدق قبل تعلم آداب التكلم من القواعد العربية و الفصاحة و البلاغة و أمثالها و لا يخفى بعد الجميع لا سيما الثاني و الثالث و كون ما ذكرنا أظهر و أنسب.