کتابخانه روایات شیعه
بحار الأنوار (ط - بيروت) - ج 1تا15
النُّوشَجَانِ بْنِ البودمردان قَالَ لَمَّا جَلَا الْفُرْسُ عَنِ الْقَادِسِيَّةِ وَ بَلَغَ يَزْدَجَرْدَ بْنَ شَهْرِيَارَ مَا كَانَ مِنْ رُسْتُمَ وَ إِدَالَةِ الْعَرَبِ عَلَيْهِ وَ ظَنَّ أَنَّ رُسْتُمَ قَدْ هَلَكَ وَ الْفُرْسَ جَمِيعاً وَ جَاءَ مُبَادِرٌ وَ أَخْبَرَهُ بِيَوْمِ الْقَادِسِيَّةِ وَ انْجِلَائِهَا عَنْ خَمْسِينَ أَلْفَ قَتِيلٍ خَرَجَ يَزْدَجَرْدُ هَارِباً فِي أَهْلِ بَيْتِهِ وَ وَقَفَ بِبَابِ الْإِيوَانِ وَ قَالَ السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا الْإِيوَانُ هَا أَنَا ذَا مُنْصَرِفٌ عَنْكَ وَ رَاجِعٌ إِلَيْكَ أَنَا أَوْ رَجُلٌ مِنْ وُلْدِي لَمْ يَدْنُ زَمَانُهُ وَ لَا آنَ أَوَانُهُ قَالَ سُلَيْمَانُ الدَّيْلَمِيُّ فَدَخَلْتُ عَلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع فَسَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ وَ قُلْتُ لَهُ مَا قَوْلُهُ أَوْ رَجُلٌ مِنْ وُلْدِي فَقَالَ ذَلِكَ صَاحِبِكُمُ الْقَائِمُ بِأَمْرِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ السَّادِسُ مِنْ وُلْدِي قَدْ وَلَدَهُ يَزْدَجَرْدُ.
فَهُوَ وَلَدُهُ و- منه عن عبد الله بن القاسم البلخي عن أبي سلام الكجي عن عبد الله بن مسلم عن عبد الله بن عمير عن هرمز بن حوران عن فراس عن الشعبي قال إن عبد الملك بن مروان دعاني فقال يا أبا عمرو إن موسى بن نصر العبدي كتب إلي و كان عامله على المغرب يقول بلغني أن مدينة من صفر كان ابتناها نبي الله سليمان بن داود أمر الجن أن يبنوها له فاجتمعت العفاريت من الجن على بنائها و أنها من عين القطر التي ألانها الله لسليمان بن داود و أنها في مفازة الأندلس و أن فيها من الكنوز التي استودعها سليمان و قد أردت أن أتعاطى الارتحال إليها فأعلمني الغلام بهذا الطريق أنه صعب لا يتمطى إلا بالاستعداد من الظهور و الأزواد الكثيرة مع بقاء بعد المسافة و صعوبتها و أن أحدا لم يهتم بها إلا قصر عن بلوغها إلا دارا بن دارا فلما قتله الإسكندر قال و الله لقد جئت الأرض و الأقاليم كلها و دان لي أهلها و ما أرض إلا و قد وطأتها إلا هذه الأرض من الأندلس فقد أدركها دارا بن دارا و إني لجدير بقصدها كي لا أقصر عن غاية بلغها دارا.
فتجهز الإسكندر و استعد للخروج عاما كاملا فلما ظن أنه قد استعد لذلك و قد كان بعث رواده فأعلموا أن موانعا دونها.
فكتب عبد الملك إلى موسى بن نصر يأمره بالاستعداد و الاستخلاف على عمله
فاستعد و خرج فرآها و ذكر أحوالها فلما رجع كتب إلى عبد الملك بحالها و قال في آخر الكتاب فلما مضت الأيام و فنيت الأزواد سرنا نحو بحيرة ذات شجر و سرت مع سور المدينة فصرت إلى مكان من السور فيه كتاب بالعربية فوقفت على قراءته و أمرت بانتساخه فإذا هو شعر
ليعلم المرء ذو العز المنيع و من
يرجو الخلود و ما حي بمخلود
لو أن خلقا ينال الخلد في مهل
لنال ذاك سليمان بن داود
سالت له القطر عين القطر فائضة
بالقطر سنة عطاء غير مصدود
فقال للجن ابنوا لي به أثرا
يبقى إلى الحشر لا يبلى و لا يودي
فصيروه صفاحا ثم هيل له
إلى السماء بأحكام و تجويد
و أفرغ القطر فوق السور منصلتا
فصار أصلب من صماء صيخود
و ثب فيه كنوز الأرض قاطبة
و سوف يظهر يوما غير محدود
و صار في قعر بطن الأرض مضطجعا
مصمدا بطوابيق الجلاميد
لم يبق من بعده للملك سابقة
حتى تضمن رمسا غير أخدود
هذا ليعلم أن الملك منقطع
إلا من الله ذي النعماء و الجود
حتى إذا ولدت عدنان صاحبها
من هاشم كان منها خير مولود
و خصه الله بالآيات منبعثا
إلى الخليقة منها البيض و السود
له مقاليد أهل الأرض قاطبة
و الأوصياء له أهل المقاليد
هم الخلائف اثنتا عشرة حججا
من بعدها الأوصياء السادة الصيد
حتى يقوم بأمر الله قائمهم
من السماء إذا ما باسمه نودي .
فلما قرأ عبد الملك الكتاب و أخبره طالب بن مدرك و كان رسوله إليه بما عاين من ذلك و عنده محمد بن شهاب الزهري قال ما ترى في هذا الأمر العجيب فقال الزهري أرى و أظن أن جنا كانوا موكلين بما في تلك المدينة حفظة لها يخيلون إلى من كان صعدها قال عبد الملك فهل علمت من أمر المنادي من السماء شيئا قال اله عن هذا يا أمير المؤمنين قال عبد الملك كيف ألهو عن
ذلك و هو أكبر أوطاري لتقولن بأشد ما عندك في ذلك ساءني أم سرني.
فقال الزهري أخبرني علي بن الحسين ع أن هذا المهدي من ولد فاطمة بنت رسول الله ص.
فقال عبد الملك كذبتما لا تزالان تدحضان في بولكما و تكذبان في قولكما ذلك رجل منا قال الزهري أما أنا فرويته لك عن علي بن الحسين ع فإن شئت فاسأله عن ذلك و لا لؤم علي فيما قلته لك ف إِنْ يَكُ كاذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَ إِنْ يَكُ صادِقاً يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ فقال عبد الملك لا حاجة لي إلى سؤال بني أبي تراب فخفض عليك يا زهري بعض هذا القول فلا يسمعه منك أحد قال الزهري لك على ذلك.
بيان لا يودي أي لا يهلك و قال الجوهري كل شيء أرسلته إرسالا من رمل أو تراب أو طعام أو نحوه قلت هلته أهيله هيلا فانهال أي جرى و انصب و قال صلت ما في القدح أي صببته و قال صخرة صيخود أي شديدة قوله مصمدا بالصاد المهملة أو بالضاد المعجمة.
قال الجوهري المصمد لغة في المصمت و هو الذي لا جوف له و قال صمد فلان رأسه تصميدا أي شده بعصابة أو ثوب ما خلا العمامة و قال الطابق الآجر الكبير فارسي معرب و الجلاميد جمع الجلمود بالضم هو الصخر و الرمس بالفتح القبر أو ترابه و الأخدود بالضم شق في الأرض مستطيل و الصيد جمع الأصيد الملك و الرجل الذي يرفع رأسه كبرا.
باب 12 ذكر الأدلة التي ذكرها شيخ الطائفة رحمه الله على إثبات الغيبة
قال رحمه الله اعلم أن لنا في الكلام في غيبة صاحب الزمان ع طريقين أحدهما أن نقول إذا ثبت وجوب الإمامة في كل حال و أن الخلق مع كونهم غير معصومين لا يجوز أن يخلو من رئيس في وقت من الأوقات و أن من شرط الرئيس أن يكون مقطوعا على عصمته فلا يخلو ذلك الرئيس من أن يكون ظاهرا معلوما أو غائبا مستورا فإذا علمنا أن كل من يدعى له الإمامة ظاهرا ليس بمقطوع على عصمته بل ظاهر أفعالهم و أحوالهم ينافي العصمة علمنا أن من يقطع على عصمته غائب مستور و إذا علمنا أن كل من يدعى له العصمة قطعا ممن هو غائب من الكيسانية و الناووسية و الفطحية و الواقفة و غيرهم قولهم باطل علمنا بذلك صحة إمامة ابن الحسن و صحة غيبته و ولايته و لا نحتاج إلى تكلف الكلام في إثبات ولادته و سبب غيبته مع ثبوت ما ذكرناه و لأن الحق لا يجوز خروجه عن الأمة.
و الطريق الثاني أن نقول الكلام في غيبة ابن الحسن فرع على ثبوت إمامته و المخالف لنا إما أن يسلم لنا إمامته و يسأل عن سبب غيبته فنكلف جوابه أو لا يسلم لنا إمامته فلا معنى لسؤاله عن غيبة من لم يثبت إمامته و متى نوزعنا في ثبوت إمامته دللنا عليها بأن نقول قد ثبت وجوب الإمامة مع بقاء التكليف على من ليس بمعصوم في جميع الأحوال و الأعصار بالأدلة القاهرة و ثبت أيضا أن من شرط الإمام أن يكون مقطوعا على عصمته و علمنا أيضا أن الحق لا يخرج عن الأمة.
فإذا ثبت ذلك وجدنا الأمة بين أقوال بين قائل يقول لا إمام فما ثبت من وجوب الإمامة في كل حال يفسد قوله و قائل يقول بإمامة من ليس بمقطوع على عصمته فقوله يبطل بما دللنا عليه من وجوب القطع على عصمة الإمام و من ادعى
العصمة لبعض من يذهب إلى إمامته فالشاهد يشهد بخلاف قوله لأن أفعالهم الظاهرة و أحوالهم تنافي العصمة فلا وجه لتكلف القول فيما نعلم ضرورة خلافه و من ادعيت له العصمة و ذهب قوم إلى إمامته كالكيسانية القائلين بإمامة محمد بن الحنفية و الناووسية القائلين بإمامة جعفر بن محمد و أنه لم يمت و الواقفة الذين قالوا إن موسى بن جعفر لم يمت فقولهم باطل من وجوه سنذكرها.
فصار الطريقان محتاجين إلى فساد قول هذه الفرق ليتم ما قصدناه و يفتقران إلى إثبات الأصول الثلاثة التي ذكرناها من وجوب الرئاسة و وجوب القطع على العصمة و أن الحق لا يخرج عن الأمة و نحن ندل على كل واحد من هذه الأقوال بموجز من القول لأن استيفاء ذلك موجود في كتبي في الإمامة على وجه لا مزيد عليه و الغرض بهذا الكتاب ما يختص الغيبة دون غيرها و الله الموفق لذلك بمنه.
و الذي يدل على وجوب الرئاسة ما ثبت من كونها لطفا في الواجبات العقلية فصارت واجبة كالمعرفة التي لا يعرى مكلف من وجوبها عليه أ لا ترى أن من المعلوم أن من ليس بمعصوم من الخلق متى خلوا من رئيس مهيب يردع المعاند و يؤدب الجاني و يأخذ على يد المتقلب و يمنع القوي من الضعيف و أمنوا ذلك وقع الفساد و انتشر الحيل و كثر الفساد و قل الصلاح و متى كان لهم رئيس هذه صفته كان الأمر بالعكس من ذلك من شمول الصلاح و كثرته و قلة الفساد و نزارته و العلم بذلك ضروري لا يخفى على العقلاء فمن دفعه لا يحسن مكالمته و أجبنا عن كل ما يسأل على ذلك مستوفى في تلخيص الشافي و شرح الجمل لا نطول بذكره هاهنا.
و وجدت لبعض المتأخرين كلاما اعترض به كلام المرتضى ره في الغيبة و ظن أنه ظفر بطائل فموه به على من ليس له قريحة و لا بصر بوجوه النظر و أنا أتكلم عليه فقال الكلام في الغيبة و الاعتراض عليها من ثلاثة أوجه.
أحدها أن نلزم الإمامية ثبوت وجه قبح فيها أو في التكليف معها فيلزمهم أن
يثبتوا أن الغيبة ليس فيها وجه قبح لأن مع ثبوت وجه القبح تقبح الغيبة و إن ثبت فيها وجه حسن كما نقول في قبح تكليف ما لا يطاق إن فيه وجه قبح و إن كان فيه وجه حسن بأن يكون لطفا لغيره.
و الثاني أن الغيبة تنقض طريق وجوب الإمامة في كل زمان لأن كون الناس مع رئيس مهيب متصرف أبعد من القبيح لو اقتضى كونه لطفا واجبا في كل حال و قبح التكليف مع فقده لا تنقض بزمان الغيبة لأنا في زمان الغيبة نكون مع رئيس هذه سبيله أبعد من القبيح و هو دليل وجوب هذه الرئاسة و لم يجب وجود رئيس هذه صفته في زمان الغيبة و لا قبح التكليف مع فقده فقد وجد الدليل و لا مدلول و هذا نقض الدليل.
و الثالث أن يقال إن الفائدة بالإمامة هي كونه مبعدا من القبيح على قولكم و ذلك لا يحصل مع وجوده غائبا فلم ينفصل وجوده من عدمه و إذا لم يختص وجوده غائبا بوجه الوجوب الذي ذكروه لم يقتض دليلهم وجوب وجوده مع الغيبة فدليلكم مع أنه منتقض حيث وجد مع انبساط اليد و لم يجب انبساط اليد مع الغيبة فهو غير متعلق بوجود إمام غير منبسط اليد و لا هو حاصل في هذه الحال الكلام عليه أن نقول أما الفصل الأول من قوله إنا نلزم الإمامية أن يكون في الغيبة وجه قبح وعيد منه محض لا يقترن به حجة فكان ينبغي أن يبين وجه القبح الذي أراد إلزامه إياهم لننظر فيه و لم يفعل فلا يتوجه وعيده و إن قال ذلك سائلا على وجه ما أنكرتم أن يكون فيها وجه قبح فإنا نقول وجوه القبح معقولة من كون الشيء ظلما و عبثا و كذبا و مفسدة و جهلا و ليس شيء من ذلك موجودا هاهنا فعلمنا بذلك انتفاء وجود القبح. فإن قيل وجه القبح أنه لم يزح علة المكلف على قولكم لأن انبساط يده الذي هو لطف في الحقيقة و الخوف من تأديبه لم يحصل فصار ذلك إخلالا بلطف المكلف فقبح لأجله.
قلنا قد بينا في باب وجوب الإمامة بحيث أشرنا إليه أن انبساط يده و الخوف من تأديبه إنما فات المكلفين لما يرجع إليهم لأنهم أحوجوه إلى الاستتار بأن أخافوه و لم يمكنوه فأتوا من قبل نفوسهم و جرى ذلك مجرى أن يقول قائل من لم يحصل له معرفة الله تعالى في تكليفه وجه قبح لأنه لم يحصل ما هو لطف له من المعرفة فينبغي أن يقبح تكليفه فما يقولونه هاهنا من أن الكافر أتي من قبل نفسه لأن الله قد نصب له الدلالة على معرفته و مكنه من الوصول إليها فإذا لم ينظر و لم يعرف أتي في ذلك من قبل نفسه و لم يقبح ذلك تكليفه فكذلك نقول انبساط يد الإمام و إن فات المكلف فإنما أتي من قبل نفسه و لو مكنه لظهر و انبسطت يده فحصل لطفه فلم يقبح تكليفه لأن الحجة عليه لا له.
و قد استوفينا نظائر ذلك في الموضع الذي أشرنا إليه و سنذكر فيما بعد إذا عرض ما يحتاج إلى ذكره.
و أما الكلام في الفصل الثاني فهو مبني على ألفاظه و لا نقول إنه لم يفهم ما أورده لأن الرجل كان فوق ذلك لكن أراد التلبيس و التمويه و هو قوله إن دليل وجوب الرئاسة ينتقض بحال الغيبة لأن كون الناس مع رئيس مهيب متصرف أبعد من القبيح لو اقتضى كونه لطفا واجبا على كل حال و قبح التكليف مع فقده ينتقض في زمان الغيبة و لم يقبح التكليف مع فقده فقد وجد الدليل و لا مدلول و هذا نقض.