کتابخانه روایات شیعه
بحار الأنوار (ط - بيروت) - ج 1تا15
الأربعاء فإنه يمضي إلى مسجد السهلة ثم ترك الرواح إلى المسجد فسألته عن سبب ذلك فقال خرجت أربعين أربعاء فلما كانت الأخيرة لم يتيسر لي أن أخرج إلى قريب المغرب فمشيت وحدي و صار الليل و بقيت أمشي حتى بقي ثلث الطريق و كانت الليلة مقمرة.
فرأيت أعرابيا على فرس قد قصدني فقلت في نفسي هذا سيسلبني ثيابي فلما انتهى إلي كلمني بلسان البدو من العرب و سألني عن مقصدي فقلت مسجد السهلة فقال معك شيء من المأكول فقلت لا فقال أدخل يدك في جيبك هذا نقل بالمعنى و أما اللفظ دورك يدك لجيبك فقلت ليس فيه شيء فكرر علي القول بزجر حتى أدخلت يدي في جيبي فوجدت فيه زبيبا كنت اشتريته لطفل عندي و نسيته فبقي في جيبي.
ثم قال لي الأعرابي أوصيك بالعود أوصيك بالعود أوصيك بالعود و العود في لسانهم اسم للأب المسن ثم غاب عن بصري فعلمت أنه المهدي ع و أنه لا يرضى بمفارقتي لأبي حتى في ليلة الأربعاء فلم أعد.
الحكاية التاسعة عشرة [تشرّف السيّد محمّد ابن السيّد هاشم الموسويّ النجفيّ المعروف بالهنديّ بزيارته عليه السلام في الحرم العلويّ ليلة ثلاث و عشرين من شهر رمضان]
و قال أدام الله إكرامه رأيت في رواية ما يدل على أنك إذا أردت أن تعرف ليلة القدر فاقرأ حم الدخان كل ليلة في شهر رمضان مائة مرة إلى ليلة ثلاث و عشرين فعملت ذلك و بدأت في ليلة الثلاث و العشرين أقرأ على حفظي بعد الفطور إلى أن خرجت إلى الحرم العلوي في أثناء الليل فلم أجد لي موضعا أستقر فيه إلا أن أجلس مقابلا للوجه مستدبرا للقبلة بقرب الشمع المعلق لكثرة الناس في تلك الليلة.
فتربعت و استقبلت الشباك و بقيت أقرأ حم فبينما أنا كذلك إذ وجدت إلى جنبي أعرابيا متربعا أيضا معتدل الظهر أسمر اللون حسن العينين و الأنف و الوجه مهيبا جدا كأنه من شيوخ الأعراب إلا أنه شاب و لا أذكر هل كان
له لحية خفيفة أم لم تكن و أظن الأول.
فجعلت في نفسي أقول ما الذي أتى بهذا البدوي إلى هذا الموضع و يجلس هذا الجلوس العجمي و ما حاجته في الحرم و أين منزله في هذا الليل أ هو من شيوخ الخزاعة و أضافه بعض الخدمة مثل الكليددار أو نائبه و ما بلغني خبره و ما سمعت به.
ثم قلت في نفسي لعله المهدي ع و جعلت أنظر في وجهه و هو يلتفت يمينا و شمالا إلى الزوار من غير إسراع في الالتفات ينافي الوقار و جلست امرأة قدامي لاصقة بظهرها ركبتي فنظرت إليه متبسما ليراها على هذه الحالة فيتبسم على حسب عادة الناس فنظر إليها و هو غير متبسم و إلي و رجع إلى النظر يمينا و شمالا فقلت أسأله أنه أين منزله أو من هو.
فلما هممت بسؤاله انكمش فؤادي انكماشا تأذيت منه جدا و ظننت أن وجهي اصفر من هذه الحالة و بقي الألم في فؤادي حتى قلت في نفسي اللهم إني لا أسأله فدعني يا فؤادي و عد إلى السلامة من هذا الألم فإني قد أعرضت عما أردت من سؤاله و عزمت على السكوت فعند ذلك سكن فؤادي و عدت إلى التفكر في أمره.
و هممت مرة ثانية بالاستفسار منه و قلت أي ضرر في ذلك و ما يمنعني من أن أسأله فانكمش فؤادي مرة ثانية عند ما هممت بسؤاله و بقيت متألما مصفرا حتى تأذيت و قلت عزمت أن لا أسأله و لا أستفسر إلى أن سكن فؤادي و أنا أقرأ لسانا و أنظر إلى وجهه و جماله و هيبته و أفكر فيه قلبا حتى أخذني الشوق إلى العزم مرة ثالثة على سؤاله فانكمش فؤادي و تأذيت في الغاية و عزمت عزما صادقا على ترك سؤاله و نصبت لنفسي طريقا إلى معرفته غير الكلام معه و هو أني لا أفارقه و أتبعه حيث قام و مشى حتى أنظر أين منزله إن كان من سائر الناس أو يغيب عن بصري إن كان الإمام ع.
فأطال الجلوس على تلك الهيئة و لا فاصل بيني و بينه بل الظاهر أن ثيابي
ملاصقة لثيابه و أحببت أن أعرف الوقت و الساعة و أنا لا أسمع من كثرة أصوات الناس صوت ساعات الحرم فصار في مقابلي رجل عنده ساعة فقمت لأسأله عنها و خطوت خطوة ففاتني صاحب الساعة لتزاحم الناس فعدت بسرعة إلى موضعي و لعل إحدى رجلي لم تفارقه فلم أجد صاحبي و ندمت على قيامي ندما عظيما و عاتبت نفسي عتابا شديدا.
الحكاية العشرون [قصّة العابد الصالح السيّد محمّد العامليّ و تشرّفه بلقاء الحجّة عليه السّلام خارج النجف الأشرف]
قصة العابد الصالح التقي السيد محمد العاملي رحمه الله ابن السيد عباس سلمه الله آل العباس شرف الدين الساكن في قرية جشيث من قرى جبل عامل و كان من قصته أنه رحمه الله لكثرة تعدي الجور عليه خرج من وطنه خائفا هاربا مع شدة فقره و قلة بضاعته حتى أنه لم يكن عنده يوم خروجه إلا مقدارا لا يسوى قوت يومه و كان متعففا لا يسأل أحدا.
و ساح في الأرض برهة من دهره و رأى في أيام سياحته في نومه و يقظته عجائب كثيرة إلى أن انتهى أمره إلى مجاورة النجف الأشرف على مشرفها آلاف التحية و التحف و سكن في بعض الحجرات الفوقانية من الصحن المقدس و كان في شدة الفقر و لم يكن يعرفه بتلك الصفة إلا قليل و توفي رحمه الله في النجف الأشرف بعد مضي خمس سنوات من يوم خروجه من قريته.
و كان أحيانا يراودني و كان كثير العفة و الحياء يحضر عندي أيام إقامة التعزية و ربما استعار مني بعض كتب الأدعية لشدة ضيق معاشه حتى أن كثيرا ما لا يتمكن لقوته إلا على تميرات يواظب الأدعية المأثورة لسعة الرزق حتى كأنه ما ترك شيئا من الأذكار المروية و الأدعية المأثورة.
و اشتغل بعض أيامه على عرض حاجته على صاحب الزمان عليه سلام الله الملك المنان أربعين يوما و كان يكتب حاجته و يخرج كل يوم قبل طلوع الشمس من البلد من الباب الصغير الذي يخرج منه إلى البحر و يبعد عن طرف اليمين
مقدار فرسخ أو أزيد بحيث لا يراه أحد ثم يضع عريضته في بندقة من الطين و يودعها أحد نوابه سلام الله عليه و يرميها في الماء إلى أن مضى عليه ثمانية أو تسعة و ثلاثون يوما.
فلما فعل ما يفعله كل يوم و رجع قال كنت في غاية الملالة و ضيق الخلق و أمشي مطرقا رأسي فالتفت فإذا أنا برجل كأنه لحق بي من ورائي و كان في زي العرب فسلم علي فرددت ع بأقل ما يرد و ما التفت إليه لضيق خلقي فسايرني مقدارا و أنا على حالي فقال بلهجة أهل قريتي سيد محمد ما حاجتك يمضي عليك ثمانية أو تسعة و ثلاثون يوما تخرج قبل طلوع الشمس إلى المكان الفلاني و ترمي العريضة في الماء تظن أن إمامك ليس مطلعا على حاجتك.
قال فتعجبت من ذلك لأني لم أطلع أحدا على شغلي و لا أحد رآني و لا أحد من أهل جبل عامل في المشهد الشريف لم أعرفه خصوصا أنه لابس الكفية و العقال و ليس مرسوما في بلادنا فخطر في خاطري وصولي إلى المطلب الأقصى و فوزي بالنعمة العظمى و أنه الحجة على البرايا إمام العصر عجل الله تعالى فرجه.
و كنت سمعت قديما أن يده المباركة في النعومة بحيث لا يبلغها يد أحد من الناس فقلت في نفسي أصافحه فإن كان يده كما سمعت أصنع ما يحق بحضرته فمددت يدي و أنا على حالي لمصافحته فمد يده المباركة فصافحته فإذا يده كما سمعت فتيقنت الفوز و الفلاح فرفعت رأسي و وجهت له وجهي و أردت تقبيل يده المباركة فلم أر أحدا.
قلت و والده السيد عباس حي إلى حال التأليف و هو من بني أعمام العالم الحبر الجليل و السيد المؤيد النبيل وحيد عصره و ناموس دهره السيد صدر الدين العاملي المتوطن في أصبهان تلميذ العلامة الطباطبائي بحر العلوم أعلى الله مقامهما.
الحكاية الحادية و العشرون [قصّة اخرى للسيّد المذكور و تشرّفه بلقاء الحجّة عليه السّلام عند ما أشرف على الهلاك في زيارته للمشهد الرضوي عليه السّلام]
و حدث السيد الصالح المتقدم ذكره قدس الله روحه قال وردت المشهد المقدس الرضوي عليه الصلاة و السلام للزيارة و أقمت فيه مدة و كنت في ضنك
و ضيق مع وفور النعمة و رخص أسعارها و لما أردت الرجوع مع سائر الزائرين لم يكن عندي شيء من الزاد حتى قرصة لقوت يومي فتخلفت عنهم و بقيت يومي إلى زوال الشمس فزرت مولاي و أديت فرض الصلاة فرأيت أني لو لم ألحق بهم لا يتيسر لي الرفقة عن قريب و إن بقيت أدركتني الشتاء و مت من البرد.
فخرجت من الحرم المطهر مع ملالة الخاطر و قلت في نفسي أمشي على أثرهم فإن مت جوعا استرحت و إلا لحقت بهم فخرجت من البلد الشريف و سألت عن الطريق و صرت أمشي حتى غربت الشمس و ما صادفت أحدا فعلمت أني أخطأت الطريق و أنا ببادية مهولة لا يرى فيها سوى الحنظل و قد أشرفت من الجوع و العطش على الهلاك فصرت أكسر حنظلة حنظلة لعلي أظفر من بينها بحبحب 5921 حتى كسرت نحوا من خمسمائة فلم أظفر بها و طلبت الماء و الكلاء حتى جنني الليل و يئست منهما فأيقنت الفناء و استسلمت للموت و بكيت على حالي.
فتراءى لي مكان مرتفع فصعدته فوجدت في أعلاها عينا من الماء فتعجبت و شكرت الله عز و جل و شربت الماء و قلت في نفسي أتوضأ وضوء الصلاة و أصلي لئلا ينزل بي الموت و أنا مشغول الذمة بها فبادرت إليها.
فلما فرغت من العشاء الآخرة أظلم الليل و امتلأ البيداء من أصوات السباع و غيرها و كنت أعرف من بينها صوت الأسد و الذئب و أرى أعين بعضها تتوقد كأنها السراج فزادت وحشتي إلا أني كنت مستسلما للموت فأدركني النوم لكثرة التعب و ما أفقت إلا و الأصوات قد انخمدت و الدنيا بنور القمر قد أضاءت و أنا في غاية الضعف فرأيت فارسا مقبلا علي فقلت في نفسي إنه يقتلني لأنه يريد متاعي فلا يجد شيئا عندي فيغضب لذلك فيقتلني و لا أقل من أن تصيبني منه جراحة.
فلما وصل إلي سلم علي فرددت عليه السلام و طابت منه نفسي فقال ما لك فأومأت إليه بضعفي فقال عندك ثلاث بطيخات لم لا تأكل منها فقلت لا تستهزأني و دعني على حالي فقال لي انظر إلى ورائك فنظرت فرأيت شجرة بطيخ عليها ثلاث بطيخات كبار فقال سد جوعك بواحدة و خذ معك اثنتين و عليك بهذا الصراط المستقيم فامش عليه و كل نصف بطيخة أول النهار و النصف الآخر عند الزوال و احفظ بطيخة فإنها تنفعك فإذا غربت الشمس تصل إلى خيمة سوداء يوصلك أهلها إلى القافلة و غاب عن بصري.
فقمت إلى تلك البطيخات فكسرت واحدة منها فرأيتها في غاية الحلاوة و اللطافة كأني ما أكلت مثلها فأكلتها و أخذت معي الاثنتين و لزمت الطريق و جعلت أمشي حتى طلعت الشمس و مضى من طلوعها مقدار ساعة فكسرت واحدة منهما و أكلت نصفها و سرت إلى زوال الشمس فأكلت النصف الآخر و أخذت الطريق.
فلما قرب الغروب بدت لي تلك الخيمة و رآني أهلها فبادروا إلي و أخذوني بعنف و شدة و ذهبوا بي إلى الخيمة كأنهم زعموني جاسوسا و كنت لا أعرف التكلم إلا بلسان العرب و لا يعرفون لساني فأتوا بي إلى كبيرهم فقال لي بشدة و غضب من أين جئت تصدقني و إلا قتلتك فأفهمته بكل حيلة شرحا من حالي.
فقال أيها السيد الكذاب لا يعبر من الطريق الذي تدعيه متنفس إلا تلف أو أكله السباع ثم إنك كيف قدرت على تلك المسافة البعيدة في الزمان الذي تذكره و من هذا المكان إلى المشهد المقدس مسيرة ثلاثة أيام اصدقني و إلا قتلتك و شهر سيفه في وجهي.
فبدا له البطيخ من تحت عبائي فقال ما هذا فقصصت عليه قصته فقال الحاضرون ليس في هذا الصحراء بطيخ خصوصا هذه البطيخة التي ما رأينا مثلها أبدا فرجعوا إلى أنفسهم و تكلموا فيما بينهم و كأنهم علموا صدق مقالتي و أن هذه معجزة من الإمام عليه آلاف التحية و الثناء و السلام 5922 فأقبلوا علي و قبلوا
يدي و صدروني في مجلسهم و أكرموني غاية الإكرام و أخذوا لباسي تبركا به و كسوني ألبسة جديدة فاخرة و أضافوني يومين و ليلتين.
فلما كان اليوم الثالث أعطوني عشرة توامين و وجهوا معي ثلاثة منهم حتى أدركت القافلة.
الحكاية الثانية و العشرون [تشرّف العلّامة الحلّيّ بخدمته عليه السّلام في المنام و معجزته عليه السلام في استنساخ كتاب كبير كان يستنسخه العلّامة رضوان اللّه عليه]
السيد الشهيد القاضي نور الله الشوشتري في مجالس المؤمنين في ترجمة آية الله العلامة الحلي قدس سره أن من جملة مقاماته العالية أنه اشتهر عند أهل الإيمان أن بعض علماء أهل السنة ممن تتلمذ 5923 عليه العلامة في بعض الفنون ألف كتابا في رد الإمامية و يقرأ للناس في مجالسه و يضلهم و كان لا يعطيه أحدا خوفا من أن يرده أحد من الإمامية فاحتال رحمه الله في تحصيل هذا الكتاب إلى أن جعل تتلمذه عليه وسيلة لأخذه الكتاب منه عارية فالتجأ الرجل و استحيا من رده و قال إني آليت على نفسي أن لا أعطيه أحدا أزيد من ليلة فاغتنم الفرصة في هذا المقدار من الزمان فأخذه منه و أتى به إلى بيته لينقل منه ما تيسر منه.
فلما اشتغل بكتابته و انتصف الليل غلبه النوم فحضر الحجة ع و قال ولني الكتاب و خذ في نومك فانتبه العلامة و قد تم الكتاب بإعجازه ع 5924 .