کتابخانه روایات شیعه
بحار الأنوار (ط - بيروت) - ج 1تا15
فذهب قارون مغاضبا و اعتزل موسى بأتباعه و جعل موسى يداريه للقرابة التي بينهما و هو يؤذيه في كل وقت و لا يزيد كل يوم إلا كبرا و مخالفة و معاداة لموسى عليه السلام حتى بنى دارا و جعل بابها من الذهب و ضرب على جدرانها صفائح الذهب و كان الملأ من بني إسرائيل يغدون إليه و يروحون فيطعمهم الطعام و يحدثونه و يضاحكونه.
قال ابن عباس ثم إن الله سبحانه و تعالى أنزل الزكاة على موسى عليه السلام فلما أوجب الله سبحانه الزكاة عليهم أبى قارون فصالحه عن كل ألف دينار على دينار و عن كل ألف درهم على درهم و عن كل ألف شاة على شاة و عن كل ألف شيء شيئا ثم رجع إلى بيته فحسبه فوجده كثيرا فلم تسمح بذلك نفسه فجمع بني إسرائيل و قال لهم يا بني إسرائيل إن موسى قد أمركم بكل شيء فأطعتموه و هو الآن يريد أن يأخذ أموالكم فقالوا له أنت كبيرنا و سيدنا فمرنا بما شئت فقال آمركم أن تجيئوا بفلانة البغي فنجعل لها جعلا على أن تقذفه بنفسها فإذا فعلت ذلك خرج عليه بنو إسرائيل و رفضوه فاسترحنا منه فأتوا بها فجعل لها قارون ألف درهم و قيل ألف دينار و قيل طستا من ذهب و قيل حكمها و قال لها إني أمولك 11953 و أخلطك بنسائي على أن تقذفي موسى بنفسك غدا إذا حضر بنو إسرائيل فلما أن كان الغد جمع قارون بني إسرائيل ثم أتى موسى فقال له إن بني إسرائيل قد اجتمعوا ينتظرون خروجك لتأمرهم و تنهاهم و تبين لهم أعلام دينهم و أحكام شريعتهم فخرج إليهم موسى و هم في براح 11954 من الأرض فقام فيهم خطيبا و وعظهم فيما قال 11955 يا بني إسرائيل من سرق قطعنا يده و من افترى جلدناه ثمانين و من زنا و ليست له امرأة جلدناه مائة و من زنا و له امرأة رجمناه حتى يموت فقال له قارون و إن كنت أنت قال و إن كنت أنا قال قارون فإن بني إسرائيل يزعمون أنك فجرت بفلانة قال أنا قال نعم قال ادعوها فإن قالت فهو كما قالت فلما أن جاءت قال لها موسى يا فلانة إنما أنا فعلت لك 11956 ما
يقول هؤلاء و عظم عليها 11957 و سألها بالذي فلق البحر لبني إسرائيل و أنزل التوراة على موسى إلا صدقت فلما ناشدها تداركها الله بالتوفيق و قالت في نفسها لئن أحدث اليوم توبة أفضل من أن أوذي رسول الله فقالت لا كذبوا 11958 و لكن جعل لي قارون جعلا على أن أقذفك بنفسي فلما تكلمت بهذا الكلام سقط في يده قارون 11959 و نكس رأسه و سكت الملأ و عرف أنه وقع في مهلكة و خر موسى ساجدا يبكي و يقول يا رب إن عدوك قد آذاني و أراد فضيحتي و شيني اللهم فإن كنت رسولك فاغضب لي و سلطني عليه فأوحى الله سبحانه أن ارفع رأسك و مر الأرض بما شئت تطعك فقال موسى يا بني إسرائيل إن الله تعالى قد بعثني إلى قارون كما بعثني إلى فرعون فمن كان معه فليثبت مكانه و من كان معي فليعتزل فاعتزلوا قارون و لم يبق معه إلا رجلان ثم قال موسى عليه السلام يا أرض خذيهم فأخذتهم إلى كعابهم ثم قال يا أرض خذيهم فأخذتهم إلى ركبهم ثم قال يا أرض خذيهم فأخذتهم إلى حقوهم ثم قال يا أرض خذيهم فأخذتهم إلى أعناقهم و قارون و أصحابه 11960 في كل ذلك يتضرعون إلى موسى عليه السلام و يناشده قارون الله و الرحم 11961 حتى روي في بعض الأخبار أنه ناشده سبعين مرة و موسى في جميع ذلك لا يلتفت إليه لشدة غضبه ثم قال يا أرض خذيهم فانطبقت عليهم الأرض فأوحى الله سبحانه إلى موسى يا موسى ما أفظك استغاثوا بك سبعين مرة فلم ترحمهم و لم تغثهم أما و عزتي و جلالي لو إياي دعوني مرة واحدة لوجدوني قريبا مجيبا.
قال قتادة ذكر لنا أنه يخسف به كل يوم قامة و أنه يتجلجل فيها و لا يبلغ قعرها إلى يوم القيامة فلما خسف الله تعالى بقارون و صاحبيه أصبحت بنو إسرائيل يتناجون فيما بينهم أن موسى إنما دعا على قارون ليستبد بداره و كنوزه و أمواله فدعا
الله تعالى موسى عليه السلام حتى خسف بداره و أمواله الأرض 11962 و أوحى الله تعالى إلى موسى أني لا أعبد الأرض لأحد بعدك أبدا فذلك قوله تعالى فَخَسَفْنا بِهِ وَ بِدارِهِ الْأَرْضَ فَما كانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَ ما كانَ مِنَ المُنْتَصِرِينَ 11963 .
5- عدة، عدة الداعي رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ خَالِدٍ فِي كِتَابِهِ عَنِ النَّبِيِّ ص قَالَ: لَمَّا صَارَ يُونُسُ إِلَى الْبَحْرِ الَّذِي فِيهِ قَارُونُ قَالَ قَارُونُ لِلْمَلَكِ الْمُوَكَّلِ بِهِ مَا هَذَا الدَّوِيُّ وَ الْهَوْلُ الَّذِي أَسْمَعُهُ قَالَ لَهُ الْمَلَكُ هَذَا يُونُسُ الَّذِي حَبَسَهُ اللَّهُ فِي بَطْنِ الْحُوتِ فَجَالَتْ بِهِ الْبِحَارُ السَّبْعَةُ حَتَّى صَارَتْ بِهِ إِلَى هَذَا الْبَحْرِ فَهَذَا الدَّوِيُّ وَ الْهَوْلُ لِمَكَانِهِ قَالَ أَ فَتَأْذَنُ لِي فِي كَلَامِهِ 11964 فَقَالَ قَدْ أَذِنْتُ لَكَ فَقَالَ لَهُ قَارُونُ يَا يُونُسُ أَ لَا تُبْتَ إِلَى رَبِّكَ فَقَالَ لَهُ يُونُسُ أَ لَا تُبْتَ أَنْتَ إِلَى رَبِّكَ فَقَالَ لَهُ قَارُونُ إِنَّ تَوْبَتِي جُعِلَتْ إِلَى مُوسَى وَ قَدْ تُبْتُ إِلَى مُوسَى وَ لَمْ يَقْبَلْ مِنِّي وَ أَنْتَ لَوْ تُبْتَ إِلَى اللَّهِ لَوَجَدْتَهُ عِنْدَ أَوَّلِ قَدَمٍ تَرْجِعُ بِهَا إِلَيْهِ 11965 .
باب 9 قصة ذبح البقرة
الآيات البقرة وَ إِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قالُوا أَ تَتَّخِذُنا هُزُواً قالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما هِيَ قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ لا فارِضٌ وَ لا بِكْرٌ عَوانٌ بَيْنَ ذلِكَ فَافْعَلُوا ما تُؤْمَرُونَ قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما لَوْنُها قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ صَفْراءُ فاقِعٌ لَوْنُها تَسُرُّ النَّاظِرِينَ قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشابَهَ عَلَيْنا وَ إِنَّا إِنْ شاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ لا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَ لا تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لا شِيَةَ فِيها قالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ فَذَبَحُوها وَ ما كادُوا يَفْعَلُونَ وَ إِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادَّارَأْتُمْ فِيها وَ اللَّهُ مُخْرِجٌ ما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ فَقُلْنا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِها كَذلِكَ يُحْيِ اللَّهُ الْمَوْتى وَ يُرِيكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ تفسير فَادَّارَأْتُمْ أي اختصمتم في شأنها إذ المتخاصمان يدفع بعضهم بعضا أو تدافعتم بأن طرح قتلها كل عن نفسه إلى صاحبه و أصله تدارأتم فأدغمت التاء في الدال و اجتلبت لها همزة الوصل فَقُلْنا اضْرِبُوهُ الضمير للنفس و التذكير على تأويل الشخص أو القتيل بِبَعْضِها أي أي بعض كان و قيل ضرب بفخذ البقرة و قام حيا و قال قتلني فلان ثم عاد ميتا و قيل ضرب بذنبها و قيل بلسانها و قيل بعظم من عظامها و قيل بالبضعة التي بين الكتفين.
1- فس، تفسير القمي أَبِي عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ بَعْضِ رِجَالِهِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ: إِنَّ رَجُلًا مِنْ خِيَارِ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَ عُلَمَائِهِمْ خَطَبَ امْرَأَةً مِنْهُمْ فَأَنْعَمَتْ لَهُ وَ خَطَبَهَا ابْنُ عَمٍّ لِذَلِكَ الرَّجُلِ وَ كَانَ فَاسِقاً رَدِيئاً فَلَمْ يُنْعِمُوا لَهُ فَحَسَدَ ابْنُ عَمِّهِ الَّذِي أَنْعَمُوا لَهُ فَقَعَدَ لَهُ فَقَتَلَهُ غِيلَةً ثُمَّ حَمَلَهُ إِلَى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ فَقَالَ يَا نَبِيَّ اللَّهِ هَذَا ابْنُ عَمِّي فَقَدْ قُتِلَ فَقَالَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ مَنْ قَتَلَهُ قَالَ لَا أَدْرِي وَ كَانَ الْقَتْلُ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ عَظِيماً جِدّاً فَعَظُمَ
ذَلِكَ عَلَى مُوسَى فَاجْتَمَعَ إِلَيْهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ فَقَالُوا مَا تَرَى يَا نَبِيَّ اللَّهِ وَ كَانَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ رَجُلٌ لَهُ بَقَرَةٌ وَ كَانَ لَهُ ابْنٌ بَارٌّ وَ كَانَ عِنْدَ ابْنِهِ سِلْعَةٌ فَجَاءَ قَوْمٌ يَطْلُبُونَ سِلْعَتَهُ وَ كَانَ مِفْتَاحُ بَيْتِهِ تَحْتَ رَأْسِ أَبِيهِ وَ كَانَ نَائِماً وَ كَرِهَ ابْنُهُ أَنْ يُنَبِّهَهُ وَ يُنَغِّصَ عَلَيْهِ نَوْمَهُ فَانْصَرَفَ الْقَوْمُ فَلَمْ يَشْتَرُوا سِلْعَتَهُ فَلَمَّا انْتَبَهَ أَبُوهُ قَالَ لَهُ يَا بُنَيَّ مَا ذَا صَنَعْتَ فِي سِلْعَتِكَ قَالَ هِيَ قَائِمَةٌ لَمْ أَبِعْهَا لِأَنَّ الْمِفْتَاحَ كَانَ تَحْتَ رَأْسِكَ فَكَرِهْتُ أَنْ أُنَبِّهَكَ وَ أُنَغِّصَ عَلَيْكَ نَوْمَكَ قَالَ لَهُ أَبُوهُ قَدْ جَعَلْتُ هَذِهِ الْبَقَرَةَ لَكَ عِوَضاً عَمَّا فَاتَكَ مِنْ رِبْحِ سِلْعَتِكَ وَ شَكَرَ اللَّهُ لِابْنِهِ مَا فَعَلَ بِأَبِيهِ وَ أَمَرَ مُوسَى بَنِي إِسْرَائِيلَ 11966 أَنْ يَذْبَحُوا تِلْكَ الْبَقَرَةَ بِعَيْنِهَا فَلَمَّا اجْتَمَعُوا إِلَى مُوسَى وَ بَكَوْا وَ ضَجُّوا قَالَ لَهُمْ مُوسَى إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً فَتَعَجَّبُوا وَ قَالُوا أَ تَتَّخِذُنا هُزُواً نَأْتِيكَ بِقَتِيلٍ فَتَقُولُ اذْبَحُوا بَقَرَةً فَقَالَ لَهُمْ مُوسَى أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ فَعَلِمُوا أَنَّهُمْ قَدْ أَخْطَئُوا فَقَالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما هِيَ قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ لا فارِضٌ وَ لا بِكْرٌ وَ الْفَارِضُ الَّتِي قَدْ ضَرَبَهَا الْفَحْلُ وَ لَمْ تَحْمِلْ وَ الْبِكْرُ الَّتِي لَمْ يَضْرِبْهَا الْفَحْلُ فَقَالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما لَوْنُها قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ صَفْراءُ فاقِعٌ لَوْنُها أَيْ شَدِيدَةُ الصُّفْرَةِ تَسُرُّ النَّاظِرِينَ إِلَيْهَا قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشابَهَ عَلَيْنا وَ إِنَّا إِنْ شاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ لا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ أَيْ لَمْ تَذَلَّلْ وَ لا تَسْقِي الْحَرْثَ أَيْ لَا تَسْقِي الزَّرْعَ مُسَلَّمَةٌ لا شِيَةَ فِيها أَيْ لَا نُقْطَةَ فِيهَا إِلَّا الصُّفْرَةُ قالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِ هِيَ بَقَرَةُ فُلَانٍ فَذَهَبُوا لِيَشْتَرُوهَا فَقَالَ لَا أَبِيعُهَا إِلَّا بِمِلْءِ جِلْدِهَا ذَهَباً فَرَجَعُوا إِلَى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ فَأَخْبَرُوهُ فَقَالَ لَهُمْ مُوسَى لَا بُدَّ لَكُمْ مِنْ ذَبْحِهَا بِعَيْنِهَا فَاشْتَرَوْهَا بِمِلْءِ جِلْدِهَا ذَهَباً فَذَبَحُوهَا ثُمَّ قَالُوا يَا نَبِيَّ اللَّهِ مَا تَأْمُرُنَا فَأَوْحَى اللَّهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى إِلَيْهِ قُلْ لَهُمُ اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا وَ قُولُوا مَنْ قَتَلَكَ فَأَخَذُوا الذَّنَبَ فَضَرَبُوهُ بِهِ وَ قَالُوا مَنْ قَتَلَكَ يَا فُلَانُ فَقَالَ فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ ابْنُ عَمِّيَ الَّذِي جَاءَ بِهِ وَ هُوَ قَوْلُهُ فَقُلْنا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِها كَذلِكَ يُحْيِ اللَّهُ الْمَوْتى وَ يُرِيكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ 11967 .
بيان: أنعم له أي قال له نعم و الغيلة بالكسر الاغتيال يقال قتله غيلة و هو أن يخدعه و يذهب به إلى موضع فإذا صار إليه قتله و نغص كفرح لم يتم مراده و البعير لم يتم شربه و أنغص الله عليه العيش و نغصه عليه فتنغصت تكدرت قال البيضاوي قصته أنه كان في بني إسرائيل شيخ موسر فقتل ابنه بنو أخيه طمعا في ميراثه و طرحوه على باب المدينة ثم جاءوا يطالبون بدمه فأمرهم الله أن يذبحوا بقرة و يضربوه ببعضها ليحيى فيخبر بقاتله لا فارِضٌ وَ لا بِكْرٌ لا مسنة و لا فتية يقال فرضت البقرة فروضا من الفرض و هو القطع كأنها فرضت سنها و تركيب البكر للأولية و منه البكرة و الباكورة انتهى 11968 .
أقول المعنى الذي ذكره علي بن إبراهيم للفارض لم أعثر عليه و يمكن أن يكون كناية عن غاية كبرها حيث لا تحمل و العوان الوسط بين الصغيرة و الكبيرة قوله فاقِعٌ لَوْنُها أي شديدة صفرة لونها و قيل خالص الصفرة و قيل حسن الصفرة.
وَ رَوَى الْكُلَيْنِيُّ عَنْ عِدَّةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ بَلَغَ بِهِ جَابِرَ الْجُعْفِيِّ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ: مَنْ لَبِسَ نَعْلًا صَفْرَاءَ لَمْ يَزَلْ يَنْظُرُ فِي سُرُورٍ مَا دَامَتْ عَلَيْهِ لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ يَقُولُ صَفْراءُ فاقِعٌ لَوْنُها تَسُرُّ النَّاظِرِينَ 11969 .
قوله بَقَرَةٌ لا ذَلُولٌ قال البيضاوي أي لم تذلل للكراب و سقي الحروث و لا ذلك صفة لبقرة بمعنى غير ذلول و لا الثانية مزيدة لتأكيد الأولى و الفعلان صفتا ذلول كأنه قيل لا ذلول مثيرة و ساقية مُسَلَّمَةٌ سلمها الله من العيوب أو أهلها من العمل أو أخلص لونها من سلم له كذا إذا خلص له لا شِيَةَ فِيها لا لون فيها يخالف لون جلدها و هي في الأصل مصدر وشاه وشيا و شية إذا خلط بلونه لونا آخر وَ ما كادُوا يَفْعَلُونَ لتطويلهم و كثرة مراجعتهم 11970 .
و قال الطبرسي رحمه الله أي قرب أن لا يفعلوا ذلك مخافة اشتهار فضيحة القاتل
و قيل كادوا أن لا يفعلوا ذلك لغلاء ثمنها فقد حكى عن ابن عباس أنهم اشتروها بملء جلدها ذهبا من مال المقتول و عن السدي بوزنها عشر مرات ذهبا و قال عكرمة و ما كان ثمنها إلا ثلاثة دنانير انتهى 11971 .
و قال البيضاوي و لعله تعالى إنما لم يحيه ابتداء و شرط فيه ما شرط لما فيه من التقرب و أداء الواجب و نفع اليتيم و التنبيه على بركة التوكل و الشفقة على الأولاد و أن من حق الطالب أن يقدم قربة و من حق المتقرب أن يتحرى الأحسن و يغالي بثمنه و أن المؤثر في الحقيقة هو الله تعالى و الأسباب أمارات لا أثر لها و أن من أراد أن يعرف أعدى عدوه الساعي في إماتته الموت الحقيقي فطريقه أن يذبح بقرة نفسه التي هي القوة الشهوية حين زال عنها شره الصبا و لم يلحقها ضعف الكبر و كانت معجبة رائقة المنظر غير مذللة في طلب الدنيا مسلمة عن دنسها لا سمة بها من مقابحها بحيث يصل أثره إلى نفسه فيحيا حياة طيبة و يعرب عما به ينكشف الحال و يرتفع ما بين العقل و الوهم من التداري و النزاع 11972 ..