کتابخانه روایات شیعه
بحار الأنوار (ط - بيروت) - ج 1تا15
و ينفذ في المنفذ الذي في عظم صلب يسمى الحجري و يحرك الهواء الذي هو داخل الأذن و يموجه كما يرى من دوائر الماء لما وقع فيقع هناك على جلدة مفروشة على عصبة مقعرة كمد الجلد على الطبل فيحصل طنين يشعر بهيئته القوة السامعة للأصوات المودعة في تلك العصبة بتوسط ما هو وراءها من جوهر الروح و ذلك المنفذ كثير التعاريج و العطفات و عند نهايته تجويف يسمى بالجوفة و العصبة على حواليها و إنما جعل كذلك لتطول به مسافة ما ينفذه من قوة الصوت و الرياح الحارة و الباردة فينفذ فيه و هي مكسورة القوى فاترة.
و حال تلك العصبة في السمع كحال الرطوبة الجليدية في الأبصار و محلها مثل محلها و كما أن جميع أجزاء العين خلقت إما خادمة للجليدية و إما وقاية لها كذلك جميع أجزاء الأذن خلقت خادمة لهذا العصب و فائدة الصماخ فائدة الثقبة العنبية و الصدى إنما هو لانعطاف الهواء المصادم لجبل أو غيره من عالي أرض و هي كرمي حصاة في طاس مملوء ماء فيحصل منه دوائر متراجعة من المحيط إلى المركز و قيل إن لكل صوت صدى و في البيوت إنما لم يقع الشعور لقرب المسافة فكأنهما يقعان في زمان واحد و لهذا يسمع صوت المغني في البيوت أقوى مما في الصحراء.
و أما الأنف فهو مخلوق من العظم و الغضروف ما خلا العضلات المحركة و بيان هيئته أن له عظمين هما كالمثلثين تلتقي زاويتاهما من فوق و قاعدتاهما تتماسان عند زاوية و تتفارقان بزاويتين و على طرفيهما السافلين غضروفان لينان و فيما بينهما على طول الدرز غضروف حده الأعلى أصلب من الأسفل و مجراه إذا علا انقسم قسمين يفضي أحدهما إلى أقصى الفم و به يكون استنشاق الهواء إلى الرئة و التنفس الجاري على العادة لا الكائن بالفم و يمر الآخر صاعدا حتى ينتهي إلى العظم الشبيه بالمصفى الموضوع في وجه زائدتي الدماغ المشبهتين بحلمتي الثدي و به يكون تنفض 11243 الفضول من الدماغ و استنشاق الهواء إليه و التنفس و بالزائدتين حس الشم إذ هما محل القوة الشامة للروائح بتوسط الهواء المنفعل بها و محليتهما
لها من جهة الروح المودعة فيهما و في أقصى الأنف مجريان إلى المأقين 11244 و لذلك قد يتأدى طعم الكحل إلى اللسان.
و إنما خلق الأنف على هذه الهيئة ليعين بالتجويف الذي يشتمل عليه في الاستنشاق حتى ينحصر فيه هواء كثير و ليعتدل فيه الهواء قبل النفوذ إلى الدماغ و ليجمع الهواء الذي يطلب منه الشم أمام آلة التشمم ليكون الإدراك أكثر و ليعين في تقطيع الحروف و تسهيل إخراجها لئلا يزدحم الهواء كله عند الموضع الذي يحاول فيه تقطيع الحروف و ليكون للفضول المندفعة من الرأس سترا و وقاية عن الأبصار و آلة معينة على نفضها بالنفخ.
و منفعة غضروفية الطرفين بعد المنفعة المشتركة للغضاريف أن ينفرج و يتوسع إن احتيج إلى فضل استنشاق و نفخ و ليعين في نفض البخار 11245 باهتزازهما عند النفخ و انتفاضهما و ارتعادهما و منفعة الوسطاني أن يفصل الأنف إلى منخرين حتى إذا نزلت من الدماغ فضلة نازلة مالت في الأكثر إلى أحدهما و لم يسد جميع طريق الاستنشاق.
و أما الأسنان فست عشرة سنا في كل لحي منها ثنيتان و رباعيتان للقطع و نابان للكسر و خمسة أضراس يمنة و يسرة للطحن و لأكثرها مدخل في تقطيع الحروف و تبيينها و ربما نقصت الأضراس فكانت أربعا بانعدام الأربعة الطرفانية المسماة بالنواجد و هي تنبت في الأكثر بعد البلوغ إلى قريب من ثلاثين سنة و لهذا تسمى أسنان الحلم.
و للأسنان أصول هي رءوس محددة ترتكز في ثقب العظام الحاملة لها من الفكين و تنبت على حافة كل ثقب زائدة مستديرة عليها عظمية تشتمل على السن و هناك روابط قوية و أصول الأضراس التي في الفك الأعلى ثلاثة و ربما كانت و خصوصا للناجدين أربعا و التي في الفك الأسفل لها أصلان و ربما كانت و
خصوصا للناجدين ثلاثة و أما سائر الأسنان فإنما لها أصل واحد و إنما كثرت رءوس الأضراس لكبرها و زيادة عملها و زيدت للعليا لأنها معلقة و الثقل يجعل ميلها إلى خلاف جهة رءوسها أما السفلى فثقلها لا يضاد ركزها. و من عجيب الخلقة في هيئة الأسنان أن الثنايا و الرباعيات تتماس و يتلاقى بعضها بعضا في حالة الحاجة إلى ذلك و هي عند العض على الأشياء و لو لم يكن كذلك لم يتم العض و ذلك يكون بجذب الفك إلى قدام حتى تلاقى هذه بعضها بعضا و عند المضغ و الطحن يرجع الفك إلى مكانه فتدخل الثنايا و الرباعيات التحتانية إلى داخل و تحيد عن موازاة العالية فيتم بذلك للأضراس وقوع بعضها إلى بعض و ذلك أنه لا يمكن مع تلاقي الثنايا و الرباعيات الفوقانية و التحتانية أن تتلاقى الأضراس و لعل الحكمة فيه أن لا تنسحق إحداهما عند فعل الأخرى من غير طائل.
و إنما جعل المتحرك من الفكين عند المضغ و التكلم الأسفل دون الأعلى إلا نادرا كما في التمساح لأنه أصغر و أخف و لأن الأعلى مجمع الحواس و الدماغ فلو تحرك لتأذى الدماغ بحركته و تشوشت الحواس و لكان أيضا مفصل الرأس مع العنق غير وثيق و الواجب فيه الوثاقة.
و إنما جعل هذا الفك من الإنسان أخف و أصغر من سائر الحيوانات لأن أغذية الإنسان لحم و خبز مطبوخ و فواكه نضيجة و أمثال ذلك مما لا يعسر مضغه و غيره من الحيوانات أغذيتها إما حشائش و حبوب و أصول للنبات و أغصان للأشجار و إما لحوم نية 11246 و عظام صلبة فأعطي كل عالف 11247 بقدر احتياجه.
و أما اللسان فهو مخلوق من لحم أبيض لين رخو قد التفت به عروق صغار كثيرة منها شرايين و منها أوردة و بسببها يحمر لونه و عند مؤخره لحم غددي يسمى
مولد اللعاب و تحته فوهتان تفضيان إلى هذا اللحم تسميان بساكبي اللعاب بهما تنسكب الرطوبة و الرضاب 11248 من اللحم الغددي إلى اللسان و الفم و تحته أيضا عرقان كبيران أخضران تسميان الصردان.
و هو ذو شفتين طولا و لكنهما في غشاء واحد متصل بغشاء الفم و المريء و المعدة إلا في بعض الحيوانات كالحية فإن شفتي لسانها ليسا في غشاء واحد و لهذا يظهران و على جرم اللسان عصبة منبثة هي محل القوة الذائقة للطعوم بتوسط الأجسام المماسة المخالطة للرطوبة اللعابية المستحيلة إلى طعم الوارد و محليتها له من جهة ما هو وراءها من جوهر الروح.
و على اللسان زائدتان نابتتان إلى فوق كأنهما أذنان صغيرتان تسميان باللوزتين و جوهرهما لحم عصباني غليظ كالغدة و منفعتهما مثل منفعة اللهاة و يأتي ذكرها و إنما خلق اللسان ليكون آلة تقطيع الصوت و إخراج الحروف و تبيينها و آلة تقليب الممضوغ كالمجرفة و آلة تمييز المذوق و أعدلها في الطول و العرض أقدر على الكلام من عظيمها جدا أو من الصغير المتشنج.
الفصل الثالث في الحلق و الحنجرة و سائر آلات الصوت
فبيان هيئاتها أن أقصى الفم يفضي إلى مجريين أحدهما من قدام و هو الحلقوم و يسميه المشرحون قصبة الرئة فيها و منها منفذ الريح التي تدخل و تخرج بالتنفس و الآخر موضوع من خلف ناحية القفار على خرز العنق و يسمى المريء و فيه ينفذ الطعام و الشراب و يخرج القيء و سيأتي شرحهما.
و الحنجرة مؤلفة من ثلاثة غضاريف أحدها من قدام و هو الذي يظهر تحت الذقن قدام الحلق و هو محدب الظاهر مقعر الباطن و الثاني من خلف
بانضمامهما يضيق الحنجرة عند السكوت و يتباعد أحدهما عن الآخر و يتسع عند الكلام و الثالث مثل مكبة بينه و بين الذي من خلف مفصل يلتئم بزائدتين من ذلك تتهندمان 11249 في فقرتين منه و يرتبط هناك برباطات و هو يتحرك بهذا المفصل و بانكبابه عليهما تنغلق الحنجرة و بتجافيه عنهما تنفتح.
و الحاجة إلى انغلاق الحنجرة عند الأكل و الشرب شديدة جدا لئلا يقع أو ينقطر في قصبة الرئة شيء من المأكول و المشروب و ذلك لأن قصبة الرئة و المريء متجاوران متلاصقان مربوط أحدهما بالآخر و عند انغلاق الحنجرة يمر الطعام و الشراب على ظهر الغضروف المكبي و ينزل في المريء و إذا انفتحت الحنجرة على غفلة من الإنسان بأن يبتلع و يتصوت أو يتنفس في حالة واحدة ربما وقع شيء من المأكول و المشروب في قصبة الرئة فتحدث فيها دغدغة و حالة مؤذية شبيهة بما يحدث في الأنف عند اجتلاب العطاس بإدخال شيء فيه فتستقبله القوة الدافعة لدفعه فيورث السعال إلى أن يندفع قل أم كثر لأن القصبة إنما تنتهي إلى الرئة و ليس لها منفذ من أسفلها يندفع فيها فأنعم الخالق سبحانه بتأليف الحنجرة من هذه الغضاريف على هذا الشكل ليغلق بها عند الأكل و الشرب منفذ الصوت و التنفس فيسلم الإنسان و يتخلص من السعال المغلق و لهذا لا يجمع الازدراد و التنفس معا في حالة واحدة.
و في داخل الحنجرة رطوبة لزجة دهنية تملسها و ترطبها دائما ليخرج الصوت صافيا حسنا و لهذا ما يذهب أصوات المحمومين الذين تحترق رطوبات حناجرهم بسبب حمياتهم المحرقة و يذهب أيضا أو يضعف أو يتغير أصوات المسافرين في الفيافي المحترقة 11250 و كذلك كل من تكلم كثيرا تجف حنجرته فلا يقدر على التكلم إلا بعد أن يرطب حلقه أو يبلع ريقه و الفائدة في دهنيتها أن لا يجف بالسرعة و لا يفنى و أن تسلس بها حركات الحنجرة.
و في أعلى الحنجرة عضو لحمي معلق يسمى باللهاة يتلقى ما شأنه النفوذ في الحنجرة من خارج مثل برد الهواء و حره و حدة الدخان و مضرته فيمنع نفوذها دفعة ليتدرج وصولها إلى الرئة و يتلقى أيضا ما شأنه الصعود من داخل مثل قرع الصوت الصاعد من الحنجرة و بالجملة هي كالباب المرصد على مخرج الصوت تقديره فلا يندفع دفعة و لا ينقطع مدده جملة فيزداد بذلك قوة الصوت و يتصل بذلك مدده.
و كذلك اللوزتان المشار إليهما فيما سبق فإنهما يعاونانها في ذلك و تحتها لحم صفاقي لاصق بالحنك يسمى بالغلصمة يصفي ما قد يقرب الهواء من كدورة الغبار و الدخان لئلا يصل شيء منها إلى الحنجرة و الرئة فهي كالمفزعة لآلات الصوت و الحنك كالقبة يطن فيها الصوت فهذه جملة آلات الصوت.
و الصوت إنما يكون من النفس و أصله دوي في قصبة الرئة و إنما يصير صوتا عند طرف القصبة المسمى رأس المزمار و هو أشرف آلاته بل هو بالحقيقة آلته و الباقي من المعينات و المتمات 11251 و إنما سمي بذلك لتضايقه ثم اتساعه عند الحنجرة فيبتدئ من سعة إلى ضيق ثم إلى فضاء أوسع كما في المزمار إذ لا بد للصوت من ضيق ليحبس الدوي و يقدره و لا بد أيضا من الانضمام و الانفتاح ليحصل بهما قرع الصوت.
و اللهاة تقوم مقام إصبع المزمار و الغلصمة مثل الشيء الذي يسد به رأس المزمار و عضلات آلات الصوت كثيرة حسب حركاتها المحتاج إليها في هذا الموضع فيكون من ضروب أشكالها ضروب الأصوات و عند الحنجرة من قدام عظم هو منشأ رباطات عضلاتها و للعظم أيضا عضلات تمسك بها غير عضلات الحنجرة.
و اعلم أنه لما لم يكن غذاء الإنسان طبيعيا و لا لباسه طبيعيا بل يحتاج في ذلك و أمثاله إلى صنائع كثيرة و آلات مختلفة قلما يحصل بإلهام أو وحي بل لا يستحفظ وجوده البقائي إلا بتعليم و تعلم مفتقر إلى طلب و نهي و وعد و وعيد و ترغيب و تخويف و تعجيل و تأجيل و غيرها من إعلان مكنونات الضمائر و إعلام مستورات البواطن
فلهذه الأسباب و غيرها صار من بين الحيوانات أحوج إلى الاقتدار على أن يعلم غيره من المتشاركين في التعيش و نظام التمدن ما في نفسه بعلامة وضعية و لا يصلح لذلك شيء أخف من الصوت أو الإشارة و الأول أولى لأنه مع خفة مئونته لوجود النفس الضروري المنشعب بالتقاطيع إلى حروف مهيأة بالتأليف لهيئات تركيبية غير محصورة بلا تجشم تحريكات كثيرة كما في الإشارة لا يختص إشعاره بالقرب و الحاضر بل يشمل هدايته لهما و لغيرهما من البعيد و الغائب و يشمل أيضا الصور و المعاني و المحسوس و المعقول فلذلك أنعم الله سبحانه عليه بذلك.
الفصل الرابع في العنق و الصلب و الأضلاع.
أما العنق و الصلب فمخلوقتان من الفقرات و الفقرة عظم مدور في وسطه ثقب ينفذ فيه النخاع و إنما خلقت لتكون وقاية للنخاع و دعامة للبدن و نسبتها إلى النخاع كنسبة القحف إلى الدماغ و هي ثلاثون عددا سبع للعنق و اثنا عشر للظهر و ربما زادت أو نقصت واحدة منها في الندرة و الزيادة أندر و خمس للقطن 11252 و ثلاث للعجز و هما كالقاعدة للصلب و ثلاث للعصعص و إنما خلقت صلبة ليكون للإنسان استقلال به و قوام و تمكن من الحركات إلى الجهات و لذلك جعلت المفاصل بينهما لا سلسلة فيوهن القوام و لا موثقة فيمنع الانعطاف.