کتابخانه روایات شیعه
بحار الأنوار (ط - بيروت) - ج 1تا15
و استعظامه لما فعله؟! و هل هذا إلّا كرجم المشهود 34987 عليه بالزنا في أنّه لو ظهر للإمام بعد ذلك براءة ساحته لم يجب أن يندم على فعله و يستعظمه، لأنّه وقع صوابا مستحقّا؟.
و أمّا قوله: إن 34988 كان لا يمتنع في الشرع 34989 أن يقام الحدّ على المجنون 34990 و تأوّله الخبر المرويّ على أنّه 34991 يقتضي زوال التكليف دون الأحكام .. فإن أراد أنّه لا يمتنع في العقل أن يقام على المجنون ما هو من جنس الحدّ بغير استخفاف و لا إهانة فذلك صحيح كما يقام على التأديب 34992 ، و أمّا الحدّ في الحقيقة- و هو 34993 الذي يضامه الاستخفاف و الإهانة فلا يقام إلّا على المكلّفين و مستحقّي العقاب، و بالجنون قد زال التكليف فزال 34994 استحقاق العقاب الذي يتبعه الحدّ.
و قوله: لا يمتنع أن يرجع فيما هذا حاله من المشتبه إلى غيره .. فليس هذا من المشتبه الغامض، بل يجب أن يعرفه العوام 34995 فضلا عن العلماء، على أنّا قد بيّنا أنّه 34996 لا يجوز أن يرجع الإمام 34997 في جلي و لا مشتبه من أحكام الدين إلى غيره 34998 .
و قوله: إنّ الخطأ في ذلك لا يعظم فيمنع من صحّة الإمامة .. اقتراح 34999 بغير حجّة، لأنّه إذا اعترف بالخطإ فلا 35000 سبيل للقطع 35001 على أنّه صغير. انتهى كلامه قدّس سرّه.
أقول: و يرد على ما ذكره من أنّ الأمر في حدّ المجنون مقام الاشتباه فلا طعن في جهل عمر به، و أن يرجع فيه إلى غيره .. أنّه لو كانت الشبهة لعمر ما ذكره، لكانت القصّة دليلا على جهله من وجه آخر، و هو أنّه إذا زعم عمر أنّ رفع القلم إنّما يستلزم زوال التكليف دون إجراء الحكم 35002 - كما صرّح به- كيف يكون تذكير أمير المؤمنين عليه السلام إيّاه بالحديث النبويّ دافعا للشبهة، و إنّما النزاع حينئذ في دلالة الخبر على عدم جواز إجراء الحدّ عليه، فرجوع عمر عند سماعه عمّا زعمه دليل واضح على غاية جهله، فإن ذكر الرواية حينئذ ليس إلّا من قبيل إعادة المدّعى.
ثم اعلم أنّ الظاهر من كلام القاضي و غيره في هذا المقام عدم تجويز الخطإ الفاحش على الإمام و إن جوّزوا عليه الخطأ في الاجتهاد، و لعلّهم لم يجوّزوا ذلك لكونه كاشفا عن عدم أهليّة صاحبه 35003 للاجتهاد، إذ ليس أهليّة الاجتهاد غالبا ممّا يقوم عليه دليل سوى الآثار الدالّة عليها، و ظاهر أنّ الأوهام الفاضحة كاشفة عن عدم تلك الأهليّة، فهي معارضة لما يستدلّ به عليها، و لذا تشبّث القاضي في مقام الجواب بكون الأمر في رجم المجنونة مشتبها، و استند إلى عدم دلالة
قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: رُفِعَ الْقَلَمُ عَنِ الْمَجْنُونِ.
على عدم إجراء الحكم، إذ يمكن أن يكون المراد به زوال التكليف فقط، و قد عرفت أنّ ذلك لا يصلح منشأ للاشتباه، لكون
الخطأ حينئذ بالانتهاء عند سماع الخبر من دون إقامة دليل على وجه الدلالة فيه أفحش، فظهر أنّه لا يمكنهم الجواب في هذا المقام بأنّه إنّما كان خطأ عمر من قبيل خطإ المجتهد، و ليس يلحقه بذلك ذنب صغيرا و كبيرا، و لذلك طووا كشحا عمّا هو معقلهم الحصين- بزعمهم- من حديث الاجتهاد، و سلّموا على تقدير علم عمر بجنونها كون الأمر بالرجم خطيئة.
فظهر ضعف ما أجاب به شارح المقاصد 35004 عن الطعن برجم الحامل و المجنونة و منع المغالاة في الصداق من: أنّ الخطأ في مسألة و أكثر لا ينافي الاجتهاد، و لا يقدح في الإمامة، و الاعتراف بالنقصان هضم النفس و دليل على الكمال ..
و ذلك لأنّا لو تنزّلنا عن اشتراط العصمة في الإمام و جوّزنا له الاجتهاد في الأحكام، فلا ريب في أنّ الخطأ الفاحش و الغلط الفاضح مانع عن الإمامة، و إنّما لا يقدح- على فرض الجواز- ما لا يدلّ على الغباوة الكاملة و البلادة البالغة، و عدم استيهال صاحبه لفهم المسائل و استنباط الأحكام و ردّ الفروع إلى الأصول، فإذا تواتر الخبط و ترادفت الزلّة- لا سيّما في الأمور الظاهرة و الأحكام الواضحة- فهل يبقى مجال للشكّ في منعه عن استيهال الاجتهاد و صلوح الإمامة؟ و ليت شعري، من أين هذا اليقين الكامل و الاعتقاد الجازم لهؤلاء القوم باجتهاد إمامهم و بلوغه في العلم حدّ الكمال، مع 35005 ما يرون و يروون في كتبهم من خطبه و خطأه و اعترافه بالزلّة، و العجز موطنا بعد موطن، و مقاما بعد مقام 35006 ، و قد بذلوا مجهودهم في
إظهار فضله فلم يظفروا له على استنباط لطيف و استخراج دقيق في مسألة واحدة يدلّ على جودة قريحته و ذكاء فطرته، و ليس ما رووا عنه إلّا من محاورات العوام و محاضرات الأوغاد و الطغام 35007 .
الحادي عشر:
مَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُ 35008 وَ مُسْلِمٌ 35009 وَ غَيْرُهُمَا 35010 بِعِدَّةِ طُرُقٍ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ وَ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ، قَالَ: اسْتَأْذَنَ أَبُو مُوسَى عَلَى عُمَرَ فَكَأَنَّهُ وَجَدَهُ مَشْغُولًا فَرَجَعَ، فَقَالَ عُمَرُ: أَ لَمْ تَسْمَعْ صَوْتَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَيْسٍ؟، ائْذَنُوا لَهُ، فَدُعِيَ لَهُ 35011 ، فَقَالَ: مَا حَمَلَكَ عَلَى مَا صَنَعْتَ؟. فَقَالَ: إِنَّا كُنَّا نُؤْمَرُ بِهَذَا. فَقَالَ: فَائْتِنِي عَلَى 35012 هَذَا بِبَيِّنَةٍ 35013 أَوْ لَأَفْعَلَنَّ بِكَ 35014 !، فَانْطَلَقَ إِلَى مَجْلِسٍ مِنَ الْأَنْصَارِ، فَقَالُوا: لَا يَشْهَدُ لَكَ إِلَّا أَصَاغِرُنَا 35015 ، فَقَامَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ فَقَالَ: قَدْ كُنَّا نُؤْمَرُ بِهَذَا. فَقَالَ عُمَرُ:
خَفِيَ عَلَيَّ هَذَا مِنْ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ [وَ آلِهِ]، أَلْهَانِي 35016 الصَّفْقُ بِالْأَسْوَاقِ 35017 .
وَ لَا خَفَاءَ فِي أَنَّ مَا خَفِيَ عَلَى عُمَرَ مِنْ ذَلِكَ أَمْرٌ مُتَكَرَّرُ الْوُقُوعِ مِنَ الْعَادَةِ وَ السُّنَنِ الَّتِي كَانَ يَعْلَمُهَا الْمُعَاشِرُونَ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ، فَكَيْفَ خَفِيَ عَلَى هَذَا الرَّجُلِ الَّذِي يَدَّعُونَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ كَانَ يُشَاوِرُهُ فِي الْأُمُورِ وَ يَسْتَمِدُّ بِتَدْبِيرِهِ؟!، فَلَيْسَ هَذَا إِلَّا مِنْ فَرْطِ غَبَاوَتِهِ، أَوْ قِلَّةِ اعْتِنَائِهِ بِأُمُورِ الدِّينِ، أَوِ إِنْكَارِهِ لِأُمُورِ الشَّرْعِ مُخَالَفَةً لِسَيِّدِ الْمُرْسَلِينَ.
الثاني عشر:
مَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي الْحَدِيدِ 35018 ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: حَجَجْنَا مَعَ عُمَرَ أَوَّلَ حَجَّةٍ حَجَّهَا فِي خِلَافَتِهِ، فَلَمَّا دَخَلَ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ، دَنَا مِنَ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ فَقَبَّلَهُ وَ اسْتَلَمَهُ، فَقَالَ: إِنِّي لَأَعْلَمُ أَنَّكَ حَجَرٌ لَا تَضُرُّ وَ لَا تَنْفَعُ 35019 ، وَ لَوْ لَا أَنِّي رَأَيْتُ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ [وَ آلِهِ] قَبَّلَكَ وَ اسْتَلَمَكَ لَمَا قَبَّلْتُكَ وَ لَا اسْتَلَمْتُكَ.
فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلَامُ: بَلَى- يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ- إِنَّهُ لَيَضُرُّ وَ يَنْفَعُ 35020 ، وَ لَوْ عَلِمْتَ تَأْوِيلَ ذَلِكَ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ لَعَلِمْتَ أَنَّ الَّذِي أَقُولُ لَكَ كَمَا أَقُولُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَ إِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَ أَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ
أَ لَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى 35021 ، فَلَمَّا أَشْهَدَهُمْ وَ أَقَرُّوا لَهُ بِأَنَّهُ 35022 الرَّبُّ عَزَّ وَ جَلَّ وَ أَنَّهُمُ الْعَبِيدُ، كَتَبَ مِيثَاقَهُمْ فِي رَقٍّ ثُمَّ أَلْقَمَهُ هَذَا الْحَجَرَ، وَ إِنَّ لَهُ 35023 لَ عَيْنَيْنِ وَ لِساناً وَ شَفَتَيْنِ ، يَشْهَدُ 35024 بِالْمُوَافَاةِ، فَهُوَ أَمِينُ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ فِي هَذَا الْمَكَانِ.
فَقَالَ عُمَرُ: لَا أَبْقَانِيَ اللَّهُ بِأَرْضٍ لَسْتَ بِهَا يَا أَبَا الْحَسَنِ 35025 .
وَ رَوَاهُ الْغَزَالِيُّ فِي كِتَابِ إِحْيَاءِ الْعُلُومِ 35026 .
وَ رَوَى الْبُخَارِيُ 35027 وَ مُسْلِمٌ 35028 فِي 35029 صَحِيحِهِمَا وَ لَمْ يَذْكُرَا تَنْبِيهَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلَامُ إِيَّاهُ.