کتابخانه روایات شیعه
بحار الأنوار (ط - بيروت) - ج 1تا15
للمبرسمين و المجانين و كذا التعقل إذا اشتد يصير مشاهدة قلبية و رؤية عقلية لا خيالية و لا حسية و بالجملة الإحساس و التخيل و التعقل أنواع متقابلة من المدارك كل منها في عالم آخر من العوالم الثلاثة و يكون تأكد كل منها حجابا مانعا عن الوصول إلى الآخر فإذا تمهد هذا فنقول اتفق الجميع أن المعرفة من جهة الرؤية أمر ضروري و أن رؤية الشيء متضمنة لمعرفته بالضرورة بل الرؤية بالحس نوع من المعرفة فإن من رأى شيئا فقد عرفه بالضرورة فإن كان الإيمان بعينه هو هذه المعرفة التي مرجعها الإدراك البصري و الرؤية الحسية فلم تكن المعرفة العلمية التي حصلت للإنسان من جهة الاكتساب بطريق الفكر و النظر إيمانا لأنها ضده لأنك قد علمت أن الإحساس ضد التخيل و أن الصورة الحسية ضد الصورة العقلية فإذا لم يكن الإيمان بالحقيقة مشتركا بينهما و لا أمرا جامعا لهما لثبوت التضاد و غاية الخلاف بينهما و لا جنسا مبهما بينهما غير تام الحقيقة المتحصلة كجنس المتضادين مثل اللونية بين نوعي السواد و البياض لأن الإيمان أمر محصل و حقيقة معينة فهو إما هذا و إما ذاك فإذا كان ذاك لم يكن هذا و إن كان هذا لم يكن ذاك ثم ساق الدليل إلى آخره كما مر و لا يخفى أن شيئا من الوجوه لا يخلو من تكلفات إما لفظية و إما معنوية و لعله ع بنى ذلك على بعض المقدمات المقررة بين الخصوم في ذلك الزمان إلزاما عليهم كما صدر عنهم كثير من الأخبار كذلك و الله تعالى يعلم و حججه حقائق كلامهم ع. تذييل اعلم أن الأمة اختلفوا في رؤية الله تعالى على أقوال فذهبت الإمامية و المعتزلة 2374
إلى امتناعها مطلقا و ذهبت المشبهة 2375 و الكرامية 2376 إلى جواز رؤيته تعالى في الجهة و المكان لكونه تعالى عندهم جسما و ذهبت الأشاعرة إلى جواز رؤيته تعالى منزها عن المقابلة و الجهة و المكان. قال الآبي في كتاب إكمال الإكمال ناقلا عن بعض علمائهم أن رؤية الله تعالى جائزة في الدنيا عقلا و اختلف في وقوعها و في أنه هل رآه النبي ص ليلة الإسراء أم لا
فأنكرته عائشة 2377 و جماعة من الصحابة و التابعين و المتكلمين و أثبت ذلك ابن عباس 2378 و قال إن الله اختصه بالرؤية و موسى بالكلام و إبراهيم بالخلة و أخذ به جماعة من السلف و الأشعري في جماعة من أصحابه و ابن حنبل و كان الحسن يقسم لقد رآه و توقف فيه جماعة هذا حال رؤيته في الدنيا و أما رؤيته في الآخرة فجائزة عقلا و أجمع على وقوعها أهل السنة و أحالها المعتزلة و المرجئة و الخوارج و الفرق بين الدنيا و الآخرة أن القوى و الإدراكات ضعيفة في الدنيا حتى إذا كانوا في الآخرة و خلقهم للبقاء قوى إدراكهم فأطاقوا رؤيته انتهى كلامه. و قد عرفت مما مر أن استحالة ذلك مطلقا هو المعلوم من مذهب أهل البيت ع و عليه إجماع الشيعة باتفاق المخالف و المؤالف و قد دلت عليه الآيات الكريمة و أقيمت عليه البراهين الجلية و قد أشرنا إلى بعضها و تمام الكلام في ذلك موكول إلى الكتب الكلامية.
أبواب الصفات
باب 1 نفي التركيب و اختلاف المعاني و الصفات و أنه ليس محلا للحوادث و التغييرات و تأويل الآيات فيها و الفرق بين صفات الذات و صفات الأفعال
1- ن، عيون أخبار الرضا عليه السلام يد، التوحيد لي، الأمالي للصدوق الدَّقَّاقُ عَنِ الْأَسَدِيِّ عَنِ الْبَرْمَكِيِّ عَنِ الْفَضْلِ بْنِ سُلَيْمَانَ الْكُوفِيِّ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ خَالِدٍ قَالَ سَمِعْتُ الرِّضَا عَلِيَّ بْنَ مُوسَى ع يَقُولُ لَمْ يَزَلِ اللَّهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى عَالِماً قَادِراً حَيّاً قَدِيماً سَمِيعاً بَصِيراً فَقُلْتُ لَهُ يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ إِنَّ قَوْماً يَقُولُونَ إِنَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ لَمْ يَزَلْ عَالِماً بِعِلْمٍ وَ قَادِراً بِقُدْرَةٍ وَ حَيّاً بِحَيَاةٍ وَ قَدِيماً بِقِدَمٍ وَ سَمِيعاً بِسَمْعٍ وَ بَصِيراً بِبَصَرٍ فَقَالَ ع مَنْ قَالَ بِذَلِكَ وَ دَانَ بِهِ فَقَدِ اتَّخَذَ مَعَ اللَّهِ آلِهَةً أُخْرَى وَ لَيْسَ مِنْ وَلَايَتِنَا عَلَى شَيْءٍ ثُمَّ قَالَ ع لَمْ يَزَلِ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ عَالِماً قَادِراً حَيّاً قَدِيماً سَمِيعاً بَصِيراً لِذَاتِهِ تَعَالَى عَمَّا يَقُولُ الْمُشْرِكُونَ وَ الْمُشَبِّهُونَ عُلُوّاً كَبِيراً.
ج، الإحتجاج مرسلا مثله بيان اعلم أن أكثر أخبار هذا الباب تدل على نفي زيادة الصفات أي على نفي صفات موجودة زائدة على ذاته تعالى و أما كونها عين ذاته تعالى بمعنى أنها تصدق عليها أو أنها قائمة مقام الصفات الحاصلة في غيره تعالى أو أنها أمور اعتبارية غير موجودة في الخارج واجبة الثبوت لذاته تعالى فلا نص 2379 فيها على شيء منها و إن
كان الظاهر من بعضها أحد المعنيين الأولين و لتحقيق الكلام في ذلك مقام آخر. قال المحقق الدواني لا خلاف بين المتكلمين كلهم و الحكماء في كونه تعالى عالما قديرا مريدا متكلما و هكذا في سائر الصفات و لكنهم يخالفوا في أن الصفات عين ذاته أو غير ذاته أو لا هو و لا غيره فذهبت المعتزلة و الفلاسفة إلى الأول و جمهور المتكلمين 2380 إلى الثاني و الأشعري إلى الثالث و الفلاسفة حققوا عينية الصفات بأن ذاته تعالى من حيث إنه مبدأ لانكشاف الأشياء عليه علم و لما كان مبدأ الانكشاف عين ذاته كان عالما بذاته و كذا الحال في القدرة و الإرادة و غيرهما من الصفات قالوا و هذه المرتبة أعلى من أن تكون تلك الصفات زائدة عليه فإنا نحتاج في انكشاف الأشياء علينا إلى صفة مغايرة لنا قائمة بنا و الله تعالى لا يحتاج إليه بل بذاته ينكشف الأشياء عليه و لذلك قيل محصول كلامهم نفي الصفات و إثبات نتائجها و غاياتها و أما المعتزلة فظاهر كلامهم أنها عندهم من الاعتبارات العقلية التي لا وجود لها في الخارج انتهى.
2- يد، التوحيد لي، الأمالي للصدوق ابْنُ مَاجِيلَوَيْهِ عَنْ عَمِّهِ عَنِ الْكُوفِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ عَنْ أَبَانٍ الْأَحْمَرِ قَالَ: قُلْتُ لِلصَّادِقِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ ع أَخْبِرْنِي عَنِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى لَمْ يَزَلْ سَمِيعاً بَصِيراً عَلِيماً قَادِراً قَالَ نَعَمْ فَقُلْتُ لَهُ إِنَّ رَجُلًا يَنْتَحِلُ مُوَالاتَكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ يَقُولُ إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى لَمْ يَزَلْ سَمِيعاً بِسَمْعٍ وَ بَصِيراً بِبَصَرٍ وَ عَلِيماً بِعِلْمٍ وَ قَادِراً بِقُدْرَةٍ قَالَ فَغَضِبَ ع ثُمَّ قَالَ مَنْ قَالَ ذَلِكَ وَ دَانَ بِهِ فَهُوَ مُشْرِكٌ وَ لَيْسَ مِنْ وَلَايَتِنَا عَلَى شَيْءٍ إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى ذَاتٌ عَلَّامَةٌ سَمِيعَةٌ بَصِيرَةٌ قَادِرَةٌ.
3- يد، التوحيد لي، الأمالي للصدوق الْقَطَّانُ عَنِ السُّكَّرِيِّ عَنِ الْجَوْهَرِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَارَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَأَلْتُ الصَّادِقَ جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ ع فَقُلْتُ لَهُ يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ أَخْبِرْنِي عَنِ اللَّهِ هَلْ لَهُ رِضًى وَ سَخَطٌ فَقَالَ نَعَمْ وَ لَيْسَ ذَلِكَ عَلَى مَا يُوجَدُ مِنَ الْمَخْلُوقِينَ وَ لَكِنَّ غَضَبَ اللَّهِ عِقَابُهُ وَ رِضَاهُ ثَوَابُهُ.
4- يد، التوحيد ن، عيون أخبار الرضا عليه السلام ابْنُ عِصَامٍ عَنِ الْكُلَيْنِيِّ عَنِ الْعَلَّانِ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ مُوسَى عَنِ
الْحَسَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ أَخِيهِ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالَ: سَأَلْتُ الرِّضَا عَلِيَّ بْنَ مُوسَى ع عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ فَقَالَ إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى لَا يَنْسَى وَ لَا يَسْهُو وَ إِنَّمَا يَنْسَى وَ يَسْهُو الْمَخْلُوقُ الْمُحْدَثُ أَ لَا تَسْمَعُهُ عَزَّ وَ جَلَّ يَقُولُ وَ ما كانَ رَبُّكَ نَسِيًّا وَ إِنَّمَا يُجَازِي مَنْ نَسِيَهُ وَ نَسِيَ لِقَاءَ يَوْمِهِ بِأَنْ يُنْسِيَهُمْ أَنْفُسَهُمْ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْساهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ وَ قَالَ تَعَالَى فَالْيَوْمَ نَنْساهُمْ كَما نَسُوا لِقاءَ يَوْمِهِمْ هذا أَيْ نَتْرُكُهُمْ كَمَا تَرَكُوا الِاسْتِعْدَادَ لِلِقَاءِ يَوْمِهِمْ هَذَا.
قال الصدوق رحمه الله قوله نتركهم أي لا نجعل لهم ثواب من كان يرجو لقاء يومه لأن الترك لا يجوز على الله تعالى عز و جل و أما قول الله عز و جل وَ تَرَكَهُمْ فِي ظُلُماتٍ لا يُبْصِرُونَ أي لم يعاجلهم بالعقوبة و أمهلهم ليتوبوا. بيان أراد الصدوق رحمه الله أن ينبه على أن الترك لا يعنى به الإهمال فإن ترك التكليف في الدنيا أو ترك الجزاء في الآخرة لا يجوز على الله تعالى بل المراد ترك الإثابة و الرحمة و تشديد العذاب عليهم. ثم إنه ع أشار إلى الوجهين الذين يمكن أن يئول بهما أمثال تلك الآيات الأول أن يكون الله تعالى عبر عن جزاء النسيان بالنسيان على مجاز المشاكلة و الثاني أن يكون المراد بالنسيان الترك قال الجوهري النسيان الترك قال الله تعالى نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ و قوله تعالى وَ لا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ و قال البيضاوي نَسُوا اللَّهَ أغفلوا ذكر الله و تركوا طاعته فَنَسِيَهُمْ فتركهم من لطفه و فضله و قال وَ لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ نسوا حقه فَأَنْساهُمْ أَنْفُسَهُمْ فجعلهم ناسين لها حتى لم يسمعوا ما ينفعها و لم يفعلوا ما يخلصها أو أراهم يوم القيامة من الأهوال ما أنساهم أنفسهم.
5- يد، التوحيد مع، معاني الأخبار أَبِي عَنْ أَحْمَدَ بْنِ إِدْرِيسَ عَنِ الْبَرْقِيِّ عَنِ الْيَقْطِينِيِّ عَنْ حَمْزَةَ بْنِ الرَّبِيعِ عَمَّنْ ذَكَرَهُ قَالَ: كُنْتُ فِي مَجْلِسِ أَبِي جَعْفَرٍ ع 2381 إِذْ دَخَلَ عَلَيْهِ
عَمْرُو بْنُ عُبَيْدٍ 2382 فَقَالَ لَهُ جُعِلْتُ فِدَاكَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَ 2383 وَ مَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوى مَا ذَلِكَ الْغَضَبُ فَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ ع هُوَ الْعِقَابُ يَا عَمْرُو إِنَّهُ مَنْ زَعَمَ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ قَدْ زَالَ مِنْ شَيْءٍ إِلَى شَيْءٍ فَقَدْ وَصَفَهُ صِفَةَ مَخْلُوقٍ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ لَا يَسْتَفِزُّهُ شَيْءٌ وَ لَا يُغَيِّرُهُ 2384 .