کتابخانه روایات شیعه
بحار الأنوار (ط - بيروت) - ج 1تا15
في رأسها ثم نزعها و أدخلها في موضع آخر منها و ولى مدبرا فماتت الحية في مكانها من وقتها و حدث فيها عفونة كادت نفسي أن تطلع من رائحتها الكريهة فما كان بأسرع من أن ذاب لحمها و سال في البحر و بقي عظامها كسلم ثابت في الأرض يمكن الصعود منه.
فتفكرت في نفسي و قلت إن بقيت هنا أموت من الجوع فتوكلت على الله في ذلك و صعدت منها حتى علوت الجبل و سرت من طرف قبلة الجبل فإذا أنا بحديقة بالغة حد الغاية في الغضارة و النضارة و الطراوة و العمارة فسرت حتى دخلتها و إذا فيها أشجار مثمرة كثيرة و بناء عال مشتمل على بيوتات و غرف كثيرة في وسطها.
فأكلت من تلك الفواكه و اختفيت في بعض الغرف و أنا أتفرج الحديقة و أطرافها فإذا أنا بفوارس قد ظهروا من جانب البر قاصدي الحديقة يقدمهم رجل ذو بهاء و جمال و جلال و غاية من المهابة يعلم من ذلك أنه سيدهم فدخلوا الحديقة و نزلوا من خيولهم و خلوا سبيلها و توسطوا القصر فتصدر السيد و جلس الباقون متأدبين حوله.
ثم أحضروا الطعام فقال لهم ذلك السيد إن لنا في هذا اليوم ضيفا في الغرفة الفلانية و لا بد من دعوته إلى الطعام فجاء بعضهم في طلبي فخفت و قلت اعفني من ذلك فأخبر السيد بذلك فقال اذهبوا بطعامه إليه في مكانه ليأكله فلما فرغنا من الطعام أمر بإحضاري و سألني عن قصتي فحكيت له القصة فقال أ تحب أن ترجع إلى أهلك قلت نعم فأقبل على واحد منهم و أمره بإيصالي إلى أهلي فخرجت أنا و ذلك الرجل من عنده.
فلما سرنا قليلا قال لي الرجل انظر فهذا سور بغداد فنظرت إذا أنا بسوره و غاب عني الرجل فتفطنت من ساعتي هذه و علمت أني لقيت سيدي و مولاي ع و من سوء حظي حرمت من هذا الفيض العظيم فدخلت بلدي و بيتي في غاية من الحسرة و الندامة.
قلت و حدثني العالم الفقيه النبيه الصفي الحاج المولى الهادي الطهراني قدس سره أنه رأى هذه الحكاية في الرسالة المذكورة و الظاهر أن اسمها بهجة الأولياء.
الحكاية الثلاثون [تشرّف رجل آخر من أهل البحرين بخدمته عليه السّلام و فيها ذكر قصّة طريفة]
و فيه و عن المولى المتقي المذكور قال حدثني ثقة صالح من أهل العلم من سادات شولستان عن رجل ثقة أنه قال اتفق في هذه السنين أن جماعة من أهل بحرين عزموا على إطعام جمع من المؤمنين على التناوب فأطعموا حتى بلغ النوبة إلى رجل منهم لم يكن عنده شيء فاغتم لذلك و كثر حزنه و همه فاتفق أنه خرج ليلة إلى الصحراء فإذا بشخص قد وافاه و قال له اذهب إلى التاجر الفلاني و قل يقول لك محمد بن الحسن أعطني الاثنا عشر دينارا التي نذرتها لنا فخذها منه و أنفقها في ضيافتك فذهب الرجل إلى ذلك التاجر و بلغه رسالة الشخص المذكور.
فقال التاجر قال لك ذلك محمد بن الحسن بنفسه فقال البحريني نعم فقال عرفته فقال لا فقال التاجر هو صاحب الزمان ع و هذه الدنانير نذرتها له.
فأكرم الرجل و أعطاه المبلغ المذكور و سأله الدعاء و قال له لما قبل نذري أرجو منك أن تعطيني منه نصف دينار و أعطيك عوضه فجاء البحريني و أنفق المبلغ في مصرفه و قال ذلك الثقة إني سمعت القصة عن البحريني بواسطتين.
و مما استطرفناه من هذا الكتاب و يناسب المقصود أن المؤلف ذكر في باب من رأى أربع عشرة حكاية ذكرنا منها اثنتين و إحدى عشرة منها موجودة في البحار و ذكر في الرابعة عشر قصة عجيبة.
قال يقول المؤلف الضعيف محمد باقر الشريف إن في سنة ألف و مائة و ثلاث و سبعين كنت في طريق مكة المعظمة صاحبت رجلا ورعا موثقا يسمى حاج عبد الغفور في ما بين الحرمين و هو من تجار تبريز يسكن في اليزد و قد حج
قبل ذلك ثلاث مرات و بني في هذا السفر على مجاورة بيت الله سنتين ليدرك فيض الحج ثلاث سنين متوالية.
ثم بعد ذلك في سنة ألف و مائة و ستة و سبعين حين معاودتي من زيارة المشهد الرضوي على صاحبه السلام رأيته أيضا في اليزد و قد مر في رجوعه من مكة بعد ثلاث حجات إلى بندر صورت من بنادر هند لحاجة له و رجع في سنة إلى بيته فذكر لي عند اللقاء إني سمعت من مير أبو طالب أن في السنة الماضية جاء مكتوب من سلطان الأفرنج إلى الرئيس الذي يسكن بندر بمبئي من جانبه و يعرف بجندر أن في هذا الوقت ورد علينا رجلان عليهما لباس الصوف و يدعي أحدهما أن عمره سبعمائة و خمسين سنة و الآخر سبعمائة سنة و يقولان بعثنا صاحب الأمر ع لندعوكم إلى دين محمد المصطفى ع و يقولون إن لم تقبلوا دعوتنا و لم تتدينوا بديننا يغرق البحر بلادكم بعد ثمان أو عشر سنين و الترديد من الحاج المذكور و قد أمرنا بقتلهما فلم يعمل فيهما الحديد و وضعناهما على الأثواب و قيناره 5931 فلم يحترقا فشددنا أيديهما و أرجلهما و ألقيناهما في البحر فخرجا منه سالمين.
و كتب إلى الرئيس أن يتفحص في أرباب مذاهب الإسلام و اليهود و المجوس و النصارى و أنهم هل رأوا ظهور صاحب الأمر ع في آخر الزمان في كتبهم أم لا.
قال الحاج المزبور و قد سألت من قسيس كان في بندر صورت عن صحة المكاتبة المذكورة فذكر لي كما سمعت و سلالة النجباء مير أبو طالب و ميرزا بزرك الإيراني و هم الآن من وجوه معارف البندر المذكور نقلا لي كما ذكرت و بالجملة الخبر مشهور منتشر في تلك البلدة و الله العالم.
الحكاية الحادية و الثلاثون [تشرّف العالم المؤيّد السيّد محمّد القطيفيّ بلقائه عليه السّلام في مسجد الكوفة]
حدثني العالم النبيل و الفاضل الجليل الصالح الثقة العدل الذي قل له البديل الحاج المولى محسن الأصفهاني المجاور لمشهد أبي عبد الله ع حيا و ميتا و كان من أوثق أئمة الجماعة قال حدثني السيد السند و العالم المؤيد التقي الصفي السيد محمد بن السيد مال الله بن السيد معصوم القطيفي رحمهم الله قال قصدت مسجد الكوفة في بعض ليالي الجمع و كان في زمان مخوف لا يتردد إلى المسجد أحد إلا مع عدة و تهيئة لكثرة من كان في أطراف النجف الأشرف من القطاع و اللصوص و كان معي واحد من الطلاب.
فلما دخلنا المسجد لم نجد فيه إلا رجلا واحدا من المشتغلين فأخذنا في آداب المسجد فلما حان غروب الشمس عمدنا إلى الباب فأغلقناه و طرحنا خلفه من الأحجار و الأخشاب و الطوب 5932 و المدر إلى أن اطمأنا بعدم إمكان انفتاحه من الخارج عادة.
ثم دخلنا المسجد و اشتغلنا بالصلاة و الدعاء فلما فرغنا جلست أنا و رفيقي في دكة القضاء مستقبل القبلة و ذاك الرجل الصالح كان مشغولا بقراءة دعاء كميل في الدهليز القريب من باب الفيل بصوت عال شجي و كانت ليلة قمراء صاحية و كنت متوجها إلى نحو السماء.
فبينا نحن كذلك فإذا بطيب قد انتشر في الهواء و ملأ الفضاء أحسن من ريح نوافج المسك الأذفر و أروح للقلب من النسيم إذا تسحر و رأيت في خلال أشعة القمر إشعاعا كشعلة النار قد غلب عليها و انخمد في تلك الحال صوت ذلك الرجل الداعي فالتفت فإذا أنا بشخص جليل قد دخل المسجد من طرف ذلك الباب المنغلق في زي لباس الحجاز و على كتفه الشريف سجادة كما هو عادة أهل الحرمين إلى الآن و كان يمشي في سكينة و وقار و هيبة و جلال
قاصدا باب المسلم و لم يبق لنا من الحواس إلا البصر الخاسر و اللب الطائر فلما صار بحذائنا من طرف القبلة سلم علينا.
قال رحمه الله أما رفيقي فلم يبق له شعور أصلا و لم يتمكن من الرد و أما أنا فاجتهدت كثيرا إلى أن رددت عليه في غاية الصعوبة و المشقة فلما دخل باب المسجد و غاب عنا تراجعت القلوب إلى الصدور فقلنا من كان هذا و من أين دخل فمشينا نحو ذلك الرجل فرأيناه قد خرق ثوبه و يبكي بكاء الواله الحزين فسألناه عن حقيقة الحال فقال واظبت هذا المسجد أربعين ليلة من ليالي الجمعة طلبا للتشرف بلقاء خليفة العصر و ناموس الدهر عجل الله تعالى فرجه و هذه الليلة تمام الأربعين و لم أتزود من لقائه ظاهرا غير أني حيث رأيتموني كنت مشغولا بالدعاء فإذا به ع واقفا على رأسي فالتفت إليه ع فقال چه ميكنى أو چه ميخوانى أي ما تفعل أو ما تقرأ و الترديد من الفاضل المتقدم و لم أتمكن من الجواب فمضى عني كما شاهدتموه فذهبنا إلى الباب فوجدناه على النحو الذي أغلقناه فرجعنا شاكرين متحسرين.
قلت و هذا السيد كان عظيم الشأن جليل القدر و كان شيخنا الأستاذ العلامة الشيخ عبد الحسين الطهراني أعلى الله مقامه كثيرا ما يذكره بخير و يثني عليه ثناء بليغا قال كان رحمه الله تقيا صالحا و شاعرا مجيدا و أديبا قارئا غريقا في بحار محبة أهل البيت ع و أكثر ذكره و فكره فيهم و لهم حتى أنا كثيرا ما نلقاه في الصحن الشريف فنسأله عن مسألة أدبية فيجيبنا و يستشهد في خلال كلامه بما أنشده هو و غيره في المراثي فتتغير حاله فيشرع في ذكر مصائبهم على أحسن ما ينبغي و ينقلب مجلس الشعر و الأدب إلى مجلس المصيبة و الكرب و له رحمه الله قصائد رائقة في المراثي دائرة على السن القراء منها القصيدة التي أولها
ما لي إذا ما الليل جنا .
أهفو لمن غنى و حنا .
و هي طويلة و منها القصيدة التي أولها
ألقت لي الأيام فضل قيادها .
فأردت غير مرامها و مرادها .
إلخ
و منها القصيدة التي يقول فيها في مدح الشهداء.
و ذوي المروة و الوفاء أنصاره
لهم على الجيش اللهام زئير
طهرت نفوسهم بطيب أصولها
فعناصر طابت لهم و حجور
عشقوا العنا للدفع لا عشقوا
العنا للنفع لكن أمضي المقدور
فتمثلت لهم القصور و ما بهم
لو لا تمثلت القصور قصور
ما شاقهم للموت إلا وعدة الرحمن
لا ولدانها و الحور
إلخ.
الحكاية الثانية و الثلاثون [تشرّف رجل آخر اسمه آقا محمّد مهدي من قاطني بندر ملومين في السرداب الشريف، و شفاؤه بإعجاز الحجّة عليه السلام من الصمم و الخرس]
في شهر جمادى الأولى من سنة ألف و مائتين و تسعة و تسعين ورد الكاظمين ع رجل اسمه آقا محمد مهدي و كان من قاطني بندر ملومين من بنادر ماجين و ممالك برمة و هو الآن في تصرف الإنجريز و من بلدة كلكتة قاعدة سلطنة ممالك الهند إليه مسافة ستة أيام من البحر مع المراكب الدخانية و كان أبوه من أهل شيراز و لكنه ولد و تعيش في البندر المذكور و ابتلي قبل التأريخ المذكور بثلاث سنين بمرض شديد فلما عوفي منه بقي أصم أخرس.
فتوسل لشفاء مرضه بزيارة أئمة العراق ع و كان له أقارب في بلدة كاظمين ع من التجار المعروفين فنزل عليهم و بقي عندهم عشرين يوما فصادف وقت حركة مركب الدخان إلى سرمنرأى لطغيان الماء فأتوا به إلى المركب و سلموه إلى راكبيه و هم من أهل بغداد و كربلاء و سألوهم المراقبة في حاله و النظر في حوائجه لعدم قدرته على إبرازها و كتبوا إلى بعض المجاورين من أهل سامرا للتوجه في أموره.
فلما ورد تلك الأرض المشرفة و الناحية المقدسة أتى إلى السرداب المنور بعد الظهر من يوم الجمعة العاشر من جمادى الآخرة من السنة المذكورة و كان فيه جماعة من الثقات و المقدسين إلى أن أتى إلى الصفة المباركة فبكى و تضرع
فيها زمانا طويلا و كان يكتب قبيلة حاله على الجدار و يسأل من الناظرين الدعاء و الشفاعة.
فما تم بكاؤه و تضرعه إلا و قد فتح الله تعالى لسانه و خرج بإعجاز الحجة ع من ذلك المقام المنيف مع لسان ذلق و كلام فصيح و أحضر في يوم السبت في محفل تدريس سيد الفقهاء و شيخ العلماء رئيس الشيعة و تاج الشريعة المنتهى إليه رئاسة الإمامية سيدنا الأفخم و أستاذنا الأعظم الحاج الآميرزا محمد حسن الشيرازي متع الله المسلمين بطول بقائه و قرأ عنده متبركا سورة المباركة الفاتحة بنحو أذعن الحاضرون بصحته و حسن قراءته و صار يوما مشهودا و مقاما محمودا.
و في ليلة الأحد و الاثنين اجتمع العلماء و الفضلاء في الصحن الشريف فرحين مسرورين و أضاءوا فضاءه من المصابيح و القناديل و نظموا القصة و نشروها في البلاد و كان معه في المركب مادح أهل البيت ع الفاضل اللبيب الحاج ملا عباس الصفار الزنوزي البغدادي فقال و هو من قصيدة طويلة. و رآه مريضا و صحيحا.
و في عامها جئت و الزائرين
إلى بلدة سر من قد رآها
رأيت من الصين فيها فتى
و كان سمي إمام هداها
يشير إذا ما أراد الكلام
و للنفس منه. براها
و قد قيد السقم منه الكلام
و أطلق من مقلتيه دماها
فوافى إلى باب سرداب من
به الناس طرا ينال مناها
يروم بغير لسان يزور
و للنفس منه دهت بعناها
و قد صار يكتب فوق الجدار
ما فيه للروح منه شفاها
أروم الزيارة بعد الدعاء
ممن رأى أسطري و تلاها
لعل لساني يعود الفصيح
و علي أزور و أدعو الإلها
إذا هو في رجل مقبل