کتابخانه روایات شیعه
بحار الأنوار (ط - بيروت) - ج 1تا15
أصل له قلنا قد قال ذلك أبو علي و هو خطأ لأن تأثيرات المآكل بمجرى العادة على المذاهب الصحيحة إذا لم تكن مضافة إلى الطبائع فهو من فعل الله تعالى فكيف نضيف التخيل الباطل و الاعتقاد الفاسد إلى فعل الله تعالى فأما المستيقظ الذي استشهد به فالكلام فيه و الكلام في النائم واحد و لا يجوز أن نضيف التخيل الباطل إلى فعل الله تعالى في نائم و لا يقظان فأما ما يتخيل من الفاسد و هو غير نائم فلا بد من أن يكون ناقص العقل في الحال و فاقد التمييز بسهو و ما يجري مجراه فيبتدئ اعتقاد الأصل له كما قلناه في النائم.
فإن قيل فما قولكم في منامات الأنبياء ع و ما السبب في صحتها حتى عد ما يرونه في المنام مضاهيا لما يسمعونه من الوحي.
قلنا الأخبار الواردة بهذا الجنس غير مقطوع على صحتها و لا هي مما توجب العلم و قد يمكن أن يكون الله تعالى أعلم النبي بوحي يسمعه من الملك على الوجه الموجب للعلم أني سأريك في منامك في وقت كذا ما يجب أن تعمل عليه فيقطع على صحته من هذا الوجه لا بمجرد رؤيته له في المنام و على هذا الوجه يحمل منام إبراهيم ع في ذبح ابنه و لو لا ما أشرنا إليه كيف كان يقطع إبراهيم ع بأنه متعبد بذبح ولده.
فإن قيل فما تأويل ما يروى عنه ع من قوله من رآني فقد رآني فإن الشيطان لا يتخيل بي و قد علمنا أن المحق و المبطل و المؤمن و الكافر قد يرون النبي ص في النوم و يخبر كل واحد منهم عنه بضد ما يخبر به الآخر فكيف يكون رائيا له في الحقيقة مع هذا.
قلنا هذا خبر واحد ضعيف من أضعف أخبار الآحاد و لا معول على مثل ذلك على أنه يمكن مع تسليم صحته أن يكون المراد به من رآني في اليقظة فقد رآني على الحقيقة لأن الشيطان لا يتمثل بي لليقظان فقد قيل إن الشيطان ربما تمثلت بصورة البشر و هذا التشبيه أشبه بظاهر ألفاظ الخبر لأنه قال من رآني فقد رآني فأثبت غيره رائيا له و نفسه مرئية و في النوم لا رائي له في الحقيقة و لا
مرئي و إنما ذلك في اليقظة و لو حملناه على النوم لكان تقدير الكلام من اعتقد أنه يراني في منامه و إن كان غير راء له على الحقيقة فهو في الحكم كأنه قد رآني و هذا عدول عن ظاهر لفظ الخبر و تبديل لصيغته و هذا الذي رتبناه في المنامات و قسمناه أسد تحقيقا من كل شيء قيل في أسباب المنامات و ما سطر في ذلك معروف غير محصل و لا محقق فأما ما يهذي إليه الفلاسفة في هذا الباب فهو مما يضحك الثكلى لأنهم ينسبون ما صح من المنامات لما أعيتهم الحيل في ذكر سببه إلى أن النفس اطلعت إلى عالمها فأشرفت على ما يكون و هذا الذي يذهبون إليه في حقيقة النفس غير مفهوم و لا مضبوط فكيف إذا أضيف 10909 إليه الاطلاع على عالمها و ما هذا الاطلاع و إلى أي شيء يشيرون بعالم النفس و لم يجب أن تعرف الكائنات عند هذا الاطلاع فكل هذا زخرفة و مخرقة و تهاويل لا يتحصل منها شيء و قول صالح قبة مع أنه تجاهل محض أقرب إلى أن يكون مفهوما من قول الفلاسفة لأن صالحا ادعى أن النائم يرى على الحقيقة ما ليس يراه فلم يشر إلى أمر غير معقول و لا مفهوم بل ادعى ما ليس بصحيح و إن كان مفهوما و هؤلاء عولوا على ما لا يفهم مع الاجتهاد و لا يعقل مع قوة التأمل و الفرق بينهما واضح.
فأما سبب الإنزال فيجب أن يبنى على شيء يحقق سبب الإنزال في اليقظة مع الجماع ليس هذا مما يهذي به أصحاب الطبائع لأنا قد بينا في غير موضع أن الطبع لا أصل له و أن الإحالة فيه على سراب لا يتحصل و إنما سبب الإنزال أن الله تعالى أجرى العادة بأن يخرج هذا الماء من الظهر عند اعتقاد النائم أنه يجامع و إن كان هذا الاعتقاد باطلا 10910 انتهى كلامه قدس الله روحه.
و لنكتف بذكر هذه الأقوال و لا نشتغل بنقدها و تفصيلها و لا بردها و تحصيلها لأن ذلك مما يؤدي إلى التطويل الخارج عن المقصود في الكتاب و لنذكر ما ظهر لنا في هذا الباب من الأخبار المنتمية إلى الأئمة الأخيار ع فهو أن الرؤيا تستند إلى أمور شتى.
فمنها أن للروح في حالة النوم حركة إلى السماء إما بنفسها بناء على تجسمها كما هو الظاهر من الأخبار أو بتعلقها بجسد مثالي إن قلنا به في حال الحياة أيضا بأن يكون للروح جسدان أصلي و مثالي يشتد تعلقها في حال اليقظة بهذا الجسد الأصلي و يضعف تعلقها بالآخر و ينعكس الأمر في حال النوم أو بتوجهها و إقبالها إلى عالم الأرواح بعد ضعف تعلقها بالجسد بنفسها من غير جسد مثالي و على تقدير التجسم أيضا يحتمل ذلك كما يومئ إليه بعض الأخبار بأن يكون حركتها كناية عن إعراضها عن هذا الجسد و إقبالها إلى عالم آخر و توجهها إلى نشأة أخرى و بعد حركتها بأي معنى كانت ترى أشياء في الملكوت الأعلى و تطالع بعض الألواح التي أثبتت فيها التقديرات فإن كان لها صفاء و لعينها ضياء يرى الأشياء كما أثبتت فلا تحتاج رؤياه إلى تعبير و إن استدلت على عين قلبه أغطية أرماد التعلقات الجسمانية و الشهوات النفسانية فيرى الأشياء بصور شبيهة لها كما أن ضعيف البصر و مؤف العين يرى الأشياء على غير ما هي عليه و العارف بعلته 10911 يعرف أن هذه الصورة المشبهة التي اشتبهت عليه صورة لأي شيء فهذا شأن المعبر العارف بداء كل شخص و علته و يمكن أيضا أن يظهر الله عليه الأشياء في تلك الحالة بصور يناسبها لمصالح كثيرة كما أن الإنسان قد يرى المال في نوم بصورة حية و قد يرى الدراهم بصورة عذرة ليعرف أنهما يضران و هما مستقذران واقعا فينبغي أن يتحرز عنهما و يجتنبهما و قد ترى في الهواء أشياء فهي الرؤيا الكاذبة التي لا حقيقة لها و يحتمل أن يكون المراد بما يراه في الهواء ما أنس به من الأمور المألوفة و الشهوات و الخيالات الباطلة و قد مضى ما يدل على هذين النوعين في رواية محمد بن القاسم و رواية معاوية بن عمار و غيرهما.
و منها ما هو بسبب إفاضة الله تعالى عليه في منامه إما بتوسط الملائكة أو بدونه كما يومئ إليه خبر أبي بصير و سعد بن أبي خلف.
و منها ما هو بسبب وسواس الشيطان و استيلائه عليه بسبب المعاصي التي عملها في اليقظة أو الطاعات التي تركها فيها أو الكثافات و النجاسات الظاهرية و الباطنية التي
لوث نفسه بها كما مر في رواية هزع و رواية تارك الزكاة و غيرهما و تدل عليه آية النجوى على بعض الوجوه.
و منها ما هو بسبب ما بقي في ذهنه من الخيالات الواهية و الأمور الباطلة و يومئ إليه خبر ابن أبي خلف و غيره.
و أما ما وراء ذلك مما سبق ذكره و إن كان بعضها محتملا و يمكن تطبيق الآيات و الأخبار عليه لكن لم يدل عليه دليل و التجويز و الإمكان لا يقومان مقام البرهان مع أنه ليس من الأمور التي يجب تحقيقها و الإذعان بكيفيتها.
خاتمة
نورد فيها بعض ما ذكره أرباب التعبير و التأويل و إن لم يكن لأكثرها مأخذ يصلح للتعويل.
قال بعضهم السحاب حكمة فمن ركبه علا في الحكمة و إن أصاب منها شيئا أصاب حكمة و إن خالطه و لم يصب شيئا خالط الحكماء فإن كان في السحاب سواد أو ظلمة أو رياح أو شيء من هيئته العذاب فهو عذاب و إن كان فيه غيث فهو رحمة و السمن و العسل قد يكون مالا في التأويل و قد يكون علما و حكمة روي أن رجلا سأل ابن سيرين قال رأيت كأني ألعق عسلا من جام من جوهر فقال اتق الله و عاود القرآن فقد قرأته ثم نسيته.
و العلو إلى السماء رفعة قال تعالى وَ رَفَعْناهُ مَكاناً عَلِيًّا 10912 و من رأى أنه صعد السماء و دخلها نال شرفا و ذكرا و شهادة.
و الطيران في الهواء عزم سفر أو نيل شرف و قال بعضهم من رأى أنه يطير فإن كان إلى جهة السماء من غير تعريج ناله ضرر و إن غاب في السماء و لم يرجع مات و إن رجع أفاق من مرضه و إن كان يطير عرضا سافر و نال رفعة بقدر طيرانه و إن كان بجناح فهو مال و سلطان يسافر في كنفه و إن كان بغير جناح دل على التعزير في ما
يدخل 10913 فيه و قالوا إن الطيران للشرار دليل ردي و الحبل العهد و الأمان لقوله تعالى وَ اعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً 10914 و اعلم أن التأويل قد يكون بدلالة كتاب أو سنة أو من الأمثال السائرة بين الناس و قد يقع التأويل على الأسماء و المعاني و قد يقع على الضد فالتأويل بدلالة القرآن كالحبل يعبر بالعهد كما مر و السفينة بالنجاة قال تعالى فَأَنْجَيْناهُ وَ أَصْحابَ السَّفِينَةِ 10915 و الخشبة بالنفاق لقوله تعالى كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ 10916 و الحجارة بالقسوة لقوله تعالى أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً 10917 و المرض بالنفاق لقوله فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ 10918 و الماء بالفتنة في حال لقوله لَأَسْقَيْناهُمْ ماءً غَدَقاً لِنَفْتِنَهُمْ 10919 و أكل اللحم الني بالغيبة لقوله أَ يُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً 10920 و دخول الملك محلة أو بلدا أو دارا يصغر عن قدره و ينكر دخول مثله مثلها يعبر بمصيبة و ذل ينال أهله لقوله إِنَّ الْمُلُوكَ إِذا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوها 10921 و البيض بالنساء لقوله كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ 10922 و كذلك اللباس لقوله هُنَّ لِباسٌ لَكُمْ 10923 و استفتاح الباب بالدعاء لقوله إِنْ تَسْتَفْتِحُوا 10924 أي تدعوا.
و التأويل بدلالة الحديث كالغراب بالرجل الفاسق لأن النبي ص سماه فاسقا و الفأرة بالمرأة الفاسقة لأنه ص سماه فويسقة و الضلع بالمرأة
لِقَوْلِهِ ص إِنَّهَا خُلِقَتْ مِنْ ضِلْعٍ أَعْوَجَ.
و القوارير بالنساء
لِقَوْلِهِ ص رُوَيْدَكَ سَوْقاً بِالْقَوَارِيرِ.
و التأويل بالأمثال كالصائغ بالكذاب لقولهم أكذب الناس الصواغون و حفر الحفرة بالمكر لقولهم من حفر حفرة لأخيه وقع فيها قال تعالى وَ لا يَحِيقُ
الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ 10925 و الحاطب بالنمام لقولهم لمن نم و وشى إنه يحطب عليه و فسروا قوله حَمَّالَةَ الْحَطَبِ 10926 بالنميمة و طول اليد بصنائع المعروف لقولهم فلان أطول يدا من فلان و يعبر الرمي بالحجارة و السهم بالقذف لقولهم رمى فلانا بفاحشة قال الله تعالى وَ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ 10927 و غسل اليد باليأس عما يؤمل 10928 لقولهم غسلت يدي عنك و التأويل بالأسامي كمن رأى من يسمى راشدا يعبر بالرشد و سالما بالسلامة
وَ رُوِيَ عَنْ أَنَسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص رَأَيْتُ ذَاتَ لَيْلَةٍ فِيمَا يَرَى النَّائِمُ كَأَنَّا فِي دَارِ عُقْبَةَ بْنِ رَافِعٍ فَأُتِينَا بِرُطَبِ ابْنِ طَابٍ فَأَوَّلْتُ الرِّفْعَةَ لَنَا فِي الدُّنْيَا وَ الْعَافِيَةَ فِي الْآخِرَةِ وَ أَنَّ دِينَنَا قَدْ طَابَ.
و قال ابن سيرين نوى التمر نية السفر و قد يعبر السفرجل بالسفر إذا لم يكن في الرؤيا ما يدل على المرض و السوسن بالسوء لأن أوله سوء إذا عدل به مما ينسب إليه في التأويل.
و التأويل بالمعنى كالأترج يعبر بالنفاق لمخالفة باطنه ظاهره إذا لم يكن في الرؤيا ما يدل على المال و كالورد و النرجس بقلة البقاء إن عدل به عما نسب إليه لسرعة ذهابه و الآس بالبقاء لأنه يدوم روي أن امرأة بالأهواز رأت كأن زوجها ناولها نرجسا و ناول ضرتها آسا فقال المعبر يطلقك و يتمسك بضرتك أ ما سمعت قول الشاعر
ليس للنرجس عهد
إنما العهد للآس .
و أما التأويل بالضد فكما أن الخوف يعبر بالأمن لقوله وَ لَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً 10929 و الأمن بالخوف و البكاء بالفرح إذا لم يكن معه رنة و الضحك بالحزن إلا أن يكون تبسما و الطاعون بالحرب و الحرب بالطاعون و العجلة بالندم و الندم بالعجلة و العشق بالجنون و الجنون بالعشق و النكاح بالتجارة و التجارة بالنكاح و الحجامة بكتبة الصك و الصك بالحجامة و التحول عن المنزل بالسفر
و السفر بالتحول عن المنزل و من هنا أن العطش خير من الري و الفقر من الغنى و المضروب و المجروح و المقذوف أحسن حالا من الفاعل.
و قد يتغير بالزيادة و النقصان كالبكاء إنه فرح و إن كان معه صوت و رنة فمصيبة و في الضحك إنه حزن فإن كان تبسما فصالح و في الجوز مال مكنون فإن سمعت له قعقعة فهو خصومة و الدهن في الرأس زينة فإن سال عن الوجه فهو غم و الزعفران ثناء حسن فإن ظهر له لون فهو مرض أو هم و المريض يخرج من منزله و لا يتكلم فهو موته فإن تكلم برأ و الفأر نساء فإن اختلفت ألوانها إلى البيض و السود فهي الأيام و الليالي و السمك نساء فإذا عرف عددها فإن كثر فغنيمة.