کتابخانه روایات شیعه
بحار الأنوار (ط - بيروت) - ج 1تا15
قلت و هذه الحكاية سمعتها شفاها منه أعلى الله مقامه و لم يكن هذه الكرامات منه ببعيدة فإنه ورث العلم و العمل من عمه الأجل الأكمل السيد باقر القزويني خاصة السيد الأعظم و الطود الأشيم بحر العلوم أعلى الله تعالى درجتهم و كان عمه أدبه و رباه و أطلعه على الخفايا و الأسرار حتى بلغ مقاما لا يحوم حوله الأفكار و حاز من الفضائل و الخصائص ما لم يجتمع في غيره من العلماء الأبرار.
منها أنه بعد ما هاجر إلى الحلة و استقر فيها و شرع في هداية الناس و إيضاح الحق و إبطال الباطل صار ببركة دعوته من داخل الحلة و أطرافها من الأعراب قريبا من مائة ألف نفس شيعيا إماميا مخلصا مواليا لأولياء الله و معاديا لأعداء الله.
بل حدثني طاب ثراه أنه لما ورد الحلة لم يكن في الذين يدعون التشيع من علائم الإمامية و شعارهم إلا حمل موتاهم إلى النجف الأشرف و لا يعرفون من أحكامهم شيئا حتى البراءة من أعداء الله و صاروا بهدايته صلحاء أبرار أتقياء و هذه منقبة عظيمة اختص بها من بين من تقدم عليه و تأخر.
و منها الكمالات النفسانية من الصبر و التقوى و تحمل أعباء العبادة و سكون النفس و دوام الاشتغال بذكر الله تعالى و كان رحمه الله لا يسأل في بيته عن أحد من أهله و أولاده ما يحتاج إليه من الغداء و العشاء و القهوة و الغليان و غيرها عند وقتها و لا يأمر عبيده و إماءه بشيء منها و لو لا التفاتهم و مواظبتهم لكان يمر عليه اليوم و الليلة من غير أن يتناول شيئا منها مع ما كان عليه من التمكن و الثروة و السلطنة الظاهرة و كان يجيب الدعوة و يحضر الولائم و الضيافات لكن يحمل معه كتبا و يقعد في ناحية و يشتغل بالتأليف و لا خبر له عما فيه القوم و لا يخوض معهم في حديثهم إلا أن يسأل عن أمر ديني فيجيبهم.
و كان دأبه في شهر الصيام أن يصلي المغرب في المسجد و يجتمع الناس و يصلي بعده النوافل المرتبة في شهر رمضان ثم يأتي منزله و يفطر و يرجع و يصلي العشاء
بالناس ثم يصلي نوافلها المرتبة ثم يأتي منزله و الناس معه على كثرتهم فلما اجتمعوا و استقروا شرع واحد من القراء فيتلو بصوت حسن رفيع آيات من كتاب الله في التحذير و الترغيب و الموعظة مما يذوب منه الصخر الأصم و يرق القلوب القاسية ثم يقرأ آخرا خطبة من مواعظ نهج البلاغة ثم يقرأ آخرا تعزية أبي عبد الله ع ثم يشرع أحد من الصلحاء في قراءة أدعية شهر رمضان و يتابعه الآخرون إلى أن يجيء وقت السحور فيتفرقون و يذهب كل إلى مستقره.
و بالجملة فقد كان في المراقبة و مواظبة الأوقات و النوافل و السنن و القراءة مع كونه طاعنا في السن آية في عصره و قد كنا معه في طريق الحج ذهابا و إيابا و صلينا معه في مسجد الغدير و الجحفة و توفي رحمه الله الثاني عشر من ربيع الأول سنة ألف و ثلاث مائة قبل الوصول إلى سماوة بخمس فراسخ تقريبا و قد ظهر منه حين وفاته من قوة الإيمان و الطمأنينة و الإقبال و صدق اليقين ما يقضي منه العجب و ظهر منه حينئذ كرامة باهرة بمحضر من جماعة من الموافق و المخالف ليس هنا مقام ذكرها.
و منها التصانيف الرائقة الكثيرة في الفقه و الأصول و التوحيد و الكلام و غيرها و منها كتاب في إثبات كون الفرقة الناجية فرقة الإمامية أحسن ما كتب في هذا الباب طوبى له و حسن مآب.
الحكاية السابعة و الأربعون [استغاثة رجل من أهل الخلاف بالمهديّ عليه السّلام و إغاثته له، و إيصاله بالقافلة بعد ما أشرف على الهلاك]
حدثني العالم الجليل و الحبر النبيل مجمع الفضائل و الفواضل الصفي الوفي المولى علي الرشتي طاب ثراه و كان عالما برا تقيا زاهدا حاويا لأنواع العلم بصيرا ناقدا من تلامذة السيد السند الأستاذ الأعظم دام ظله و لما طال شكوى أهل الأرض حدود فارس و من والاه إليه من عدم وجود عالم عامل كامل نافذ الحكم فيهم أرسله إليهم عاش فيهم سعيدا و مات هناك حميدا رحمه الله و قد صاحبته مدة
سفرا و حضرا و لم أجد في خلقه و فضله نظيرا إلا يسيرا.
قال رجعت مرة من زيارة أبي عبد الله ع عازما للنجف الأشرف من طريق الفرات فلما ركبنا في بعض السفن الصغار التي كانت بين كربلاء و طويرج رأيت أهلها من أهل حلة و من طويرج تفترق طريق الحلة و النجف و اشتغل الجماعة باللهو و اللعب و المزاح رأيت واحدا منهم لا يدخل في عملهم عليه آثار السكينة و الوقار لا يمازح و لا يضاحك و كانوا يعيبون على مذهبه و يقدحون فيه و مع ذلك كان شريكا في أكلهم و شربهم فتعجبت منه إلى أن وصلنا إلى محل كان الماء قليلا فأخرجنا صاحب السفينة فكنا نمشي على شاطئ النهر.
فاتفق اجتماعي مع هذا الرجل في الطريق فسألته عن سبب مجانبته عن أصحابه و ذمهم إياه و قدحهم فيه فقال هؤلاء من أقاربي من أهل السنة و أبي منهم و أمي من أهل الإيمان و كنت أيضا منهم و لكن الله من علي بالتشيع ببركة الحجة صاحب الزمان ع فسألت عن كيفية إيمانه فقال اسمي ياقوت و أنا أبيع الدهن عند جسر الحلة فخرجت في بعض السنين لجلب الدهن من أهل البراري خارج الحلة فبعدت عنها بمراحل إلى أن قضيت وطري من شراء ما كنت أريده منه و حملته على حماري و رجعت مع جماعة من أهل الحلة و نزلنا في بعض المنازل و نمنا و انتبهت فما رأيت أحدا منهم و قد ذهبوا جميعا و كان طريقنا في برية قفر ذات سباع كثيرة ليس في أطرافها معمورة إلا بعد فراسخ كثيرة.
فقمت و جعلت الحمل على الحمار و مشيت خلفهم فضل عني الطريق و بقيت متحيرا خائفا من السباع و العطش في يومه فأخذت أستغيث بالخلفاء و المشايخ و أسألهم الإعانة و جعلتهم شفعاء عند الله تعالى و تضرعت كثيرا فلم يظهر منهم شيء فقلت في نفسي إني سمعت من أمي أنها كانت تقول إن لنا إماما حيا يكنى أبا صالح يرشد الضال و يغيث الملهوف و يعين الضعيف فعاهدت الله تعالى إن استغثت به فأغاثني أن أدخل في دين أمي.
فناديته و استغثت به فإذا بشخص في جنبي و هو يمشي معي و عليه عمامة
خضراء قال رحمه الله و أشار حينئذ إلى نبات حافة النهر و قال كانت خضرتها مثل خضرة هذا النبات.
ثم دلني على الطريق و أمرني بالدخول في دين أمي 5940 و ذكر كلمات نسيتها و قال ستصل عن قريب إلى قرية أهلها جميعا من الشيعة قال فقلت يا سيدي أنت لا تجيء معي إلى هذه القرية فقال ما معناه لا لأنه استغاث بي ألف نفس في أطراف البلاد أريد أن أغيثهم ثم غاب عني فما مشيت إلا قليلا حتى وصلت إلى القرية و كان في مسافة بعيدة و وصل الجماعة إليها بعدي بيوم فلما دخلت الحلة ذهبت إلى سيد الفقهاء السيد مهدي القزويني طاب ثراه و ذكرت له القصة فعلمني معالم ديني فسألت عنه عملا أتوصل به إلى لقائه ع مرة أخرى فقال زر أبا عبد الله ع أربعين ليلة الجمعة قال فكنت أزوره من الحلة في ليالي الجمع إلى أن بقي واحدة فذهبت من الحلة في يوم الخميس فلما وصلت إلى باب البلد فإذا جماعة من أعوان الظلمة يطالبون الواردين التذكرة و ما كان عندي تذكرة و لا قيمتها فبقيت متحيرا و الناس متزاحمون على الباب فأردت مرارا أن أتخفى و أجوز عنهم فما تيسر لي و إذا بصاحبي صاحب الأمر ع في زي لباس طلبة الأعاجم عليه عمامة بيضاء في داخل البلد فلما رأيته استغثت به فخرج و أخذني معه و أدخلني من الباب فما رآني أحد فلما دخلت البلد افتقدته من بين الناس و بقيت متحيرا على فراقه ع و قد ذهب عن خاطري بعض ما كان في تلك الحكاية.
الحكاية الثامنة و الأربعون [شكوى رجل من زائري الأعاجم عن الخادم الكليد دار في مشهد سامراء، إلى الامامين العسكريين عليهما السّلام و إغاثته عليه السلام له]
حدثني العالم الجليل و المولى النبيل العدل الثقة الرضي المرضي الآميرزا إسماعيل السلماسي و هو من أوثق أهل العلم و الفضل و أئمة الجماعة في مشهد الكاظم ع عن والده العالم العليم المتقدم ذكره المولى زين العابدين السلماسي
أو عن أخيه الثقة الصالح الأكبر منه في السن الآميرزا محمد باقر رحمه الله قال سلمه الله و الترديد لتطاول الزمان لأن سماعي لهذه الحكاية يقرب من خمسين سنة قال قال والدي مما ذكر من الكرامات للأئمة الطاهرين ع في سرمنرأى في المائة الثانية و الظاهر أنه أواخر المائة أو في أوائل المائة الثالثة بعد الألف من الهجرة أنه جاء رجل من الأعاجم إلى زيارة العسكريين ع و ذلك في زمن الصيف و شدة الحر و قد قصد الزيارة في وقت كان الكليددار في الرواق و مغلقا أبواب الحرم و متهيئا للنوم عند الشباك الغربي.
فلما أحس بمجيء الزوار فتح الباب و أراد أن يزوره فقال له الزائر خذ هذا الدينار و اتركني حتى أزور بتوجه و حضور فامتنع المزور و قال لا أخرم القاعدة فدفع إليه الدينار الثاني و الثالث فلما رأى المزور كثرة الدنانير ازداد امتناعا و منع الزائر من الدخول إلى الحرم الشريف و رد إليه الدنانير.
فتوجه الزائر إلى الحرم و قال بانكسار بأبي أنتما و أمي أردت زيارتكما بخضوع و خشوع و قد اطلعتما على منعه إياي فأخرجه المزور و غلق الأبواب ظنا منه أنه يرجع إليه و يعطيه بكل ما يقدر عليه و توجه إلى الطرف الشرقي قاصدا السلوك إلى الشباك الذي في الطرف الغربي.
فلما وصل إلى الركن و أراد الانحراف إلى طرف الشباك رأى ثلاثة أشخاص مقبلين صافين إلا أن أحدهم متقدم على الذي في جنبه بيسير و كذا الثاني ممن يليه و كان الثالث هو أصغرهم و في يده قطعة رمح و في رأسه سنان فبهت المزور عند رؤيتهم فتوجه صاحب الرمح إليه و قد امتلأ غيظا و احمرت عيناه من الغضب و حرك الرمح مريدا طعنه قائلا يا ملعون بن الملعون كأنه جاء إلى دارك أو إلى زيارتك فمنعته.
فعند ذلك توجه إليه أكبرهم مشيرا بكفه مانعا له قائلا جارك ارفق بجارك فأمسك صاحب الرمح ثم هاج غضبه ثانيا محركا للرمح قائلا ما قاله أولا فأشار إليه الأكبر أيضا كما فعل فأمسك صاحب الرمح.
و في المرة الثالثة لم يشعر المزور أن سقط مغشيا عليه و لم يفق إلا في اليوم الثاني أو الثالث و هو في داره أتوا به أقاربه بعد أن فتحوا الباب عند المساء لما رأوه مغلقا فوجدوه كذلك و هم حوله باكون فقص عليهم ما جرى بينه و بين الزائر و الأشخاص و صاح أدركوني بالماء فقد احترقت و هلكت فأخذوا يصبون عليه الماء و هو يستغيث إلى أن كشفوا عن جنبه فرأوا مقدار درهم منه قد أسود و هو يقول قد طعنني صاحب القطعة.
فعند ذلك أشخصوه إلى بغداد و عرضوه على الأطباء فعجز الأطباء من علاجه فذهبوا به إلى البصرة و عرضوه على الطبيب الأفرنجي فتحير في علاجه لأنه جس يده 5941 فما أحس بما يدل على سوء المزاج و ما رأى ورما و مادة في الموضع المذكور فقال مبتدئا إني أظن أن هذا الشخص قد أساء الأدب مع بعض الأولياء فاشتد بهذا البلاء فلما يئسوا من العلاج رجعوا به إلى بغداد فمات في الرجوع إما في الطريق أو في بغداد و الظاهر أن اسم هذا الخبيث كان حسانا.
الحكاية التاسعة و الأربعون [تشرّف الشيخ الشهيد إلى لقائه عليه السلام في سفره من دمشق إلى مصر]
بغية المريد في الكشف عن أحوال الشهيد للشيخ الفاضل الأجل تلميذه محمد بن علي بن الحسن العودي قال في ضمن وقائع سفر الشهيد رحمه الله من دمشق إلى مصر ما لفظه.
و اتفق له في الطريق ألطاف إلهية و كرامات جلية حكى لنا بعضها.
منها ما أخبرني به ليلة الأربعاء عاشر ربيع الأول سنة ستين و تسعمائة أنه في الرملة مضى إلى مسجدها المعروف بالجامع الأبيض لزيارة الأنبياء و الذين في الغار وحده فوجد الباب مقفولا و ليس في المسجد أحد فوضع يده على القفل و جذبه فانفتح فنزل إلى الغار و اشتغل بالصلاة و الدعاء و حصل له إقبال على الله
بحيث ذهل عن انتقال القافلة فوجدها قد ارتحلت و لم يبق منها أحد فبقي متحيرا في أمره مفكرا في اللحاق مع عجزه عن المشي و أخذ أسبابه و مخافته و أخذ يمشي على أثرها وحده فمشى حتى أعياه التعب فلم يلحقها و لم يرها من البعد فبينما هو في هذا المضيق إذ أقبل عليه رجل لاحق به و هو راكب بغلا فلما وصل إليه قال له اركب خلفي فردفه و مضى كالبرق فما كان إلا قليلا حتى لحق به القافلة و أنزله و قال له اذهب إلى رفقتك و دخل هو في القافلة قال فتحريته مدة الطريق أني أراه ثانيا فما رأيته أصلا و لا قبل ذلك.
الحكاية الخمسون [تشرّف الشيخ محمّد بن الشيخ حسن بن الشهيد الثاني رحمهم اللّه إلى زيارته عليه السّلام في مكّة المشرّفة]
قال الشيخ الأجل الأكمل الشيخ علي ابن العالم النحرير الشيخ محمد بن المحقق المدقق الشيخ حسن بن العالم الرباني الشهيد الثاني في الدر المنثور في ضمن أحوال والده الأمجد و كان مجاورا بمكة حيا و ميتا أخبرتني زوجته بنت السيد محمد بن أبي الحسن رحمه الله و أم ولده أنه لما توفي كن يسمعن عنده تلاوة القرآن طول تلك الليلة.
و مما هو مشهور أنه كان طائفا فجاءه رجل بورد من ورد شتاء ليست في تلك البلاد و لا في ذلك الأوان فقال له من أين أتيت فقال من هذه الخرابات ثم أراد أن يراه بعد ذلك السؤال فلم يره.