کتابخانه روایات شیعه
بحار الأنوار (ط - بيروت) - ج 1تا15
زكريّا و داود عليهما السلام.
لأنّا نقول: الحكم بخروجهما عن حكم الأنبياء مخالف لإجماع الأمّة، لانحصارها في الحكم 27795 بالإيراث مطلقا و عدمه مطلقا، فلا محيص عن الحكم بكذب الخبر و طرحه ..
الثالث:
أنّ أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه كان يرى الخبر موضوعا باطلا، و كان عليه السلام لا يرى إلّا الحقّ و الصدق، فلا بدّ من القول بأنّ من زعم أنّه سمع الخبر كاذب.
أمّا الأولى: فلما
رواه مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ 27796 وَ أَوْرَدَهُ فِي جَامِعِ الْأُصُولِ 27797 أَيْضاً عَنْ مَالِكِ بْنِ أَوْسٍ- فِي رِوَايَةٍ طَوِيلَةٍ- قَالَ: قَالَ عُمَرُ لِعَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَ الْعَبَّاسِ .. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ [وَ آلِهِ]: لَا نُورَثُ مَا تَرَكْنَاهُ صَدَقَةٌ، فَرَأَيْتُمَاهُ كَاذِباً آثِماً غَادِراً خَائِناً؟!، وَ اللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُ لَصَادِقٌ بَارٌّ رَاشِدٌ تَابِعٌ لِلْحَقِّ، ثُمَّ تُوُفِّيَ أَبُو بَكْرٍ فَقُلْتُ: أَنَا وَلِيُّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ وَ وَلِيُّ أبو [أَبِي] بَكْرٍ فَرَأَيْتُمَانِي كَاذِباً آثِماً غَادِراً خَائِناً؟!، وَ اللَّهُ يَعْلَمُ إِنِّي لَصَادِقُ بَارٌّ 27798 تَابِعٌ لِلْحَقِّ فَوُلِّيتُهَا.
وَ عَنِ الْبُخَارِيِّ فِي مُنَازَعَةِ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَ الْعَبَّاسِ 27799 فِي ما أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ* صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ مِنْ بَنِي النَّضِيرِ أَنَّهُ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ:
أَنَا وَلِيُّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ، فَقَبَضَهَا فَعَمِلَ فِيهَا بِمَا عَمِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ أَنْتُمَا حِينَئِذٍ- وَ أَقْبَلَ عَلَى عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَ الْعَبَّاسِ- تَزْعُمَانِ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ فِيهَا كَذَا، وَ اللَّهُ يَعْلَمُ أَنَّهُ فِيهَا صَادِقٌ بَارٌّ رَاشِدٌ تَابِعٌ لِلْحَقِّ، وَ كَذَلِكَ زَادَ فِي حَقِ
نَفْسِهِ قَالَ: وَ اللَّهُ يَعْلَمُ أَنِّي فِيهَا صَادِقٌ بَارٌّ رَاشِدٌ تَابِعٌ لِلْحَقِّ.
إلى آخر الخبر 27800 .
- وَ قَدْ رَوَى ابْنُ أَبِي الْحَدِيدِ فِي شَرْحِ نَهْجِ الْبَلَاغَةِ 27801 مِنْ كِتَابِ السَّقِيفَةِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْجَوْهَرِيِّ مِثْلَهُ بِأَسَانِيدَ.
و أما المقدّمة الثانية 27802 ، فلما مرّ و سيأتي من الأخبار المتواترة في أنّ عليّا عليه السلام لا يفارق الحقّ و الحقّ لا يفارقه، بل يدور معه حيث ما دار 27803 .
و يؤيّده روايات السفينة و الثقلين و أضرابها 27804 ..
الرابع:
أنّ فاطمة صلوات اللّه عليها أنكرت رواية أبي بكر و حكمت بكذبه فيها، و لا يجوز الكذب عليها، فوجب كذب الرواية و راويها.
أمّا المقدّمة الأولى، فلمّا مرّ في خطبتها و غيرها و سيأتي من شكايتها في مرضها و غيرها، و قد رووا في صحاحهم أنّها صلوات اللّه عليها انصرفت من عند أبي بكر ساخطة، و ماتت عليه واجدة 27805 ، و قد اعترف بذلك ابن أبي
الحديد 27806 .
و أمّا الثانية، فلما مرّ و سيأتي من عصمتها و جلالتها.
الخامس:
أنّه لو كانت تركة الرسول صلّى اللّه عليه و آله صدقة، و لم يكن لها صلوات اللّه عليها حظّ فيها لبيّن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله الحكم لها، إذ التكليف في تحريم أخذها يتعلّق بها، و لو بيّنه لها لما طلبتها لعصمتها، و لا يرتاب عاقل في أنّه لو كان بيّن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لأهل بيته عليهم السلام أنّ تركتي صدقة لا تحلّ لكم لما خرجت ابنته و بضعته من بيتها مستعدية ساخطة صارخة في معشر المهاجرين و الأنصار، تعاتب إمام زمانها بزعمكم، و تنسبه إلى الجور و الظلم في غصب تراثها، و تستنصر المهاجرة و الأنصار في الوثوب عليه و إثارة الفتنة بين المسلمين، و تهييج الشرّ، و لم تستقرّ بعد أمر الإمارة و الخلافة 27807 ، و قد أيقنت بذلك طائفة من المؤمنين أنّ الخليفة غاصب للخلافة ناصب لأهل الإمامة، فصبّوا عليه اللعن و الطعن إلى نفخ الصور و قيام النشور، و كان ذلك من آكد الدواعي إلى شقّ عصا المسلمين، و افتراق كلمتهم، و تشتّت ألفتهم، و قد كانت تلك النيران تخمدها بيان الحكم لها صلوات اللّه عليها أو لأمير المؤمنين عليه السلام، و لعلّه لا يجسر من أوتي حظّا من الإسلام على القول بأنّ فاطمة صلوات اللّه عليها- مع علمها بأن ليس لها في التركة بأمر اللّه نصيب- كانت تقدم على مثل ذلك الصنيع، أو كان أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه مع علمه بحكم اللّه لم يزجرها عن التظلم و الاستعداء، و لم يأمرها بالقعود في بيتها راضية بأمر اللّه فيها،
و كان ينازع العباس بعد موتها و يتحاكم إلى عمر بن الخطاب، فليت شعري هل كان ذلك الترك و الإهمال لعدم الاعتناء بشأن بضعته التي كانت يؤذيه 27808 ما آذاها، و يريبه ما رابها؟! أو بأمر زوجها و ابن عمّه و أخيه المساوي لنفسه و مواسيه بنفسه؟!، أو لقلّة المبالاة بتبليغ أحكام اللّه و أمر أمّته؟! و قد أرسله اللّه بالحق بشيرا و نذيرا للعالمين ..
السادس:
أنّا مع قطع النظر عن جميع ما تقدّم نحكم قطعا بأنّ مدلول هذا الخبر كاذب باطل، و من أسند إليه هذا الخبر لا يجوز عليه الكذب، فلا بدّ من القول بكذب من رواه و القطع بأنّه وضعه و افتراه.
أمّا المقدّمة الثانية، فغنيّة عن البيان.
و أمّا الأولى، فبيانها أنّه قد جرت عادة الناس قديما و حديثا بالإخبار عن كلّ ما جرى بخلاف المعهود بين كافة الناس و خرج عن سنن عاداتهم، سيّما إذا وقع في كلّ عصر و زمان، و توفّرت الدواعي إلى نقله و روايته، و من المعلوم لكلّ أحد أنّ جميع الأمم- على اختلافهم في مذاهبهم- يهتمون بضبط أحوال الأنبياء عليهم السلام و سيرتهم و أحوال أولادهم و ما يجري عليهم بعد آبائهم، و ضبط خصائصهم و ما يتفرّدون به عن غيرهم، و من المعلوم أيضا أنّ العادة قد جرت من يوم خلق اللّه الدنيا و أهلها إلى زمان انقضاء مدّتها و فنائها بأن يرث الأقربون من الأولاد و غيرهم أقاربهم و ذوي أرحامهم، و ينتفعوا بأموالهم و ما خلّفوه بعد موتهم، و لا شكّ لأحد في أنّ عامّة الناس عالمهم و جاهلهم و غنيّهم و فقيرهم و ملوكهم و رعاياهم يرغبون إلى كلّ ما نسب إلى ذي شرف و فضيلة و يتبرّكون به، و يحرزه الملوك في خزائنهم، و يوصون به لأحبّ أهلهم، فكيف بسلاح الأنبياء و ثيابهم 27809 .
و أمتعتهم؟ أ لا ترى إلى الأعمى إذا أبصر في مشهد من المشاهد المشرّفة أو توهّمت العامّة أنّه أبصر اقتطعوا ثيابه، و تبرّكوا بها، و جعلوها حرزا من كلّ بلاء.
إذا تمهّدت المقدّمات فنقول:
لو كان ما تركه الأنبياء من لدن آدم عليه السلام إلى الخاتم صلّى اللّه عليه و آله صدقة، لقسّمت بين الناس بخلاف المعهود من توارث الآباء و الأولاد و سائر الأقارب، و لا يخلو الحال إمّا أن يكون كلّ نبيّ يبيّن هذا الحكم لورثته بخلاف نبيّنا صلّى اللّه عليه و آله أو يتركون البيان كما تركه صلّى اللّه عليه و آله، فجرى على سنّة الذين خلوا من قبله من أنبياء اللّه عليهم السلام، فإن كان الأوّل فمع أنّه خلاف الظاهر كيف خفي هذا الحكم على جميع أهل الملل و الأديان، و لم يسمعه أحد إلّا أبو بكر و من يحذو حذوه، و لم ينقل أحد أنّ عصا موسى عليه السلام انتقل على وجه الصدقة إلى فلان، و سيف سليمان عليه السلام صار إلى فلان، و كذا ثياب سائر الأنبياء و أسلحتهم و أدواتهم فرّقت بين الناس و لم يكن في ورثة أكثر من مائة ألف نبي قوم ينازعون في ذلك، و إن كان بخلاف حكم اللّه عزّ و جلّ و قد كان أولاد يعقوب عليهم السلام- مع علوّ قدرهم- يحسدون على أخيهم و يلقونه في الجبّ لما 27810 رأوه أحبّهم إليه أو وقعت تلك المنازعة كثيرا، و لم ينقلها أحد في الملل السابقة و أرباب السير- مع شدّة اعتنائهم بضبط أحوال الأنبياء و خصائصهم- و ما جرى بعدهم كما تقدّم.
و إن كان الثاني، فكيف كانت حال ورثة الأنبياء؟ أ كانوا يرضون بذلك و لا ينكرون؟ فكيف صارت ورثة الأنبياء جميعا يرضون بقول القائمين بالأمر مقام الأنبياء و لم يرض [كذا] به سيّدة النساء، أو كانت سنّة المنازعة جارية في جميع الأمم و لم ينقلها أحد ممّن تقدّم و لا ذكر من انتقلت تركات الأنبياء إليهم، إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عُجابٌ !.
و أعجب من ذلك أنّهم ينازعون في وجود النصّ على أمير المؤمنين عليه السلام مع كثرة الناقلين له من يوم السقيفة إلى الآن، و وجود الأخبار في
صحاحهم، و ادّعاء الشيعة تواتر ذلك من أوّل الأمر إلى الآن، و يستندون في ذلك إلى أنّه لو كان حقّا لما خفي ذلك لتوفّر الدواعي إلى نقله و روايته.
فانظر بعين الإنصاف أنّ الدواعي لشهرة أمر خاصّ ليس الشاهد له إلّا قوم مخصوصون من أهل قرن معيّن أكثر أم لشهرة أمر قلّ زمان من الأزمنة من لدن آدم عليه السلام إلى الخاتم صلّى اللّه عليه و آله عن وقوعه فيه، مع أنّه ليس يدعو إلى كتمانه و إخفائه في الأمم السالفة داع، و لم يذكره رجل في كتاب، و لم يسمعه أحد من أهل ملّة.
و لعمري لا أشكّ في أنّ من لزم الإنصاف، و جانب المكابرة و الاعتساف، و تأمّل في مدلول الخبر، و أمعن النظر، يجزم قطعا بكذبه و بطلانه.
و إن كان القسم الثاني
- و هو أن يكون اعتماد أبي بكر في تخصيص الآيات بالخبر من حيث رواية الرواة له دون علمه بأنّه من كلام الرسول صلّى اللّه عليه و آله لسماعه بإذنه.-
فيرد عليه أيضا وجوه من النظر: الأوّل:
أنّ ما ذكره قاضي القضاة 27811 من أنّه شهد بصدق الرواية في أيّام أبي بكر: عمر و عثمان و طلحة و الزبير و سعد و عبد الرحمن باطل غير مذكور في سيرة و رواية من طرقهم و طرق أصحابنا، و إنّما المذكور
فِي رِوَايَةِ مَالِكِ بْنِ أَوْسٍ الَّتِي رَوَوْهَا فِي صِحَاحِهِمْ 27812 أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ لَمَّا تَنَازَعَ عِنْدَهُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَ الْعَبَّاسُ اسْتَشْهَدَ نَفَراً فَشَهِدُوا بِصِدْقِ الرِّوَايَةِ.
، و لنذكر ألفاظ صحاحهم في رواية مالك بن أوس- على اختلافها- حتى يتّضح حقيقة الحال.
رَوَى الْبُخَارِيُ 27813 وَ مُسْلِمٌ 27814 وَ أَخْرَجَهُ الْحُمَيْدِيُّ وَ حَكَاهُ فِي جَامِعِ الْأُصُولِ 27815
فِي الْفَرْعِ الرَّابِعِ مِنْ كِتَابِ الْجِهَادِ مِنْ حَرْفِ الْجِيمِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ: أَرْسَلَ إِلَيَّ عُمَرُ فَجِئْتُهُ حِينَ تَعَالَى النَّهَارُ قَالَ: فَوَجَدْتُهُ فِي بَيْتِهِ جَالِساً عَلَى سَرِيرٍ مُفْضِياً عَلَى رِمَالِهِ 27816 مُتَّكِئاً عَلَى وِسَادَةٍ مِنْ أَدَمٍ، فَقَالَ لِي: يَا مَالِ 27817 ! إِنَّهُ قَدْ دَفَّ أَهْلُ أَبْيَاتِ قَوْمِكَ 27818 ، وَ قَدْ أَمَرْتُ فِيهِمْ بِرَضْخٍ فَخُذْهُ، فَاقْسِمْ 27819 بَيْنَهُمْ.
قَالَ: قُلْتُ: لَوْ أَمَرْتَ بِهَذَا غَيْرِي. قَالَ: خُذْهُ يَا مَالِ. قَالَ: فَجَاءَ يرفاه [يَرْفَأُ] 27820 ، فَقَالَ: هَلْ لَكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فِي عُثْمَانَ وَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَ الزُّبَيْرِ وَ سَعْدٍ؟ فَقَالَ عُمَرُ: نَعَمْ، فَأَذِنَ لَهُمْ، فَدَخَلُوا، ثُمَّ جَاءَ، فَقَالَ: هَلْ لَكَ فِي عَبَّاسٍ وَ عَلِيٍّ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَأَذِنَ لَهُمَا، فَقَالَ الْعَبَّاسُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ اقْضِ بَيْنِي وَ بَيْنَ هَذَا؟
فَقَالَ الْقَوْمُ: أَجَلْ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فَاقْضِ بَيْنَهُمْ وَ ارْحَمْهُمْ 27821 .
قَالَ مَالِكُ بْنُ أَوْسٍ: فَخُيِّلَ إِلَيَّ أَنَّهُمْ قَدْ كَانُوا قَدَّمُوهُمْ لِذَلِكَ، فَقَالَ عُمَرُ:
اتئد [اتَّئِدُوا] 27822 أَنْشُدُكُمْ بِاللَّهِ الَّذِي بِإِذْنِهِ تَقُومُ السَّمَاءُ وَ الْأَرْضُ، أَ تَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ قَالَ: لَا نُورَثُ مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ؟! قَالُوا: نَعَمْ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى الْعَبَّاسِ وَ عَلِيٍّ فَقَالَ: أَنْشُدُكُمَا بِاللَّهِ الَّذِي بِإِذْنِهِ تَقُومُ السَّمَاءُ وَ الْأَرْضُ، أَ تَعْلَمَانِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ قَالَ: لَا نُورَثُ مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ؟ قَالا: