کتابخانه روایات شیعه
بحار الأنوار (ط - بيروت) - ج 1تا15
الجزء الثالث و الستون
تتمة كتاب السماء و العالم
كلمة المصّحح
بسم اللّه الرّحمن الرّحيم
الحمد للّه ربّ العالمين و الصلاة و السلام على رسوله محمّد و عترته الطاهرين.
و بعد فهذا الجزء السادس و الستون من كتاب بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأبرار حسب تجزئتنا لهذا الموسوعة الكبيرة و به تمّ كتاب السماء و العالم أعني المجلّد الرابع عشر حسب تجزئة العلّامة قابلناه على طبعة الكمبانيّ المشهورة بطبع أمين الضرب و هكذا على نصّ المصادر التي استخرجت الأحاديث منها
ثمّ على نسخة مخطوطة كاملة استلمناها من العلم الحجّة آية اللّه السيّد شهاب الدين المرعشيّ النجفيّ دامت بركاته و هي نسخة جيّدة نفيسة تاريخ كتابتها 1235 و الكاتب أبو القاسم بن الحسين الرضويّ الموسويّ الخونساريّ قابلنا مطبوعتنا هذه عليها حرفاً بحرف عن الطباعة و اللّه هو الموفّق للصواب.
محمد الباقر البهبوديّ رجب الاصب عام 1393 ه ق
تتمة أبواب الصيد و الذبائح
باب 9 ذبائح الكفار من أهل الكتاب و غيرهم و النصاب و المخالفين
الآيات المائدة الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ وَ طَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حِلٌّ لَكُمْ وَ طَعامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ 2705 تفسير المراد باليوم الآن لا اليوم المتعارف و الطيبات كل مستطاب من الأطعمة كما فهمه القوم أو كل ما فيه جهة حسن واقعي وَ طَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حِلٌّ لَكُمْ قيل المراد بالطعام الذبائح و غيرها و قيل مخصوص بالذبائح و
رُوِيَ عَنِ الصَّادِقِ ع أَنَّهُ مُخْتَصٌّ بِالْحُبُوبِ وَ مَا لَا يَحْتَاجُ إِلَى التَّذْكِيَةِ.
وَ طَعامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ أي لأهل الكتاب فلا عليكم جناح أن تطعموهم.
قال شيخنا البهائي ره في رسالته المعمولة لحكم ذبائح أهل الكتاب لا خلاف بين علماء الإسلام في تحريم ذبائح من عدا اليهود و النصارى و المجوس من أصناف الكفار و إنما الخلاف في الأصناف الثلاثة لا غير فذهب جمهور الإمامية كالشيخ المفيد محمد بن محمد بن النعمان و الشيخ أبي جعفر الطوسي و السيد المرتضى علم الهدى و أبي
الصلاح و ابن حمزة و ابن إدريس و العلامة جمال الدين و المحقق نجم الدين و الشيخ محمد بن مكي و سائر المتأخرين عطّر الله مضاجعهم إلى أن ذبائحهم محرّمة لا يجوز الأكل منها على حال من الأحوال سواء ذكر اسم الله تعالى عليها أم لا و وافقهم على ذلك الحنابلة و ذهب الحنفية و الشافعية و المالكية إلى إباحة ذبائح أهل الكتاب و إن لم يذكر اسم الله عليها و وافقهم الشاذ من علماء الإمامية كابن أبي عقيل.
و قال محمد بن بابويه طاب ثراه إذا سمعنا اليهودي و النصراني و المجوسي يذكر اسم الله تعالى عند الذبح فإن ذبيحته تحل لنا و إلا فلا و إلحاق المجوسي باليهودي و النصراني لأن لهم شبهة كتاب.
ثم اختلف علماء الأمة في ذبيحة المسلم إذا ترك التسمية فذهب الحنابلة و داود الأصفهاني إلى تحريم أكلها سواء ترك التسمية عمدا أو سهوا و وافقهم صاحب الكشاف مع أنه حنفي الفروع حيث قال من حق ذي البصيرة في دينه أن لا يأكل مما لم يذكر اسم الله عليه كيف ما كان لما ترى في الآية من التشديد العظيم هذا كلامه.
و ذهب الشافعية و المالكية إلى إباحة أكلها مطلقا و ذهب جماهير الإمامية إلى التفصيل بأنه إن تركها عمدا حرم أكلها و إن تركها سهوا لم يحرم و هو مذهب الحنفية فهذه هي المذاهب المشهورة.
ثم قال احتج جمهور الإمامية على تحريم ذبائح أهل الكتاب بقوله تعالى وَ لا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَ إِنَّهُ لَفِسْقٌ 2706 و أهل الكتاب لا يذكرون اسم الله على ذبائحهم فتكون محرمة بنص الكتاب و لو فرض أن النصراني تلفظ باسم الله عند الذبح فإنما يقصد الإله الذي يعتقد أنه أب المسيح و كذا اليهودي إنما يعني الإله الذي عزير ابنه فوجود اللفظ في الحقيقة كعدمه.
و أما تأويل قوله سبحانه مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ بالميتة فظاهر البعد و قوله تعالى عقيب ذلك وَ إِنَّ الشَّياطِينَ لَيُوحُونَ إلى قوله سبحانه إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ لا يدل عليه كما سنذكره و أبعد منه تأويل مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ بما ذكر غير
اسم الله عليه.
و أما وقوع مثل هذا التأويل في قوله تعالى وَ مَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ 2707 فإنما هو لعدم استقامة الكلام بدونه بخلاف ما نحن فيه على أن ارتكابه هنا لا يشفي العليل لما نقل أن النصارى يذكرون اسم المسيح عند الذبح.
و احتج الإمامية أيضا بالروايات
عَنْ أَئِمَّةِ أَهْلِ الْبَيْتِ كَمَا رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ 2708 عَنِ الْإِمَامِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْبَاقِرِ ع قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنِ النَّصَارَى أَ تُؤْكَلُ ذَبَائِحُهُمْ فَقَالَ كَانَ عَلِيٌّ ع يَنْهَى عَنْ ذَبَائِحِهِمْ وَ عَنْ صَيْدِهِمْ وَ عَنْ مُنَاكَحَتِهِمْ.
وَ كَمَا رَوَاهُ إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَابِرٍ 2709 عَنِ الْإِمَامِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ الصَّادِقِ ع أَنَّهُ قَالَ عِنْدَ جَرَيَانِ ذِكْرِ أَهْلِ الْكِتَابِ لَا تَأْكُلُوا ذَبَائِحَهُمْ.
وَ كَمَا رَوَاهُ سَمَاعَةُ بْنُ مِهْرَانَ 2710 عَنِ الْإِمَامِ مُوسَى الْكَاظِمِ ع قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنْ ذَبِيحَةِ الْيَهُودِيِّ وَ النَّصْرَانِيِّ قَالَ لَا تَقْرَبْهُمَا.
وَ كَمَا رَوَاهُ زَكَرِيَّا بْنُ آدَمَ 2711 عَنِ الْإِمَامِ عَلِيِّ بْنِ مُوسَى الرِّضَا ع أَنَّهُ قَالَ: أَنْهَاكَ عَنْ ذَبِيحَةِ كُلِّ مَنْ كَانَ عَلَى خِلَافِ الدِّينِ الَّذِي أَنْتَ عَلَيْهِ وَ أَصْحَابُكَ إِلَّا عِنْدَ الضَّرُورَةِ.
و الروايات عنهم بذلك كثيرة كما تضمنه كتاب تهذيب الأخبار و كتاب الكافي و غيرهما من كتب الحديث و الروايات النافية لها لا تصلح لمعارضتها لأن هذه معتضدة عندنا بالشهرة المقاربة للإجماع.
ثم قال ره احتج الحنفية و الشافعية و المالكية على إباحة ذبائح اليهود و النصارى بوجوه.
الأول الأصل في الأشياء الحل حتى يتبين التحريم و لم يثبت.
الثاني قوله تعالى وَ طَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حِلٌّ لَكُمْ وَ طَعامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ و الطعام يشمل اللحم و غيره و الآية ناطقة بجواز أكل ذبائحهم.
و أما التنافي بينهما و بين قوله تعالى وَ لا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ 2712 فيمكن دفعه بوجهين.
الأول أن يحمل الموصول على الميتة كما رواه ابن أبي حاتم عن ابن عباس.
2713 و يدل عليه قوله تعالى في هذه الآية وَ إِنَّ الشَّياطِينَ لَيُوحُونَ إِلى أَوْلِيائِهِمْ لِيُجادِلُوكُمْ فقد روي في تفسيرها أن الكفار كانوا يقولون للمسلمين إنكم تزعمون أنكم تعبدون الله فما قتل الله أحق أن تأكلوه مما قتلتموه و وجه التأييد أنهم أرادوا بما قتل الله ما مات حتف أنفه فينبغي حمل الموصول في صدر الآية على ذلك أيضا ليتلاءم أجزاء الكلام و يخرج عن التنافر.
الوجه الثاني أن يؤول الصلة بما ذكر غير اسم الله عليه حيث قال جل ثناؤه قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ 2714 الآية قرينة ظاهرة على أن المراد به في تلك الآية هذا المعنى لا غير فالواو في قوله سبحانه وَ إِنَّهُ لَفِسْقٌ واو الحال أي لا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه حال كونه فسقا أي أهل به لغير الله و لا يستقيم كونها للعطف لما يلزم من عطف الخبر على الإنشاء.
الثالث روي أن النبي ص أكل من الذراع المسموم الذي أهدته إليه اليهودية و كان مرض السم يعاوده في بعض الأوقات إلى أن مات ص من ذلك و أكله من ذلك اللحم يدل على حل ذبيحة اليهود.
و احتج الحنابلة على تحريم ذبيحة المسلم إذا ترك التسمية سواء تركها عمدا أو سهوا بظاهر الآية وَ لا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ و احتج المالكية و الشافعية على إباحتها مطلقا
بِظَاهِرِ قَوْلِهِ ص ذَبِيحَةُ الْمُسْلِمِ حَلَالٌ وَ إِنْ لَمْ يَذْكُرِ اسْمَ اللَّهِ 2715 .