کتابخانه روایات شیعه
بحار الأنوار (ط - بيروت) - ج 1تا15
مركب من كل تلك الألوان.
و ثالثها أن النفس إذا كانت مشغولة بشيء فربما حضر عند الحس شيء آخر فلا يشعر الحس به البتة كما أن الإنسان عند دخوله على السلطان قد يلقاه إنسان 8976 و يتكلم معه فلا يعرفه و لا يفهم كلامه لما أن قلبه مشغول بشيء آخر و كذا الناظر في المرآة فإنه ربما قصد أن يرى قذاة في عينه فيراها و لا يرى ما هو أكثر 8977 منها إن كان بوجهه أثر أو بجبهته أو بسائر أعضائه التي تقابل المرآة و ربما قصد أن يرى سطح المرآة هل هو مستو أم لا فلا يرى شيئا مما في المرآة إذا عرفت هذه المقدمات سهل عند ذلك تصور كيفية هذا النوع من السحر و ذلك لأن المشعبذ الحاذق يظهر عمل شيء يشغل أذهان الناظرين به و يأخذ عيونهم إليه حتى إذا استفز عنهم 8978 الشغل بذلك الشيء و التحديق نحوه عمل شيئا آخر عملا بسرعة شديدة فيبقى ذلك العمل خفيا لتعلمون 8979 الشيئين أحدهما اشتغالهم بالأمر الأول و الثاني سرعة الإتيان بهذا العمل الثاني و حينئذ يظهر لهم شيء آخر غير ما انتظروه فيتعجبون منه جدا و لو أنه سكت و لم يتكلم بما يصرف الخواطر إلى ضد ما يريد أن يعمل و لم تتحرك النفوس و الأوهام إلى غير ما يريد إخراجه لفطن الناظرون لكل ما يفعله فهذا هو المراد من قولهم إن المشعبذ يأخذ بالعيون لأنه بالحقيقة يأخذ بالعيون إلى غير الجهة التي يحتال و كلما كان أخذه للعيون و الخواطر و جذبه لها إلى سواء 8980 مقصوده أقوى كان أحذق في عمله و كلما كانت الأحوال التي تفيد حس البصر نوعا من أنواع الخلل أشد كان هذا العمل أحسن مثل أن يجلس المشعبذ في موضع مضيء جدا فإن الضوء الشديد يفيد البصر كلالا
و اختلالا و كذا الظلمة الشديدة و كذلك الألوان المشرقة القوية تفيد البصر كلالا و اختلالا و الألوان المظلمة قلما تقف القوة الباصرة على أحوالها فهذا مجامع القول في هذا النوع من السحر.
النوع الخامس من السحر
الأعمال العجيبة التي تطرأ 8981 من تركيب الآلات المركبة على النسب الهندسية تارة و على ضروب الخيلاء 8982 أخرى مثل فارسين يقتتلان فيقتل أحدهما الآخر و كفارس على فرس في يده بوق كلما مضت ساعة من النهار ضرب البوق من غير أن يمسه أحد و منها الصور التي تصورها الروم و أهل الهند حتى لا يفرق الناظر بينها و بين الإنسان حتى يصورونها ضاحكة و باكية و حتى يفرق فيها بين ضحك السرور و ضحك الخجل و ضحك الشامت فهذه الوجوه من لطيف أمور التخائيل 8983 و كان سحر سحرة فرعون من هذا الضرب و من هذا الباب تركيب صندوق الساعات و يندرج في هذا الباب علم جر الأثقال و هو أن يجر ثقيلا عظيما بآلة خفيفة و هذا في الحقيقة لا ينبغي أن يعده من باب السحر لأن لها أسبابا معلومة تعيينية 8984 من اطلع عليها قدر عليها إلا أن الاطلاع عليها لما كان عسرا شديدا لا يصل إليه إلا الفرد بعد الفرد لا جرم عد أهل الظاهر ذلك من باب السحر و من هذا الباب عمل ارجعانوس 8985 الموسيقات 8986 في هيكل أورشليم العتيق عند تجديده إياه
و ذلك أنه اتفق له أن كان مجتازا بفلاة من الأرض فوجد فيها فرخا من فراخ البراصل و البراصل هو طائر عطوف فكان يصفر صفيرا حزينا بخلاف صفير سائر البراصل فكانت البراصل تجيئه بلطائف الزيتون فتطرحها عنده فيأكل بعضها و يفضل بعضها عن حاجته فوقف هذا الموسيقات 8987 هناك و تأمل حال هذا الفرخ و علم أن في صفيره المخالف لصفير البراصل ضربا من التوجع و الاستعطاف حتى رقت له الطيور و جاءته بما يأكله فتلطف لعمل آلة تشبه الصفارة إذا استقبل الريح بها أدت ذلك الصفير و لم يزل يجرب ذلك حتى وثق بها و جاءته البراصل بالزيتون كما كانت تجيء إلى ذلك الفرخ لأنها تظن أن هناك فرخا من جنسها فلما صح له ما أراد أظهر النسك و عمد إلى هيكل أورشليم و سأل عن الليلة التي دفن فيها اسطرحن 8988 الناسك القيم بعمارة ذلك الهيكل فأخبر أنه دفن في أول ليلة من آب فأخذ 8989 صورة من زجاج مجوف على هيئة البرصلة و نصبها فوق ذلك الهيكل و جعل فوق تلك الصورة قبة و أمرهم بفتحها في أول آب فكان يظهر صوت البرصلة بسبب نفوذ الريح في تلك الصورة و كانت البراصل تجيء بالزيتون حتى كانت تمتلئ القبة كل يوم من ذلك الزيتون و الناس اعتقدوا أنه من كرامات ذلك المدفون و يدخل في هذا الباب أنواع كثيرة لا يليق شرحها في هذا الموضع.
النوع السادس من السحر الاستعانة بخواص الأدوية
من أن 8990 يجعل في طعامه بعض الأدوية المُبَلِّدة المزيلة للعقل و الدخن المسكرة نحو دِماغ الحمار إذا تناول الإنسان تبلد عقله و قلت فطنته و اعلم أنه لا سبيل إلى إنكار الخواص فإن أثر المغناطيس مشاهد إلا أن الناس قد أكثروا فيه و خلطوا الصدق بالكذب و الباطل بالحق.
النوع السابع من السحر تعليق القلب
و هو أن يدعي الساحر أنه قد عرف الاسم الأعظم و أن الجن يطيعونه و ينقادون له في أكثر الأمور فإذا اتفق أن كان السامع لذلك ضعيف العقل قليل التميز اعتقد أنه حق و تعلق قلبه بذلك و حصل في نفسه نوع من الرعب و المخافة فإذا حصل الخوف ضعفت القوى الحساسة فحينئذ يتمكن الساحر من أن يفعل حينئذ ما شاء و إن من جرب الأمور و عرف أحوال العالم 8991 علم أن لتعلق القلب أثرا عظيما في تنفيذ الأعمال و إخفاء الأسرار.
النوع الثامن من السحر السعي بالنميمة و التضريب من وجوه خفية لطيفة
و ذلك شائع في الناس فهذا جملة الكلام في أقسام السحر و شرح أنواعه و أصنافه و الله أعلم.
المسألة الحادية عشر 8992 في أقوال المسلمين
أن هذه الأنواع هل هي ممكنة أم لا أما المعتزلة فقد اتفقوا على إنكارها إلا النوع المنسوب إلى التخيل و المنسوب إلى إطعام بعض الأدوية المبلدة و المنسوب إلى التضريب و النميمة و أما الأقسام الخمسة الأول فقد أنكروها و لعلهم كفروا من قال بها و جوز وجودها و أما أهل السنة فقد جوزوا أن يقدر الساحر على أن يطير في الهواء و يقلب الإنسان حمارا و الحمار إنسانا إلا أنهم قالوا إن الله تعالى هو الخالق لهذه الأشياء عند ما يقرأ الساحر رقى مخصوصة و كلمات معينة فأما أن يكون المؤثر في ذلك هو الفلك و النجوم فلا و أما الفلاسفة و المنجمون و الصابئة فقولهم على ما سلف تقريره.
و احتج أصحابنا على فساد قول الصابئة أنه قد ثبت أن العالم محدث فوجب أن يكون موجودة قادرا فإن الشيء الذي حكم العقل بأنه مقدوره إنما يصح أن يكون مقدورا له لكونه ممكنا و الإمكان قدر مشترك بين كل الممكنات فإذن كل الممكنات مقدور لله و لو وجد شيء من تلك المقدورات بسبب آخر يلزم أن
يكون ذلك السبب مزيلا لتعلق قدرة الله تعالى بذلك المقدور فيكون الحادث سببا لعجز الله و هو محال فثبت أنه يستحيل وقوع شيء من الممكنات إلا بقدرة الله و عنده يبطل كل ما قاله الصابئة.
قالوا إذا ثبت هذا النوع فندعي أنه لا يمتنع وقوع هذه الخوارق بإجراء العادة عند سحر السحرة فقد احتجوا 8993 على وقوع هذا النوع من السحر بالقرآن و الخبر أما القرآن فقوله تعالى في هذه الآية وَ ما هُمْ بِضارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ و الاستثناء يدل على حصول الآثار بسببه و أما الأخبار 8994 فأحدها ما روي أنه ع سحر و أن السحر عمل فيه حتى قال إنه ليخيل إلي أني أقول الشيء و أفعله و لم أقله و لم أفعله و إن امرأة يهودية سحرته و جعلت ذلك السحر تحت راعوفة البئر فلما استخرج ذلك زال عن النبي ص ذلك العارض و نزلت 8995 المعوذتان بسببه.
و ثانيها أن امرأة أتت عائشة فقالت لها إني ساحرة فهل لي من توبة فقالت و ما سحرك فقالت صرت إلى الموضع الذي فيه هاروت و ماروت ببابل أتعلم علم السحر 8996 فقالا لي يا أمة الله لا تختاري عذاب الآخرة بأمر الدنيا فأبيت فقالا لي اذهبي فبولي على ذلك الرماد فذهبت لأبول عليه ففكرت في نفسي فقلت لا فعلت 8997 و جئت إليهما فقلت قد فعلت فقالا لي ما رأيت لما فعلت فقلت ما رأيت شيئا فقالا لي أنت على رأس أمرك فاتقي الله و لا تفعلي فأبيت فقالا لي اذهبي فافعلي فذهبت ففعلت فرأيت كأن فارسا مقنعا بالحديد قد خرج من فرجي فصعد إلى السماء فجئتهما فأخبرتهما فقالا
إيمانك قد خرج عنك فقد أحسنت السحر فقلت و ما هو قالا لا تريدين شيئا فتصورينه في وهمك إلا كان فصورت في نفسي حبا من حنطة فإذا أنا بحب فقلت انزرع فانزرع فخرج من ساعته سنبلا فقلت انطحن فانطحن فقلت انخبز فانخبز و أنا لا أريد شيئا أصوره في نفسي إلا حصل فقالت عائشة ليست لك توبة.
و ثالثها ما يذكرونه من الحكايات الكثيرة في هذا الباب و هي مشهورة أما المعتزلة فقد احتجوا على إنكاره بوجوه أحدها قوله تعالى وَ لا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتى و ثانيها قوله تعالى في صفة محمد ص وَ قالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُوراً و لو صار ص مسحورا لما استحقوا الذم بسبب هذا القول و ثالثها أنه لو جاز ذلك من الساحر فكيف يتميز المعجز من السحر ثم قالوا هذه الدلائل يقينية و الأخبار التي ذكرتموها من باب الآحاد فلا تصلح معارضة لهذه الدلائل.
المسألة الثانية عشر 8998 في أن العلم بالسحر ليس بقبيح و لا محظور
اتفق المحققون على ذلك لأن العلم لذاته شريف و أيضا لعموم قوله تعالى هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ و لأن السحر لو لم 8999 يعلم لما أمكن الفرق بينه و بين المعجز و العلم بكون المعجز معجزا واجب و ما يتوقف الواجب عليه فهو واجب فهذا يقتضي أن يكون تحصيل العلم بالسحر واجبا و ما يكون واجبا كيف يصير حراما و قبيحا.
المسألة الثالثة عشر 9000 في أن الساحر هل يكفر أم لا
اختلف الفقهاء في أن الساحر هل يكفر أم لا
رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ ص أَنَّهُ قَالَ: مَنْ أَتَى كَاهِناً أَوْ عَرَّافاً فَصَدَّقَهُمَا بِقَوْلٍ فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ.
و اعلم أنه لا نزاع بين الأمة في أن
من اعتقد أن الكواكب هي المدبرة لهذا العالم و هي الخالقة لما فيه من الحوادث و الخيرات و الشرور فإنه يكون كافرا على الإطلاق و هذا هو النوع الأول من السحر و أما النوع الثاني و هو أن يعتقد أنه قد يبلغ روح الإنسان في التصفية و القوة إلى حيث يقدر بها على إيجاد الأجسام و الحياة و القدرة و تغيير البنية و الشكل فالأظهر إجماع الأمة أيضا على تكفيره أما النوع الثالث و هو أن يعتقد الساحر أنه قد يبلغ في التصفية و قراءة الرقي و تدخين بعض الأدوية إلى حيث يخلق الله تعالى في عقب أفعاله على سبيل العادة الأجسام و الحياة و القدرة 9001 و تغيير البنية و الشكل فهنا المعتزلة اتفقوا على تكفير من يجوز ذلك قالوا لأنه مع هذا الاعتقاد لا يمكنه أن يعرف صدق الأنبياء و الرسل و هذا ركيك من القول فإن لقائل أن يقول إن الإنسان لو ادعى النبوة و كان كاذبا في دعواه فإنه لا يجوز من الله تعالى إظهار هذه الأشياء على يده لئلا يحصل التلبيس أما إذا لم يدع النبوة و ظهرت هذه الأشياء على يده لم يفض ذلك إلى التلبيس لأن المحق يتميز عن المبطل بما أن المحق تحصل له هذه الأشياء مع ادعاء النبوة و أما سائر الأنواع التي عددناه من السحر فلا شك أنه ليس بكفر.
فإن قيل إن اليهود لما أضافوا السحر إلى سليمان قال الله تعالى تنزيها عنه وَ ما كَفَرَ سُلَيْمانُ و هذا يدل على أن السحر على الإطلاق كفر و أيضا قال وَ لكِنَّ الشَّياطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ و هذا أيضا يقتضي أن يكون السحر على الإطلاق كفرا و حكي عن الملكين أنهما لا يعلمان أحدا السحر حَتَّى يَقُولا إِنَّما نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ و هو يدل على أن السحر كفر على الإطلاق.
قلنا حكاية الحال يكفي في صدقها صورة واحدة فنحملها على سحر من يعتقد إلهية النجوم ..