کتابخانه روایات شیعه
بحار الأنوار (ط - بيروت) - ج 1تا15
تعالى بقوله وَ جَعَلْنا بَيْنَهُمْ وَ بَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بارَكْنا فِيها قُرىً ظاهِرَةً وَ قَدَّرْنا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيها لَيالِيَ وَ أَيَّاماً آمِنِينَ فقد ورد بطريق أهل البيت ع في تفسيرها أن القرى المباركة آل محمد ع و القرى الظاهرة الرواة عنهم من أهل طريقهم و هم وصلة للعلماء و المتعلمين إلى آخر الزمان إليهم و لا خوف فيها لصحة النقل فالمتمسك بذلك آمن و قد أوردت في هذه الوريقات ثلاث فوائد و عقبتها بخاتمة.
الأولى الإجازة لا تفيد العمل لأن المجاز قد يشتمل على راجح و مرجوح و العمل بالراجح متعين و ترك العمل بالمرجوح كذلك فهي آخر مراتب الرواية و أعمها نفعا و يفيد تسلط المجاز له على رواية ما أجيز له فيه فإن كان كتاب فتوى رواه عن صاحبه و إن كان كتاب رواية رواه إلى الإمام و منه يصل إلى النبي ص و منه يصل إلى الله تعالى و ذلك أن نبينا ص لا يعمل بالاجتهاد لقوله تعالى وَ ما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى و أئمتنا حفظة عنه صلى الله عليه و عليهم أجمعين.
لا يقال لو كان كذلك ما وقع الاختلاف بين الإمامية و لا في رواياتهم مع أنهما موجودان كثيران مشهوران فنقول صحة الطريق لا تدل على إيضاح المعنى بحيث لا يحتمل غيره و لو دل لم يقتض عدم ورود المعارض و كيف و اللغة العربية و دلالتها لا يخلو من اختلاف و المعنى يتوقف على الحقيقة و أيضا فالحكمة اقتضت وجود العموم و الخصوص و الإجمال و البيان و الإطلاق و التقييد و النسخ و هو موجود في الكتاب العزيز مع تواتره عن الله بما لو شكك فيه مشكك ارتد و من هنا قوله تعالى فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ و الذكر رسول الله ص لقوله تعالى الَّذِينَ آمَنُوا قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً رَسُولًا فأهله أهل بيته.
الثانية لا بد في نقل الرواية من صحة الكتاب و من غلطه إذا لم يكن مقروا بعينه و من شهرة أنه لفلان إذا لم ينقل من عدل أنه له و كلا الأمرين شرط في روايته.
إن قلت المعتمد عند الإمامية أن الميت لا قول له فما فائدة رواية مصنفاتهم قلت الفوائد كثيرة منها معرفة الإجماع و الخلاف و التسلط على رواية المسائل
التي لا خلاف فيها فإن الميت لا قول له فيما فيه الخلاف لاعتبار قوله فأما ما لا خلاف فيه فلا يستند القول إليه أصلا بل إلى المذهب إلى غير ذلك من الفوائد.
لا يقال إذا صح الكتاب و تواتر و اشتهر مصنفه جاز نسبته إليه فما فائدة الإجازة فنقول الإجازة تفيد كون المجاز له يروى عنه الكتاب و بين إسناده إليه و روايته عنه فرق فإن ما شرطه الرواية لا يكفي فيه الإسناد و من شروط الاجتهاد إسناد الرواية.
الثالثة رويت عن جماعة ثقات أوثقهم شيخي الشيخ إبراهيم بن الحسن الذراق مشافهة و عن جماعة عنه أوثقهم الشيخ علي بن جعفر بن أبي سميط عن الشيخ إبراهيم بن الحسن الذراق عن الشيخ الأجل علي بن هلال عن شيخه عز الدين الحسن بن يوسف عن شيخه جمال الدين أحمد بن فهد مصنفاته و عنه بالطريق عن شيخه نظام الدين عبد الحميد عن شيخه فخر الدين محمد بن الحسن بن المطهر جميع مصنفاته و عن فخر الدين بالطريق عن والده جمال الدين جميع مصنفاته و عنه بالطريق عن أبي القاسم نجم الدين جميع مصنفاته.
و عن الشيخ أحمد بن فهد بالطريق السابق عن شيخه زين الدين علي بن الحسن الخازن عن الشيخ محمد بن مكي الملقب بالشهيد جميع مصنفاته و عن الشيخ علي بن هلال عمن شهد بثقته عن السيد عميد الدين عبد المطلب بن الأعرج الحسيني عن جمال الدين الحسن بن يوسف بن المطهر.
و اعلم أن فخر الدين محمد بن الحسن ذكر أن له طرقا إلى الصادق ع تزيد على المائة فمنها ما رواه عن والده عن جده يوسف بن المطهر عن السيد أحمد بن يوسف الحسيني عن محمد بن محمد بن علي الحمداني عن السيد فضل الله بن علي الحسني عن عماد الدين أبي الصمصام ذي الفقار بن معبد الحسني عن الشيخ أبي جعفر الطوسي عن المفيد محمد بن محمد بن النعمان عن جعفر بن قولويه عن محمد بن يعقوب الكليني عن محمد بن علي بن محبوب عن محمد بن أحمد العلوي عن العمركي عن علي بن جعفر عن أخيه موسى ع عن جعفر بن محمد ع.
و هذا الطريق بعينه مع باقي الطرق لي إليه ع و لا يخفى إيصال طريقه بالله تعالى لأنه المرجع و لا كون ذلك طريقا إلى موسى بن جعفر و إلى آبائه إلى رسول الله ص.
و قد أجزت للخليفة المذكور رواية جميع ما ذكرت من كتب المصنفين و ما اشتمل عليه كتاب تهذيب الأحكام و الاستبصار و الكافي للكليني من الأحاديث و أيضا ما اشتمل عليه كتاب من لا يحضره الفقيه مع جميع مؤلفات مصنفه محمد بن علي بن بابويه بالطرق التي إلى فخر الدين عن والده مرفوعا بالطريق السابق إلى الطوسي عن المفيد عنه و بطريق آخر يختلف من جده يوسف فإنه عن فخار بن معد الموسوي عن شاذان بن جبرئيل القمي عن العماد الطبري عن أبي علي بن محمد الطوسي عن والده عن المفيد عنه و باقي الطرق إلى الأئمة ع لهذا الشيخ أعني ابن بابويه و غيره هي طرقنا أيضا و هي مسطورة في كتب الأحاديث المذكورة فليرو ذلك لمن شاء و أحب محتاطا في الرواية لي و له دام مجده.
خاتمة قد نظرت فلم أجد إلا الله نافعا و ضارا و الاختيار لا ينافي ذلك قال الله تعالى أَ فَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَ ما بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْئَرُونَ فلا تقصد إلا وجه الله الباقي ليبقى العمل لك ببقائه و لا تنسني من الدعاء و الحمد لله وحده و العذر في الاختصار فعسى أن يتدارك التطويل بعد زمان غير طويل.
صورة إجازة 44 كتبها 12621 خلاصة المجتهدين الشيخ إبراهيم بن سليمان 12622 المذكور للشيخ شمس الدين محمد 12623 بن ترك قدس سرهما.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ الحمد لمن خلق العقل هاديا إلى النجاة من معاضل المشكلات و جعله معصوما من الخطاء و الضلالات فالمتبع له المنقاد لهدايته فائز برضوانه في
الدارين فاضلا ملائكة القدس الأدنين و المؤثر هواه هاو في الأخسرين ناقصا عن مراتب الأسفلين.
أحمده حمد من عرفه للمعقول مسددا و إلى الصواب في المعاش و المال مرشدا و على الطاعات التي كلف بها عباده مسعدا و عن مهاوي المعاصي لعباده بتوفيقه مبعدا.
و أثني عليه ثناء من أشار له إلى بدائع ألطافه و أراه في مطالبه دقائق إسعافه و لم يمنعه من ذلك رؤيته على معاصيه بطول اعتكافه و على نفسه المأمور بصيانتها بفرط إسرافه و أتوكل عليه و أستعينه و أستهديه و أستغفره و أتوب إليه استغفار من علم أنه للعفو و الرحمة خلق العباد.
و أصلي على جميع أنبيائه و رسله خصوصا الهادي لجميع أنواع السداد في المبدإ و المعاد خالص خلاصة الخلصاء و صفوة صفوة الأخلاء سيد ولد آدم محمد المصطفى و على آله القائمين في الخلافة مقامه المهتدين بهداه الهادين إلى إعلامه خصوصا على أخيه بل نفسه في النشأتين نور أنوار الله في المنزلين و إمام أولياء الله في الطاعتين و علة خلق الله في الغايتين إمام الهدى و مصباح الدجى و العروة الوثقى علي المرتضى صلوات الله على محمد و عليه و آلهما عدد ما في علم الله و وفقنا لاتباع آثارهم لقصد وجه الله.
و بعد فإن المحبة القدسية اقتضت ظهور كمالات الحق في النشأة الحسية و أعظمها جمعا و تفضلا الأنفس الإنسية حيث لم يتم لها الكمال الأعلى إلا بجعلها بطبعها نافرة عن الطاعات لتوفر دواعي الشهوة ثم يردعها الحب لباريها عن الاقتراف و تردها المربوبية و الاعتراف فسموا على الملائكة الدائبين على الطاعات من غير انصراف كونها الحق كذلك.
ثم شرع الشرائع الظاهرة فأبان بها ما خفي على العقول من الحكمة الباهرة
و ألهمها ذوي الأنفس الباصرة و الأعين الناظرة و جعلهم النجوم الزاهرة يهدى بهم في ظلمات مدلهمات الدنيا و الآخرة ففاز الفائزون بالاتباع بالنعيم المقيم وَ خَسِرَ هُنالِكَ الْمُبْطِلُونَ بالامتناع فكان مسكنهم الجحيم فبلغ الرسل أوامر الباعث مجدين و بالغوا في النصح مجتهدين و قربوا به الأبعدين و أبعدوا الأقربين فلما توفاهم الله إليه أقام السفراء مقامهم للدلالة عليه فجعل اتباعهم هو الطريق إليه.
و لما تفاوت الخلق في الاقتباس و لم يمكن للسفير المباشرة بلاغ هذا كل فرد من الناس أمر الحق تعالى بحفظ الآثار و الأحاديث الشرعية و الحالات و السير النبوية و أمر من علم أن ينقل إلى من لا يعلم و من فهم أن يفهم من لم يفهم فقال تعالى فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ و قال فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَ لِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ و أكدته الأخبار المتواترة و الآثار المتظافرة
فمن ذلك قول الصادق ع علينا أن نلقي إليكم الأصول و عليكم أن تفرعوا.
و قوله انظروا إلى رجل منكم يعرف شيئا من قضايانا الخبر.
و لا اشتباه في كونه مسيرة السلف الأخيار المشهور لهم بالنجاة من الأئمة الأطهار.
و لما توقف ذلك على الرواية لأنها النهج الموصل إلى الحق و الدراية و السبيل الذي يعرف ما جاءت به الرسل المكرمون و ما بلغته عنهم الأئمة المعصومون و ذلك لما فيها من التسهيل على الطالبين و إزاحة العلل عن المكلفين و لا سبيل إلى ذلك بدون نقل الثقات المرضيين من السلف الماضين إلى الخلف من الأعقاب الباقين تعاطى طلاب التسفير حفظ الرواية ليكون الأدنى متساوية في الدراية و ليعلم أن الله تعالى قد نظر إلى كل فرد من عباده بعين العناية و قبل الشروع في المقصود نقدم مقدمة تشتمل على مسائل.
الأولى اعلم أن من دان بدين النص و العصمة أبطل الاجتهاد إلا في حال الضرورة كغيبة الإمام ع أو بعده مع حضور الواقعة و مع ذلك فليس هو طريقا مستقلا بل يرجع معه إلى السؤال حيث يمكن و إن كان بعده كما هو عادة الصحابة
في وقائعهم كما في قصة عمار في التيمم و غيره فهو الطريق حيث لا معصوم و ليس هو جاريا في جميع المسائل فيها لا نص فيه منها أو ما فيه و لا دلالة فيه أو ما فيه و فيه الدلالة و له معارض صالح للمعارضة في نظر العقلاء.
و هذا السبيل فيه الاستدلال على ما حقق في موضعه من الشرائط من اعتبار دلالة الحديث و عمومه و إجماله و بيانه و إطلاقه و تقييده و عمل الأكثر به و غير ذلك و ما لا نص فيه يعمل فيه بالبراءة الأصلية أو بالاستصحاب أو يتفرعه عن مسألة تصلح أن تكون أصلا له و لها في الحديث أثر أو فتوى أعيان الأصحاب به فإن الظن يغلب بصحته و إنه بسبب و إن خفي لأن أقوالهم كالحجج في الدلالة.
و هذا الباب كله على المستفتي بشرائط الاستفتاء أن يطلب الفتوى من المفتي بشرائط الفتوى و له العمل به ما دام حيا فإذا مات بطل عمله فيه و طلبه من مفت آخر لئلا تكون الحجة في كلام المفتي دون ما شرعه الله إذ قد يطلع المتأخر على وجه من الكتاب و السنة فيه الدلالة أو دلالته أقوى لو لا ذلك لنبذ الكتاب و اتبع فتاوي أهل الاجتهاد و ليس ذلك بطريق النجاة و لا منه في شيء.
فإن لم يوجد مفت رجع إلى ما به يكون المفتي مفتيا فإن لم يكن أو أمكن و لم يتمكن فيه في الحال عمل بنقله عن الميت ساعيا في طلب الحكم من مظانه و هذا الطريق عليه السلف حتى أن السعيد حكى في رسالته ما قال له أبوه جوابا عن العمل بقول الميت أنه أمر حيث لا طريق بالعمل بواجب الاعتقاد و الحديث مشهور مؤلف في المسطور.
فيا ذوي الألباب و طلاب الحق و الصواب أي عذر يبقى لمن أعرض عن طريق الاجتهاد بعد قول إمام المجتهدين و كيف لم يدعه داعي الثواب إلى العمل بقوله أو بما ألفه مما أتعب نفسه في تأليفه و بذل وسعه في تصنيفه بل رضي ببطلانه و أمر بمراجعة ما هو في بداية البدايات بعد تأليفه نهاية النهايات.