کتابخانه روایات شیعه
بحار الأنوار (ط - بيروت) - ج 1تا15
إيمانك قد خرج عنك فقد أحسنت السحر فقلت و ما هو قالا لا تريدين شيئا فتصورينه في وهمك إلا كان فصورت في نفسي حبا من حنطة فإذا أنا بحب فقلت انزرع فانزرع فخرج من ساعته سنبلا فقلت انطحن فانطحن فقلت انخبز فانخبز و أنا لا أريد شيئا أصوره في نفسي إلا حصل فقالت عائشة ليست لك توبة.
و ثالثها ما يذكرونه من الحكايات الكثيرة في هذا الباب و هي مشهورة أما المعتزلة فقد احتجوا على إنكاره بوجوه أحدها قوله تعالى وَ لا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتى و ثانيها قوله تعالى في صفة محمد ص وَ قالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُوراً و لو صار ص مسحورا لما استحقوا الذم بسبب هذا القول و ثالثها أنه لو جاز ذلك من الساحر فكيف يتميز المعجز من السحر ثم قالوا هذه الدلائل يقينية و الأخبار التي ذكرتموها من باب الآحاد فلا تصلح معارضة لهذه الدلائل.
المسألة الثانية عشر 8998 في أن العلم بالسحر ليس بقبيح و لا محظور
اتفق المحققون على ذلك لأن العلم لذاته شريف و أيضا لعموم قوله تعالى هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ و لأن السحر لو لم 8999 يعلم لما أمكن الفرق بينه و بين المعجز و العلم بكون المعجز معجزا واجب و ما يتوقف الواجب عليه فهو واجب فهذا يقتضي أن يكون تحصيل العلم بالسحر واجبا و ما يكون واجبا كيف يصير حراما و قبيحا.
المسألة الثالثة عشر 9000 في أن الساحر هل يكفر أم لا
اختلف الفقهاء في أن الساحر هل يكفر أم لا
رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ ص أَنَّهُ قَالَ: مَنْ أَتَى كَاهِناً أَوْ عَرَّافاً فَصَدَّقَهُمَا بِقَوْلٍ فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ.
و اعلم أنه لا نزاع بين الأمة في أن
من اعتقد أن الكواكب هي المدبرة لهذا العالم و هي الخالقة لما فيه من الحوادث و الخيرات و الشرور فإنه يكون كافرا على الإطلاق و هذا هو النوع الأول من السحر و أما النوع الثاني و هو أن يعتقد أنه قد يبلغ روح الإنسان في التصفية و القوة إلى حيث يقدر بها على إيجاد الأجسام و الحياة و القدرة و تغيير البنية و الشكل فالأظهر إجماع الأمة أيضا على تكفيره أما النوع الثالث و هو أن يعتقد الساحر أنه قد يبلغ في التصفية و قراءة الرقي و تدخين بعض الأدوية إلى حيث يخلق الله تعالى في عقب أفعاله على سبيل العادة الأجسام و الحياة و القدرة 9001 و تغيير البنية و الشكل فهنا المعتزلة اتفقوا على تكفير من يجوز ذلك قالوا لأنه مع هذا الاعتقاد لا يمكنه أن يعرف صدق الأنبياء و الرسل و هذا ركيك من القول فإن لقائل أن يقول إن الإنسان لو ادعى النبوة و كان كاذبا في دعواه فإنه لا يجوز من الله تعالى إظهار هذه الأشياء على يده لئلا يحصل التلبيس أما إذا لم يدع النبوة و ظهرت هذه الأشياء على يده لم يفض ذلك إلى التلبيس لأن المحق يتميز عن المبطل بما أن المحق تحصل له هذه الأشياء مع ادعاء النبوة و أما سائر الأنواع التي عددناه من السحر فلا شك أنه ليس بكفر.
فإن قيل إن اليهود لما أضافوا السحر إلى سليمان قال الله تعالى تنزيها عنه وَ ما كَفَرَ سُلَيْمانُ و هذا يدل على أن السحر على الإطلاق كفر و أيضا قال وَ لكِنَّ الشَّياطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ و هذا أيضا يقتضي أن يكون السحر على الإطلاق كفرا و حكي عن الملكين أنهما لا يعلمان أحدا السحر حَتَّى يَقُولا إِنَّما نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ و هو يدل على أن السحر كفر على الإطلاق.
قلنا حكاية الحال يكفي في صدقها صورة واحدة فنحملها على سحر من يعتقد إلهية النجوم ..
ثم قال بعد إيراد المسألة الرابعة عشر 9002 في حكم قتل الساحر فهذا هو
الكلام الكلي في السحر و لنرجع إلى التفسير أما قوله تعالى وَ لكِنَّ الشَّياطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ فظاهر الآية يقتضي أنهم إنما كفروا لأجل أنهم كانوا يعلمون الناس السحر لأن ترتيب الحكم على الوصف مشعر بالعلية و تعليم ما لا يكون كفرا لا يوجب الكفر فصارت الآية دالة على أن تعليم السحر كفر و على أن السحر أيضا كفر و لمن منع ذلك أن يقول لا نسلم أن ترتيب الحكم على الوصف مشعر بالعلية بل المعنى أنهم كفروا و هم مع ذلك يعلمون السحر.
فإن قيل هذا مشكل لأن الله أخبر في آخر الآية أن الملكين يعلمان السحر فلو كان تعليم السحر كفرا لزم تكفير الملكين و أنه غير جائز لما ثبت أن الملائكة بأسرهم معصومون و أيضا فلأنكم دللتم على أنه ليس كلما يسمى سحرا فهو كفر.
قلنا اللفظ المشترك لا يكون عاما في جميع مسمياته فنحن نحمل هذا السحر الذي هو كفر على النوع الأول من الأشياء المسماة بالسحر و هو اعتقاد إلهية الكواكب و الاستعانة بها في إظهار المعجزات و خوارق العادات فهذا السحر كفر و الشياطين إنما كفروا بإتيانهم بهذا السحر لا بسائر الأقسام و أما الملكان فلا نسلم أنهما إنما علما هذا النوع من السحر بل لعلهما يعلمان سائر الأنواع على ما قال تعالى فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُما ما يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَ زَوْجِهِ و أيضا فبتقدير أن يقال إنهما علما هذا النوع إنما يكون كفرا إذا قصد المعلم أن يعتقد المتعلم حقيته و كونه صوابا فأما أن يعلمه ليحترز عنه فهذا التعليم لا يكون كفرا و تعليم الملائكة كان لأجل أن يصير المكلف محترزا عنه على ما قال تعالى حكاية عنهما وَ ما يُعَلِّمانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّما نَحْنُ فِتْنَةٌ و أما الشياطين الذين علموا السحر الناس فكان مقصودهم اعتقاد حقية هذه الأشياء فظهر الفرق.
المسألة الخامسة عشر 9003
قرأ نافع و ابن كثير و عاصم و أبو عمرو بتشديد لكِنَ و الشَّياطِينُ بالنصب على أنه اسم لكن و الباقون لكن بالتخفيف
و الشياطين بالرفع و المعنى واحد ..
أما قوله تعالى وَ ما أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبابِلَ هارُوتَ وَ مارُوتَ ففيه مسائل
الأولى ما في قوله وَ ما أُنْزِلَ
فيه وجهان الأول أنه بمعنى الذي ثم هؤلاء اختلفوا فيه على ثلاثة أقوال أولها أنه عطف على السحر أي يعلمون الناس السحر و يعلمونهم ما أنزل على الملكين أيضا. و ثانيها أنه عطف على قوله ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ أي و اتبعوا ما تتلوا الشياطين افتراء على ملك سليمان وَ ما أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ لأن السحر منه ما هو كفر و هو الذي تتلوا الشياطين و منه ما تأثيره بالتفريق بين المرء و زوجه و هو الذي أنزل على الملكين فكأنه تعالى أخبر عن اليهود بأنهم اتبعوا كلا الأمرين و لم يقتصروا على أحدهما. و ثالثها أن موضعه جر عطفا على ملك سليمان و تقديره ما تتلوا الشياطين افتراء على ملك سليمان و على ما أنزل على الملكين و هو اختيار أبي مسلم و أنكر في الملكين أن يكون السحر نازلا عليهما. و احتج عليه بوجوه الأول أن السحر لو كان نازلا عليهما لكان منزله هو الله تعالى و ذلك غير جائز لأن السحر كفر و عبث و لا يليق بالله تعالى إنزال ذلك. الثاني أن قوله وَ لكِنَّ الشَّياطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ يدل على أن تعليم السحر كفر و لو ثبت في الملائكة أنهم يعلمون السحر لزمهم الكفر و ذلك باطل. الثالث كما لا يجوز في الأنبياء أن يبعثوا لتعليم السحر فكذلك في الملائكة بالطريق الأولى. الرابع أن السحر لا يضاف إلا إلى الكفرة و الفسقة و الشياطين المردة فكيف يضاف إلى الله ما ينهى عنه و يتوعد عليه بالعقاب و هل السحر إلا الباطل المموه و قد جرت عادة الله تعالى بإبطاله كما قال في قصة موسى ع ما جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ ثم إنه سلك في تفسير الآية مسلكا آخر يخالف قول أكثر المخالفين فقال كما أن الشياطين نسبوا السحر إلى ملك سليمان مع أن ملك سليمان كان مبرأ عنه فكذلك نسبوا ما أنزل على الملكين إلى السحر مع أن المنزل عليهما كان مبرأ عن السحر و ذلك لأن المنزل عليهما كان هو الشرع و الدين و الدعاء إلى
الخير و أنهما كانا يعلمان الناس ذلك مع قولهما إِنَّما نَحْنُ فِتْنَةٌ توكيدا لبعثهم على القبول و التمثل فكانت طائفة تتمثل و أخرى تخالف و تعدل عن ذلك فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُما أي من الفتنة و الكفر مقدار ما يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَ زَوْجِهِ و هذا تقرير مذهب أبي مسلم الوجه الثاني أن يكون ما بمعنى الجحد و يكون معطوفا على قوله وَ ما كَفَرَ سُلَيْمانُ كأنه قال لم يكفر سليمان و لم ينزل على الملكين سحر لأن السحرة كانت تضيف السحر إلى سليمان و تزعم أنه مما أنزل على الملكين ببابل هاروت و ماروت فرد الله عليهم في القولين و قوله وَ ما يُعَلِّمانِ مِنْ أَحَدٍ جحد أيضا أي لا يعلمان أحدا بل ينهيان عنه أشد النهي و أما قوله حَتَّى يَقُولا إِنَّما نَحْنُ فِتْنَةٌ أي ابتلاء و امتحان فَلا تَكْفُرْ فهو كقولك ما أمرت فلانا بكذا حتى قلت له إن فعلت كذا نالك كذا أي ما أمرته به بل حذرته عنه.
و اعلم أن هذه الأقوال و إن كانت حسنة إلا أن القول الأول أحسن منها و ذلك لأن عطف قوله وَ ما أُنْزِلَ على ما يليه أولى من عطفه على ما بعد عنه إلا لدليل منفصل أما قوله لو نزل السحر عليهما لكان منزل ذلك السحر هو الله تعالى قلنا تعريف صفة الشيء قد يكون لأجل الترغيب في إدخاله في الوجود و قد يكون لأجل أن يقع الاحتراز عنه كما قال الشاعر.
عرفت الشر لا للشر لكن لتوقيه .
قوله ثانيا إن تعليم السحر كفر لقوله تعالى وَ لكِنَّ الشَّياطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ فالجواب أنا بينا أنه واقعة حال فيكفي في صدقها صورة واحدة و هي ما إذا اشتغل بتعليم سحر من يقول بإلهية الكواكب و يكون قصده من ذلك التعليم إثبات أن ذلك المذهب حق قوله ثالثا إنه لا يجوز بعثة الأنبياء لتعليم السحر فكذا الملائكة قلنا لا نسلم أنه لا يجوز بعثة الأنبياء لتعليمه بحيث يكون الغرض من ذلك التعليم التنبيه على إبطاله قوله رابعا إنما يضاف السحر إلى الكَفَرة أو المَرَدة فكيف يضاف إلى الله ما ينهى عنه قلنا فرق بين العمل و بين
التعليم فلم لا يجوز أن يكون العمل به منهيا عنه و أما تعليمه لغرض التنبيه على فساده فإنه يكون مأمورا به.
المسألة الثانية قرأ الحسن الْمَلِكَيْنِ بكسر اللام
و هو مروي أيضا عن الضحاك و ابن عباس ثم اختلفوا فقال الحسن كانا عِجْلَين أَقْلَفَيْنِ ببابل يعلمان الناس السحر و قيل كانا رجلين صالحين من الملوك و القراءة المشهورة بفتح اللام و هما كانا ملكين نزلا من السماء و هاروت و ماروت اسمان لهما ثم قيل هما جبرئيل و ميكائيل ع و قيل غيرهما أما الذين كسروا اللام فقد احتجوا بوجوه أحدها أنه لا يليق بالملائكة تعليم السحر. و ثانيها كيف يجوز إنزال الملكين مع قوله وَ لَوْ أَنْزَلْنا مَلَكاً لَقُضِيَ الْأَمْرُ ثُمَّ لا يُنْظَرُونَ و ثالثها لو أنزل الملكين لكان إما أن يجعلهما في صورة رجلين أو لا يجعلهما كذلك فإن جعلهما في صورة رجلين مع أنهما ليسا برجلين كان ذلك تجهيلا و تلبيسا و هو غير جائز و لو جاز ذلك فلم لا يجوز أن يكون كل واحد من الناس الذين نشاهدهم لا يكون في الحقيقة إنسانا بل ملكا من الملائكة و إن لم يجعلهما في صورة الرجلين قدح ذلك في قوله تعالى وَ لَوْ جَعَلْناهُ مَلَكاً لَجَعَلْناهُ رَجُلًا و الجواب عن الأول أنا سنبين وجه الحكمة و إنزال الملائكة لتعليم السحر و عن الثاني أن هذه الآية عامة و قراءة الْمَلَكَيْنِ بفتح اللام متواترة و خاصة و الخاص يقدم على العام و عن الثالث أن الله تعالى ينزلهما في صورة رجلين و كان الواجب على المكلفين في زمان الأنبياء أن لا يقطعوا على من صورته صورة الإنسان بكونه إنسانا كما أن في زمان الرسول ص كان الواجب على من شاهد دحية الكلبي أن لا يقطع بكونه من البشر بل الواجب التوقف فيه.
المسألة الثالثة إذا قلنا بأنهما كانا من الملائكة
فقد اختلفوا في سبب نزولهما فروي عن ابن عباس أن الملائكة لما قالت أَ تَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَ يَسْفِكُ الدِّماءَ فأجابهم الله تعالى بقوله إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ ثم إن الله وكل عليهم جمعا من الملائكة و هم الكرام الكاتبون فكانوا يعرجون بأعمالهم الخبيثة فعجبت الملائكة منهم و من تبقية الله إياهم مع ما يظهر منهم من القبائح ثم أضافوا إليها
عمل السحر فازداد تعجب الملائكة فأراد الله تعالى أن يبتلي الملائكة فقال لهم اختاروا ملكين من أعظم الملائكة علما و زهدا و ديانة لإنزالهما إلى الأرض فاختبرهما فاختاروا هاروت و ماروت و ركب فيهما شهوة الإنس و أنزلهما و نهاهما عن الشرك و القتل و الزنا و الشرب فنزلا فذهب إليهما امرأة من أحسن النساء و هي الزهرة فراوداها عن نفسها فأبت إلا بعد أن يعبدا الصنم و إلا بعد أن يشربا فامتنعا أولا ثم غلبت الشهوة عليهما فأطاعا في كل ذلك فعند إقدامهما على الشرب و عبادة الصنم دخل سائل عليهم فقالت إن أظهر هذا السائل للناس ما رأى منا فسد أمرنا فإن أردتما الوصول إلي فاقتلا هذا الرجل فامتنعا منه ثم اشتغلا بقتله فلما فرغا من القتل طلبا المرأة فلم يجداها ثم إن الملكين عند ذلك ندما و تحسرا و تضرعا إلى الله تعالى فخيرهما بين عذاب الدنيا و عذاب الآخرة فاختارا عذاب الدنيا و هما معذبان ببابل معلقان بين السماء و الأرض يعلمان الناس السحر.
ثم لهم في الزهرة قولان أحدهما أن الله تعالى لما ابتلى الملكين بشهوة بني آدم أمر الله الكوكب الذي يقال له الزهرة و فلكها حتى هبط إلى الأرض إلى أن كان ما كان فحينئذ ارتفعت الزهرة و فلكها إلى موضعها من السماء موبخين لهما على ما شاهداه منهما و القول الثاني أن المرأة كانت فاجرة من أهل الأرض و واقعاها بعد شرب الخمر و قتل النفس و عبادة الصنم ثم علماها الاسم الذي به كانا يعرجان إلى السماء فتكلمت به و عرجت إلى السماء و كان اسمها بيدخت فمسخها الله تعالى و جعلها هي الزهرة.