کتابخانه روایات شیعه
بحار الأنوار (ط - بيروت) - ج 1تا15
و عن أبي عبد اللّه عليه السلام في قوله تعالى: وَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِياؤُهُمُ الطَّاغُوتُ الآية [البقرة: 257]، قال عليه السلام: إنّما عنى بذلك أنّهم كانوا على نور الإسلام، فلمّا أن تولّوا كلّ إمام جائر ليس من اللّه خرجوا بولايتهم إيّاه من نور الإسلام الى ظلمات الكفر، فأوجب اللّه لهم النار مع الكفّار، فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون.
و قد ورد في الناصب ما ورد في خلوده في النار، و
قد روي بأسانيد كثيرة عنهم عليهم السلام: لو أنّ كلّ ملك خلقه اللّه عزّ و جلّ، و كلّ نبيّ بعثه اللّه، و كلّ صدّيق، و كلّ شهيد شفعوا في ناصب لنا أهل البيت أن يخرجه اللّه عزّ و جلّ من النار ما أخرجه اللّه أبدا ..
و قد روى بأسانيد معتبرة عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنّه قال: ليس الناصب من نصب لنا أهل البيت، لأنّك لا تجد رجلا يقول: أنا أبغض محمّدا و آل محمّد، و لكنّ الناصب من نصب لكم و هو يعلم أنّكم تتولّونا و تتبرّءون من عدوّنا و أنّكم من شيعتنا.
و يظهر من بعض الأخبار بل من كثير منها أنّهم في الدنيا أيضا في حكم الكفّار، لكن لمّا علم اللّه أنّ أئمّة الجور و أتباعهم يستولون على الشيعة و هم يبتلون بمعاشرتهم، و لا يمكنهم الاجتناب عنهم و ترك معاشرتهم و مخالطتهم و مناكحتهم أجرى اللّه عليهم حكم الإسلام توسعة، فإذا ظهر القائم عليه السلام يجري عليهم حكم سائر الكفّار في جميع الأمور و في الآخرة يدخلون النار ماكثين فيها أبدا مع الكفّار، و به يجمع بين الأخبار كما أشار إليه المفيد و الشهيد الثاني قدّس اللّه روحهما.
و أيضا يمكن أن يقال: لمّا كان في تلك الأزمنة عليهم شبهة في الجملة يجري عليهم في الدنيا حكم الإسلام، فإذا ظهر في زمانه عليه السلام الحقّ الصريح بالبيّنات و المعجزات و لم تبق لهم شبهة و أنكروه التحقوا بسائر الكفّار.
ثمّ قال قدّس سرّه: و أخبار هذا المطلب متفرّقة في أبواب هذا الكتاب، و أرجو من اللّه أن يوفّقني لتأليف كتاب مفرد في ذلك إن شاء اللّه تعالى، و بعض
الأخبار المشعرة بخلاف ما ذكرنا محمول على المستضعفين كما عرفت.
و قال شارح المقاصد: اختلف أهل الإسلام فيمن ارتكب الكبيرة من المؤمنين و مات قبل التوبة، فالمذهب عندنا عدم القطع بالعفو و لا بالعقاب، بل كلاهما في مشيّة اللّه تعالى، لكن على تقدير التعذيب نقطع بأنّه لا يخلّد في النار بل يخرج البتّة، لا بطريق الوجوب على اللّه تعالى بل بمقتضى ما سبق من الوعد و ثبت بالدليل كتخليد أهل الجنّة، و عند المعتزلة القطع بالعذاب الدائم من غير عفو و لا إخراج من النار، و ما وقع في كلام البعض من أنّ صاحب الكبيرة عند المعتزلة ليس في الجنّة و لا في النار فغلط نشأ من قولهم: إنّ له المنزلة بين المنزلتين، أي حالة غير الإيمان و الكفر، و أمّا ما ذهب إليه مقاتل بن سليمان و بعض المرجئة من أنّ عصاة المؤمنين لا يعذّبون أصلا و إنّما النار للكفّار تمسّكا بالآيات الدالّة على اختصاص العذاب بالكفّار مثل: قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنا أَنَّ الْعَذابَ عَلى مَنْ كَذَّبَ وَ تَوَلَّى (طه: 48) إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَ السُّوءَ عَلَى الْكافِرِينَ (النحل: 27)، فجوابه تخصيص ذلك العذاب بما يكون على سبيل الخلود، و أمّا تمسّكهم بمثل
قوله عليه السلام: «من قال: لا إله إلّا اللّه دخل الجنّة و إن زنى و إن سرق».
فضعيف، لأنّه إنّما ينفي الخلود لا الدخول.
لنا وجوه:
الأوّل: و هو العمدة؛ الآيات و الأحاديث الدالّة على أنّ المؤمنين يدخلون الجنّة البتّة و ليس ذلك قبل دخول النار وفاقا، فتعيّن أن يكون بعده، و هو مسألة انقطاع العذاب، أو بدونه و هو مسألة العفو التامّ، قال اللّه تعالى:
فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ (الزلزال: 7) وَ مَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَ هُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ (المؤمن: 40)، و قال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم «من قال: لا إله إلّا اللّه دخل الجنّة»، و قال: «من مات لا يشرك باللّه شيئا دخل الجنّة و إن زنى و إن سرق».
الثاني: النصوص المشعرة بالخروج من النار؛ كقوله تعالى: النَّارُ مَثْواكُمْ خالِدِينَ فِيها إِلَّا ما شاءَ اللَّهُ (الأنعام: 128) فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَ أُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فازَ (آل عمران: 185)، و
كقول النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «يخرج من النار قوم بعد ما امتحشوا و صاروا فحما و حمما، فينبتون كما ينبت الحبّة في حميل السيل».
، و خبر الواحد و إن لم يكن حجّة في الأصول لكن يفيد التأييد و التأكيد بتعاضد النصوص.
الثالث: و هو على قاعدة الاعتزال؛ أنّ من واظب على الإيمان و العمل الصالح مائة سنة و صدر عنه في أثناء ذلك أو بعده جريمة واحدة- كشرب جرعة من الخمر- فلا يحسن من الحكيم أن يعذّبه على ذلك أبد الآباد، و لو لم يكن هذا ظلما فلا ظلم، أو لم يستحقّ بهذا ذمّا فلا ذمّ.
الرابع: أنّ المعصية متناهية زمانا- و هو ظاهر- و قدرا لما يوجد من معصية أشدّ منها، فجزاؤها يجب أن يكون متناهيا تحقيقا لقاعدة العدل، بخلاف الكفر فإنّه لا بتناهى قدرا و إن تناهى زمانه.
ثمّ سرد ما احتجّت المعتزلة به من وجوه و أجاب عنها:
ثم قال في بحث آخر: لا خلاف في أنّ من آمن بعد الكفر و المعاصي فهو من أهل الجنّة بمنزلة من لا معصية له، و من كفر- نعوذ باللّه- بعد الإيمان و العمل الصالح فهو من أهل النار بمنزلة من لا حسنة له، و إنّما الكلام فيمن آمن و عمل صالحا و آخر سيّئا و استمرّ على الطاعات و الكبائر كما يشاهد من الناس فعندنا مآله الى الجنّة و لو بعد النار، و استحقاقه للثواب و العقاب بمقتضى الوعد و الوعيد ثابت من غير حبوط، و المشهور من مذهب المعتزلة أنّه من أهل الخلود في النار إذا مات قبل التوبة، فأشكل عليهم الأمر في إيمانه و طاعاته و ما يثبت من استحقاقاته أين طارت؟ و كيف زالت؟ فقالوا بحبوط الطاعات و مالوا الى أنّ السيّئات يذهبن الحسنات، حتى ذهب الجمهور منهم الى أنّ الكبيرة الواحدة تحبط ثواب جميع العبادات، و فساده ظاهر، أمّا سمعا فللنصوص
الدالّة على أنّ اللّه تعالى لا يضيع أجر من أحسن عملا و عمل صالحا، و أمّا عقلا فللقطع بأنّه لا يحسن من الحكيم الكريم إبطال ثواب إيمان العبد و مواظبته على الطاعات طول العمر بتناول لقمة من الربا، أو جرعة من الخمر .. الى آخر ما قال.
ثم قال العلّامة المجلسي: 8/ 374 بعد كلّ هذا:
أقول: قد سبق القول في ذلك في باب الحبط و التكفير [أبواب المعاد:
5/ 331 و 71/ 197 و 6/ 236 و 23/ 76، 354] و لا أظنّك يخفى عليك ما مهّدناه أوّلا بعد الإحاطة بما أوردناه من الآيات و الأخبار، و سيأتي عمدة الأخبار المتعلّقة بتلك المباحث في كتاب الإيمان و الكفر 72/ 131 و 39/ 311- 330 و 24/ 1- 187.
و خاتمة القول و ختمه ما ذكره شيخ مشايخنا المرتضى الأنصاري في مكاسبه: 41- 42 (طبعة تبريز) قال: إنّ ظاهر الأخبار اختصاص حرمة الغيبة بالمؤمن، فيجوز اغتياب المخالف كما يجوز لعنه. و توهّم عموم الآية- كبعض الروايات- لمطلق المسلم مدفوع بما علم بضرورة المذهب من عدم احترامهم و عدم جريان أحكام الإسلام عليهم إلّا قليلا ممّا يتوقّف استقامة نظم معاش المؤمنين عليه، مثل عدم انفعال ما يلاقيهم بالرطوبة، و حلّ ذبائحهم، و مناكحهم، و حرمة دمائهم- لحكمة دفع الفتنة- و نسائهم، لأنّ لكلّ قوم نكاحا .. و نحو ذلك، مع أنّ التمثيل المذكور في الآية مختص بمن ثبتت أخوّته فلا يعمّ من وجب التبرّي منه ..
***** [حبّ عليّ بن أبي طالب صلوات اللّه عليه إيمان و بغضه كفر و نفاق]
هذا؛ و لا شكّ أنّ حبّ عليّ بن أبي طالب صلوات اللّه عليه إيمان و بغضه كفر و نفاق، و أنّ ولايته ولاية اللّه و رسوله، و عداوته عداوتهما، و أنّ ولايته عليه السلام حصن من عذاب الجبّار، بل لو اجتمع الناس على حبّه ما
خلق اللّه النار، و غير ذلك ممّا وردت فيه روايات مستفيضة، بل في بعض الموارد متواترة، و عدّ منها في بحار الأنوار: 39/ 246- 310 (123 رواية) و هي غيض من فيض، كما أنّ أخبار الطينة و الميثاق كثيرة جدّا؛ منها ما جاء في الباب الثالث: طينة المؤمن و خروجه من الكافر و بالعكس [67/ 77- 129] و غيرها.
فها هو- مثلا- ابن أبي الحديد في شرحه على النهج: 10/ 227 يقول: .. لو جرّد- عليّا عليه السلام- السيف كما جرّده في آخر الأمر لقلنا بفسق كلّ من خالفه على الإطلاق كائنا من كان، و لكنّه رضي بالبيعة أخيرا و دخل في الطاعة!!.
فلو أثبتنا لم بايع .. و لم لم يجرّد السيف .. و كيف دخل في الطاعة .. و ..
و .. لكان هو معنا.
و الخطيب البغداديّ في تاريخه: 6/ 344 و 9/ 229 يروي بإسناده عن رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم) أنّه قال: من قال في ديننا برأيه فاقتلوه.
و لا ريب أنّهم قالوا، بل أبدعوا، بل فعلوا ما فعلوا .. و هذا ما نراه في كتابنا الحاضر بإقرارهم و تصحيح أصحابهم ..
***** [تصحيح و تبرير عمل طائفة من الشيعة ممّن يلعن و يتبرّأ من كلّ من ظلم و جحد]
و لعلّ كتابنا هذا محاولة جادّة في طريق الوحدة لتصحيح و تبرير عمل طائفة من الشيعة ممّن يلعن و يتبرّأ من كلّ من ظلم و جحد، و لعلّنا لا نختلف في الكبريات، و نحسب لو سلّمنا هذه الصغريات التي أوردناها من كتب القوم، لوافقونا في عملنا، و لا أقل صحّحوا من يعمل بذلك، و لذا ترى المؤلّف طاب ثراه لم يصحّح كلّ ما أورده- كما هو ديدنه في كلّ بحاره- إلّا أنّه أعطى التبريرات و الأدلّة الكافية لكلّ ما أورده و جاد به و أفاد؛ سواء بأدلّة عقليّة أو طرق شرعيّة، عاميّة كانت أو شيعيّة.
و لا ريب أنّ النتيجة المنطقيّة تصبح ضرورية في القياسات المنطقيّة بعد
تسليم المقدّمتين.
و بعد كلّ هن و هن ... فما تراه اليوم أو تقرأه .. ما هو إلّا شقشقة هدرت- على حدّ تعبير سيّد الأوصياء سلام اللّه عليه- و نفثة مصدوع صدرت .. كان لها أن توضح أنّه من العار- و حقّ الجبّار- أن يشغل فراغ النبيّ الأكرم و الناموس الإلهي أناس هذا شأنهم علما و عملا، مع كلّ ما لهم من شطط و زيغ ..
أ من العدل أن يسلّط على رقاب الناس و أعراضهم و ربقة المسلمين و أموالهم فضلا عن دينهم رجال هذا مبلغهم من العلم و ذاك سيرهم العملي؟!!.
أ من الإنصاف أن تفوّض النواميس السماويّة و الأحكام الإلهيّة و طقوس الأمّة و آدابها الى يد خلائق هذه سيرتهم و تلك سريرتهم ..؟!.
آه .. وَ رَبُّكَ يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَ يَخْتارُ ما كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ، سُبْحانَ اللَّهِ وَ تَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ. وَ ما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَ هُمْ يَمْكُرُونَ، فَذاقُوا وَبالَ أَمْرِهِمْ وَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ .. و العاقبة لأهل التقوى و اليقين.
***** مجمل مسرد عملنا في الكتاب:
1- حيث لم نحصل على نسخة خطيّة جيّدة للكتاب لذا استعنّا بطبعتي الكتاب:
أ- طبعة دار الضرب بطهران المعروفة ب: طبعة كمباني، و رمزنا لها ب (ك).
و قد شرع الحاجّ محمّد حسن الأصفهانيّ الملقّب ب (كمباني) في طبعها سنة 1303 ه، و انتهى منها في سنة 1315 ه.
ب: طبعة تبريز سنة 1275 ه، و قد جدّد تصوير المجلد الثامن منها بالأوفست حدود سنة 1400 ه، و رمزنا لها ب (س).
2- حاولنا ذكر أهمّ الفروق بين الطبعتين و غالب الاختلافات بين المتن و المصادر.
3- عزّزنا روايات الخاصّة بمصادر من العامّة قدر الإمكان.
4- لم نغيّر من نصّ الكتاب كلمة واحدة لا حذفا و لا تصحيفا إلّا مع الإشارة مع مراعاة ذكر الاختلافات في التعليقة، مع ما هناك من ملاحظات كثيرة و تحريفات و إسقاط في المجلدات 28 و 32 و 33 و 34.
5- عزّزنا بيانات المصنّف بمصادر لغويّة أو كتب أمثال أو أمكنة، و ذكرنا ما رأيناه من الوجوه و المعاني المناسبة في الحاشية.
6- استدركنا على المصنّف طاب ثراه كثيرا من الطعون على الخلفاء الثلاثة بمصادرها العاميّة، بعد أن قوّينا المتن بما رأيناه مناسبا، مع المحاولة- قدر الإمكان- من عدم الابتعاد عن صلب الموضوع.
7- ذيّلنا الكتاب باستدراك ما ورد في الخلفاء الثلاثة و من تبعهم خلال هذه الموسوعة ممّا لم يتعرّض له المصنّف طاب ثراه في هذا المجلد غالبا، بعد أن سردنا لك جملة من الأبواب التي يجدر ملاحظتها في المقدّمة.
8- قد نضع رمز التصلية (ص) أو التسليم (ع) حيث لم نجده في المتن و يقتضيه المقام، و قد نرمز عند ما نجده في الأصل مفتوحا، و لا نرى له معنى مناسبا.
9- ترقيم الأبواب مشوّش جدّا، و لم نجده في الخطيّة و طبعة (ك) و جاء في حاشية (س) و لم ترقّم بعض الأبواب و قد رقّمناها، و أشرنا إلى ذلك في الحاشية.
10- لظروفنا الخاصّة ترك تحقيق الكتاب أكثر من مرّة، و ضاعت بعض مسوّداته و ملاحظاتنا عليه؛ لذا قد يلاحظ بعض الاضطراب فيه، المرجوّ إرشادنا إليه أو غضّ النظر عنه.