کتابخانه روایات شیعه
بحار الأنوار (ط - بيروت) - ج 1تا15
بل كان الواجب عليه 34797 أن يردّ عليها و يوبّخها و يعرّفها أنّه ما حظر ذلك و إنّما تكون الآية حجّة عليه لو 34798 كان حاظرا مانعا.
و أمّا التواضع فلا يقتضي إظهار القبيح و تصويب الخطإ، إذ 34799 لو كان الأمر على ما توهّمه المجيب 34800 لكان 34801 هو المصيب و المرأة مخطئة، و كيف يتواضع بكلام يوهم أنّه المخطئ و هي المصيبة؟ انتهى.
أقول: و ممّا يدلّ على بطلان كون هذا 34802 الأمر للاستحباب مَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي الْحَدِيدِ 34803 فِي شَرْحِ نَهْجِ الْبَلَاغَةِ أَنَّهُ خَطَبَ فَقَالَ: لَا يَبْلُغُنِي أَنَّ امْرَأَةً تَجَاوَزَ صَدَاقُهَا صَدَاقَ زَوْجَاتِ رَسُولِ اللَّهِ 34804 صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ [وَ آلِهِ] إِلَّا ارْتَجَعْتُ ذَلِكَ مِنْهَا، فَقَامَتْ إِلَيْهِ امْرَأَةٌ فَقَالَتْ: وَ اللَّهِ مَا جَعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ لَكَ 34805 ، إِنَّهُ تَعَالَى يَقُولُ: وَ آتَيْتُمْ إِحْداهُنَّ قِنْطاراً فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً . 34806 .، فَقَالَ عُمَرُ: لَا تَعْجَبُونَ 34807 مِنْ إِمَامٍ أَخْطَأَ وَ امْرَأَةٍ أَصَابَتْ، نَاضَلَتْ إِمَامَكُمْ فَنَضَلَتْهُ! 34808 .
و المناضلة: المغالبة في الرّمي، و نضلته .. أي غلبته فيه 34809 ، فإنّ كراهة
المغالاة لا يقتضي جواز الارتجاع، بل استلزام الحرمة له أيضا محلّ تأمّل.
وَ قَالَ ابْنُ أَبِي الْحَدِيدِ 34810 - أَيْضاً- فِي شَرْحِ غَرِيبِ أَلْفَاظِ عُمَرَ فِي حَدِيثِهِ أَنَّهُ خَطَبَ، فَقَالَ: أَلَا لَا تُغَالُوا فِي صَدَاقِ النِّسَاءِ، فَإِنَّ الرَّجُلَ يُغَالِي بِصَدَاقِ الْمَرْأَةِ حَتَّى يَكُونُ ذَلِكَ لَهَا فِي قَلْبِهِ عَدَاوَةٌ، يَقُولُ جَشِمْتُ إِلَيْكِ عَرَقَ الْقِرْبَةِ 34811 .
قال أبو عبيدة: معناه: تكلّفت لك حتى عرقت عرق القربة، و عرقها:
سيلان مائها.
وَ قَالَ الْفَخْرُ الرَّازِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ 34812 : رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ 34813 قَالَ عَلَى الْمِنْبَرِ: أَلَا لَا تُغَالُوا فِي مُهُورِ نِسَائِكُمْ، فَقَامَتِ امْرَأَةٌ فَقَالَتْ: يَا ابْنَ الْخَطَّابِ! اللَّهُ يُعْطِينَا وَ أَنْتَ تَمْنَعُنَا 34814 ، وَ تَلَتْ 34815 قَوْلَهُ تَعَالَى: وَ آتَيْتُمْ إِحْداهُنَّ قِنْطاراً . 34816 .
الْآيَةَ، فَقَالَ عُمَرُ: كُلُّ النَّاسِ أَفْقَهُ مِنْكَ يَا عُمَرُ! 34817 ، وَ رَجَعَ عَنْ كَرَاهَةِ الْمُغَالاةِ.
ثم قال 34818 : و عندي أنّ الآية لا دلالة فيها على جواز المغالاة 34819 ، لأنّه لا يلزم من جعل الشيء شرطا لآخر 34820 كون ذلك الشرط جائز الوقوع في نفسه، كما يقول 34821 الرجل: لو كان الإله جسما لكان محدثا، انتهى.
و الظاهر أنّه حذف منها ارتجاع المهر دفعا للطعن بذلك، و ليتمكّن من حملها على الكراهة، إلّا 34822 أنّه مع قطع النظر عنه لا يدفع الطعن، فإنّ الآية- بعد تسليم دلالتها على جواز إيتاء القنطار- لا شكّ في عدم دلالتها على نفي كراهة المغالاة، فرجوع عمر عن القول بالكراهة- كما اعترف به- و اعترافه بالخطإ بما تلت 34823 عليه المرأة دليل واضح على جهله، و لو حمل منعه على التحريم لم يظهر جهله بتلك المثابة، و إن كان أفحش في مخالفته الشرع، فظهر أنّ الحمل على الكراهة لا يُسْمِنُ وَ لا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ و الظاهر من رواية ابن أبي الحديد أنّه منع من المغالاة على سبيل الاجتهاد، لظنّه أنّه مثمر للعداوة في قلب الزوج، فرجوعه عن ذلك القول- بعد سماع الآية كما دلّت عليه الروايات- يدلّ على جواز الاجتهاد في مقابلة النصّ، و إلّا لما اعترف بالخطإ و لم يرجع عن قوله، و لو جاز فرجوعه عن اجتهاده 34824 بسماع الآية دليل واضح على جهله، فظهر توجّه الطعن سواء كانت المغالاة مباحة أو محرّمة أو مكروهة.
السابع
: مَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي الْحَدِيدِ 34825 وَ غَيْرُهُ 34826 : أَنَّ عُمَرَ كَانَ يَعُسُ 34827 لَيْلَةً فَمَرَّ بِدَارٍ سَمِعَ فِيهَا صَوْتاً فَارْتَابَ وَ تَسَوَّرَ فَوَجَدَ رَجُلًا عِنْدَهُ امْرَأَةٌ وَ زِقُ 34828 خَمْرٍ، فَقَالَ: يَا عَدُوَّ اللَّهِ! أَ ظَنَنْتَ أَنَّ اللَّهَ يَسْتُرُكَ وَ أَنْتَ عَلَى مَعْصِيَتِهِ؟!. فَقَالَ: لَا تَعْجَلْ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ! إِنْ كُنْتُ أَخْطَأْتُ فِي وَاحِدَةٍ فَقَدْ أَخْطَأْتَ فِي ثَلَاثٍ، قَالَ اللَّهُ: وَ لا تَجَسَّسُوا 34829 وَ تَجَسَّسْتَ، وَ قَالَ: وَ أْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها 34830 وَ قَدْ تَسَوَّرْتَ،
وَ قَالَ: فَإِذا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُوا 34831 وَ مَا سَلَّمْتَ. قَالَ: فَهَلْ عِنْدَكَ مِنْ خَيْرٍ إِنْ 34832 عَفَوْتُ عَنْكَ؟. قَالَ: نَعَمْ- وَ اللَّهِ- لَا أَعُودُ. فَقَالَ: اذْهَبْ فَقَدْ عَفَوْتُ عَنْكَ.
وَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى 34833 : فَلَحِقَهُ الخجل. و قد حكى تلك القصّة في الصراط المستقيم 34834 ، عن الطبري 34835 ، و الرازي، و الثعلبي، و القزويني، و البصري، و عن الراغب في محاضراته، و الغزالي في الإحياء 34836 ، و المالكي في قوت القلوب.
و قال الشيخ الطبرسي رحمه اللّه في مجمع البيان 34837 : وَ رُوِيَ 34838 عَنْ أَبِي قِلَابَةَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ حُدِّثَ أَنَّ أَبَا مِحْجَنٍ الثَّقَفِيَّ يَشْرَبُ الْخَمْرَ فِي بَيْتِهِ هُوَ وَ أَصْحَابُهُ، فَانْطَلَقَ عُمَرُ حَتَّى دَخَلَ عَلَيْهِ، فَإِذَا لَيْسَ عِنْدَهُ إِلَّا رَجُلٌ، فَقَالَ أَبُو الْمِحْجَنِ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ! إِنَّ هَذَا لَا يَحِلُّ لَكَ، قَدْ نَهَاكَ اللَّهُ عَنِ التَّجَسُّسِ!. فَقَالَ عُمَرُ: مَا يَقُولُ هَذَا؟. فَقَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْأَرْقَمِ: صَدَقَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ!. قَالَ: فَخَرَجَ عُمَرُ وَ تَرَكَهُ، وَ خَرَجَ مَعَ 34839 عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَيْضاً 34840 عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ 34841 فَتَبَيَّنَتْ لَهُمَا نَارٌ فَأَتَيَا وَ اسْتَأْذَنَا فَفُتِحَ الْبَابُ فَدَخَلَا، فَإِذَا رَجُلٌ وَ امْرَأَةٌ تُغَنِّي وَ عَلَى يَدِ الرَّجُلِ قَدَحٌ، فَقَالَ عُمَرُ: مَنْ هَذِهِ مِنْكَ؟. قَالَ: امْرَأَتِي.
قَالَ: وَ مَا فِي هَذَا الْقَدَحِ؟. قَالَ: الْمَاءُ، فَقَالَ لِلْمَرْأَةِ مَا الَّذِي تُغَنِّينَ، قَالَتْ: أَقُولُ:
تَطَاوَلَ هَذَا اللَّيْلُ وَ اسْوَدَّ جَانِبُهُ
وَ أَرَّقَنِي إِلَّا حَبِيبٌ أُلَاعِبُهُ
فَوَ اللَّهِ لَوْ لَا خَشْيَةُ اللَّهِ وَ التُّقَى
لَزُعْزِعَ مِنْ هَذَا السَّرِيرِ جَوَانِبُهُ
وَ لَكِنَّ عَقْلِي وَ الْهَوَاءَ 34842 يَكُفُّنِي
وَ أُكْرِمُ بَعْلِي أَنْ تُنَالَ مَرَاكِبُهُ
فَقَالَ 34843 الرَّجُلُ: مَا بِهَذَا أُمِرْنَا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ! قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَ لا تَجَسَّسُوا 34844 ، فَقَالَ عُمَرُ: صَدَقْتَ، وَ انْصَرَفَ 34845 .
و أجيب 34846 بأنّ للإمام أن يجتهد في إزالة المنكر بهذا الجنس من الفعل، و إنّما لحقه الخجل 34847 . لأنّه لم يصادف الأمر على ما ألقي إليه في إقدامهم على المنكر.
و أجاب السيد المرتضى 34848 رضوان اللّه عليه ب: أنّ التجسّس محظور 34849 بالقرآن و السنّة، و ليس للإمام أن يجتهد فيما يؤدّي إلى مخالفة الكتاب و السنة، و قد كان يجب- إن كان هذا عذرا صحيحا- أن يعتذر به إلى من خطّأه في وجهه، و قال له: إنّك أخطأت السنّة من وجوه، فإنّه بمعاذير نفسه أعلم من غيره 34850 ، و تلك الحال حال 34851 تدعو إلى الاحتجاج و إقامة العذر، و كلّ هذا تلزيق و تلفيق. انتهى.