کتابخانه روایات شیعه
بحار الأنوار (ط - بيروت) - ج 1تا15
الْحَالِ ثُمَّ صَمَتَ فَلَمْ يَتَكَلَّمْ حَتَّى مَضَتْ لَهُ سَنَتَانِ وَ كَانَ زَكَرِيَّا الْحُجَّةَ لِلَّهِ عَلَى النَّاسِ بَعْدَ صَمْتِ عِيسَى بِسَنَتَيْنِ ثُمَّ مَاتَ زَكَرِيَّا فَوَرِثَهُ ابْنُهُ يَحْيَى الْكِتَابَ وَ الْحِكْمَةَ وَ هُوَ صَبِيٌّ صَغِيرٌ أَ مَا تَسْمَعُ لِقَوْلِهِ عَزَّ وَ جَلَ يا يَحْيى خُذِ الْكِتابَ بِقُوَّةٍ وَ آتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا 5899 فَلَمَّا بَلَغَ عِيسَى ع سَبْعَ سِنِينَ تَكَلَّمَ بِالنُّبُوَّةِ وَ الرِّسَالَةِ حِينَ أَوْحَى اللَّهُ تَعَالَى إِلَيْهِ فَكَانَ عِيسَى الْحُجَّةَ عَلَى يَحْيَى وَ عَلَى النَّاسِ أَجْمَعِينَ إِلَى آخِرِ الْخَبَرِ 5900 .
و قد ورد في أخبار كثيرة أن الله لم يعط نبيا فضيلة و لا كرامة و لا معجزة إلا و قد أعطاه نبينا ص فكيف جاز أن يكون عيسى ع في المهد نبيا و لم يكن نبينا ص إلى أربعين سنة نبيا و يؤيده ما مر في أخبار ولادته ص و ما ظهر منه في تلك الحال من إظهار النبوة و ما مر و سيأتي من أحوالهم و كمالهم في عالم الأظلة و عند الميثاق و أنهم كانوا يعبدون الله تعالى و يسبحونه في حجب النور قبل خلق آدم ع و أن الملائكة منهم تعلموا التسبيح و التهليل و التقديس إلى غير ذلك من الأخبار الواردة في بدء أنوارهم
وَ يُؤَيِّدُهُ مَا وَرَدَ فِي أَخْبَارِ وِلَادَةِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ع أَنَّهُ ع قَرَأَ الْكُتُبَ السَّمَاوِيَّةَ عَلَى النَّبِيِّ ص بَعْدَ وِلَادَتِهِ.
و ما سيأتي من أن القائم ع في حجر أبيه ع أجاب عن المسائل الغامضة و أخبر عن الأمور الغائبة و كذا سائر الأئمة ع كما سيأتي في أخبار ولادتهم ع و معجزاتهم فكيف يجوز عاقل أن يكون النبي ص في ذلك أدون منهم جميعا.
الخامس أنه ص بعد ما بلغ حد التكليف لا بد من أن يكون إما نبيا عاملا بشريعته أو تابعا لغيره لما سيأتي من الأخبار المتواترة أن الله لا يخلي الزمان من حجة و لا يرفع التكليف عن أحد و قد كان في زمانه أوصياء عيسى ع و أوصياء إبراهيم ع فلو لم يكن أوحي إليه بشريعة و لم يعلم أنه نبي كيف جاز له أن لا يتابع أوصياء عيسى ع و لا يعمل بشريعتهم إن كان عيسى ع مبعوثا إلى الكافة و إن لم يكن مبعوثا إلى الكافة و كان شريعة إبراهيم ع باقيا في بني إسماعيل كما هو الظاهر فكان عليه أن يتبع أوصياء إبراهيم ع و يكونوا حجة عليه ص و هو باطل بوجهين
أحدهما أنه يلزم أن يكونوا أفضل منه كما مر تقريره.
و ثانيهما ما مر من نفي كونه محجوجا بأبي طالب و بأبي 5901 بل كانا مستودعين للوصايا.
السادس أنه لا شك في أنه ص كان يعبد الله قبل بعثته بما لا يعلم إلا بالشرع كالطواف و الحج و غيرهما كما سيأتي أنه ص حج عشرين حجة مستسرا 5902 و قد ورد في أخبار كثيرة أنه ص كان يطوف و أنه كان يعبد الله في حراء و أنه كان يراعي الآداب المنقولة من التسمية و التحميد عند الأكل و غيره 5903 و كيف يجوز ذو مسكة من العقل على الله تعالى أن يهمل أفضل أنبيائه أربعين سنة بغير عبادة و المكابرة في ذلك سفسطة فلا يخلو إما أن يكون عاملا بشريعة مختصة به أوحى الله إليه و هو المطلوب أو عاملا بشريعة غيره و هو لا يخلو من وجوه.
الأول أن يكون علم وجوب عمله بشريعة غيره و كيفية الشريعة من الوحي و هو المطلوب أيضا لأنه ص حينئذ يكون عاملا بشريعة نفسه موافقا لشريعة من تقدمه كما مر تقريره في كلام السيد رحمه الله.
الثاني أن يكون علمهما جميعا من شريعة غيره و هو باطل كما عرفت بوجهين أحدهما أنه يلزم كون من يعمل بشريعته أفضل منه.
و ثانيهما أنه معلوم أنه ص لم يراجع في شيء من الأمور إلى غيره و لم يخالط أهل الكتاب و كان هذا من معجزاته ص أنه أتى بالقصص مع أنه لم يخالط العلماء و لم يتعلم منهم كما مر في وجوه إعجاز القرآن و قد قال تعالى هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ 5904 و المكابرة في هذا أيضا مما لا يأتي به عاقل.
الثالث أنه ص علم وجوب العمل بشريعة من قبله بالوحي و أخذ الشريعة من أربابها و هذا مع تضمنه للمطلوب كما عرفت إذ لا يلزم منه إلا أن يكون نبيا أوحي إليه أن يعمل بشريعة موافقة لشريعة من تقدمه باطل بما عرفت من العلم بعدم رجوعه ص إلى أرباب الشرائع قط في شيء من أموره و أما عكس ذلك فهو غير متصور إذ لا يجوز عاقل أن يوحي الله إلى عبده بكيفية شريعة لأن يعمل بها و لا يأمره بالعمل بها حتى يلزمه الرجوع في ذلك إلى غيره مع أنه يلزم أن يكون تابعا لغيره مفضولا و قد عرفت بطلانه ثم إن قول من ذهب إلى أنه ص كان عاملا بالشرائع المنسوخة كشريعة نوح و موسى ع فهو أشد فسادا لأنه بعد نسخ شرائعهم كيف جاز له ص العمل بها إلا بأن يعلم بالوحي أنه يلزمه العمل بها و مع ذلك لا يكون عاملا بتلك الشريعة بل بشريعة نفسه موافقا لشرائعهم كما عرفت و أما استدلالهم بقوله تعالى ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَ لَا الْإِيمانُ 5905 فلا يدل إلا على أنه ص كان في حال لم يكن يعلم القرآن و بعض شرائع الإيمان و لعل ذلك كان في حال ولادته قبل تأييده بروح القدس كما دلت عليه رواية أبي حمزة 5906 و غيرها و هذا لا ينافي نبوته قبل الرسالة و العمل بشريعة نفسه قبل نزول الكتاب و بعد ما قررنا المطلوب في هذا الباب و ما ذكرنا من الدلائل لا يخفى عليك ضعف بعض ما نقلنا في ذلك عن بعض الأعاظم و لا نتعرض للقدح فيها بعد وضوح الحق و لو أردنا الاستقصاء في إيراد الدلائل و دفع الشبهة لطال الكلام و لخرجنا عن مقصودنا من الكتاب و الله الموفق للصواب 5907 .
باب 3 إثبات المعراج و معناه و كيفيته و صفته و ما جرى فيه و وصف البراق
الآيات الإسراء سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بارَكْنا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ الزخرف وَ سْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنا أَ جَعَلْنا مِنْ دُونِ الرَّحْمنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ النجم عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوى ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوى وَ هُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلى ثُمَّ دَنا فَتَدَلَّى فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ ما أَوْحى ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى أَ فَتُمارُونَهُ عَلى ما يَرى وَ لَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى عِنْدَها جَنَّةُ الْمَأْوى إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ ما يَغْشى ما زاغَ الْبَصَرُ وَ ما طَغى لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى تفسير قال الطبرسي رحمه الله نزلت الآية في إسرائه ص و كان ذلك بمكة صلى المغرب في المسجد ثم أسري به في ليلته ثم رجع فصلى الصبح في المسجد الحرام فأما الموضع الذي أسري إليه أين كان قيل كان الإسراء إلى بيت المقدس و قد نطق به القرآن و لا يدفعه مسلم و ما قاله بعضهم إن ذلك كان في النوم فظاهر البطلان إذ لا معجز يكون فيه و لا برهان و قد وردت روايات كثيرة في قصة المعراج و عروج نبينا ص إلى السماء و رواها كثير من الصحابة مثل ابن عباس و ابن مسعود و أنس و جابر بن عبد الله و حذيفة و عائشة و أم هانئ و غيرهم عن النبي ص و زاد بعضهم و نقص بعض و تنقسم جملتها إلى أربعة أوجه أحدها ما يقطع على صحته لتواتر الأخبار به و إحاطة العلم بصحته.
و ثانيها ما ورد في ذلك مما تجوزه العقول و لا تأباه الأصول فنحن نجوزه ثم
نقطع على أن ذلك كان في يقظته دون منامه.
و ثالثها ما يكون ظاهره مخالفا لبعض الأصول إلا أنه يمكن تأويلها على وجه يوافق المعقول فالأولى أن نأوله على ما يطابق الحق و الدليل.
و رابعها ما لا يصح ظاهره و لا يمكن تأويله إلا على التعسف البعيد فالأولى أن لا نقبله فأما الأول المقطوع به فهو أنه أسري به ص على الجملة و أما الثاني فمنه ما روي عنه ص أنه طاف في السماوات و رأى الأنبياء و العرش و سدرة المنتهى و الجنة و النار و نحو ذلك و أما الثالث فنحو ما روي أنه رأى قوما في الجنة يتنعمون فيها و رأى قوما في النار يعذبون فيها فيحمل على أنه رأى صفتهم و أسماءهم 5908 و أما الرابع فنحو ما روي أنه ص كلم الله سبحانه جهرة و رآه و قعد معه على سريره و نحو ذلك مما يوجب ظاهره التشبيه و الله سبحانه يتقدس عن ذلك و كذلك ما روي أنه شق بطنه و غسل لأنه ص كان طاهرا مطهرا من كل سوء و عيب و كيف يطهر القلب و ما فيه من الاعتقاد بالماء سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ سبحان كلمة تنزيه لله عما لا يليق به و قيل يراد به التعجب 5909 و السرى السير بالليل لَيْلًا قالوا كان ذلك الليل قبل الهجرة بسنة مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ قال أكثر المفسرين أسري به ص من دار أم هانئ أخت علي ع و زوجها هبيرة بن أبي وهب المخزومي و كان ص نائما في تلك الليلة في بيتها و إن المراد بالمسجد الحرام هنا مكة و مكة و الحرم كلها مسجد و قال الحسن و قتادة كان الإسراء من نفس المسجد الحرام إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى يعني بيت المقدس لبعد المسافة بينه و بين المسجد الحرام الَّذِي بارَكْنا حَوْلَهُ أي جعلنا البركة فيما حوله من الأشجار و الثمار و النبات و الأمن و الخصب حتى لا يحتاجوا إلى أن يجلب إليهم من موضع آخر أو بأن جعلناه مقر الأنبياء و مهبط الملائكة لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا أي من عجائب حججنا و منها إسراؤه في ليلة واحدة من مكة إلى هناك و منها أن أراه
الأنبياء واحدا بعد واحد و أن عرج به إلى السماء و غير ذلك من العجائب التي أخبر بها الناس إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ لأقوال من صدق بذلك أو كذب الْبَصِيرُ بما فعل من الإسراء و المعراج انتهى 5910 .
و قال الرازي في تفسيره اختلف المسلمون في كيفية ذلك الإسراء فالأكثرون من طوائف المسلمين اتفقوا على أنه أسري بجسد رسول الله ص و الأقلون قالوا إنه ما أسري إلا بروحه.
حكى محمد بن جرير الطبري في تفسيره عن حذيفة أنه قال كان ذلك رؤيا 5911 و أنه ما فقد جسد رسول الله ص و إنما أسري بروحه و حكي هذا القول أيضا عن عائشة و عن معاوية و اعلم أن الكلام في هذا الباب يقع في مقامين.
أحدهما في إثبات الجواز العقلي و الثاني في الوقوع.
أما الأول فنقول الحركة الواقعة في السرعة إلى هذا الحد ممكنة في نفسها و الله تعالى قادر على جميع الممكنات فنفتقر إلى مقدمتين.
أما الأولى فبوجوه.
الأول أن الفلك الأعظم يتحرك من أول الليل إلى آخره ما يقرب من نصف الدور و قد ثبت في الهندسة أن نسبة القطر إلى الدور نسبة الواحد إلى ثلاثة و سبع فيلزم أن تكون نسبة نصف القطر إلى نصف الدور نسبة الواحد إلى ثلاثة و سبع و بتقدير أن يقال إن رسول الله ص ارتفع من مكة إلى ما فوق الفلك الأعظم فهو لم يتحرك إلا مقدار نصف
القطر فلما حصل في ذلك القدر من الزمان حركة نصف الدور كان حصول الحركة بمقدار نصف القطر أولى بالإمكان فهذا برهان قاطع على أن الارتفاع من مكة إلى ما فوق العرش في مقدار ثلث الليل أمر ممكن في نفسه و إذا كان كذلك كان حصوله في كل الليل أولى بالإمكان 5912 .
الثاني أنه ثبت في الهندسة أن قرص الشمس يساوي كرة الأرض مائة و ستين مرة و كذا مرة ثم إنا نشاهد أن طلوع القرص يحصل في زمان لطيف سريع و ذلك يدل على أن بلوغ الحركة في السرعة إلى الحد المذكور أمر ممكن في نفسه.
الثالث أنه كما يستبعد في العقل صعود الجسم الكثيف من مركز العالم إلى ما فوق العرش فكذلك يستبعد نزول الجسم اللطيف الروحاني من فوق العرش إلى مركز العالم فإن كان القول بمعراج محمد ص في الليلة الواحدة ممتنعا في العقول كان القول بنزول جبرئيل ع من العرش إلى مكة في اللحظة الواحدة ممتنعا و لو حكمنا بهذا الامتناع كان طعنا في نبوة جميع الأنبياء ع و القول بثبوت المعراج فرع على تسليم جواز أصل النبوة.
الرابع أن أكثر أرباب الملل و النحل يسلمون وجود إبليس و يسلمون أنه هو الذي يتولى إلقاء الوسوسة في قلوب بني آدم فلما سلموا جواز مثل هذه الحركة السريعة في حق إبليس فلأن يسلموا جوازها في حق أكابر الأنبياء كان ذلك أولى.
الخامس أنه جاء في القرآن أن الرياح كانت تسير بسليمان ع إلى المواضع البعيدة في الأوقات القليلة بل نقول الحس يدل على أن الرياح تنتقل عند شدة هبوبها من مكان إلى مكان في غاية البعد في اللحظة الواحدة و ذلك أيضا يدل على أن مثل هذه الحركة السريعة في نفسها ممكنة.