کتابخانه روایات شیعه
بحار الأنوار (ط - بيروت) - ج 1تا15
الجليل المولى محمد السلماسي رحمه الله تلميذ آية الله السيد السند و العالم المسدد فخر الشيعة و زينة الشريعة العلامة الطباطبائي السيد محمد مهدي المدعو ببحر العلوم أعلى الله درجته و كان المولى المزبور من خاصته في السر و العلانية.
قال كنت حاضرا في مجلس السيد في المشهد الغروي إذ دخل عليه لزيارته المحقق القمي صاحب القوانين في السنة التي رجع من العجم إلى العراق زائرا لقبور الأئمة ع و حاجا لبيت الله الحرام فتفرق من كان في المجلس و حضر للاستفادة منه و كانوا أزيد من مائة و بقيت ثلاثة من أصحابه أرباب الورع و السداد البالغين إلى رتبة الاجتهاد.
فتوجه المحقق الأيد إلى جناب السيد و قال إنكم فزتم و حزتم مرتبة الولادة الروحانية و الجسمانية و قرب المكان الظاهري و الباطني فتصدقوا علينا بذكر مائدة من موائد تلك الخوان و ثمرة من الثمار التي جنيتم من هذه الجنان كي ينشرح به الصدور و يطمئن به القلوب.
فأجاب السيد من غير تأمل و قال إني كنت في الليلة الماضية قبل ليلتين أو أقل و الترديد من الراوي في المسجد الأعظم بالكوفة لأداء نافلة الليل عازما على الرجوع إلى النجف في أول الصبح لئلا يتعطل أمر البحث و المذاكرة و هكذا كان دأبه في سنين عديدة.
فلما خرجت من المسجد ألقي في روعي الشوق إلى مسجد السهلة فصرفت خيالي عنه خوفا من عدم الوصول إلى البلد قبل الصبح فيفوت البحث في اليوم و لكن كان الشوق يزيد في كل آن و يميل القلب إلى ذلك المكان فبينا أقدم رجلا و أؤخر أخرى إذا بريح فيها غبار كثير فهاجت بي و أمالتني عن الطريق فكأنها التوفيق الذي هو خير رفيق إلى أن ألقتني إلى باب المسجد.
فدخلت فإذا به خاليا عن العباد و الزوار إلا شخصا جليلا مشغولا بالمناجاة مع الجبار بكلمات ترق القلوب القاسية و تسح الدموع من العيون الجامدة فطار بالي و تغيرت حالي و رجفت ركبتي و هملت دمعتي من استماع
تلك الكلمات التي لم تسمعها أذني و لم ترها عيني مما وصلت إليه من الأدعية المأثورة و عرفت أن الناجي ينشئها في الحال لا أنه ينشد ما أودعه في البال.
فوقفت في مكاني مستمعا متلذذا إلى أن فرغ من مناجاته فالتفت إلي و صاح بلسان العجم مهدي بيا أي هلم يا مهدي فتقدمت إليه بخطوات فوقفت فأمرني بالتقدم فمشيت قليلا ثم وقفت فأمرني بالتقدم و قال إن الأدب في الامتثال فتقدمت إليه بحيث تصل يدي إليه و يده الشريفة إلي و تكلم بكلمة.
قال المولى السلماسي رحمه الله و لما بلغ كلام السيد السند إلى هنا أضرب عنه صفحا و طوى عنه كشحا و شرح في الجواب عما سأله المحقق المذكور قبل ذلك عن سر قلة تصانيفه مع طول باعه في العلوم فذكر له وجوها فعاد المحقق القمي فسأل عن هذا الكلام الخفي فأشار بيده شبه المنكر بأن هذا سر لا يذكر.
الحكاية العاشرة [كلام العلّامة الطباطبائيّ في أنّه عليه السّلام ضمّه إلى صدره]
حدثني الأخ الصفي المذكور عن المولى السلماسي رحمه الله تعالى قال كنت حاضرا في محفل إفادته فسأله رجل عن إمكان رؤية الطلعة الغراء في الغيبة الكبرى و كان بيده الآلة المعروفة لشرب الدخان المسمى عند العجم بغليان فسكت عن جوابه و طأطأ رأسه و خاطب نفسه بكلام خفي أسمعه فقال ما معناه ما أقول في جوابه و قد ضمني صلوات الله عليه إلى صدره و ورد أيضا في الخبر تكذيب مدعي الرؤية في أيام الغيبة فكرر هذا الكلام.
ثم قال في جواب السائل إنه قد ورد في أخبار أهل العصمة تكذيب من ادعى رؤية الحجة عجل الله تعالى فرجه و اقتصر في جوابه عليه من غير إشارة إلى ما أشار إليه.
الحكاية الحادية عشرة [شاهده عليه السّلام العلّامة الطباطبائيّ حينما كان يدخل عليه السّلام روضة العسكريّين عليهما السّلام]
و بهذا السند عن المولى المذكور قال صلينا مع جنابه في داخل حرم العسكريين ع فلما أراد النهوض من التشهد إلى الركعة الثالثة عرضته حالة فوقف هنيئة ثم قام.
و لما فرغنا تعجبنا كلنا و لم نفهم ما كان وجهه و لم يجترئ أحد منا على السؤال عنه إلى أن أتينا المنزل و أحضرت المائدة فأشار إلي بعض السادة من أصحابنا أن أسأله منه فقلت لا و أنت أقرب منا فالتفت رحمه الله إلي و قال فيم تقاولون قلت و كنت أجسر الناس عليه إنهم يريدون الكشف عما عرض لكم في حال الصلاة فقال إن الحجة عجل الله تعالى فرجه دخل الروضة للسلام على أبيه ع فعرضني ما رأيتم من مشاهدة جماله الأنور إلى أن خرج منها.
الحكاية الثانية عشرة [مجيئه عليه السّلام إلى دار السيّد مهدي بحر العلوم العلّامة الطباطبائي لزيارته و تفقّده عند ما كان مجاورا بمكّة زادها اللّه شرفا]
بهذا السند عن ناظر أموره في أيام مجاورته بمكة قال كان رحمه الله مع كونه في بلد الغربة منقطعا عن الأهل و الإخوة قوي القلب في البذل و العطاء غير مكترث بكثرة المصارف فاتفق في بعض الأيام أن لم نجد إلى درهم سبيلا فعرفته الحال و كثرة المئونة و انعدام المال فلم يقل شيئا و كان دأبه أن يطوف بالبيت بعد الصبح و يأتي إلى الدار فيجلس في القبة المختصة به و نأتي إليه بغليان فيشربه ثم يخرج إلى قبة أخرى تجتمع فيها تلامذته من كل المذاهب فيدرس لكل على مذهبه.
فلما رجع من الطواف في اليوم الذي شكوته في أمسه نفود النفقة و أحضرت الغليان على العادة فإذا بالباب يدقه أحد فاضطرب أشد الاضطراب و قال لي خذ الغليان و أخرجه من هذا المكان و قام مسرعا خارجا عن الوقار و السكينة و الآداب ففتح الباب و دخل شخص جليل في هيئة الأعراب و جلس في تلك القبة
و قعد السيد عند بابها في نهاية الذلة و المسكنة و أشار إلي أن لا أقرب إليه الغليان.
فقعدا ساعة يتحدثان ثم قام فقام السيد مسرعا و فتح الباب و قبل يده و أركبه على جمله الذي أناخه عنده و مضى لشأنه و رجع السيد متغير اللون و ناولني براة و قال هذه حوالة على رجل صراف قاعد في جبل الصفا و اذهب إليه و خذ منه ما أحيل عليه.
قال فأخذتها و أتيت بها إلى الرجل الموصوف فلما نظر إليها قبلها و قال علي بالحماميل فذهبت و أتيت بأربعة حماميل فجاء بالدراهم من الصنف الذي يقال له ريال فرانسه يزيد كل واحد على خمسة قرانات العجم و ما كانوا يقدرون على حمله فحملوها على أكتافهم و أتينا بها إلى الدار.
و لما كان في بعض الأيام ذهبت إلى الصراف لأسأل منه حاله و ممن كانت تلك الحوالة فلم أر صرافا و لا دكانا فسألت عن بعض من حضر في ذلك المكان عن الصراف فقال ما عهدنا في هذا المكان صرافا أبدا و إنما يقعد فيه فلان فعرفت أنه من أسرار الملك المنان و ألطاف ولي الرحمن.
- و حدثني بهذه الحكاية الشيخ العالم الفقيه النحرير المحقق الوجيه صاحب التصانيف الرائقة و المناقب الفائقة الشيخ محمد حسين الكاظمي المجاور بالغري أطال الله بقاه عمن حدثه من الثقات عن الشخص المذكور .
الحكاية الثالثة عشرة
12 حدثني السيد السند و العالم المعتمد المحقق الخبير و المضطلع البصير السيد علي سبط السيد أعلى الله مقامه و كان عالما مبرزا له شرح النافع حسن نافع جدا و غيره عن الورع التقي النقي الوفي الصفي السيد مرتضى صهر السيد أعلى الله مقامه على بنت أخته و كان مصاحبا له في السفر و الحضر مواظبا لخدماته في السر و العلانية قال كنت معه في سرمنرأى في بعض أسفار زيارته و كان
السيد ينام في حجرة وحده و كان لي حجرة بجنب حجرته و كنت في نهاية المواظبة في أوقات خدماته بالليل و النهار و كان يجتمع إليه الناس في أول الليل إلى أن يذهب شطر منه في أكثر الليالي.
فاتفق أنه في بعض الليالي قعد على عادته و الناس مجتمعون حوله فرأيته كأنه يكره الاجتماع و يحب الخلوة و يتكلم مع كل واحد بكلام فيه إشارة إلى تعجيله بالخروج من عنده فتفرق الناس و لم يبق غيري فأمرني بالخروج فخرجت إلى حجرتي متفكرا في حالته في تلك الليلة فمنعني الرقاد فصبرت زمانا فخرجت متخفيا لأتفقد حاله فرأيت باب حجرته مغلقا فنظرت من شق الباب و إذا السراج بحاله و ليس فيه أحد فدخلت الحجرة فعرفت من وضعها أنه ما نام في تلك الليلة.
فخرجت حافيا متخفيا أطلب خبره و أقفو أثره فدخلت الصحن الشريف فرأيت أبواب قبة العسكريين مغلقة فتفقدت أطراف خارجها فلم أجد منه أثرا فدخلت الصحن الأخير الذي فيه السرداب فرأيته مفتح الأبواب.
فنزلت من الدرج حافيا متخفيا متأنيا بحيث لا يسمع مني حس و لا حركة فسمعت همهمة من صفة السرداب كان أحدا يتكلم مع الآخر و لم أميز الكلمات إلى أن بقيت ثلاثة أو أربعة منها و كان دبيبي أخفى من دبيب النملة في الليلة الظلماء على الصخرة الصماء فإذا بالسيد قد نادى في مكانه هناك يا سيد مرتضى ما تصنع و لم خرجت من المنزل.
فبقيت متحيرا ساكتا كالخشب المسندة فعزمت على الرجوع قبل الجواب ثم قلت في نفسي كيف تخفي حالك على من عرفك من غير طريق الحواس فأجبته معتذرا نادما و نزلت في خلال الاعتذار إلى حيث شاهدت الصفة فرأيته وحده واقفا تجاه القبلة ليس لغيره هناك أثر فعرفت أنه يناجي الغائب عن أبصار البشر عليه سلام الله الملك الأكبر فرجعت حريا لكل ملامة غريقا في بحار الندامة إلى يوم القيامة.
الحكاية الرابعة عشرة
12 حدث الشيخ الصالح الصفي الشيخ أحمد الصدتوماني و كان ثقة تقيا ورعا قال قد استفاض عن جدنا المولى محمد سعيد الصدتوماني و كان من تلامذة السيد رحمه الله أنه جرى في مجلسه ذكر قضايا مصادفة رؤية المهدي ع حتى تكلم هو في جملة من تكلم في ذلك فقال أحببت ذات يوم أن أصل إلى مسجد السهلة في وقت ظننته فيه فارغا من الناس فلما انتهيت إليه وجدته غاصا بالناس و لهم دوي و لا أعهد أن يكون في ذلك الوقت فيه أحد.
فدخلت فوجدت صفوفا صافين للصلاة جامعة فوقفت إلى جنب الحائط على موضع فيه رمل فعلوته لأنظر هل أجد خللا في الصفوف فاسدة فرأيت موضع رجل واحد في صف من تلك الصفوف فذهبت إليه و وقفت فيه.
فقال رجل من الحاضرين هل رأيت المهدي ع فعند ذلك سكت السيد و كأنه كان نائما ثم انتبه فكلما طلب منه إتمام المطلب لم يتمه.
الحكاية الخامسة عشرة
12 حدث الشيخ الفاضل العالم الثقة الشيخ باقر الكاظمي المجاور في النجف الأشرف آل الشيخ طالب نجل العالم العابد الشيخ هادي الكاظمي قال كان في النجف الأشرف رجل مؤمن يسمى الشيخ محمد حسن السريرة و كان في سلك أهل العلم ذا نية صادقة و كان معه مرض السعال إذا سعل يخرج من صدره مع الأخلاط دم و كان مع ذلك في غاية الفقر و الاحتياج لا يملك قوت يومه و كان يخرج في أغلب أوقاته إلى البادية إلى الأعراب الذين في أطراف النجف الأشرف ليحصل له قوت و لو شعير و ما كان يتيسر ذلك على وجه يكفيه مع شدة رجائه و كان مع ذلك قد تعلق قلبه بتزويج امرأة من أهل النجف و كان يطلبها من أهلها و ما أجابوه إلى ذلك لقلة ذات يده و كان في هم و غم شديد من جهة ابتلائه بذلك
فلما اشتد به الفقر و المرض و أيس من تزويج البنت عزم على ما هو معروف عند أهل النجف من أنه من أصابه أمر فواظب الرواح إلى مسجد الكوفة أربعين ليلة الأربعاء فلا بد أن يرى صاحب الأمر عجل الله فرجه من حيث لا يعلم و يقضي له مراده.
قال الشيخ باقر قدس سره قال الشيخ محمد فواظبت على ذلك أربعين ليلة بالأربعاء فلما كانت الليلة الأخيرة و كانت ليلة شتاء مظلمة و قد هبت ريح عاصفة فيها قليل من المطر و أنا جالس في الدكة التي هي داخل في باب المسجد و كانت الدكة الشرقية المقابلة للباب الأول تكون على الطرف الأيسر عند دخول المسجد و لا أتمكن الدخول في المسجد من جهة سعال الدم و لا يمكن قذفه في المسجد و ليس معي شيء أتقي فيه عن البرد و قد ضاق صدري و اشتد علي همي و غمي و ضاقت الدنيا في عيني و أفكر أن الليالي قد انقضت و هذه آخرها و ما رأيت أحدا و لا ظهر لي شيء و قد تعبت هذا التعب العظيم و تحملت المشاق و الخوف في أربعين ليلة أجيء فيها من النجف إلى مسجد الكوفة و يكون لي الإياس من ذلك.
فبينما أنا أفكر في ذلك و ليس في المسجد أحد أبدا و قد أوقدت نارا لأسخن عليها قهوة جئت بها من النجف لا أتمكن من تركها لتعودي بها و كانت قليلة جدا إذا بشخص من جهة الباب الأول متوجها إلي فلما نظرته من بعيد تكدرت و قلت في نفسي هذا أعرابي من أطراف المسجد قد جاء إلي ليشرب من القهوة و أبقى بلا قهوة في هذا الليل المظلم و يزيد علي همي و غمي.