کتابخانه روایات شیعه
بحار الأنوار (ط - بيروت) - ج 1تا15
و الجن و الشياطين و الغيلان لكونها من قبيل المثل أو النفوس الناطقة المفارقة الظاهرة فيها و به يظهر المجردات في صور مختلفة بالحسن و القبح و اللطافة و الكثافة و غير ذلك بحسب استعداد القابل و الفاعل و عليه بنوا أمر المعاد الجسماني فإن البدن المثالي الذي يتصرف فيه النفس حكمه حكم البدن الحسي في أن له جميع الحواس الظاهرة و الباطنة فيلتذ 6967 و يتألم باللذات و الآلام الجسمانية و أيضا تكون من الصور المعلقة نورانية فيها نعيم السعداء و ظلمانية فيها عذاب الأشقياء و كذا أمر المنامات و كثير من الإدراكات فإن جميع ما يرى في المنام أو التخيل في اليقظة بل نشاهد في الأمراض و عند غلبة الخوف و نحو ذلك من الصور المقدارية التي لا تحقق لها في عالم الحس كلها من عالم المثل و كذا كثير من الغرائب و خوارق العادات كما يحكى عن بعض الأولياء أنه مع إقامته ببلدته كان من حاضري المسجد الحرام أيام الحج و أنه ظهر من بعض جدران البيت أو خرج من بيت مسدود الأبواب و الكواء و أنه أحضر بعض الأشخاص و الثمار أو غير ذلك من مسافة بعيدة جدا في زمان قريبة إلى غير ذلك و القائلون بهذا العالم منهم من يدعي ثبوته بالمكاشفة و التجارب الصحيحة و منهم من يحتج بأن ما يشاهد من تلك الصور الجزئية ليست عدما صرفا و لا من عالم الماديات و هو ظاهر و لا من عالم العقل لكونها ذوات مقدار و لا مرتسمة في الأجزاء الدماغية لامتناع ارتسام الكبير في الصغير و لما كانت الدعوى عالية و الشبه واهيه كما سبق لم يلتفت إليه المحققون من الحكماء و المتكلمين انتهى.
و نقل بعضهم عن المعلم الأول في الرد على من قال إن العالم الجسماني أكثر من واحد و قد قالت متألهو الحكماء كهرمس و أنباذقلس و فيثاغورس و أفلاطون و غيرهم من الأفاضل القدماء إن في الوجود عوالم أخرى ذوات مقادير غير هذا العالم الذي نحن فيه و غير النفس و العقل و فيها العجائب و الغرائب و فيها من البلاد و العباد و الأنهار و البحار و الأشجار و الصور المليحة و القبيحة
ما لا يتناهى و يقع هذا العالم في الإقليم الثامن الذي فيه جابلقا و جابرسا و هو إقليم ذات العجائب و هي في وسط ترتيب العوالم و لهذا العالم أفقان الأول و هو ألطف من الفلك الأقصى الذي نحن فيه و هو يقع 6968 من إدراك الحواس و الأفق الأعلى يلي النفس الناطقة و هو أكثف منها و الطبقات المختلفة الأنواع من اللطيفة و الكثيفة و المتلذذة و المبهجة و المولمة و المزعجة لا يتناهى بينهما و لا بد لك من المرور عليه و قد يشاهد هذا العالم بعض الكهنة و السحرة و أهل العلوم الروحانية فعليك بالإيمان بها و إياك و الإنكار.
و قال أرسطو في أثولوجيا من وراء هذا العالم سماء و أرض و بحر و حيوان و نبات و ناس سماويون و كل من في هذا العالم الجسماني و ليس هناك شيء أرضي و الروحانيون الذي هناك ملائمون للإنس الذي هناك لا ينفر بعضهم عن بعض و كل واحد لا ينفر عن صاحبه و لا يضاده بل يستريح إليه.
و قال صاحب الفتوحات في كل خلق الله تعالى عوالم يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَ النَّهارَ لا يَفْتُرُونَ و خلق الله من جملة عوالمها عالما على صورنا إذا أبصرها العارف يشاهد نفسه فيها و قد أشار إلى ذلك
عبد الله بن عباس فيما روي عنه في حديث هذه الكعبة و أنها بيت واحد من أربعة عشر بيتا و أن في كل أرض من الأرضين السبع خلقا مثلنا حتى أن فيهم ابن عباس مثلي.
و صدقت هذه الرواية عند أهل الكشف و كل منها حي ناطق و هي باقية لا تفنى و لا تتبدل و إذا دخلها العارفون إنما يدخلون بأرواحهم لا بأجسامهم فيتركون هياكلهم في هذه الأرض الدنيا و يتجردون و فيها مدائن لا تحصى و بعضها تسمى مدائن النور لا يدخلها من العارفين إلا كل مصطفى مختار و كل حديث و آية وردت عندنا مما صرفها العقل من ظاهرها وجدناها على ظاهرها في هذه الأرض و كل جسد يتشكل فيه الروحاني من ملك و جن و كل صورة يرى الإنسان فيها نفسه في النوم فمن أجساد هذه الأرض انتهى.
و أقول ما أشبه هذه المزخرفات بالخرافات و الخيالات الواهية و الأوهام الفاسدة و لا يتوقف تصحيح شيء مما ذكروه على القول بهذا المذهب السخيف و بسط القول فيه يؤدي إلى الإطناب و أما الأجساد المثالية التي قلنا بها فليس من هذا القبيل كما عرفت تحقيقه في المجلد الثالث و أكثر أخبار هذا الباب يمكن حملها على ظواهرها إذ لم يدر أحد سوى الأنبياء و الأوصياء ما حول جميع العوالم حتى يحكم بعدمها و ما قاله الحكماء و الرياضيون في ذلك فهو على الخرص و التخمين و الله الهادي إلى الحق المبين
تنبيه
قد يستدل على ثبوت عالم المثال
بِمَا رَوَاهُ الشَّيْخُ الْبَهَائِيُّ ره فِي كِتَابِ مِفْتَاحِ الْفَلَاحِ عِنْدَ تَأْوِيلِ مَا وَرَدَ فِي دُعَاءِ التَّعْقِيبِ يَا مَنْ أَظْهَرَ الْجَمِيلَ وَ سَتَرَ الْقَبِيحَ عَنِ الصَّادِقِ ع أَنَّهُ قَالَ: مَا مِنْ مُؤْمِنٍ إِلَّا وَ لَهُ مِثَالٌ فِي الْعَرْشِ فَإِذَا اشْتَغَلَ بِالرُّكُوعِ وَ السُّجُودِ وَ نَحْوِهِمَا فَعَلَ مِثَالُهُ مِثْلَ فِعْلِهِ فَعِنْدَ ذَلِكَ تَرَاهُ الْمَلَائِكَةُ عِنْدَ الْعَرْشِ وَ يُصَلُّونَ 6969 وَ يَسْتَغْفِرُونَ لَهُ وَ إِذَا اشْتَغَلَ الْعَبْدُ بِمَعْصِيَةٍ أَرْخَى اللَّهُ تَعَالَى عَلَى مِثَالِهِ سِتْراً لِئَلَّا تَطَّلِعَ الْمَلَائِكَةُ عَلَيْهَا فَهَذَا تَأْوِيلُ يَا مَنْ أَظْهَرَ الْجَمِيلَ وَ سَتَرَ الْقَبِيحَ.
انتهى.
و أقول و إن أمكن تأويله 6970 على ما ذكروه لكن ليس فيه دلالة على الخصوصيات التي أثبتوها و لا على عمومها في كل شيء و كذا الكلام فيما ورد من كون صورة أمير المؤمنين و الحسنين ع و رؤية الرسول ص و آدم ع أشباح الأئمة ع عن يمين العرش و أمثال ذلك كثيرة و الكلام في الجميع واحد و نحن لا ننكر وجود الأجسام المثالية و تعلق الأرواح بها بعد الموت بل نثبتها لدلالة الأحاديث المعتبرة الصريحة عليها بل لا يبعد عندي وجودها قبل الموت أيضا فتتعلق
بها الأرواح في حال النوم و شبهه من الأحوال التي يضعف تعلقها بالأجساد الأصلية فيسير بها في عوالم الملك و الملكوت و لا أستبعد في الأرواح القوية تعلقها بالأجساد المثالية الكثيرة و تصرفها في جميعها في حالة واحدة فلا يستبعد حضورهم في آن واحد عند جمع كثير من المحتضرين و غيرهم لكن على وجه لا ينافي القواعد العقلية و القوانين الشرعية و هذا المقام لا يسع لبسط القول فيها و بعض العقول القاصرة عن درك الحقائق الخفية ربما لم يحتملها فلذا طويناها على غرها و الله الموفق لنيل غوامض الدقائق و سرها
باب 3 أنه لم سميت الدنيا دنيا و الآخرة آخرة
1- الْعِلَلُ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ 6971 مُحَمَّدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ بِإِسْنَادِهِ رَفَعَهُ قَالَ: أَتَى عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ ع يَهُودِيٌّ فَسَأَلَهُ عَنْ مَسَائِلَ فَكَانَ فِيمَا يَسْأَلُهُ 6972 لِمَ سُمِّيَتِ الدُّنْيَا دُنْيَا وَ لِمَ سُمِّيَتِ الْآخِرَةُ آخِرَةً فَقَالَ ع إِنَّمَا سُمِّيَتِ الدُّنْيَا دُنْيَا لِأَنَّهَا أَدْنَى مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَ سُمِّيَتِ الْآخِرَةُ آخِرَةً لِأَنَّ فِيهَا الْجَزَاءَ وَ الثَّوَابَ 6973 .
2- وَ مِنْهُ، فِيمَا سَأَلَ يَزِيدُ بْنُ سَلَّامٍ النَّبِيَّ ص سَأَلَهُ عَنِ الدُّنْيَا لِمَ سُمِّيَتِ الدُّنْيَا قَالَ لِأَنَّ الدُّنْيَا دَنِيَّةٌ خُلِقَتْ مِنْ دُونِ الْآخِرَةِ وَ لَوْ خُلِقَتْ مَعَ الْآخِرَةِ لَمْ يَفْنَ أَهْلُهَا كَمَا لَا يَفْنَى أَهْلُ الْآخِرَةِ قَالَ فَأَخْبِرْنِي لِمَ سُمِّيَتِ الْآخِرَةُ آخِرَةً قَالَ لِأَنَّهَا مُتَأَخِّرَةٌ تَجِيءُ مِنْ بَعْدِ الدُّنْيَا لَا تُوصَفُ سِنِينُهَا وَ لَا تُحْصَى أَيَّامُهَا وَ لَا يَمُوتُ سُكَّانُهَا 6974 الْخَبَرَ.
بيان قوله في الخبر الأول لأنها أدنى من كل شيء أي أقرب بحسب المكان أو بحسب الزمان أو أخس و أرذل على وفق الخبر الثاني و قوله لأن فيها الجزاء لعله بيان لملزوم العلة أي لما كان فيها الجزاء و الجزاء متأخر عن العمل فلذا جعلت بعد الدنيا و سميت بذلك قال الله عز و جل يَأْخُذُونَ عَرَضَ هذَا الْأَدْنى 6975 يعني الدنيا من الدنو بمعنى القرب و قال سبحانه وَ لَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذابِ الْأَدْنى 6976 و بالجملة الأدنى و الدنيا يصرفان على وجوه فتارة يعبر به عن الأقل فيقابل بالأكثر و الأكبر و تارة عن الأرذل و الأحقر فيقابل بالأعلى و الأفضل و تارة عن الأقرب فيقابل بالأقصى و تارة عن الأولى فيقابل بالآخرة و بجميع ذلك ورد التنزيل على بعض الوجوه و قال الجزري الدنيا اسم لهذه الحياة لبعد الآخرة عنها.
باب 4 القلم و اللوح المحفوظ و الكتاب المبين و الإمام المبين و أم الكتاب
الآيات هود وَ ما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُها وَ يَعْلَمُ مُسْتَقَرَّها وَ مُسْتَوْدَعَها كُلٌّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ 6977 طه قالَ عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي فِي كِتابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي وَ لا يَنْسى 6978 الحج أَ لَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما فِي السَّماءِ وَ الْأَرْضِ إِنَّ ذلِكَ فِي كِتابٍ إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ 6979 النمل وَ ما مِنْ غائِبَةٍ فِي السَّماءِ وَ الْأَرْضِ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ 6980 سبأ لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقالُ ذَرَّةٍ فِي السَّماواتِ وَ لا فِي الْأَرْضِ وَ لا أَصْغَرُ مِنْ ذلِكَ وَ لا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ 6981 فاطر وَ ما يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَ لا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتابٍ إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ 6982 يس وَ كُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ 6983 الزخرف وَ إِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتابِ لَدَيْنا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ 6984
ق وَ عِنْدَنا كِتابٌ حَفِيظٌ 6985 الطور وَ كِتابٍ مَسْطُورٍ فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ 6986 الحديد 22 ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَ لا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ وَ لا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ 6987 القلم ن وَ الْقَلَمِ وَ ما يَسْطُرُونَ 6988 النبأ وَ كُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ كِتاباً 6989 البروج بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ 6990 تفسير قال الطبرسي ره كُلٌّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ هذا إخبار منه سبحانه أن جميع ذلك مكتوب في كتاب ظاهر و هو اللوح المحفوظ و إنما أثبت ذلك مع أنه عالم لذاته لا يعزب عن علمه شيء من مخلوقاته لما فيه من اللطف للملائكة أو لمن يخبر بذلك 6991 .
و قال ره في قوله سبحانه عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي أي أعمالهم محفوظة عند الله يجازيهم بها و التقدير علم أعمالهم عند ربي فِي كِتابٍ يعني اللوح المحفوظ و المعنى أن أعمالهم مكتوبة مثبتة عليهم و قيل المراد بالكتاب ما تكتبه الملائكة لا يَضِلُّ رَبِّي أي لا يذهب عليه شيء و قيل أي لا يخطئ ربي وَ لا يَنْسى من النسيان أو بمعنى الترك 6992 .